- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أشقى إنسان على وجه الأرض من جلس في خندقٍ مضادٍ للحق :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الغربة، وهو من الموضوعات المتعلقة بـ :"سبل الوصول وعلامات القبول".
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه خرج يوماً إلى مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد معاذ بن جبل قاعداً عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يبكي، فقال: ما يبكيك؟ أي لَمَ تبكي؟ قال: يبكيني شيءٌ سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم، سمعته يقول:
(( اليسير من الرياء شرك ))
الرياء أن تترك عملاً يرضي الله من أجل الناس، هذا رياء:
(( الشرك أخفى من دبيب الذر على الصفا في الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب على شيء من الجور وتبغض على شيء من العدل ))
مثلاً إنسان نصحك وهو مستقيم، أبغضته لأنه نصحك، وإنسان لك عنده مصلحة فجاملته على هذه على خطئه فهذا أحد أنواع الشرك، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( اليسير من الرياء شرك، ومن عادى أولياء الله فقد بارز الله بالمحاربة ))
أقول لكم هذه الكلمة: أشقى إنسان على وجه الأرض من جلس في خندقٍ مضادٍ للحق، من حارب الله ورسوله:
(( إن الله يحب الأبرار ))
الأبرار جمع بر، والبر هو الطائع لله عز وجل، برٌ بوالديه يقدم لهما كل خدمة نقيض العاق، مؤمنٌ بر مؤمنٌ طائع.
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء ))
في التعتيم لا في الأنوار، أي هناك إنسان مشهور و إنسان غير مشهور، فغير المشهور إذا كان تقياً فالله عز وجل يحبه، ومن عرف نفسه ما ضرته مقالة الناس به:
(( ابتغوا الرفعة عند الله ))
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا ))
إنسان من عباد الله الطائعين المتقين غاب، لا أحد يعرفه حتى يسأل عنه.
(( وإن حضروا لم يعرفوا قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ))
أي مجتمع مغبَّر، قاتم، منصرف عن الله، شارد، هناك ظلم، هناك شهوات و معاص وآثام، من هذه البيئة السيئة، الشاردة، المنحرفة، يخرج.
والله سمعت عن إنسان عنده ملهى، ولو أن ابنته طلبت منه المليون تلو المليون ما سألها لَمَ؟ هي اعتقدت أن مال أبيها حرام، فعملت معلمة في أحد ضواحي دمشق، وتسكن في بيت وحدها، وتأكل من مالها، ولو طلبت من أبيها المليون تلو المليون لما سألها لِمَ هكذا؟
على المؤمن أن يكون مع القلة المؤمنة الطائعة لا مع الكثرة الفاجرة الكافرة :
أيها الأخوة:
(( إن الله يحب الأبرار الأتقياء الأخفياء الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يعرفوا، قلوبهم مصابيح الهدى يخرجون من كل غبراء مظلمة ))
من مجتمع منحط، من مجتمع منافق، من مجتمع ظالم، من مجتمع شارد، من مجتمع يعبد الشهوات من دون الله، من مجتمع مادي مقيت، من هذا المجتمع يخرج شابٌ مؤمن، فكن غريباً عن هذا المجتمع، كن مع القلة المؤمنة الطائعة، ولا تكن مع الكثرة الفاجرة الكافرة، كن مع القلة التي تعرف الله، ولا تكن مع الكثرة التي شردت عن الله، والحديث اليوم عن الغربة.
فعن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية؟ قال: آية! أية آية؟ قلت: قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ﴾
قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً ـ الآية متداولة جداً، وقد تفهم فهماً على غير ما أراد الله عز وجل ـ قال: والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
(( ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً ))
مادية مقيتة، يبيع دينه بيمينٍ كاذبة، يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا قليل:
(( حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ))
الجنس:
(( ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه ))
كل إنسان كأنه محور العالم:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
***
كأنه مشرع، هذه لم أقتنع بها، من أنت؟ إله؟ خالق السماوات والأرض أنزل كتاباً، وجاء نبيٌ هو سيد الخلق وحبيب الحق شرح هذا الكتاب، وعندك غير مقبول:
يقولون هذا عندنا غير جائز فمن أنتم حتى يكون لكم عندُ؟
***
(( وإعجاب كل ذي رأي برأيه))
أليست هذه صفات مجتمعاتنا؟
عليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة إذا انتشر الفساد :
(( إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك ))
خاصة نفسك أي أهلك، جيرانك، أصدقاؤك، أخوانك، زملاؤك، هذا معنى خاصة نفسك أهلك، أقاربك، جيرانك، أخوانك في المسجد، زملاؤك في العمل، أصدقاؤك، أقرباؤك:
(( ودعهم وعوامهم فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير، إن تكلم قتلوه وإن سكت استباحوه، فإن وراءكم أيام الصبر صبر فيهن كقبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين يعمل مثل عملكم، قيل يا رسول الله: أجر خمسين منا أم منهم؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون ))
تجد بيتاً مسلماً، يرتاد المساجد، فالشاب إذا أراد أن يغض بصره عمن لا يحل له تقوم عليه الدنيا ولا تقعد في البيت المسلم، إذا رفض شابٌ الاختلاط تقوم عليه الدنيا من أهله، من بيوت المسلمين، وهذه النسوة الكاسيات العاريات من أين جاؤوا؟ من بيوت المسلمين، أين الأب؟ أين الأم؟ لذلك قال عليه الصلاة والسلام:
(( ابتغوا الرفعة عند الله ))
بطولة الإنسان أن يكون عند الله مقبولاً :
دققوا في هذه الآية:
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ﴾
البطولة أن يكون لك عند الله مقعد صدق، أن تكون عند الله مقبولاً، أن يكون الله راضياً عنك:
﴿ أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ ﴾
﴿ أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ﴾
﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ * مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ﴾
﴿ أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ ﴾
المسلمون بمجموعهم غرباء في هذا العالم :
لذلك أيها الأخوة، عندنا سلسلة موازنات؛ أولاً: المسلمون بمجموعهم غرباء عند أهل الأرض، كيف؟ أربعمئة وخمسين مليون إنسان في الهند يعبدون البقر من دون الله، البقرة إذا مشت في الطريق قطعت الطريق لأنها إله، فإذا دخلت إلى مكان فيه فواكه تأكل من الفواكه ما لذّ وطاب، وصاحب المحل في أعلى درجات الغبطة، يوضع أحياناً روث البقر في غرف الضيوف، أربعمئة وخمسين مليون إنسان يعبدون البقر من دون الله، ثلاثمئة وخمسين مليون في شمال الهند يرفعون شعار لا إله، أوروبا بأكملها إلا ما ندر ملحدة، هؤلاء الذين يفتكون بالشعوب، يدمرون الشعوب، يقتلون الأطفال والنساء، هؤلاء ملحدون ما رأوا إلا قوتهم، أليس المسلمون غرباء؟ هذه غربة، المسلمون بمجموعهم غرباء، هناك من يعبد الجرذان، عندي تحقيق مطول، الجرذان لها معابد، وأتباع، وفي المعبد عشرة آلاف جرذ، يأتي الإنسان ويتوسل لهؤلاء الجرذان، هؤلاء بشر؟ هناك من يعبد الحجر، من يعبد الشمس والقمر، أليس المسلمون غرباء في هذا العالم؟ هناك أخطاء كثيرة عندنا، لكن هل من الممكن أن تفكر في إبادة شعب إبادة كاملة وأنت مرتاح؟ مليون قتيل في العراق، خمسة ملايين مشرد، مليون معاق من أجل الحرية والديمقراطية؟ ممكن! المسلمون في هذا المجتمع غرباء.
(( يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى ولا يستطيع أن يغير))
ثلاث وثلاثون بالمئة من حالات الزنا في الغرب، زنا محارم، تصور الأب مع ابنته، الأخ مع أخته، والعياذ بالله، ألسنا غرباء؟ وزير إيطالي يقول: أنا شاذ جنسياً بتصريح رسمي، وزير الصحة البريطاني يقول: أنا شاذ جنسياً، سفير دولة عظمى أُقيم له حفل وداع في العاصمة الكبرى في العالم، عاصمة القطب الواحد، حضر هو وشريكه الجنسي شيء طبيعي جداً، والآن الشريك الجنسي في العالم الغربي كالزوجة تماماً، ألسنا غرباء عن هذا العالم؟.
فتاة وضعت قطعة قماش على رأسها في فرنسا، قامت الدنيا ولم تقعد؟ ألسنا غرباء؟ فالمسلمون بمجموعهم غرباء في هذا العالم.
المؤمن المستقيم الورع غريب مع المسلمين و أهل العلم غرباء مع المؤمنين :
الآن المؤمنون غرباءٌ في المسلمين، مسلم نشأ من أب وأم مسلمين، يصلي خمسة أوقات، يحج، ويذهب إلى العمرة، ويدفع زكاة ماله، لكن بيته غير إسلامي، عمله غير إسلامي، دخله غير إسلامي، إنفاقه غير إسلامي، علاقاته غير إسلامية، فالمؤمن المستقيم الورع غريب مع المسلمين، الآن أهل العلم غرباء مع المؤمنين، هذا دارس متبحر، الله قال:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أهل العلم عرفوا سرّ وجودهم وغاية وجودهم، عرفوا ربهم، أخلصوا له، أطاعوه، أقبلوا عليه، خدموا عباده، يحمل رسالة، أنا أكثر شيء لفت نظري في العالم الغربي أن الإنسان بلا رسالة، همه بطنه وفرجه فقط، ينام كالدابة، لا يعرف حقاً ولا باطلاً، ولا خيراً ولا شراً، تجد مسلماً في دولة نامية همّه هداية الناس، يصلي قيام الليل، يأتي إلى المسجد، يحاول أن يدعو إلى الله عز وجل، يحضر مجلس علم، تجد المسلم عنده رسالة،فطلاب العلم عند المؤمنين غرباء، المؤمن مستقيم، المسلم ينتمي للإسلام:
﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ﴾
فالمسلم ينتمي لهذا الدين من أب وأم مسلمين، أما المؤمن مستقيم، أما طالب العلم أساساً ما عطاء أعظم من العلم،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أهل العلم غرباء في المؤمنين.
كلما ارتفع مقام الإنسان ضاقت الدائرة التي فيها أمثاله :
الآن وأهل السنة هؤلاء الذين تتبعوا السنة وعرفوا دقائقها، وعرفوا الأهواء والبدع، غرباء في أهل العلم مراتب، والنبي عليه الصلاة والسلام غريبٌ مع المؤمنين:
(( أبيت يطعمني ربي ويسقيني ))
(( لو تعلمون ما أعلم لبكيتم كثيراً ولضحكتم قليلاً ))
أي المؤمن الراقي، طالب العلم، إذا كان بخير هو ومن حوله يقول لك: الحمد لله، أما النبي يحمل همّ البشرية.
أي كلما ارتفع مقامك ضاقت الدائرة التي فيها أمثالك، كأن الحياة موشور أوسع دائرة في الأسفل، فكلما صعدت نحو الأعلى ضاقت الدوائر، فأنا أتمنى أن يكون المؤمن في الأفق الأعلى:
﴿ وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى ﴾
(( إن الله عز وجل يحب معالي الأمور ويكره سفسافها ))
(( من أصبح وأكبر همه الدنيا جعل الله فقره بين عينيه، وشتت عليه شمله، ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له، ومن أصبح وأكبر همه الآخرة جعل الله غناه في قلبه، وجمع عليه شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة ))
(( عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعَ بخلقهن، أفيعييني رغيفٌ أسوقه إليك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا ـ الدنيا بمالها ـ تركض فيها ركض الوحش في البرية، ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي وكنت عندي مذموماًَ، أنت تريد وأنا أريد، فإذا سلمت لي فيما أريد كفيتك ما تريد، وإن لم تسلملي فيما أريد أتعبتك فيما تريد، ثم لا يكون إلا ما أريد ))
المؤمن مع المؤمن ليس بينهما غربة :
أيها الأخوة، لكن عندنا متنفس، المؤمن مع المؤمن ليس بينهما غربة، لذلك قال تعالى:
﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾
هناك مجالس أنس، مجالس طرب، مجالس اختلاط، نساء رائعات، جلسة مختلطة، طُرف، يقول لك: والله سررنا كثيراً:
﴿ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا ﴾
معنى أغفلنا باللغة وجدناه غافلاً، عاشرت القوم فما أجبنتهم ما وجدتهم جبناء، عاشرت القوم فما أبخلتهم ما وجدتهم بخلاء،
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ ﴾
بمعنى دقيق من وجدناه غافلاً:
﴿ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾
لذلك:
(( رُبَّ أشعث أغبر ))
أغبر أي ليس أبيض اللون، لونه داكن، ملون:
(( رب أشعث أغبر ذي طمرين تنبو عنه أعين الناس لو أقسم على الله لأبره ))
ورد في بعض الآثار أن النبي رحب بصحابي ترحيباً غير طبيعي قال له:
(( أهلاً بمن خبرني جبريل بقدومه، قال له: أنا؟ قال له: أنت، قال له: أنا يا رسول الله؟ قال له: أنت، أنت خاملٌ في الأرض علمٌ في السماء ))
الغربة نعمةٌ وليست نقمة
إذا كان الإنسان مع القلة المؤمنة الصادقة :
لذلك:
(( ابتغوا الرفعة عند الله ))
مثلاً أنت ترى إنساناً كافراً، يقول عليه الصلاة والسلام:
(( اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً، فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ))
قد يستجيب الله لدعوة كافرٍ مظلوم:
(( إياكم والظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة ))
هناك حديثٍ آخر:
(( أَلَا أُخْبِرُكَ عَنْ مُلُوكِ الْجَنَّةِ قُلْتُ بَلَى قَالَ رَجُلٌ ضَعِيفٌ مُسْتَضْعِفٌ ذُو طِمْرَيْنِ لَا يُؤْبَهُ لَهُ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
لو لم تكن مشهوراً، لو لم تكن الأضواء مسلطة عليك، لو كنت في التعتيم:
(( كَمْ مِنْ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ذِي طِمْرَيْنِ ـ أي ثوبين باليين ـ لَا يُؤْبَهُ لَهُ، لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ ))
أي الغربة الآن نعمة، إذا كنت مع القلة المؤمنة الصادقة، وكلام آخر: إن لم تكن طرفاً مؤامرةٍ قذرة هدفها إفقار المسلمين، أو إضلالهم، أو إفسادهم، أو إذلالهم، أو إبادتهم، فأنت من ملوك الآخرة.
إذاً الغربة نعمةٌ وليست نقمة.
على الإنسان في شأن الدنيا أن ينظر لمن هو أدنى منه :
لكن هناك توجيهات: في الدنيا انظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك، إنسان أحياناً يزور مستشفى، يرى أمراضاً عضالة، فانظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تزدري نعمة الله عليك، وفي بعض الأقوال: من دخل على الأغنياء خرج من عندهم وهو على الله ساخط، يقول لك: بيت سعره يقدر بمئة وثمانين مليوناً، فيه فرش بخمسين مليوناً، هو عنده بيت يقدر بستين متراً تحت الأرض، هذه الدنيا.
دخلوا على سيدنا أبي عبيدة بن الجراح، وجدوا غرفة فيها قدر ماء مغطى برغيف خبز، يجلس على جلد غزال، والسيف معلق، قالوا: ما هذا؟ قال: هو للدنيا وعلى الدنيا كثير ألا يبلغنا المقيل؟
لذلك من دخل على الأغنياء طبعاً الغير مؤمنين، المتفلتين، الذين يتباهون بما عندهم، ويكسرون قلب الفقير، من دخل على الأغنياء خرج من عندهم إذا كان غافلاً وهو على الله ساخط، يا عائشة:
(( إِن كنتِ تريدين الإِسراعَ واللُّحوقَ بي فَلْيَكْفِكِ من الدنيا كزاد الرَّاكب، وإِيَّاك ومُجالسةَ الأغنياء، ولا تَسْتَخْلِقي ثَوبا حتى تُرَقِّعيهِ ))
أي انظر لمن هو أدنى منك، فذلك أحرى ألا تزدري نعمة الله عليك، أي:
(( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا ))
ملك سأل وزيره من الملك؟ قال له: أنت، قال له: لا، الملك رجلٌ لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيتٌ يؤويه، ورزقٌ يكفيه، وزوجة ترضيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إذلاله، فالملك هو إنسان، له بيتٌ يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزقٌ يكفيه، هذا في شأن الدنيا، أما في شأن الآخرة: اصحب من هو أتقى منك، واصحب من هو أعلم منك، وقال بعضهم: لا تصاحب من لا ينهض بك إلى الله حاله، ويدلك على الله مقاله، أنت في شأن الدنيا انظر لمن هو أدنى منك، وفي شأن الآخرة انظر لمن هو أتقى منك.