- محاضرات خارجية
- /
- ٠25ندوات مختلفة - المغرب
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا، وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :
أيتها الأخوات الفضليات؛ أيها الأخوة الأكارم؛ بادئ ذي بدء: أشكر لكم هذه الدعوة الكريمة التي إن دلت على شيء فعلى حسن الظن بي، وأرجو الله أن أكون عند حسن ظنكم.
والحقيقة الدقيقة أن الإنسان هو المخلوق الأول عند الله رتبةً، والمخلوق المكلف، والمخلوق الممتحن، هذه حقيقة الإنسان، وعلة وجود الإنسان في الدنيا العبادة.
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
والعبادة في أدق تعاريفها: طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
والعبادة، هناك عبادة شعائرية، الصلاة، والصوم، والحج، والزكاة، والشهادة، وهناك عبادة تعاملية، الصدق، والأمانة، والاستقامة، والنقطة الدقيقة جداً العبادات الشعائرية، لا تقطف ثمارها إلا إذا صحت العبادة التعاملية.
سيدنا جعفر التقى النجاشي، سأله عن الإسلام فقال له:
(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار- هذه الجاهلية- حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان- الآن العبادة التعاملية- وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))
والنقطة الدقيقة جداً العبادة الشعائرية من دون عبادة تعاملية لا تقطف ثمارها.
(( يؤتى برجال يوم القيامة لهم أعمال كجبال تهامة يجعلها الله هباء منثوراً، قيل: يا رسول الله جلهم لنا، قال: إنهم يصلون كما تصلون ، ويأخذون من الليل كما تأخذون ولكنهم إذا خلوا بمحارم الله انتهكوها ))
هذه الصلاة، أما الصيام:
(( مَن لم يَدَعْ قولَ الزُّورِ والعمَلَ بِهِ فَليسَ للهِ حاجة فِي أَن يَدَعَ طَعَامَهُ وشَرَابَهُ ))
أما الزكاة:
﴿ قُلْ أَنْفِقُوا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْماً فَاسِقِينَ ﴾
أما الحج:
(( من حج بمال حرام ووضع رجله في الركاب وقال: لبيك الله لبيك، ينادى أن لا لبيك ولا سعديك، وحجك مردود عليك ))
أما الشهادة:
(( من قال لا إله إلا الله بحقها دخل الجنة، قيل: وما حقها؟ قال: أن تحجزه عن محارم الله ))
بشكل واضح جلي قاطع، العبادة الشعائرية ما لم يسبقها استقامة على أمر الله لن تقطف ثمارها.
أصل الدين معرفة الله :
الشاهد؛ المسلمون اليوم ملياران، ومعهم نصف ثروات الأرض، وليس أمرهم بيدهم في الأعم الأغلب، وليست كلمتهم هي العليا، فنحن ما لم نأخذ الإسلام كمنهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية لن نقطف بثماره.
إذا اكتفينا بالعبادات الشعائرية دون أن تكون حياتنا، إنفاقنا، دخلنا، علاقاتنا، سهراتنا، أوقات فراغنا وفق منهج الله، لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، أنا كأني وضعت يدي على مشكلة المسلمين الأولى، أن نملك نصف ثروات الأرض، وخمس عواصم محتلة من فئات ضالة، وليس أمرنا بيدنا، هذه مشكلة كبيرة جداً.
لذلك أصل الدين معرفة الله، إن عرفت الله حقيقة، عرفت ألوهيته، عرفت ربوبيته، عرفت منهجه، إن عرفت الله وطبقت منهجه، زوال الكون أهون على الله من ألا ينصرك.
﴿ إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ ﴾
عظمة الإسلام أنه فردي وجماعي :
لكن أمامي شباب وشابات، حتى أنه يدخل الألم والحزن إلى قلبهم، عظمة هذا الإسلام أنه إسلام فردي وجماعي، أنت كفرد، أو أنتِ كأخت كريمة، لو طبقت الإسلام وحدك من بين ملياري مسلم في ثلاث دوائر، نفسك دائرة، بيتك دائرة، عملك دائرة، تستحق كل ثماره الفردية، وليس الجماعية، أما الأمة إن طبقته فتستحق ثماره الجماعية، أما الفردية:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
آية قرآنية قطعية الدلالة، ما دام الدخل إسلامياً، النشاط إسلامياً، الإنفاق إسلامياً، الانضباط العائلي إسلامياً، ما دام هناك انضباط تقطف ثمار الدين وحدك، أنا لا أشجع الفردية حتى لا تربط استقامتك بالأمة، والدليل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً ﴾
أما:
﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾
لكن الشيء اللطيف، راكب سيارتك، والإشارة حمراء، لماذا تقف لا تتخطاها؟ لأنك تعلم أن واضع القانون علمه يطولك من خلال هذا الشرطي، وقدرته تطولك بسحب الإجازة، فأنت تطيع شرطياً فقط، لأن علم واضع القانون يطولك من خلاله، وقدرته تطولك، إذاً لا بد من أن تطيعه، لأن العلم يطولك، والقدرة تطولك، اقرأ القرآن:
﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ﴾
الله عز وجل علمه يطولك، وقدرته تطولك.
وإذا الشخص ما عصا الله عز وجل، نحن في قبضة الله، غلطة بالدماغ انتهى الإنسان، غلطة بالقلب، غلطة بالجسم، أي المصائب لا تعد ولا تحصى، وترون هذا في العالم، أما المؤمن فله عند الله الحفظ، يحفظه، المؤمن مسدد، المؤمن له علاقة خاصة مع الله، إن لم تقل: ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني فهناك مشكلة كبيرة جداً مع الله.
الدين منهج تفصيلي :
بهذا اللقاء الطيب أريد الدين كله، لا تستطيع أن تختار منه ما تريد، يجب أن تصلي، وتغض بصرك، وتضبط لسانك، ودخلك حلال، الحقيقة نحن نتوهم أحياناً أن الدين عبادات شعائرية، صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، وشهادة، هذه عبادات شعائرية، أما التعاملية فأخطر، التعاملية تبدأ من فراش الزوجية، وتنتهي بالعلاقات الدولية، يدخل فيها عشرة آلاف بند، لقاءاتك، سحب أموالك، إنفاق أموالك، علاقاتك بأهلك، بوالديك، بأخواتك، بزوجتك، بمن حولك، علاقاتك مع الأقوياء، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، فإذا عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعة الآمر.
أي مفهوم الناس عن الله عز وجل خالق السماوات والأرض لا يكفي، ما الدليل؟
﴿ خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ *إِنّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾
ضع تحت كلمة عظيم خمسة خطوط، إبليس آمن بالله؟ الدليل قال له ربي:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
فهناك إيمان إبليسي، خذ مثلاً ملياري مسلم، كم واحد ملحد؟ عدد قليل جداً، كلهم يصلون يوم الجمعة، الدخل إسلامي، الإنفاق إسلامي، التربية إسلامية، اختيار الزوجة إسلامي، الحفلة إسلامية، السهرة إسلامية، سحب المال إسلامي، إنفاقه إسلامي، الإسلام يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية، وطلب العلم فرض حتم على كل مسلم، معنى مسلم أي مسلم ومسلمة، كلمة مسلم شخص ذكر أو أنثى.
فالقصة أن نعرف الله، أنا والله أسعد بهذا اللقاء، لكن هذا بالسنة مرة، تحتاج إلى هاتف خلوي، ثمنه مئة ألف، إذا لم تشحنه يصبح قطعة بلاستيك، لا وزن لها، إذا كان الهاتف يحتاج إلى شحن فأنت من باب أولى تحتاج إلى شحن، الشحن هو اتصال بالله، قراءة قرآن، تفكر في خلق السماوات والأرض، عمل صالح، بر والدين، وفاء زوجي، تربية أولاد، المنهج الإسلامي يبدأ كما قلت قبل قليل من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
الفرق بين العد و الإحصاء :
(( إِنَّ للّهِ تِسْعَة وِتِسعِينَ اسماً مَن حَفِظَها دَخَلَ الجَنَّةَ ))
الله قال:
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾
الفرق بينهما كبير، أنت معلم وعندك خمسة وثلاثون طالباً، كم طالب؟ خمسة وثلاثون، هذا العد، الإحصاء، مستوياتهم، خلفياتهم، أولياء أمورهم، ذكاؤهم، تحصيلهم، أي يوجد حوالي ثلاثين بنداً بالإحصاء.
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾
فنحن:
(( مَن حَفِظَها دَخَلَ الجَنَّةَ ))
ماذا تستطيع أن تتكلم عن اسم اللطيف؟ اعمل تجربة، الله لطيف، إذا أنت دارس، متعلم، ومتابع دروسك، تتكلم عنه ربع ساعة، نصف ساعة، ساعة، هذه أسماء الله الحسنى أصل الدين.
(( إِنَّ للّهِ تِسْعَة وِتِسعِينَ اسماً مَن حَفِظَها دَخَلَ الجَنَّةَ ))
لذلك بذل الوقت، عفواً كم سنة تدرس حتى تستطيع أن تكتب بجانب اسمك حرف الدال؟ ثلاث وعشرون سنة دراسة، ابتدائي، ومتوسط، وثانوي، وإن كنت بفرع أدبي تدرس الليسانس، وإن كان مجالك علمياً فتحتاج إلى بكالوريوس، وهناك دبلوم عامة، ودبلوم خاصة، وماجستير، ودكتوراه، من أجل أن تكتب د. تحتاج إلى ثلاث وعشرين سنة دراسة، ومن أجل أن تكون مؤمناً تستحق الجنة إلى الأبد من دون جهد؟!
بشكل عام سامحوني بهذه الكلمة، ما لم نقتطع جميعاً من وقتنا الثمين وقتاً لمعرفة الله، لتلاوة القرآن، لفهم أحكام الدين، لن نقطف من ثمار الدين شيئاً، بقي الإسلام فولكلوراً.
مرة قُرئ الإسلام في باريس على أنه فولكلور شرقي، قرآن كريم، قرئ على أنه فولكلور شرقي، أو تراث، يقول لك: تراث، إسلامي، أو تقاليد إسلامية، أو خلفية إسلامية، مصطلح جديد خلفية إسلامية، توجهات إسلامية، مشاعر إسلامية، أقواس إسلامية، زخرفة إسلامية، بطاقة معايدة إسلامية، الإسلام منهج آخر، منهج تفصيلي يبدأ من فراش الزوجية وينتهي بالعلاقات الدولية.
إذاً:
﴿ أَحْصَاهُمْ ﴾
درست الاسم، وتتبعته، والفضل لله عز وجل، هذا من فضل الله وحده، الله وفقني في كتاب أسماء الله الحسنى، هذا الكتاب موجود بالموقع، من فضل الله، من أنجح الكتب التي أكرمني الله بها، طبع عشرون طبعة، وموجود بالانترنيت، تعرفون أنتم الحج غوغل؟ اكتبوا اسمي على الحج غوغل يظهر الموقع، اكتب كتاب أسماء الله الحسنى، بكبسة زر تحميل الكتب، عندي أربعة وستون كتاباً يحملون معكم بكبسة زر، كله بالمجان، أي كتاب على الآيباد ضعه، على الكمبيوتر ضعه، أطبعه إذا أردت، لذلك:
﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً ﴾
يقول ابن القيم الجوزية وهو من كبار علماء المسلمين: العلم بأسمائه وإحصائها أصل لسائر العلوم، فمن أحصى أسماءه كما ينبغي أحصى جميع العلوم، ذات كاملة، خالق الأكوان كل شيء من خلقه، لا شيء أمامه، فإذا عرفت الله عرفت كل شيء.
(( ابن آدم اطلبنِي تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء))
فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه :
الآن يوجد كتب، ومؤلفات، ومراجع، كتب علمية، اقتصادية، سياسية، تاريخية، جغرافية، دققوا، فضل كلام الله على
كلام خلقه كفضل الله على خلقه
كم هي المسافة بين خالق الأكوان وبين إنسان ألّف كتاباً؟ فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه.
أقول لكم كلمة دقيقة: نحن عندنا كل علم ممتع، العلم ممتع، لكن يوجد علم ممتع لكنه غير نافع، قرأت قصة لشكسبير مترجمة، ثمانمئة وستون صفحة، أخذت معك شهراً، أو أسبوعين، أو ثلاثة، ماذا استفدت؟ نحتاج إلى علم ممتع نافع، الآن يوجد علم ممتع نافع لكنه ليس مسعداً، نحتاج إلى علم ممتع، نافع، مسعد، هناك علم ممتع، نافع، مسعد في الدنيا، وعلم ممتع، نافع، مسعد في الدنيا والآخرة هو العلم بالله، ممتع، نافع، مسعد في الدنيا والآخرة، هذا القرآن كلام الله.
للتعليق: الكون قرآن صامت، والقرآن كون ناطق، والنبي الكريم قرآن يمشي، أنا استنباطاً وما لم ير المسلمون اليوم إسلاماً يمشي أمامهم لا تنجح الدعوة إلى الله، إنسان صادق غير خطابه، غير كتبه، صادق، أمين، عفيف، إيجابي، ليس سلبياً، يحمل معك همك، لذلك؛ كل علم ممتع نافع مسعد في الدنيا والآخرة.
قانون الولاء والبراء :
الآن عندنا قانون الولاء والبراء، أو الالتفاف والانفضاض، كلامي دقيق، الله خاطب نبيه الكريم، قال له:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد من خلال اتصالك بنا اشتققت الرحمة، هذه الرحمة انعكست ليناً، فلما انعكست ليناً الآخر أحبك، والتف حولك، الآية أو هذا المعنى من يحتاجه؟ الأب، والأم، والمعلم، والمدرس، وأي منصب قيادي، بدءاً من الخفير وانتهاءً بالأمير.
﴿ فَبِمَا ﴾
الباء باء السبب.
﴿ رَحْمَةٍ ﴾
يا محمد استقرت في قلبك.
كطرفة ليس لها علاقة بالموضوع، كان عندنا خطيب بالشام، عندما يبدأ الخطبة يقول: استووا واعتدلوا، قبل الصلاة، وأغلقوا هواتفكم، فإن إطفاء الهواتف من إقامة الصلاة.
إذاً معرفة أسماء الله علم.
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
أي يا محمد من خلال اتصالك بنا، اتصلت بنا فاكتسبت رحمة، الرحمة انعكست ليناً، هذا اللين جعل الناس يلتفون حولك، أنت أنت:
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
إذا سيد الخلق لا يوجد به رحمة ينفض الناس من حوله، فلذلك الدعوة تحتاج إلى رحمة، إلى حلم، إلى نفسية أب، عندك بنات، أنت مثل أمهم، مثل أختهم الكبيرة.
مرة ألقيت خطبة في درس مؤثر جداً، يمكن بالرباط، كله درس نسائي، كلهم محجبات بمستوى عال جداً، قلت لهم كلمة لطيفة: أي امرأة محجبة أكبر منك مثل والدتك، كلامي دقيق، من سنك مثل أختك، صغيرة مثل ابنتك، متفلتة تصبح أنثى، مادامت امرأة محتشمة تعامل كامرأة.
أعرف فتاة ألمانية تحجبت، قالت كلمة مذهلة، قالت: أنا قبل أن أكون مسلمة محجبة أنا لحم أبيض فقط، فلما أسلمت أصبحت إنسانة، لحم أبيض ثم إنسان، كلام دقيق.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ﴾
لذلك لا بد من أن تكون أخلاقياً، متواضعاً، محباً، أي يوجد معلم، ويوجد أب، الداعية أب، معلم.
الآن قيمة إيمانك برحمتك، نحن أحياناً عندنا عداد سيارة، تعرفونه؟ يقيس السرعة، ما قولك أن عدادك هو أعمالك الصالحة، يمشي معه الرحمة، الرحمة دليل إيمانك، دليل قربك من الله.
مرة شخص يمشي بالطريق، رأى أماً كلما وضعت رغيف خبز في التنور، ابنها على الطرف تحمله، وتضمه، وتشمه، هذا النبي الكريم، قال: يا ربي ما هذه الرحمة؟ قال له: هذه رحمتي أودعتها في قلب أمه، وسأنزعها- القصة رمزية طبعاً - فكلما تضع رغيف تحمله، وتضمه، وتشمه، فلما نزع الله منها الرحمة بكى ابنها فرمته بالتنور وارتاحت منه.
فأنا أقول: كل رحمة الأمهات هي رحمة الله، والدليل:
﴿ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي ﴾
الاتصال بالله في الصلاة لأنه أصل الكمال و الجمال و النوال :
الآن مما يتصل بهذا الموضوع:
(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وزوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))
أما المرأة فمسجدها هو بيتها، وغرفة داخلية فرضاً، تصلي فيها صلاة هادئة، وكلما كان هناك استقامة كانت الصلاة روحانية.
(( أرحنا بها يا بلال ))
وهناك أرحنا منها، والفرق كبير بين أرحنا بها، وأرحنا منها، أنت بالصلاة ماذا تفعل؟ موصول بخالق الأكوان، بالرحيم، باللطيف، بالحليم، بالكريم، بالعليم، وأنت معه هو جميل، الله عز وجل ذات كاملة، أصل الجمال، والكمال، والنوال، صلّ صلاة صحيحة، بآيات قرآنية، اقرأ بالمصحف، إذا كنت تتأثر بالمصحف، ممكن، هذا بحث طويل، لكن كل صلاة تقرأ سورة العصر فيجب أن تقرأ قراءات أطول، إذاً:
(( إن بيوتي في الأرض المساجد، وزوارها هم عمارها، فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني، وحق على المزور أن يكرم الزائر ))
الحكمة أكبر عطاء إلهي على الإطلاق :
الآن أعظم شيء بالصلاة الحكمة:
﴿ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً ﴾
أنت بالحكمة تسعد بأي زوجة، يكون الحب كبيراً بينكما، من دون حكمة يوجد مشاكل، أنت بالحكمة تجعل العدو صديقاً، بالحكمة تعيش بدخل محدود، أنت أسعد الناس، من دون حكمة يصبح الصديق عدواً، أي أكبر عطاء إلهي على الإطلاق هو الحكمة.
وهناك قاعدة مهمة جداً: إذا كان الله معك فمن عليك؟ إذا كان الله معك.
تصور ملكاً له ابن، من يجرؤ أن يتطاول عليه وأن يضربه؟ لا أحد، الناس يحسبون حساباً لأبيه وليس له.
وأنت كمؤمن غال على الله عز وجل، الله يحفظك، حفظ الله عجيب، يوفقك، يقنع الآخر يحبك، يجعل من يكرهك يبتعد عنك، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان عليك فمن معك؟ بتعبير آخر الله وفي، الله ودود، الله:
﴿ وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ﴾
والود غير الحب، الحب ميل، الود سلوك، الناس يحبونك، موفق في عملك، لك مكانة، لك هيبة، محترم.
الرِّفق لا يكون في شيء إِلا زَانه ولا يُنْزَع مِن شيء إِلا شانَه :
الآن كلام دقيق جداً:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
هذه باء السبب، أنت تخاطب الرحيم، ارحم عباده وخاطبه، هو يحبك، أنت طبقت بعض أسمائه، ودعوته بأسمائه.
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
باء السبب، اشتق منه الرحمة وارحم عباده، واشتق اللطف والطف مع عباده، اشتق الكرم وأكرم عباده.
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
باء السبب، أي أنت أقبل عليه، آمنت به إيماناً صحيحاً، استقمت على أمره، خدمت عباده، أقبلت عليه، اشتققت منه الرحمة، ارحم بها خلقه، اللطف، الصدق، الأمانة، لذلك تجد المؤمن لطيفاً.
((إِنَّ الرِّفقَ لا يكونُ في شيء إِلا زَانَهُ، ولا يُنْزَعُ مِن شيء إِلا شانَه ))
تجد بيتاً فيه هدوء، فيه كلام طيب، فيه اعتذار، لا يوجد به صياح، ولا ضرب، ولا ضجيج، فيه رحمة، والله يا أخوان هل يستطيع كل واحد أن يكون بيته جنة؟ سأقول لكم كلمة دقيقة وهي من خبرتي المتواضعة: إذا البيت فيه حب، إن كان هناك أخبار سيئة فهي خارجية، العام يخف وقعه علينا، البيت فيه حب، بيتك جنة، البيت جنة المؤمن، قد يكون ستين متراً، وقد يكون الأكل خشناً جداً، لكن جنة، فيه محبة.
دخلت مرة لبيت بالشام، يمكن بأفقر حي، الأثاث متواضع لدرجة مذهلة، شعرت هذا البيت جنة، أحياناً يكون قصراً فيه شقاء، بيت فخم فيه شقاء، عندما يكون البيت فيه حب يصبح جنة.
المؤمن أخلاقي :
من بنود هذا اللقاء الطيب: الإيمان والخلق، صلاة، صوم، حج، زكاة، جمعية خيرية، كله بالنهاية المؤمن أخلاقي، الله عز وجل كم صفة أعطاها للنبي؟ يمكن أعطاه مئات الصفات، استثنائية، خاصة فيه، عندما مدحه بأخلاقه:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
كلمة أقولها دقيقة، أخواتنا الفضليات؛ أخوتنا الشباب؛ أخلاقك هي مؤشر إيمانك، عندك ذاكرة قوية، تحفظ مئة بيت شعر إسلامي، وثمانمئة حديث، إيمانك أخلاقك، النبي له مليون ميزة إعلامية، فكرية، علمية، ولما مدحه قال:
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
لذلك أجمل كلمة قالها ابن القيم: الإيمان هو الخلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في الإيمان.
كمال الإنسان وسيلته للإقبال على الله :
آخر نقطة باللقاء الطيب:
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
إن أردت أن تتصل بالله، تشتق من كماله، من أسمائه الحسنى كمالاً، هذا الكمال وسيلتك إلى الإقبال عليه، أي:
(( إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي ))
أذكر بائع أقمشة عنده صانع صغير، فقير ويتيم، وعنده ابن، أنا واقف، حمله عدة أتواب، عندما قال له: لم أعد أستطيع أن أحمل، قال له: أنت شاب، الثالث، الرابع، جاء ابنه حمل توباً واحداً قال له: انتبه بابا إلى ظهرك، لا يوجد أبشع من هذا، أخواننا؛ أنت تقيس الناس بمقياس واحد، أنت عند الله كبير، عفواً عندك خادمة، ومضطر لخادمة، هي جاءت من إندونيسيا مثلاً، معقول أن تطعمها باقي الطعام فقط؟ والله يوجد أعمال إجرامية مع الخادمات يا لطيف، الله كبير، قدر ما تستطيع اخدم الناس، قدر ما تستطيع تواضع للناس، قدر ما يستطيع ارحم الناس:
(( إن أردتم رحمتي فارحموا خلقي ))
الدعاء فيه آية تخيف ومريحة.
﴿ قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ﴾
إن دعوناه يعبأ بنا، ويحبنا، وينصرنا، ويوفقنا، العبادة كلها دعاء، الدعاء هو العبادة.
(( الدُّعاءُ مُخُّ العبادةِ ))
ما معنى تدعوه؟ أي موجود، هو يسمعك، وإن سكت يعلمك، وإن تحركت يراك، ويحبك، وقريب، ومعك دائماً، بالسفر، بالحضر، بالطريق، بالسيارة، هو معك وقوي، أما المقصرون:
(( لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين فكيف بالمقبلين؟))
نص آخر مشجع: العبد إذا قال يا رب وهو راكع يقول له الله: لبيك يا عبدي، إذا قال العبد: يا رب وهو ساجد يقول له: لبيك يا عبدي، إذا قال له العبد وهو عاصٍ: يا رب، يقول له: لبيك، ثم لبيك، ثم لبيك.
الله ينتظرنا، إله ينتظرنا، من أنت؟ أنت غال عليه، قال:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
كل ما يقال بخلاف هذه الآية اركله بقدمك، سبحان الله! خلقنا للعذاب، ما هذا الكلام؟! خلقنا ليرحمنا، الآية:
﴿ إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ ﴾
بارك الله بكم جميعاً، وحفظ الله لكم إيمانكم، وأهلكم، وأولادكم، وصحتكم، ومالكم، وبلدكم.