- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل و الوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العمل الصالح علة وجود الإنسان في الدنيا :
أيها الأخوة الكرام؛ أخ كريم دخل في المدينة المنورة إلى الحجرة الشريفة - إلى الداخل- فقرأ حديث لرسول الله صلى الله عليه وسلم، نصه: " أفضل المعروف إغاثة الملهوف " لذلك حينما تقع مأساة في بلد ما من بلاد المسلمين، أنا أقول: ألا تستطيع أيها الأخ المسلم أن تقتطع من مالك مبلغاً ترسله في قناة نظيفة آمنة بعد البحث عنها إلى إخوتك الذين أصابهم ما أصابهم؟ لقد هدمت بيوتهم، ودمرت ممتلكاتهم، وجرفت مساكنهم، وأتلفت أبنيتهم، وقتل رجالهم وشبابهم، وسيق أبناؤهم إلى السجون والمعتقلات، وقطع عنهم الكهرباء فتلفت مدخراتهم الغذائية، وقطعت عنهم المياه فشربوا المياه المالحة، أتهنأ في حياتك وأنت معافى في أهلك وولدك، آمناً في بيتك، عندك قوت يومك، وأخوتك يعانون ما يعانون؟ تسمع بأذنك أخبارهم، وترى بعينيك أحوالهم، إنك إن لم تحمل همهم، ولم تتحرك نحوهم، فأنت لست من المسلمين، من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، فلذلك المسلمون وحدة كاملة، يجب أن نسلم بشكل أو بآخر بأية نكبة ألمت بنا، نسلم بالدعاء، نسلم بالمال، نسلم بالمعونة العينية، فالطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، بل إن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، بل إن علّة وجودك في الدنيا بعد الإيمان بالله العمل الصالح، والدليل الإنسان حينما يأتي أجله يقول:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
فأنت حينما تعمل عملاً صالحاً و تتوهم إنك تعمله أو لا تعمله، هذا خطأ كبير، يجب أن تعلم علم اليقين أن علة وجودك في الدنيا العمل الصالح، بل إن العمل الصالح ثمن الجنة، قال تعالى:
﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى *وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى *وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى﴾
الإنسان كائن متحرك تحركه حاجات ثلاث :
الآن يوجد في الأرض سبعة مليارات إنسان، كل إنسان من هؤلاء يتحرك، الإنسان كائن متحرك فما الذي يحركه؟! حاجته إلى الطعام والشراب حفاظاً على بقاء جسمه حياً، ما الذي يحركه؟! الحاجة إلى الجنس أي إلى الزواج حفاظاً على بقاء النوع من دون أن يشعر، ما الذي يحركه؟! الحفاظ على بقاء الفكر، التفوق، عند علماء النفس تأكيد الذات، تأكل من أجل أن تحافظ على وجودك كإنسان، تتزوج ومن دون أن تشعر من أجل المحافظة على بقاء النوع، ثم تعمل عملاً صالحاً من أجل أن تحافظ على بقاء الفكر، فأنت في الطعام والشراب تحافظ، وفي الزواج تحافظ، وفي العمل الصالح تحافظ، وكل هذه الحاجات الثلاث من أصل هذا الدين العظيم، فلذلك:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
والله سمعت أن إنساناً عنده بيت واسع جداً، وله حديقة، فحفر قبراً في البيت، وكان يجلس كل خميس في هذا القبر و يتلو قوله تعالى:
﴿ رَبِّ ارْجِعُونِي* لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾
ويخاطب نفسه ويقول: قومي لقد أرجعتك!!
عظمة هذا الدين أن المسلمين أمة واحدة :
مرة مرّ النبي الكريم بقبر فقال:
(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))
يوجد شركات عملاقة ميزانيتها أكبر من ميزانيات دول:
(( صاحب هذا القبر إلى ركعتين مما تحقرون من تنفلكم خير له من كل دنياكم))
أي عظمة هذا الدين أن المسلمين أمة واحدة، الشيء العجيب أن في بلاد الغرب من كم قومية يتألفون؟! ومن كم أمة؟! ومن كم بلد؟! ومن كم عاصمة؟! تتجول في أوروبا كلها وكأنها بلد واحد، هؤلاء الطرف الآخر، لا يجمع بينهم لا دين ولا عرق ولا آلام ولا آمال، كل هذا الذي نحن نذكره كأمة عندهم مفقود، ومع ذلك استطاعوا أن يجعلوا من بلادهم بلداً واحداً في تجارتهم وحركتهم.
فيا أيها الأخوة؛ نحن أولى أن نجعل من هذه الأمة أمة واحدة، وأن نعين هذه الأمة على بلوغ أهدافها، ومن هنا - والكلام دقيق - الحقيقة المرة أفضل ألف مرة من الوهم المريح، من لا يهتم بأمر المسلمين فليس منهم، والله أحياناً الإنسان يبكي على الشاشة، يبكي مما في البلاد، هؤلاء مسلمون!! هؤلاء أخوانه، ألا يمكن أن أتعاطف معهم؟ أن أقدم لهم شيئاً؟
علة خيرية هذه الأمة الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر :
بالمناسبة الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، مليون طريق إلى الله. أنت عندما تقرأ هذه الآية، ماذا تفهم منها؟
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ﴾
قال علماء التفسير
﴿ كُنْتُمْ ﴾
في هذه الآية بمعنى أصبحتم، أي أصبحتم بهذه الرسالة أيها العرب خير أمة أخرجت للناس، لكن ما علة هذه الخيرية؟ لها علة:
﴿ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾
بربكم لو أن أمة اليوم لم تأمر بالمعروف ولم تنه عن المنكر فماذا بقي من أمتها؟! فقدت خيريتها، لأن علة الخيرية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا باب عظيم للخير، لذلك يجب أن نأمر بالمعروف بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر بدون منكر.
هناك بحث طويل يعالج في وقت لاحق خصائص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لأن هذه الخصائص علة خيريتنا، ورد في بعض الآثار النبوية:
((كيف بكم إذا لمْ تأمروا بالمعروفِ ولم تَنْهَوْا عن المنكر؟ ))
كأن الصحابة صعقوا!
(( قالوا: يا رسول الله، وإنَّ ذلك لكائن؟ قال: نعم وأشدُ، كيف بكم إذا أمرتُم بالمنكر ونهيُتم عن المعروف؟ قالوا: يا رسول الله وإنَّ ذلك لكائن؟ قال : نعم، وأَشدُّ منه سيكون - صعقوا ثانية، الشيء الثالث صعب جداً- قالوا: وما أشد منه؟ قال: كيف بكم إذا رأيتُمُ المعروفَ منكراً والمنكرَ معروفاً ))
تبدل القيم أخطر شيء في حياتنا :
إن أخطر شيء في حياتنا تبدل القيم، في عهد سيدنا عمر هجا شاعر إنساناً:
دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي
***
نقاد الأدب عدوا هذا البيت أهجى بيت قالته العرب، هذا البيت الذي يعد أهجى بيت قالته العرب ودخل الرجل السجن لأجله هو شعار كل إنسان الآن.
الفطرة و الصبغة :
لذلك من أروع ما يفهم من قوله تعالى:
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ﴾
ما هو المعروف؟ المعروف الذي تعرفه الفطر السليمة ابتداء دون تعليم، فأنت مبرمج، مولف، مفطور على المعروف، أنت مبرمج على أن تحب المعروف، وأنت مبرمج أو مولف أو مفطور على أن تكره المنكر، فإذا علمت المعروف اطمأنت نفسك، إذا رجع العبد العاص إلى الله، نادى مناد في السموات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله، والله حينما نصطلح مع الله دخلنا في تطابق حركتنا مع فطرتنا، ما سبب هذه السعادة؟ أنت مبرمج، مولف، مفطور على منهج الله، فإذا اصطلحت مع الله وطبقت منهج الله فأنت اصطلحت مع فطرتك، واصطلحت مع نفسك، فهذه السعادة التي لا توصف جاءت من هذا الصلح الذي تم بينك وبين فطرتك.
الفطرة لا تعني أنك خير، لكن تعني أنك تحب الطيب، الفطرة لا تعني أنك لست شريراً، لا، لكن الفطرة تعني أنك تكره الشر، أحياناً الذين يسرقون، كيف يقتسمون السرقة؟ بالعدل، مكارم الأخلاق فطرة، لكن أن تتكرم بهذه المكارم صبغة، قال تعالى:
﴿ صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنْ اللَّهِ صِبْغَةً ﴾
الصبغة أن تكون خيراً، أن تكون كريماً، أن تحب الكرم فطرة، أن تكون كريماً صبغة، أن تحب العدل فطرة، أن تكون عادلاً صبغة، فرق كبير، فالإنسان بعد أطوار من الإيمان يصطبغ بكمال الله، أما قبل ذلك فمفطور على حبّ الكمال، فحب الشيء لا يعني أنك متمثل فيه، فأدق تعريف: المعروف تعرفه النفوس بفطرتها، مثلاً بيت فيه شاب وأمه فقط، لا يوجد طعام فيه، بعد فترة وصل الشاب إلى طعام أكله وحده ولم يطعم أمه، هذا لم يلتق بإنسان في الأرض متعلق بالدين، لا قرأ إسلاماً ولا غير إسلام، يشعر بضيق، هذا الضيق من أين جاء؟ من فطرته، قال تعالى:
﴿ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي ﴾
أي أن تقيم وجهك للدين حنيفاً هكذا برمجت عليه، هكذا جبلت عليه، هكذا فطرت عليه،
﴿ فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّه﴾
لذلك السعادة التي يشعرها الإنسان بعد أن يصطلح مع الله هي أنه اصطلح مع فطرته، اصطلح مع ما جبل عليه، اصطلح مع ما برمج عليه، فلذلك أكبر ثمرة من ثمار الإيمان هي هذه السعادة التي تتأتى من أنك اصطلحت مع فطرتك.
إذاً المعروف تعرفه النفوس معرفة ابتدائية بفطرتها، والمنكر تنكره النفوس ابتداء بفطرتها.
البر و الإثم :
أيها الأخوة؛ النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((البِرُ حـسن الخـلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس))
هل هنالك بقال في الأرض يضيف الحليب إلى الماء أمام الناس؟! في الغرفة الثانية فقط:
((البِرُ حـسن الخـلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس))
تطبيق سنة النبي مأمن من عذاب الله :
أيها الأخوة؛ شيء آخر، أحياناً يقول الله عز وجل:
﴿ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
كيف؟ الآية الدقيقة:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ﴾
أخواننا الكرام؛ لو سألت إنساناً: هل أنت جائع؟ يقول لك: لا، فقط لا، قل له: هل أنت سارق؟ يقول: ما كان لي أن أسرق، هذا مستحيل، لا أقبل ولا أرضى ولا أشجع ولا أدعم.