- أحاديث رمضان / ٠09رمضان 1423هـ - أحاديث قدسية وأدعية
- /
- 2- رمضان 1423 - أدعية مأثورة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الدعاء في السفر :
أيها الأخوة الكرام: لازلنا في الدعاء، ولازلنا بالدعاء الذي يدور مع الإنسان حيثما ذهب، تحدثنا عن الدعاء حينما يستيقظ الإنسان، وحينما يأوي إلى فراشه، وحينما يدخل إلى المسجد، وحينما يخرج منه، وحينما يذهب إلى عمله، واليوم الدعاء في السفر.
الإنسان أيها الأخوة يضطر أحياناً أن يسافر، إما طلباً للرزق، وإما طلباً للعلم، وإما جهاداً في سبيل الله، فالسفر جزء من سلوك الإنسان، وقد أجمع العلماء قديماً على أن السفر مظنة هلاك، إنسان مسافر بالطريق وحوش، و قطاع طرق، فالأخطار عالية جداً، وحينما تقدم العلم وأصبحت المركبات والطائرات والسفن، ترفه الإنسان كثيراً، لكن أخطار السفر لم تزل باقية، وإن أعلى نسبة من الموت تكون في حوادث الطرق حتى الآن، الناس الذين يموتون في حوادث الطرق نسبتهم أعلى من أية نسبة أخرى تصيب البشرية، ويكفي أن هذه الطائرة التي تعد قمة التقدم حينما تسقط لا ينجو منها أحد، الخبر قصير جداً وقد مات جميع ركابها.
إذاً في السفر مظنة هلاك كانت ولم تزل، النبي عليه الصلاة والسلام يقول: المرء حيث أهله.
إن سافر وحده ترك أهله، ترك بعضه، ترك أقرب الناس إليه، فكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا أراد السفر يقول لأهله:
((أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ))
على المؤمن أن يستودع أهله الله جلّ جلاله قبل أن يغادر :
أول دعاء في السفر أن المؤمن يجعل أهله وأولاده ومن يلوذ به وديعة عند الله، وفي حديث آخر:
((إن الله إذا استودع شيئاً حفظه ))
أي الجهة التي يمكن أن تكون معك في السفر، ويمكن أن تكون مع أهلك في الحضر، الله عز وجل، فالمؤمن قبل أن يغادر يستودع أهله الله جلّ جلاله، والله لا تضيع ودائعه، الإنسان في السفر طبعاً ترك بيته، وترك غرفة نومه، وترك عاداته في الطعام والشراب، ترك كل الوسائل التي ألفها إلى مكان قد لا يألفه، قد لا يألف من فيه، لا يألف الطعام، فلا بد من لفت النظر إلى أن الإنسان في السفر يكون أقرب إلى الله، وأكثر افتقاراً إليه من الحضر، لا يدري ما سيكون، يسمح له أن يغادر أم لا يسمح، يسمح له أن يدخل أم لا يسمح، يجد بغيته أم لا يجد، فلذلك جاء رجل إلى النبي عليه الصلاة والسلام يقول له: إني أريد سفراً زودني؟ فقال: زودك الله التقوى، أي ما من شيء يفلح به المؤمن إذا سافر كالتقوى.
الإنسان في بلده في الأعم الأغلب حوله رقابة اجتماعية مباشرة أو غير مباشرة، لكنه إذا سافر ليس هناك من يحاسبه، لأن أحداً في مكان السفر لا يعرفه، في بلده هناك من يعرفه، لكن في بلاد أخرى لا يعرفه أحد، إذاً الرقابة الاجتماعية انتهت، فلذلك هذا الذي سافر تفلت من قيود الدين يوصف دينه بأنه جغرافي، الدين الجغرافي ليس دين خوف من الله دين خوف من البشر، وكثيراً ما تجد امرأة محجبة حجاباً كاملاً فإذا ركبت الطائرة خلعت كل الحجاب، الرقابة انتهت، الضغط الاجتماعي انتهى، في السفر مظنة معصية ومظنة تفلت، لأن الذي كان يحاسبك انتهى، والذي يعرفك في بلدك هنا لا أحد يعرفك، فلذلك لما سأل هذا الرجل النبي عليه الصلاة والسلام أن يزوده قال: زودك الله التقوى، قال: زدني؟ قال: وغفر ذنبك.
فاحتمال الذنب في السفر أعلى منه بكثير في الحضر، كما قلت: الرقابة انتهت، قال: زدني؟ قال: ويسر لك الخير حيث كنت، أنت ذاهب لغاية، لمهمة، لزيارة، لطلب علم، فينبغي أن تكون محافظاً على طاعتك لله أولاً، ومحافظاً على استغفارك ثانياً، وطالباً من الله تحقيق الهدف الذي من أجله ذهبت إلى هذا البلد.
من يسافر يرى آيات الله الكونية الدالة على عظمته :
رجل آخر سأل النبي عليه الصلاة والسلام:
(( يا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُسَافِرَ فَأَوْصِنِي؟ قَالَ: عَلَيْكَ بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ...))
أنت إذا سافرت سوف تشاهد آلاء الله عز وجل، إذا ركبت طائرة سوف تكون فوق الغيوم، سوف ترى بعض الآيات التي لا تراها في الأرض، مرة سافرت إلى المغرب في يوم صاح جداً، الطائرة سارت فوق ساحل إفريقيا الشمالي، وكأن هذا الساحل بكل تفاصيله وبكل مدنه وبكل خلجانه وتضاريسه يراه المسافر، أنت إذا سافرت ترى آيات كونية دالة على عظمة الله، قد ترى الشلالات، الجبال الشاهقة، الوديان السحيقة، الغابات العذراء، هذا كله تراه في السفر، فأنت يتاح لك في السفر أن ترى من آيات الله ما لا تراه في بلدك، لأن الذي في بلدك ألفته، لذلك:
((... وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ فَلَمَّا أَنْ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ))
أحياناً هذه المسافات الشاسعة تقصر، وأحياناً تطول، لو حدث مشكلة وتعطلت المركبة تنتظر ساعات وساعات، وقد تنام في الفندق، وأحياناً يكون الأمر ميسراً، من خلال حديث ممتع تقطع هذه المسافة كلها، إذاً النبي عليه الصلاة والسلام، قال:
((... .. اللَّهُمَّ اطْوِ لَهُ الْأَرْضَ وَهَوِّنْ عَلَيْهِ السَّفَرَ))
أهم شيء في السفر أن تدعو الله أن يصون لك دينك و يعينك على أداء مسؤولياتك :
أيها الأخوة الكرام، رجل ثالث أراد سفراً:
((إِذَا وَدَّعَ رَجُلًا أَخَذَ بِيَدِهِ فَلَا يَدَعُهَا حَتَّى يَكُونَ الرَّجُلُ هُوَ يَدَعُ يَدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولُ اسْتَوْدِعْ اللَّهَ دِينَكَ وَأَمَانَتَكَ وَآخِرَ عَمَلِكَ))
أهم شيء في السفر أن تدعو الله أن يصون لك دينك، وأنا أعني ما أقول كم من إنسان ما كان يخطر في باله أن يزني زنا في السفر، وكم من إنسان ما كان يخطر في باله أن يقع في معصية وقع بها في السفر، ادعُ الله في السفر أن يصون لك دينك.
الشيء الذي يلفت النظر الآن هناك مصطلح جديد لم يكن من قبل اسمه: السياحة الجنسية، أي يسافر ليزني، ولاسيما في شرق آسيا، آلاف المسلمين مئات ألوف المسلمين من بلاد مقدسة يسافرون للزنا.
وأن يعنيه على النهوض بمسؤولياته في السفر، وأن يجعل ختام أعماله حسناً، لذلك أرقى أنواع السفر أن تسافر لطلب العلم، ويأتي بعده السفر جهاداً في سبيل الله، ويأتي بعده السفر من أجل اكتساب الرزق، أما السياحة الجنسية فلم ترد إطلاقاً إلا في عصور الفجور.
((عَنْ عَلِيِّ بْنِ رَبِيعَةَ قَالَ: شَهِدْتُ عَلِيًّا أُتِيَ بِدَابَّةٍ لِيَرْكَبَهَا فَلَمَّا وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ ثَلَاثًا فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثُمَّ قَالَ سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ ثُمَّ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَكْبَرُ ثَلَاثًا سُبْحَانَكَ إِنِّي قَدْ ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ...))
وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا آب من السفر يقول: آيبون –عائدون- وإنا إلى ربنا لمنقلبون، الإنسان قد يسافر ولا يعود، قد يسافر في الطائرة ويعود في نعش، كبضاعة تخلص، الذي يسافر قد لا يعود وهذه حكمة بالغة، كنت مرة في سفر هناك مدينة لا بد من أن نمكث فيها ساعة ونحن في الطائرة، أنا أراقب البضائع التي تنتقل من الطائرة إلى المطار من بين هذه البضائع نعش، ومرة لي صديق توفي في بلد بعيد فجاء في نعش خلص في المطار كما تخلص البضاعة تماماً، يكون إنسان يصير بضاعة، فلذلك: آيبون حامدون إلى ربنا منقلبون.
ما من جهة يمكن أن تكون معك في السفر ومع أهلك في الحضر إلا الله :
وكان النبي عليه الصلاة والسلام إذا سافر يقول:
((.... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى ...))
أي العمل الصالح:
((.... اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَمِنْ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا اللَّهُمَّ اطْوِ لَنَا الْبُعْدَ اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ وَالْمَالِ ...))
((....... اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ ...))
ما من جهة يمكن أن تكون معك في السفر ومع أهلك في الحضر إلا الله، والدعاء الذي يصلح للسفر: "اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلاً"، أحياناً تتعطل الطائرة في مدينة بين مدينتين، لا بد من أن تبقى في المطار ساعات وساعات، وقد تزيد عن أربع وعشرين ساعة لا تستطيع أن تنام، ولا أن تستيقظ، ولا أن تجلس، وليس معك تأشيرة لدخول المدينة، في السفر متاعب لا يعلمها إلا المسافر، حتى مع رقي الطائرات والمركبات والقطارات، ففي العودة من السفر:
((.......آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ))
من أراد دخول قرية ما فعليه قراءة الدعاء التالي :
النبي عليه الصلاة والسلام إذا كان مسافراً ورأى قرية يريد أن يدخلها يقول حين يراها:
(( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْن، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا،وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا ))
مرة كنت في أمريكا وخطبت في أحد جوامع بلدة اسمها ديربون، رأيت نعشاً في المسجد بعد أن انتهينا من الصلاة صلينا عليه، وشيعنا هذه الجنازة، قال خطيب المسجد كتعليق: إنه شاب من سوريا جاء ليعمل وعمل في محطة وقود، دخل زنجي أراد أن يسرق من المحطة شيئاً فمنعه، في اليوم التالي خرج هذا الشاب من عمله تلقى رصاصة من هذا الزنجي فقتله، قلت: سبحان الله! هذا حينما خرج من بلده وأخذ هذه التأشيرة شعر كأنه في الجنة، انتقل إلى بلد الحرية - سابقاً طبعاً- والديمقراطية وحقوق الإنسان، وما إلى ذلك من هذه الأكاذيب التي كانوا يكذبون بها على الناس، ما كان يخطر في باله أنه سوف يلقى حتفه في هذا البلد، السفر -وما لا أزال أقول- مظنة هلاك، لذلك كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا دخل قرية يقول:
(( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ ، وَرَبَّ الأَرَضِينِ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْن، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا ))
قواعد التعامل في السفر :
لذلك من خلال هذا الكلام عن السفر النبي عليه الصلاة والسلام يقول: المسافر شيطان، وحده، أما إذا كانوا ركباً فهم جماعة، ينصح بعضهم بعضاً، قد يقول لي أحدهم: أنا مسافر بماذا تنصحني؟ أقول: ابحث عن صديق مؤمن واسكن معه، واسكن في مكان قريب من مركز إسلامي، وأدِّ الصلوات في المسجد، أنت حينما تكون بعيداً ينبغي أن تكون قريباً من الله عز وجل، ومرة كنت في مؤتمر فقال بعض الدعاة يخاطب المسلمين في هذه البلاد البعيدة قال: أنصحكم أن تقلدوا اليهود أينما ذهبوا، هناك حي خاص بهم، أنت إذا ذهبت إلى بلد اسكن في حي يكثر فيه المسلمون، هناك من يعرف دينك، هناك من يقدر ورعك، يقدر عباداتك، وهناك رواية أخرى لهذا الدعاء:
((اللهم إني أسألك من خير هذه وخير ما جمعت فيها وأعوذ بك من شرها وشر ما جمعت فيها اللهم ارزقنا جناها -أي ما يجنى منها من ثمار- وأعذنا من وبائها وحببنا إلى أهلها وحبب صالح أهله إلينا))
كل بلد فيها خير وفيها شر، مرة زارني إنسان من الخليج في جامع الطاووسية يسأل عن بعض القضايا الدينية، قلت: سبحان الله إنسان يأتي من بلاد بعيدة يبحث عن بعض أحيائها المشبوهة، وإنسان يبحث عن مساجدها، وفرق كبير بين هذا وهذا، هذا يبحث عن الحق وأهله، وذاك يبحث عن المعصية وأهلها، شتان بين المؤمن وغير المؤمن، سبحان الله هذه الأحاديث التي وردت عن النبي عليه الصلاة والسلام هي في حقيقتها دروس وعبر وقواعد في التعامل في السفر.