- ٠11حالات خاصة
- /
- ٠11حالات خاصة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأولين والآخرين وعلى آله وصحبه أجمعين، كنا يا أخوة، في الدرس الماضي والذي قبله، تحدثنا عن اجتماع الحرفين المتماثلين اللذان من مخرج واحد وصفاتهما واحدة، ( باء وباء وتاء وتاء )، إلى آخره، وتحدثنا أيضاً عن اجتماع الحرفين المتجانسين وهما الحرفان اللذان من مخرج واحد ولكن بينهما اختلاف في بعض الصفات، كالذال والثاء، والتاء والطاء، إلى آخره من الحروف المتجانسة التي تكلمنا عليها، فقلنا بأن العرب أجمعت على إدغام الأول في الثاني من المتماثلين والمتجانسين إن كان ساكناً، لا تنسوا هذا الشرط إن كان الأول ساكنا:
﴿ فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ ﴾
هذا مثال للمتماثلين:﴿ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ ﴾
هذا مثال للمتجانسين، وبقي علينا اليوم أن نتكلم عن التقاء الحرفين المتقاربين، الحرفان المتقاربان يا اخوة، وقد تحدثنا عنهما في حلقة سابقة هما الحرفان اللذان من مخرجين متقاربين متجاورين وبينهما اشتراك في بعض الصفات، هذان الحرفان بعض القبائل العربية كانت إذا اجتمعا والأول ساكن تدغم وبعض القبائل كانت لا تدغم، فلذلك القراء كذلك فمنهم من روى الإدغام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنهم من روى الإظهار، وهذا عربي وهذا عربي وهذا صحيح وهذا صحيح، حفص عن عاصم الرواية التي نقرأ بها كان حفصاً رحمه الله، إذا قرأ فيما رواه عن شيخه عاصم بإسناده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا يدغم الحرفين المتقاربين إذا اجتمعا إلا في حالات قليلة سنبينها.إذاً يا أخوة، الأصل عند حفص أنه يظهر المتقاربين، والأصل عنده أنه يدغم المتماثلين والمتجانسين، طيب بالنسبة للمتقاربين، الأصل الإظهار إلا حالات قليلة، ما هي هذه الحالات القليلة؟ منها أولاً أنه إذا أتى لام ساكنة بعدها راء فإن حفصاً يدغم، بل وكل القراء إدغام اللام الساكنة في الراء بعدها كقوله تعالى:
﴿ قُلْ رَبِّي ﴾
إذا اجتمعت قل مع اللام من كلمة ( رب )، نلاحظ على الشاشة وقد كتب الحرفان المتقاربان: يظهر حفص الحرفين المتقاربين إلا في حالات قليلة فإنه يدغم وهي:أولاً اللام الساكنة في الراء، نحو قوله تعالى: ( وقرَّب )، الأصل أن تقول:
﴿ قُلْ رَبِّي ﴾
هكذا الأصل ولكن العرب لا تفعل ذلك، هذا من المتقاربين المجمع عليها إذا أتى لام ساكنة بعدها راء فإن العرب تدغم، هذا متقاربان مجمع عليه، وكذلك قوله تعالى مثال آخر:﴿ بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ﴾
وقال تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام:﴿ بَل رَبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ ﴾
فلا نقول: ( بلْ ربكم )، بل نقول ( برَّبكم )، يعني نحول اللام إلى راء وندغم الراء في الراء.الحالة الثانية اجتماع القاف الساكنة في الكاف ولم يأت ذلك في رواية حفص عن عاصم إلا في كلمة واحدة في سورة المرسلات من آخر الجزء التاسع والعشرين وهي قوله تعالى:
﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
اجتمع في هذه الكلمة قاف ساكنة بعدها كاف، فكل الطرق عن حفص تقلب هذه القاف كافاً ساكنة، وتدغم الكاف بالكاف، فيصير النطق بكاف مشددة هكذا، ( ألم نخلكُّم من ماء مهين )، بعض القراء كمكي بن أبي طالب القيسي رحمه الله، وابن المنادي ذكروا في إدغام القاف في الكاف أمراً آخر وهو إبقاء صفة الاستعلاء فيها كما أبقينا صفة الإطباق في الإدغام الناقص إن كنتم تذكرون في الحلقة السابقة ذكرنا مثال قال:﴿ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ ﴾
﴿ وَمِنْ قَبْلُ مَا فَرَّطتُمْ فِي يُوسُفَ ﴾
قلنا بأن هذا الإدغام إدغام ناقص أي أننا نطبق على طاء ونفتح على تاء، أيضاً هنا ذكر العلماء مثل هذا الأمر ولكن ليس في القاف إطباق بل فيها استعلاء كما درسنا في صفات الحروف، فمكي بن أبي طالب رواها هكذا: ( ألم نخلقكم )، نطبق على قاف ثم ننتقل إلى الكاف هذا الكلام قلته للعلم به، وليس لكي تقرءوا به، أنتم اقرءوا فقط بإدغام القاف في الكاف والنطق بكاف مشددة.﴿ أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ ﴾
إذاً هذا هو الأمر الثاني من الحروف المتقاربة التي يدغمها حفص.
الأمر الثالث إدغام لام التعريف في الأحرف الشمسية، لام التعريف أيضاً إذا جاءت وبعدها حرف من الأحرف الشمسية وسنفرد لهذا الأمر الحلقة القادمة إن شاء الله، نتكلم على إدغام لام التعريف في الأحرف الشمسية وإظهارها عند الأحرف القمرية، ولكن الآن نقولها للعلم بالشيء ليس أكثر.
والأمر الرابع الذي أدغمه حفص من الحروف المتقاربة هو النون الساكنة والتنوين في أحرف يرملون، ما عدى النون من كلمة يرملون، فإن إدغام النون فيها هو من قبيل المتماثلين لأننا عندئذ ندغم نوناً في نون، أما بقية الحروف يرملون الياء والراء والميم واللام والواو، فإدغام النون فيها من قبيل إدغام المتقاربين وسنفرد بذلك بإذن الله أكثر من حلقة عند كلامنا عن أحكام النون الساكنة والتنوين بعد كلامنا على لام التعريف في الحلقة القادمة إن شاء الله.
هذه هي الأحرف المتقاربة التي يدغمها، أحب أن أنبه على أمرين:
الأمر الأول قلنا إذا جاءت لام ساكنة بعدها راء فإن هذا إدغام واجب مع أنه من المتقاربين، بعض العلماء كالفراء رحمه الله، ذهب إلى أن اللام والنون والراء، من مخرج واحد، هذا لم نذكره لكم عندما شرحنا مخارج الحروف حتى لا نشوشكم لكن الآن وجب أن نذكر ذلك إذاً بعض العلماء قال اللام والنون والراء من مخرج واحد لشدة تقاربها وتستطيعون أن تجربوا هكذا، ( أنْ، ألْ، أرْ )، فتجدون اللسان يقرع من أماكن متقاربة جداً في غار الحنك الأعلى، مما حذى بالفراء أن يقول إنها من مخرج واحد، لكن الخليل بن أحمد الفراهيدي ومن بعده تلميذه سيبويه ومن بعدهما الإمام ابن الجزري رحمه الله، ذهبوا إلى أن اللام من مخرج والنون من مخرج والراء من مخرج كما شرحنا ذلك في درس المخارج.
إذاً ألخص الكلام إدغام اللام الساكنة في الراء أمر واجب سواء قلنا أنهما حرفان متجانسان على مذهب الفراء أو متقاربان على مذهب الخليل وسيبويه وابن الجزري، رحمهم الله تعالى، فهذا إدغام واجب، لكن لو انعكس الأمر لو جاءت الراء قبل اللام كقوله تعالى:
﴿ وَاغْفِرْ لَنَا ﴾
فإن هذا ليس بموضع إجماع أغلب القراء يظهر ذلك وحفص من المظهرين ولا يقول حفص أبداً ( واغفِلنا )، بل يقول: ( واغفِرْ لنا )، هذا أمرٌ أحببت أن أنبه عليه، وصلى اللهم وبارك على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.