- محاضرات خارجية
- /
- ٠23ندوات مختلفة - الأردن
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين، وعلى صحابته الغر الميامين، أمناء دعوته، وقادة ألويته، وارض عنا وعنهم يا رب العالمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أصل الدين معرفة الله :
أيها الأخوة الكرام؛ يقول الإمام علي رضي الله عنه: " أصل الدين معرفته " ذلك معناه إذا عرفت الله ثم تلقيت أمره تفانيت في طاعته، أما إذا لم تعرف الله وتلقيت أمره فتتفنن في معصيته، فأصل الدين معرفة الله عز وجل، لكن الله جلّ جلاله لا تدركه الأبصار، ولكن العقول تصل إليه دون أن تحيط به.
﴿ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ﴾
لذلك هناك ظاهرة حينما تجد أن معرفة الذات الإلهية ضعيفة، بينما معرفة الأمر والنهي وافرة، تجد تفلتاً، تقصيراً، ضعفاً، أما إذا كانت معرفة الله عالية ومعرفة الأمر وافية فلابد من طاعة الله.
مثل بسيط، لو أنك سائق مركبة وقفت أمام إشارة، واقف بجانبها شرطي، وأنت مواطن عادي، لو أنك تجاوزت الإشارة واضع قانون السير علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك من خلال غرامة باهظة جداً، ولأنك متيقن أن واضع قانون السير علمه يطولك، وقدرته تطولك، لا يمكن أن تعصيه، لكن يوجد حالتان؛ يمكنك تجاوز الإشارة الحمراء بعد الثالثة مساء، علم واضع القانون لا يطولك، أو أنك أقوى من واضع القانون.
﴿ اللَّهُ الَّذي خَلَقَ سَبعَ سَماواتٍ وَمِنَ الأَرضِ مِثلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمرُ بَينَهُنَّ لِتَعلَموا أَنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَد أَحاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلمًا ﴾
ما الاسمان اللذان اختارهما من أسمائه بشأن طاعة الله؟ علمه وقدرته، علمه يطولك، وقدرته تطولك.
فالإنسان مع تفكير دقيق لابد أن يطيع الله، هنالك صحابي كبير، له شأن كبير بين أصحاب رسول الله، كان مشركاً، وكان زعيم قبيلة كبير اسمها غطفان، جاء ليحارب النبي صلى الله عليه وسلم في الخندق، وهو في خيمته أجرى ما يسمى اليوم بالحوار الذاتي، قال: يا نُعيم ما الذي جاء بك إلى هنا؟ ألتقاتل هذا الرجل - يقصد رسول الله- ماذا فعل؟ هل سفك دماً؟ لا هل انتهك عرضاً؟ لا، هل سرق مالاً؟ لا، أين عقلك يا نعيم؟ فذهب إلى معسكر النبي الكريم ودخل على النبي صلى الله عليه وسلم، فوجئ سيدنا محمد به، قال: ما الذي جاء بك؟ قال: جئت مسلماً.
وأنا أرى أن أحد أسباب نصر المسلمين في غزوة الخندق نشاط نعيم بن مسعود، لأن قريش لا تعرف أنه أسلم، واليهود لا يعرفون أنه أسلم.
على كلّ إنسان إدخال الموت في حساباته :
أخواننا الكرام؛ لحظة تفكير كل مخلوق يزول ولا يبقى إلا ذو العزة والملكوت:
والليل مها طال فلابد من طلوع الفجر والعمر مهما طال فلابد من نزول القبر
***
كل ابــن أنثى وإن طالت سلامــته يـــوماً على آلة حدبـــاء محمول
فإذا حمــــلت إلى القبور جنـــــــــازة فاعــــلم بأنــــك بعدهـــــــا محمول
***
بالمطارات هنالك عبارة بوابة خروج، وكل واحد منا له بوابة يخرج منها، من بيت إلى قبر، من مركز اجتماعي كبير إلى قبر، أولاد، وأحفاد، وكنائن، وأصهار، وولائم، ونزهات، واجتماعات، ولقاءات إلى قبر، فطالما هناك نقلة حتمية إلى القبر، فالذكاء كل الذكاء، والعقل كل العقل، والتوفيق كل التوفيق، أن تدخل الموت في حساباتك، أدخلوا هذه الفكرة إلى الذات، مفرق الأحباب، مشتت الجماعات، عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارقه، واعمل ما شئت فإنك مجزي به.
قصة لها مغزى كبير، هنالك رجل غني وكبير، ولده سمع هذا النص: " أن عبدي رجعوا وتركوك، وفي التراب دفنوك، ولو بقوا معك ما نفعوك، ولم يبق لك إلا أنا، وأنا الحي الذي لا يموت" فجاء بإنسان فقير جداً لدرجة لا يملك إلا كيس قمح، فتحه من قعره وأخرج رأسه منه ومن طرفيه مربوط بحبل، فهذا عرض عليه مبلغاً من المال مقابل أن ينام مع والده في القبر، فوافق ونام مع والده في القبر، فبعد أن دفن وانتهى الأمر جاء الملكان، فاستغربوا من وجود شخصين. فسألاه الملكان: من أين جئت بهذه الحبلة؟ فأجاب من البستان، فسألوه: كيف دخلت إلى البستان؟ فلم يجب، فأشبعوه ضرباً لأنه لم يجب كيف دخل إلى البستان، فخرج من القبر وقال: أعان الله والدكم !!!
أخواننا الكرام؛ كم واحداً فينا أدخل الموت في حساباته؟
سيدنا عمر مرة ملك الغساسنة جبلة بن الايهم جاء مسلماً، وسيدنا عمر رحب به ترحيباً شديداً، أثناء طوافه حول الكعبة، كان هنالك بدوي من قبيلة فزاري داس طرف ردائه دون قصده، فانخلع الرداء، فالتفت إلى البدوي وضربه فهشم أنفه، فشكاه البدوي لسيدنا عمر فقام باستدعاء جبلة بن الأيهم ملك الغساسنة، وقف هذا البدوي الإعرابي الذي يسمى من عامة الناس، من دهماء الناس مع ملك الغساسنة، هنالك شاعر صاغ الحوار الذي جرى شعراً قال: أصحيح ما ادعى هذا الفزاري الجريح؟ قال جبلة: لست ممن ينكر شياً، أنا أدبت الفتى، أدركت حقي بيدي. فقال عمر: أرضِ الفتى، لابد من إرضائه، مازال ظفرك عالقاً بدمائه، أو يهشمن الآن أنفك و تنال ما فعلته كفك، صعق جبلة قال: كيف ذلك يا أمير؟ هو سوقة، وأنا عرش وتاج؟ كيف ترضى أن يخر النجم أرضاً؟ قال عمر: نزوات الجاهلية، ورياح العنجهية قد دفناها، أقمنا فوقها صرحاً جديداً، وتساوى الناس أحراراً لدينا وعبيداً. فقال جبلة: كان وهماً ما جرى في خلدي أنني عندك أقوى و أعز، أنا مرتد إذا أكرهتني. فقال عمر: عنق المرتد بالسيف تحز، عالم نبنيه، كل صدع فيه يداوى، وأعز الناس بالعبد بالصعلوك تساوى.
المراحل التي مرت بها البشرية :
بعض المفكرين في بلد عربي، مالك بن نبي، ذكر في بعض كتبه أن البشرية تمر بمراحل، يوجد مرحلة المبادئ، عصر النبي الكريم، وعصر أصحابه التابعين، والتابعين التابعين، كان عصر مبادئ. وهناك مرحلة أخرى وهي مرحلة الأشخاص، سيدنا صلاح الدين، سيدنا خالد.
مرة من المرات أجريت موقفاً طريفاً مع الطلاب، قلت لهم: من يأتيني باسم كاتب كبير عاش بالشام عام ألف و ثمانمئة و ثلاثة و ثمانين وله علامة تامة؟ قالوا: لا نعرف، قلت: ولا أنا، من لا يعرف سيدنا عمر بن الخطاب؟ صلاح الدين الأيوبي؟ سيدنا خالد؟
أعظم عمل توجيه الشباب إلى طريق الحق الذي يسمو بهم :
لذلك أقول للشباب: ريح الجنة في الشباب، لا تكن رقماً عادياً عند أعدائك، بل كن رقماً صعباً، لا تكن كباقي الناس، ملايين مملينة جاءت الدنيا وغادروها ولم يدر بهم أحد، لم لا تترك بصمة في الدنيا؟
أخواننا الكرام؛ البطولة أسبابها بين أيديكم، وأنتم شباب، وأقول: هؤلاء الشباب هم ريح الجنة، هم الأمة، هم مستقبلنا، لا تكن شيئاً عادياً، وراتب، ووظيفة ، ووأكل، لا يوجد رسالة، إما الإنسان مرتزق، أو صاحب رسالة، وما أكثر المرتزقين. أما صاحب الرسالة فيحمي غيره.
مثلاً مرة في السلك التعليمي، حرفة لا يقبل عليها معظم الناس لضآلة دخلها، أما أنت أمام من؟ أمام الشباب، في سن المبادئ والقيم، فإذا أتيح لك أن توجه الشباب إلى علة وجودهم وغاية وجودهم، إلى طريق الحق الذي يسمو بهم فهذا عمل عظيم.
((فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى الله بِكَ رَجُلاً وَاحِداً خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))
خير لك من الدنيا وما فيها.
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
لذلك سأبين لكم أن الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، والدعوة إلى الله فرض كفاية، ما معنى فرض عين وفرض كفاية؟ فرض الكفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل، أما فرض العين فعلى كل مسلم كائناً من كان، بأي حرفة، بأي سن، بأي مكان، كبير، صغير، متعلم، غير متعلم، على الجميع..
﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾
فمن لا يدعو على بصيرة فليس متبعاً لرسول الله. .
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ﴾
وليس محباً لله من لا يتبعه، فلا بد من الدعوة إلى الله ولكن في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، في حال سمعت حديثاً، آية، خطبة، عدت إلى البيت حدث أولادك، شريكك، من حولك، أقرباءك، لماذا لا نجعل ذكر لله في لقائنا؟
من ذكره الله منحه الأمن و الطمأنينة :
بالمناسبة قال تعالى:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
قال علماء التفسير: ذكر الله أكبر ما في الصلاة، و هناك آية أخرى.
﴿فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ﴾
وآية ثالثة:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
ما معنى:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
؟ كأن الله يقول لنا: يا عبادي إن ذكرتموني في الصلاة أديتم واجب العبودية لي، لكنني إذا ذكرتكم منحتكم الأمن:
﴿فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ*الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ ﴾
إن ذكرتكم منحتكم الرضا، قال: يا رب هل أنت راض عني؟ رجل يطوف حول الكعبة، فسمعه الإمام الشافعي فقال: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال له: سبحان الله! كيف أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه؟ فقال الإمام الشافعي: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله عز وجل.
تسخير الكون للإنسان تسخير تعريف و تكريم :
أخواننا الكرام، قضية الدين قضية خطيرة ومصيرية، فلذلك أنت حينما تتعرف إلى الله لابد من أن تطيعه، لأنك إذا عرفته وأطعته حققت وجودك الذي أراده الله، إليك الدليل:
﴿ ما يَفعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكُم إِن شَكَرتُم وَآمَنتُم ﴾
لأن هذا الكون مسخر تسخير تعريف، وتسخير تكريم، ممكن أن أقدم لك جهاز حاسب بأعلى درجة هدية، وهذا الجهاز من تصميمي، فأنت أمام شعورين؛ شعور الإكبار لهذا الجهاز لأنه من تصميمي، وشعور الامتنان لأنني قدمته لك كهدية، فهذا الكون مسخر لبني البشر تسخير تعريف وتسخير تكريم، ردّ فعل التعريف أن تؤمن، وردّ فعل التكريم أن تشكر، فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، الآية الكريمة:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
العبادة علة وجودنا في الدنيا :
أخواننا الكرام؛ عبرة وجودنا في الدنيا.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
من أدق تعريفات العبادة أنها طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، دقق هنالك جانب معرفي، وجانب سلوكي، وجانب جمالي.
الأصل في العبادة السلوك، افعل ولا تفعل، أن تأتمر بما أمر به الله، وأن تنتهي عما نهى عنه، الأصل الجانب السلوكي، ولكن هذا الجانب السلوكي يحتاج إلى معرفة، فالمعرفة هي السبب، والسعادة هي النتيجة، يوجد أصل، وسبب، نتيجة، فالعبادة طاعة طوعية، ما أرادها الله أن تكون قسرية، ممزوجة بمحبة قلبية.
فما عبد الله من أحبه ولم يطعه، وما عبد الله من أطاعه ولم يحبه، لابد أن يحبه ويطيعه، العبادة بدون محبة لا قيمة لها، والمحبة بدون عبادة لا معنى لها، طاعة طوعية ممزوجة بمحبة قلبية أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية.
حرص الإنسان على سلامته و سعادته و استمراره :
يوجد في الأرض سبعة مليارات إنسان، هل تصدق أن واحداً من هؤلاء البشر لا يتمنى السلامة؟ من يحب الفقر؟ من يحب القهر؟ من يحب الشقاء؟ لابد من أن تستقيم على أمر الله حتى تحقق السلامة، فالسلامة سببها الاستقامة، السلامة غير السعادة، أما أن تقول: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني فتحتاج إلى عمل صالح.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
يوجد عطاء. من وقتك، من علمك، من مالك، من خبرتك، وحجمك عند الله بحجم عملك الصالح.
﴿ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا ﴾
فأنت حريص على سلامتك، وسلامتك تحتاج إلى استقامة، وحريص على سعادك، وسعادتك تحتاج إلى عمل صالح، وحريص على بقائك، من لا يحب أن يعيش مئة وثلاثين سنة؟ واستمرارك بتربية أولادك، أذكر مرة أنه توفي أحد علماء الشام الكبار، والعزاء كان في الأموي، فحضرنا جميعاً للتعزية، وفي اليوم التالي قام ابن المتوفى وخطب تماماً كما يخطب الأب فبكيت، قلت: إذاً لم يمت الأب، إذاً أنت بحاجة إلى سلامة للاستقامة، وبحاجة إلى سعادة بالعمل الصالح، وبحاجة إلى ديمومة بتربية أولادك، لذلك كنت أقول في أمريكا - زرتها مرات عديدة-: لو ملكت منصباً ككلينتون، وثروة كأوناسيس، وعلما كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فإنك أشقى الناس، أشقى الناس:
﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾
إذاً نحن حريصون على سلامتنا وعلى سعادتنا.
الطريق الوحيدة لمعرفة الله التفكر في خلق السموات والأرض :
الآن أنت من؟ أنت كائن، أنت مم تتألف؟ من عقل وقلب وجسم، العقل غذاؤه العلم، والقلب غذاؤه الحب، والجسم غذاؤه الطعام والشراب، فإذا لبيت حاجة عقلك إلى العلم، وحاجة قلبك إلى الحب، وحاجة جسمك إلى الطعام والشراب تفوقت، فإذا لبيت واحدة منها تطرفت، تجد شخصاً ذكياً جداً، معلوماته دقيقة فيها تصحر، وآخر لديه صلة قوية لكنه دون علم، تجد شطحات، جالس شيخاً بجامع أحبّ أن يتكلم بالعلم، فقال: لقد صعدوا إلى الشمس، فكان عنده طالب متعلم أخبره أن هناك ألسنة من اللهب يقدر طولها بمليون كيلو متر، والحرارة عشرون مليون درجة، فكيف صعدوا إلى الشمس؟ فانحرج الشيخ لأن أمامه حوالي خمسين طالباً، فقال: لقد صعدوا في الليل يا ولدي.
فيا أخوان قضية العلم قضية مصيرية، إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، والعلم لايعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، فيظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد خسر، طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، إذاً ينبغي أن أعرف الله حتى أستقيم على أمره فكيف أعرفه؟ قال تعالى:
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
معنى ذلك أن الطريق الوحيدة - الطريق مذكر ومؤنث، نقول: الطريق الوحيدة أو الوحيد - لمعرفة الله التفكر في خلق السموات والأرض:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
ومضات من آيات الله الدالة على عظمته :
أخواننا الكرام؛ بعض الومضات من آيات الله الدالة على عظمته، الأرض تدور حول الشمس بمسار بيضوي أو إهليلجي، والشكل البيضوي أو الإهليلجي له قطران؛ قطر صغير وقطر كبير، والأرض هنا تتجه نحو القطر الأصغر، المسافة تقصر بينها وبين الشمس بحسب قانون الجاذبية الثابتة، هنالك علاقة بين الجاذبية والمسافة، وبين الجاذبية والكتلة، فالأرض كتلة ثابتة، والتبدل على المسافة هنا بحسب أن المسافة قلت، فالجذب يزداد، فلا بد من أن تنجذب إلى الشمس، وإذا انجذبت إلى الشمس تبخرت في ثانية واحدة، فما الذي يحصل؟ الأرض حينما تقترب من القطر الأصغر ترفع سرعتها لينشأ من رفع السرعة قوة نابذة تكافئ القوة الجاذبة فتبقى على مسارها:
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا ﴾
فإذا وصلت إلى القطر الأكبر وتابعت مسيرها هنا المسافة أطول والجذب أضغف، هنالك احتمال التفلت من جاذبية الشمس، وإذا تفلتت فالحرارة اثنتان وستون تحت الصفر، انتهت الحياة، هنا تنتهي الحياة إذا انجذبت، وهنا تنتهي الحياة إذا تفلتت، هنا تخفض الأرض سرعتها لينشأ من خفض السرعة قوة جاذبة أقل من النابذة فتبقى على مسارها، ما الذي يمسك السموات والأرض أن تزولا؟ الله جل جلاله، فإذا تفلتت وأردنا أن نعيدها إلى الشمس فنحتاج إلى مليون مليون حبل، لذلك بالمناسبة إن لدينا متانة وقساوة، ما معنى المتانة؟ هي مقاومة قوى الجذب، أما القساوة فهي مقاومة قوى الضغط، المتانة هي مقاومة قوى الجذب، والقساوة مقاومة قوى الضغط، فلذلك إذا أردنا أن نعيد الأرض إلى الشمس نحتاج إلى مليون مليون حبل فولاذ، وكل حبل فولاذي طوله خمسة أمتار يقاوم مئتي مليون طن، مئتا مليون طن ضرب مليون مليون هي قوة جذب الشمس للأرض، من أجل أن تجذب الأرض ثلاثة مليمترات، لذلك:
﴿ هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾
بيننا وبين أقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية، ما معنى أربع سنوات ضوئية؟ الضوء يقطع في الثانية الواحدة ثلاثمئة ألف كليو متر، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، ابنك الصغير بدقيقة واحدة على الآلة الحاسبة يضرب ثلاثمئة ألف كيلو متر بالدقيقة ضرب ستين، بالساعة ضرب ستين، باليوم ضرب أربع وعشرين، بالسنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، هذه المسافة بين الأرض وبين أقرب نجم، وفي الطريق له تحتاج المركبة من الأرض للوصول إليه إلى خمسين مليون عام، كل تاريخ البشرية عشرة آلاف سنة، خمسون مليون عام للوصول إلى هذا النجم الملتهب الذي هو أقرب نجم إلى الأرض، ونجم القطب أربعة آلاف سنة ضوئية، و المرأة المسلسلة مليونا سنة ضوئية، و هناك مجرة حديثة تبعد عنا أربعة وعشرين ألف مليون سنة ضوئية، كلام دقيق من موسوعات علمية راقية جدا، الله عز وجل قال:
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم، لذلك التفكر في خلق السموات والأرض يعد أوسع باب ندخل منه على الله، ويعد أفضل طريق إلى الله، لأنه يضعك وجه لوجه أمام عظمته الله عز وجل، قال:
﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ﴾
كم شعرة في رأسك؟ ليس الجميع طبعاً، في كل شعرة وريد وشريان وعصب وغدة دهنية وغدة صبغية وعضلة، لو أن في الشعر أعصاب حس إلى أين ذاهب؟ إلى المستشفى، لماذا؟ أريد أن أحلق، لو أن هناك عصباً بالأظافر لاحتجنا إلى عملية أيضاً، في الدماغ مئة وأربعون مليار خلية سمراء استنادية لم تعرف وظيفتها بعد، القشرة الدماغية فيها المحاكمة والتذوق والتكلم والتكيف، الذاكرة حجمها في الدماغ كحجم حبة العدس تتسع لسبعين مليار صورة.
ديننا دين عمل و استقامة :
إنك كإنسان غال على الله، ما معنى غال على الله؟ أي أعطاك من صفاته، أنت فرد، ولا يوجد شخص يشبهك إطلاقاً، لا يوجد إنسان يشبهك ببصمة اليد، يوجد مجرمون في أوروبا محوا بصماتهم فنبتت لهم بصمة أخرى ثانية جديدة، في أي مطار تقف أمام جهاز يأخذ صورة عن البصمة، لا يوجد إنسان من سبعة مليارات إنسان يشبهك بها، رائحة الجلد تنفرد بها، قزحية العين تنفرد بها، إبهامك تنفرد به، نبرة صوتك، هذه كلها أشياء تنفرد بها، بلازما الدم هنالك من يحب الحامض، وهنالك من يحب الطعام الحلو، هنالك طباع متباينة في رغبات الطعام تعود إلى بلازما الدم، لذلك الله عز وجل أعطانا مناسبات، اقبلوا مني أو قد لا تقبلون مني، العام الدراسي سبعة أشهر، فيه يوم عيد المعلم، عيد الأضحى، عيد الفطر، يوجد حوالي عشرة أيام أعياد، هل يا ترى العام الدراسي أعياد أم دراسة؟ الأصل أن هنالك طاعة لله عز وجل، لمرة فقط هنالك شيء استثنائي، هنالك قفزة نوعية، يأتي العيد، هنالك شيء استثنائي، الأيام في عيد الأضحى استثنائية، هذه مناسبات دينية، هذه المناسبات الدينية لا نعرف قيمتها إلا إذا كان هنالك أصل مرتبط بها، هل من المعقول أن شخصاً لم يقرأ ولا كلمة ويأتي بهدية للأستاذ في عيد المعلم؟ الأصل هو الدراسة، فيا أيها الأخوة لا تجعلوا الدين مناسبات، امرأة غير محجبة وتصوم في السابع و العشرين من رجب؟! يوجد أشياء لا تجوز، يوجد أشياء تحتاج إلى ضبط:
﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ ﴾
يوجد إيمان، ويوجد عمل و استقامة.
يا أيها الأخوة الكرام؛ نحن ديننا دين عمل، ودين استقامة، ودين على مدار السنة، هذا الدين الإسلامي يدور مع الإنسان على مدار اليوم، صباحاً مساء، ظهراً ليلاً، بأطوار الشباب والرجولة، والغنى والفقر، والصحة والمرض، حدثني طبيب جاءه مريض يوجد عنده مرض خبيث في الأمعاء، هذا مرض خبيث جداً، وآلامه لاتحتمل، كلما دخل عليه قال: اشهد إنني راض عن الله، يا رب لك الحمد، هذا المريض من النفسية الطيبة، من الراحة النفسية جميع الناس تزوره، فهو مسعد، وفي غرفته سعادة كبيرة، راض عن الله عز وجل، ومن ثم درست قضية في الجسم أن هنالك طرقاً للآلام فيه، إذا إنسان امتدت يده لشيء حار يوجد لديه ردة فعل، و منعكس شرطي، لأن هذا الألم بالشعور بالحرارة قد وصل إلى العمود الفقري، العمود الفقري أسرع من الدماغ أعطى أمراً مباشراً لسحب اليد، فكل طريق للآلام في الإنسان له بوابات، إذا أغلقت هذه البوابة تنخفض شدة الألم، وإذا فتحت يتضاغف أضعافاً، هذه مقالة في اللغة الإنكليزية قرأتها مترجمة إلى العربية، لفت نظري آخر كلمة في المقالة قال: إن الحالة النفسية تتحكم بهذه البوابات، أي إذا كان الإنسان راضياً عن الله الآلام تخف عليه، لذلك الإيمان يشبه بيتاً فيه ثلاجة، مكيف، مكواة، مايكرويف، يوجد فيه ما يخطر ببالك من أجهزة كهربائية، لكن لا يوجد فيه كهرباء، كل هذه الأجهزة ليس لها أي فائدة، الإيمان كهرباء.
قال: الزواج له معنى من الإيمان، قال: الزوجة تنجب أولاداً، لعل الأولاد يكونون دعاة إلى الله، فمع الإيمان التجارة لها معنى آخر، هذا المال قوة، أنا أستفيد من هذه القوة في طاعة الله عز وجل:
﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
فتخيل زواجاً مع الإيمان، أنا أتصور الولد الصالح يفتح المحل صباحاً ويقول: نويت خدمة المسلمين، لذلك أنا أقول كلمة أقولها لأصحاب الحرف: أية حرفة إذا كانت في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، ولم تشغلك عن عبادة، ولا فريضة، ولا طاعة، وابتغيت منها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين تنقلب إلى عبادة، فيمكن أن تكون في مكتبك وأنت عابد، وفي دكانك وأنت عابد، وفي الحقل وأنت عابد، في أي مكان وأنت عابد.
أيها الأخوة الكرام؛ أرجو الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الكلمات حافزاً لكم ولي معكم، أنا معكم على مزيد من الطاعة والاستقامة والعمل الصالح، وأن ننقل اهتماماتنا إلى الدار الآخرة، أي هنالك أشخاص الآخرة لا تدخل في حساباتهم أبداً.
نسأل الله أن يحفظ لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، واستقرار بلادكم، وهذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها، ونحن في الشام قد فقدناها، ادع لنا، لإخوانكم في الشام أن يحقن الله دماءهم.