- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الله سبحانه وتعالى أصل الإحسان:
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الموضوع الأول، الأول رتبةً، والأول ترتيباً، إنه موضوع الإحسان، وقد ذكرت مراراً وتكراراً في دروس أسماء الله الحسنى أن أسرع وصول إلى الله أن تتخلق بخلق مشتق من كمال الله، فالله عز وجل رحيم، أقرب طريق إلى الله أن ترحم من حولك.
(( إن كنتم تحبون رحمتي فارحموا خلقي ))
(( الراحمون يرحمهم الله، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء ))
أسماء الله كلها حسنى، وصفاته فضلى، والبطولة أن تتخلق بخلق مشتق من كمال الله تتقرب به إليه، فالله سبحانه وتعالى أصل الإحسان، الدليل قال تعالى:
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
أصل الشر ناتج من سوء الاستخدام ومخالفة منهج الله:
الخطأ الذي يأتي من مخلوق حُمّل الأمانة، أودعت فيه الشهوات، أُعطي حرية الاختيار، فتحرك بدافع من شهواته من دون منهج الله عز وجل، هذا هو الخطأ الوحيد في الكون، الإنسان مخير، أودع الله فيه الشهوات، أعطاه منهجاً فتحرك لإرواء شهواته من دون هذا المنهج، وهذا الخطأ الذي يقع محسوب بدقة بالغة، لن يقع خطأ على حساب خطأ.
فلذلك الله عز وجل أصل الإحسان،
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
الشر سوء استعمال، وتوضيح هذه الفكرة: هناك مسحوق أبيض هو السكر، ومسحوق أبيض هو الملح، ومسحوق أبيض هو مادة تنظيفية، مواد مهمة، مفيدة، غالية، صالحة للإنسان، أما لو وضعت مسحوق التنظيف في طبخة غالية جداً انتهت، هذا شر، هذا الشر شر ناتج من سوء الاستخدام.
سيارة من أحسن موديل قادها إنسان مخمور، فهبط في الوادي، فأصبح شكلها غريباً، هذا الشكل الغريب بعد أن ارتطمت بالصخور مئات المرات، هذا الشكل يحتاج إلى معمل؟ لا، هل هناك معمل صمم هذا الشكل؟ مستحيل!.
(( والشَّرُّ لَيسَ إليكَ ))
أصل الشر ناتج من سوء الاستخدام، من مخالفة منهج الله.
ما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل :
الحقيقة الدقيقة أنه ما من مصيبة على وجه الأرض من آدم إلى يوم القيامة إلا بسبب خروج عن منهج الله ، وما من خروج عن منهج الله إلا بسبب الجهل، والجهل أعدى أعداء الإنسان، والجاهل يفعل في نفسه ما لا يستطيع عدوه أن يفعله به، بل إن أزمة أهل النار في النار أزمة جهل.
﴿ وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾
فالله سبحانه وتعالى أصل الإحسان،
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والإنسان أكمل المخلوقات، وقال تعالى:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
تمشي في الطريق تستمع إلى صوت بوق، هناك جهاز بالدماغ بالغ الدقة، يحسب تفاضل وصول الصوتين إلى الأذنين، التفاضل واحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، بهذا الجهاز الرائع تكتشف جهة الصوت،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
أفضل كلام في الكون هو كلام الله عز وجل:
الشيء الآخر: أفضل كلام في الكون هو كلام الله عز وجل فقد قال تعالى:
﴿ اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ ﴾
فأصل الإنسان من عند الله، خلقه إنسان كامل،
﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
والإنسان المخلوق الأول عند الله،
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
وأحسن كلام على الإطلاق كلام الله عز وجل.
(( فَضْلُ كَلَامِ اللَّهِ عَلَى كَلَامِ خَلْقِهِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))
الآن أحسن كلام يسمعه الإنسان هو القرآن، وأحسن كلام يقوله هو:
﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾
الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم :
وأنا أقول لكم دائماً: الدعوة إلى الله فرض عين على كل مسلم، أنت لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فرض، ويجب أن تعتقد اعتقاداً جازماً أن الدعوة إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فرض عين على كل مسلم، والدليل:
(( بلِّغُوا عني ولو آية ))
والدليل:
﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ ﴾
التواصي بالحق ربع النجاة، الإنسان خاسر لا محال إلا إذا عرف الحقيقة، وعمل وفقها، ودعا إليها، فالدعوة إلى الله في حدود ما تعلم، ومع من تعرف، فرض عين على كل مسلم.
فلذلك أعظم كلام تسمعه القرآن، وأفضل كلام تقوله الدعوة إلى الله.
سعي الشيطان إلى إفساد العلاقة بين الناس عن طريق الكلمة القاسية :
الآن في الحديث اليومي بين الزوجين، بين الشريكين، بين الصديقين، بين الأخوين، بين الجارين، قال تعالى:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
تكلم صديقك كلاماً، تقول له: ألا تفهم؟ طول بالك، قل له: أنا أعتقد أن هذا الكلام يحتاج إلى دراسة، هناك أدلة تخالف هذا الرأي، أنت رددت كلامه لكن بأسلوب لطيف
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
لأن الشيطان يسعى إلى إفساد العلاقة بين إنسانين عن طريق الكلمة القاسية، أحياناً كلمة قاسية من الزوج تسبب خروج الزوجة إلى بيت أهلها، الأمر يتفاقم ينتهي إلى الطلاق، أحياناً شركة تنفض بسبب كلمة قاسية من شريك، أحياناً زواج ينتهي بسبب كلمة قاسية، بتاريخ البشرية حروب دامت عشر سنوات أحرقت الأخضر واليابس بسبب كلمة قالها سفير، إذاً:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ ﴾
هذه كلها قوانين، فأنت إذا ضبطت لسانك مع زوجتك، أحياناً كلمة من زوجة فيها قسوة، وفيها تطاول، تسبب طلاقها، أحياناً كلمة من شريك تسبب فسخ هذه الشركة،
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
أنا حينما أقرأ تاريخ الصحابة أرى كلاماً مدهشاً، امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر، قالت: يا أمير المؤمنين إن زوجي صوام قوام، لم ينتبه سيدنا عمر، قال لها: بارك الله لك بزوجك، سيدنا علي إلى جانبه قال له: إنها تشكو زوجها، صوام في النهار، قوام في الليل، أهملها، أرأيت إلى هذا الأدب؟.
انضباط اللسان و الكلمة الطيبة من لوازم المؤمن:
أيها الأخوة، من لوازم المؤمن انضباط اللسان، من لوازم المؤمن الكلمة الطيبة، الكلمة الطيبة صدقة، عندك مستخدم، كيف حالك يا بني؟ مرتاح؟ أهلك بخير؟ بابتسامة، يبقى مطروباً لهذه الكلمة لمدة شهر.
فلذلك:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
يمكن بالكلمة الطيبة أن تؤلف القلوب، أن تجمع القلوب حولك، والكلمة الطيبة يستطيعها كل إنسان، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يكن فحاشاً ولا بذيئاً، المزاح الرخيص، المزاح الجنسي، هذا يتناقض مع الإيمان، المؤمن منضبط في لسانه.
(( لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ))
الجنة هي أحسن شيء يصل إليه الإنسان :
الآن لا زلنا أن الله سبحانه وتعالى أصل الإحسان، أحسن شيء يصل إليه الإنسان الجنة، قال تعالى:
﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾
الحسنى هي الجنة.
﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى ﴾
أيها الأخوة:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
هذا موضوع الإحسان، جزاؤه الجنة،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الجنة، والجنة:
(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
أي دائرة المرئيات محدودة، يقول: أنا زرت مثلاً مكة المكرمة، زرت بيروت، زرت لندن، زار سبع مدن، بل مئات، بل ألوف المدن في العالم، لكن يسمع بها في الأخبار، كوالالمبور عاصمة ماليزيا، هذه مدينة سمع بها، أما هناك مدينة رآها، دائرة محدودة أما المسموعات كبيرة جداً، أما الخواطر ليس لها نهاية.
(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
هذه لمن أحسن في الدنيا،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
والمؤمن يصدق بالحسنى، الجنة والنار أدخلها في حساباته اليومية،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾:
﴿ وَزِيَادَةٌ ﴾
أسعد إنسان على وجه الأرض من وصل إلى رضوان الله :
قال العلماء: الزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
وفي بعض الآثار: الإنسان إذا رأى وجه الله الكريم يغيب من نشوة النظرة خمسين ألف عام.
وفي آية أخرى:
﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
صار في جنة:
(( فيها ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))
وفيها:
﴿ وَحُورٌ عِينٌ ﴾
وفيها:
﴿ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ ﴾
وفيها من كل شيء، وفوق ذلك النظر إلى وجه الله الكريم، وفوق ذلك:
﴿ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أية حركة في الأرض يمكن أن توصف بأنها إحسان أو إساءة :
أيها الأخوة،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
الآن دقق:
﴿ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
دائماً المحسن عزيز، أدى عمله بالتمام والكمال، تأخر جاءه توبيخ بقي شهراً منزعجاً،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ﴾
قانون العزة أن تكون محسناً، طبيب محسن، صانع محسن، تاجر محسن، أب محسن، زوج محسن، الكلمة واسعة جداً، أية حركة في الأرض يمكن أن توصف بأنها إحسان أو إساءة.
الآن
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾
الجنة،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ﴾
في هذه الدنيا حسنة، صار:
﴿ وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ﴾
جنة في الأرض، وجنة في يوم القيامة، جنتان، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، والدليل:
﴿ وَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾
في الدنيا، ذاقوا طعمها.
كل شيء يدل على الله أما الامتحان فلتربية الناس :
لذلك بقلب المؤمن من الطمأنينة، والسعادة، والسكينة، ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم.
الآن لو نحن أنشأنا مدرسة بأعلى مستوى من التدريس، بأعلى مستوى من المدرسين، المناهج، الكتب، وسائل الإيضاح، المخابر، هذه المدرسة أجرينا فيها امتحاناً، المفروض أن ينجح كل الطلاب، الامتحان لا من أجل أن نفرز الناجح من الراسب، لا، من أجل أن نرتب الناجحين فقط.
لأن الله عز وجل أعطانا كل شيء، الكون ينطق بوجود الله، ووحدانيته، وكماله، الكتب، الأنبياء، المعاملة اليومية، الحوادث، كل شيء يدل على الله، المفروض أن ينجح جميع الخلق، أما الامتحان لترتيبهم، الآية:
﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾
المعنى دقيق جداً، الامتحان من أجل ترتيب الناجحين فقط، أما حينما يرسب الإنسان، يكون بعيداً عن أن يكون منطقياً، يكون بعيداً عن أن يفكر بعد الأرض عن السماء.
ودائماً وأبداً الخير يجلب الخير، والإحسان يقود إلى الإحسان، لكن الله جل جلاله كافأ المحسن بالزيادة.
﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾
من بذل شيئاً في سبيل الله شجعه الله وكافأه في الدنيا قبل الآخرة :
والله أيها الأخوة، معي قصص لا تنتهي، عن إنسان بذل فجاء جواب الله في الدنيا قبل الآخرة، أعطاه أضعافاً مضاعفة.
قال لي إنسان: أنا كل طموحي أن آخذ مشروعاً فقط بمئة و خمسين مليوناً، وأعمل عملاً لوجه الله، وسيكلفه العمل سنتين، ولوجه الله، قال لي: الله كافأني بمشروع يقدر بمليار ومئتي مليون:
﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾
و لا يوجد أخ من أخواننا الكرام إذا بذل شيئاً في سبيل الله إلا ويشجعه الله عز وجل ويكافئه في الدنيا قبل الآخرة،
﴿ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الآن إذا أنت أحسنت، أب محسن، معلم محسن، مدرس محسن، أستاذ جامعي محسن، طبيب محسن، محسن أي مستقيم، صادق، أمين، لطيف، هذا الإحسان، صار هذا المحامي المحسن قدوة لمحام شاب يتدرب عنده، هذا الأب المحسن صار قدوة لأولاده، هذا المعلم المحسن صار قدوة لتلاميذه، هذا المدير العام المحسن صار قدوة للمعاون، ولبقية الموظفين، فأي إنسان محسن أصبح أسوة حسنة، له أجران، أجره وأجر من قلده، قال تعالى:
﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾
إن أحسنت لك أجران، إن أحسنت وكنت في موقع القيادة فلك أجران.
الآن استعرت حاجة، إنسان قبل أن يموت أوصى أولاده، وكان أمامه مكتبة ضخمة جداً أربعة جدران من الأرض إلى السقف كلها كتب، أوصاهم ألا يعيروا كتاباً واحداً من هذه المكتبة، لِمَ يا أبتِ؟ قال: لأن كل هذه الكتب كتب استعرتها. استعرت كتاباً:
﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
أداء إليه، أخي تعال وخذ الكتاب، أخذته من بيته، شاهده في الطريق أعطاه الكتاب! غير لائق، هذا الكتاب أخذته من البيت أرجعه إلى البيت، أرجعه مجلداً،
﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
إنسان أقرضك، تعال غداً إلى المحل وخذ الدين، لا، جاء إلى بيتك وأخذ المبلغ من بيتك، الأداء ينبغي أن يكون في مكان الأخذ،
﴿ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ﴾
هنا إحسان متعلق بالأداء.
الإحسان وسطي :
أيها الأخوة، باب الإحسان باب طويل، الإحسان وسطي.
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
إن أنفقتم كل أموالكم،
﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
إن لم تنفقوا، فالإحسان بين أن تكون في إنفاق المال كله وبين عدم الإنفاق، والفضيلة وسط بين طرفين،
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ﴾
﴿ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الإحسان في هذه الآية أن تنفق باعتدال.
﴿ وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً ﴾
وفي كل الفضائل الفضيلة بين تطرفين، مثلاً الشجاعة بين التهور والجبن، الكرم بين إتلاف المال وبين البخل، فكل فضيلة وسط بين رذيلتين.
والله أنا حينما أُسر من أخ كريم، عمله طيب، محسن، أدعو له من أعماق أعماقي أن يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، شيء رائع أن تعيش حياة طيبة، بصحة طيبة، زوجتك، أولادك، سمعتك، مكانتك، تأتي المنية إلى الجنة، نعم الدنيا اتصلت بنعم الآخرة، قال تعالى:
﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
وقال بعض العلماء: حسنة الدنيا هي الزوجة الصالحة التي إن نظرت إليها سرتك، وإذا غبت عنها حفظتك، وإذا أمرتها أطاعتك.
الإحسان، يسأل رجل غني كم الفطرة السنة؟ يقول له: خمسون ليرة، يدفع هذا الغني الكبير على كل فرد خمسين ليرة، لا، أنت على كل فرد خمسة آلاف، الإحسان يتناسب مع الدخل، قال تعالى:
﴿ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُحْسِنِينَ ﴾
المحسن الغني ليس له حق أن يدفع الحد الأدنى، ينبغي أن يدفع الحد الأقصى، لكن سبحان الله هذا الإله العظيم يتودد إلينا:
(( يا بنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يا رب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال : أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))
في تودد.
بطولة الإنسان أن يكون محسناً ومستقيماً :
الآن:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً ﴾
إذا أنت أطعمت هرة هذا العمل إقراض لله تعالى، إذا خدمت إنساناً، أسعفت مريضاً، أطعمت جائعاً، أعنت إنساناً كبيراً في السن، وقفت في المركبة العامة لشيخ جليل، أي عمل صالح مع نملة، أثناء الوضوء بالمغسلة يوجد نملة لو توضأت مباشرة لغرقت، انتظرت حتى خرجت، هذا الانتظار عمل صالح، وجدت في المسجد قشة وضعتها في جيبك، أي إحسان هو قرض لله عز وجل.
إذا ملك قال لمواطن: أقرضني ليرة واحدة، هذا الملك يرغب أن يعطيه مئة مليون على هذه الليرة.
أنا أحياناً أضرب مثلاً: لو ملك كلف معلماً أن يعطي ابنه دروساً خاصة، هذا الملك بذهنه أن يعطي هذا المعلم بيتاً وسيارة، لكن المعلم أفقه ضيق جداً، فلما انتهت عشرة دروس قال له: أين الأجرة؟ قال له: أستاذ كم تريد؟ قال له: أريد ألفاً على كل درس، قال له: هذه عشرة آلاف، فوت عليه البيت والسيارة.
أنت حينما تقول: أفعل هذا لوجه الله أنت ذكي جداً، لأن هذا العمل قرض لله عز وجل، والكبير إذا أعطى أدهش:
﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾
هناك أشخاص محسنون لكن غير مستقيمين، هناك مشكلة، قال تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا ﴾
البطولة أن تكون محسناً ومستقيماً.
رحمة الله مطلق عطائه :
أيها الأخوة، أدق آية في هذا الدرس.
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
أكبر سبب كي يرحمك الله، كلمة رحمة الله أوسع عطاء، تقول لي: صحة؟ صحة راحة نفسية! راحة نفسية، سعادة! سعادة، أمن! أمن، رضا! رضا، حكمة! حكمة، بيت منتظم! بيت منتظم، زوجة صالحة! زوجة صالحة، أولاد أبرار! أولاد أبرار،
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ ﴾
جنة؟ جنة، رحمة الله مطلق عطائه،
﴿ إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ﴾
الله عز وجل أعطى الملك لمن لا يحب، وأعطاه لمن يحب، أعطاه لفرعون وهو لا يحبه، أعطاه لسيدنا سليمان وهو يحبه، أعطى المال لمن لا يحب لقارون، أعطاه لمن يحب لسيدنا سليمان، وعبد الرحمن بن عوف، ما دام يعطي هذا الشيء لمن يحب ولمن لا يحب إذاً ليس مقياساً، لكن الذي يحبه ماذا أعطاه؟ دقق:
﴿ وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً ﴾
الحكمة والعلم .
﴿ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾
الإحسان أوسع باب نصل منه إلى الله وأقصر طريق إلى الله :
الآن في غير الجنة هناك حكمة وعلم، آخر شيء:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
الحسنة صفة.
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
بالمجادلة هناك خصومة، بالمجادلة هناك نفوس متوترة، بالمجادلة إذا كان هناك مئة كلمة حسنة ينبغي أن تختار الكلمة الأحسن، آية دقيقة جداً:
﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ ﴾
تلقي درساً تستخدم كلمات حسنة، أما بالحوار:
﴿ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
فصار الإحسان أوسع باب نصل منه إلى الله، وأقصر طريق إلى الله،
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾
﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾