- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
عادات المؤمن مع الإخلاص عبادات :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في موضوع الإخلاص، كموضوعٍ متعلقٍ بسبل الوصول وعلامات القبول.
الحقيقة الأولى: أن أعمالك اليومية، أن عاداتك، أن حرفتك التي تحترفها، أن عملك الذي ترتزق منه، إذا كان في الأصل مشروعاً وفق منهج الله، وسلكت به الطرق المشروعة، وابتغيت منه كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة المسلمين، وغير المسلمين، ولم يشغلك عن فريضةٍ، ولا عن واجبٍ، ولا عن طاعةٍ، انقلب إلى عبادة بالإخلاص، وأنت في محلك التجاري، وأنت في مكتبك الهندسي، وأنت في عيادتك، وأنت في الحقل، وأنت في الصف، عملك اليومي، حرفتك، إذا كنت مخلصاً لله، وابتغيت بها كفاية نفسك، وأهلك، وخدمة المسلمين وغير المسلمين، وما شغلتك عن واجبٍ، ولا عن فريضةٍ، انقلبت إلى عبادة، لذلك قالوا: عادات المؤمن عبادات.
أي أخذت أهلك إلى مكانٍ جميل بنية تمتين العلاقة بينك وبين أهلك وأولادك، وتفريج شدة الحياة عنهم، فأنت في عبادة، اشتريت ثياباً جديدة كي يكون مظهرك لائقاً بالمؤمن فأنت في عبادة، زرت أختك، وصلت قريبك، لبيت دعوةً، صدقوا ولا أبالغ أنت حينما تخلص لله، كل أعمالك تحسب عبادات، عبادات تعاملية طبعاً، هناك عبادات شعائرية، وهناك عبادات تعاملية، من دون إخلاص عباداتك المحضة سيئات، أي الصلاة، الصوم، الحج، الزكاة، من دون إخلاص عباداتك المحضة الشعائرية تغدو سيئات، بالإخلاص تكون عاداتك عبادات، من دون إخلاص تكون العبادات سيئات، هذه الحقيقة الأولى.
على الإنسان ألا يقبل أو يرفض في الدين شيئاً من دون دليل :
أما الشواهد: طبعاً لا يجرؤ إنسان في العالم الإسلامي كله أن يقول شيئاً في الدين برأيه من دون دليل، ولولا الدليل لقال من شاء ما شاء، إن هذا العلم دين:
(( انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا هُوَ دِينُكُمْ ))
لا تقبل في الدين شيئاً من دون دليل، ولا ترفض شيئاً من دون دليل، الدين قوام حياتنا، إن هذا العلم دين:
(( انْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ هَذَا الْحَدِيثَ فَإِنَّمَا هُوَ دِينُكُمْ ))
ابن عمر دينك دينك إنه لحمك ودمك، خذ عن الذين استقاموا ولا تأخذ عن الذين مالوا.
وطّن نفسك ألا تقبل شيئاً من أي إنسانٍ في أمور الدين إلا بالدليل، ولا ترفض شيئاً من أي إنسان في أمور الدين من دون دليل.
الأدلة: بعض أصحاب رسول الله رأى رجلاً يصلي في المسجد في وقت العمل، فسأله من يطعمك؟ قال: أخي، قال: أخوك أعبد منك.
العمل مع الإخلاص عبادة، وفي نص لسيدنا عمر رأى شاباً يقرأ القرآن في وقت العمل، فقال: إنما أُنزل هذا القرآن ليعمل به، أفاتخذت قراءته عملاً؟ أي صار كلّاً على الناس يمد يده للناس، ويقرأ القرآن، لا، اعمل في النهار، واكسب قوت يومك، واقرأه في الليل، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل، يقول عليه الصلاة والسلام:
((من بنى بنياناً من غير ظلم ولا اعتداء أو غرس غرساً في غير ظلم ولا اعتداء كان له أجر جار ما انتفع به من خلق الرحمن تبارك وتعالى ))
أنشأت بناء، زرعت مزرعة، زرعت أشجاراً، أي إنسان انتفع من هذا البناء، أو من هذا النبات هو لك أجرٌ إلى يوم القيامة، العمل عبادة، العمل لخدمة المسلمين، لتقوية المسلمين، لإغناء المسلمين، الطرف الآخر اتخذ قراراً قطعياً بإفقارنا، وإضلالنا، وإفسادنا، وإذلالنا، وآخر قرار غير معلن هو إبادتنا.
العمل مع الإخلاص عبادة :
أنت حينما تقوي أمتك، أنت حينما تتقن عملك، حينما تطور عملك، حينما نستغني بعملك عن أن نأتي بخبير، فأنت تقوي المسلمين، وهذا من العبادة، يقول عليه الصلاة و السلام:
(( ما من مُسلم يَغْرِسُ غَرْساً، أو يَزْرَعُ زَرْعاً، فيأكلَ منه طَير، أو إنسان، أو بَهِيمة، إلا كان له به صدقة ))
حديثٌ آخر:
(( ما أطعمت نفسك فهو لك صدقة ))
تقويت بهذا الطعام على طاعة الله.
(( وما أطعمت ولدك فهو لك صدقة وما أطعمت زوجك فهو لك صدقة وما أطعمت خادمك فهو لك صدقة ))
وفي بعض الأحاديث:
(( الإنسان يوم القيامة يرى لقمةً وضعها في فم زوجته يراها كجبل أُحد ))
الدين هو الحياة، الدين أن تكون يدك هي العليا، الدين أن تحل مشكلات الآخرين، والله أنا أحياناً أزور معملاً لبعض أخوتنا، أقول له: كم عامل عندك؟ يقول لي: عندي مئتا عامل، أقول له: أنت إذاً تفتح مئتي بيت، هذا أكبر عمل صالح، أي لا تكن على هامش الحياة، كن رقماً صعباً، كن إنساناً يشار إليه بالبنان في خدمة المؤمنين.
حديثٌ آخر:
(( وإنك لن تُنفقَ نفقة تبتغِي بها وجه الله إِلا أُجِرْتَ بها ))
أي جئت مساءً بلعبةٍ كي تفرح بها أولادك صدقة، لأن إدخال الفرح على قلب الصغار من العبادة، قدمت هديةً لأختك، زرت أختك في طرف المدينة الآخر فامتلأ قلبها امتناناً منك أمام زوجها جاء أخي، هناك أشخاص يهمل أخته عشرات السنين.
(( وإنك لن تُنفقَ نفقة تبتغِي بها وجه الله إِلا أُجِرْتَ بها ))
نية المؤمن خيرٌ من عمله :
الآن موضوع جديد: لو أن الظروف حالت بينك وبين عملٍ صالح، وتأثرت تأثراً كبيراً، لم تستطع أن تقوم بهذا العمل فبكيت، يكتب لك بإخلاصك كأنك قمت بهذا العمل تماماً، الدليل: لما جاء الصحابة إلى رسول الله ليجاهدوا معه لم يجد ما يحملهم عليه، فقال تعالى:
﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ ﴾
كتب لهم كأنهم في الجهاد بإخلاصهم، فالنبي عليه الصلاة والسلام في بعض الغزوات خاطب جيشه قال:
((إنَّ قوْماً خَلْفنَا بالمدينةِ، مَا سَلَكنْا شِعْباً، ولا وَادِياً إلا وهم معنا، حَبَسَهُم الْعُذْرُ ))
ما قولك؟
تتابع الأخبار، تابعت أخبار غزة، طفل يموت، لا يوجد كهرباء، هو على منفسة، فبكيت أنت، تتمنى أن تذهب إلى هناك، وأن تقدم لهم نصف مالك، كُتب لك على هذا البكاء وعلى هذا الألم أنك قمت بهذا العمل، ما قولك؟.
الإخلاص هو الدين كله، لذلك قالوا: نية المؤمن خيرٌ من عمله، عمله محدود لكن نواياه غير محدودة، يتمنى أن يحل مشاكل الناس كلها، يتمنى أن يزوج كل الفتيات، يتمنى أن يزوج كل الشباب، يتمنى أن يهيئ فرص عمل لكل الشباب، يتمنى ويسعى.
الآن إنسان له درس علم يحضره دائماً، مرض فتألم، كنت أتمنى أن أكون مع الحاضرين، فالله عز وجل يكتب له أجر حضور هذا الدرس ولو لم يحضر، الحديث: يقول عليه الصلاة والسلام:
(( إن الله تعالى يكتب للمريض أفضل ما يعمل في صحته ما دام في وثاقه ))
أي حَبَسه المرض عن أن يقوم بعمل صالح.
(( وللمسافر أفضل ما كان يعمله في حضره ))
فإذا كنت مسافراً، ولا سمح الله إذا كان المرء مريضاً، وله أعمال صالحة يؤديها في صحته، أو له أعمال صالحة يؤديها في حضره، في إقامته، يكتب له أجر أعماله الصالحة التي فاتته إن في مرضه، أو سفره بالإخلاص.
الأعمال الصالحة تغدو سيئات بالرياء :
ماذا يقابل الإخلاص؟ الرياء، بالرياء تغدو الأعمال الصالحة سيئات، بالرياء تغدو العبادات سيئات.
﴿ فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ ﴾
ويلٌ لمن؟ للمصلين:
﴿ الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ*الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ*وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ ﴾
إنفاق المال بحفل خيري، المحسن الكبير فلان دفع مئة ألف، له ابن أخت يموت من الجوع، أمام حفل كبير دفع مئة ألف، وأشادوا بإحسانه وكرمه، أما ابن أخيه الفقير طلب منه قرضاً بعشرة آلاف وهو معه مئات الألوف ولا يعطيه، هذه قضية!.
زعيم كبير من زعماء الغرب سمعته بأذني، في حرب جرت في جنوب إفريقيا، قتل فيها ثمانمئة ألف في أسبوع في راوندا، قال: كان بإمكاني أن أُنقذ أربعمئة ألف لكن ما أنقذتهم لأن هناك لا يوجد نفط، أما على شبهة سلاح شمولي جاء إلى العراق ثلاثون دولة هل الأمر واضح؟ قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ ﴾
صخر.
﴿ عَلَيْهِ تُرَابٌ ﴾
طبقة تراب خفيفة.
﴿ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ ﴾
مطر.
﴿ فَتَرَكَهُ صَلْداً ﴾
أي التراب الخفيف فوق الصخر يُظن تربة زراعية، هو صخر لا ينفع، ولا يقدم شيئاً للإنسان، جاء هذا المطر فأزال التراب فظهر الصخر.
﴿ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾
لذلك: أخلص دينك يكفك القليل من العمل.
أقوال العلماء في الإخلاص :
الآن من أقوال العلماء في الإخلاص: الإخلاص من تعريفاتهم:" استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهر العبد خيراً من باطنه، والصدق أن يكون باطن العبد خيراً من ظاهره"، البطولة أن يكون الباطن خيراً من الظاهر، والرياء أن يكون الظاهر خيراً من الباطن.
"الإخلاص إفراد الحق سبحانه وتعالى بالقصد في الطاعة ـ يصلي لوجه الله ـ وتصفية هذه الطاعة عن ملاحظة الخلق"، أي يصلي أمام الناس فيغمض عينه، ويعصر وجهه، وكأنه بخشوع.
إنسان أحبّ أن يذهب إلى بيت الله الحرام، معه مبلغ ضخم، خمسون ليرة ذهبية، أين يدعها؟ دخل إلى الجامع، تأمل في صلاة هؤلاء، أعجبته صلاة واحدٍ منهم، فيه خشوع، قال له: معي خمسون ليرة أريد أن أضعها عندك أمانة، وأنا ذاهب إلى الحج، قال له: أنا أيضاً صائم.
فلذلك تصفية هذه الطاعة عن ملاحظة الخلق.
"المُخلص لا رياء له، والصادق لا إعجاب له، ولا يتم الإخلاص إلا بالصدق، ولا يتم الصدق إلا بالإخلاص"، هناك علاقة ترابطية أنت بالصدق تخلص وبالإخلاص تصدق، ولا يتمان إلا بالصبر.
"الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق"، إذا لم تستحِ من خالقك تصنع ما تشاء ولا تعبأ بكلام الخلق.
إنسان أراد أن يقطع ألسنة الخلق، عمل وليمة ووضع في كل قطعة ليرة من الذهب، لما وجدوا الليرة الذهبية قالوا: لو وضعهن اثنتين، فلم يستفد شيئاً.
لا تعمل من أجل الخلق، الخلق لا يقدمون ولا يؤخرون، ولكن طوبى لمن جب الغيبة عن نفسه.
لذلك الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق، ومن تزين للناس بما ليس فيه سقط من عين الله، اللهم إني أعوذ بك أن أقول قولاً فيه رضاك ألتمس به أحداً سواك، إني أعوذ بك أن أتزين للناس بشيءٍ يشينني عندك، إني أعوذ بك أن أكون عبرةً لأحدٍ من خلقك، إني أعوذ بك أن يكون أحدٌ أسعد بما علمتني مني.
قال: من ترك العمل من أجل الناس وقع في الرياء، ومن عمل من أجل الناس وقع في الشرك، تركت قيام الليل حتى لا يقولوا عني أنا عندي عبادة عظيمة، حتى لا أكون مرائياً، هذا خطأ كبير، تركت خدمة فلان حتى ما أُتهم أني أرائي، ترك العمل من أجل الناس رياء، فالرياء نوعان أن تعمل من أجلهم، أو أن تدع عملاً صالحاً من أجلهم، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
"والإخلاص سرٌ بين الله وبين العبد، لا يعلمه ملكٌ فيكتبه ولا شيطانٌ فيفسده، ولا هوىً فيسقطه".
"الإخلاص ألا تطلب على عملك شاهداً غير الله، ولا مجازياً غير الله".
آخر حقيقة: "من شهد في إخلاصه الإخلاص احتاج إخلاصه إلى إخلاص"، وحينما ينجو المؤمن من إعجابه بإخلاصه يصبح مُخلَصاً، لذلك المؤمن مخلِص مخلَص.
شاهد عن الإخلاص من السيرة النبوية :
الآن أقدم لكم شاهداً من السيرة النبوية، زيد الخير من أشجع صحابة رسول الله، من أجودهم في الجاهلية، بلغته أخبار النبي عليه الصلاة والسلام، وقف على شيءٍ من هذه الأخبار، فأعد راحلته، ودعا كبراء قومه إلى زيارة رسول الله، ولما بلغوا المدينة توجهوا إلى المسجد النبوي الشريف، وأناخوا ركائبهم ببابه، وصادف دخولهم أنه كان صلى الله عليه و سلم يخطب في المسلمين، دخلوا أثناء الخطبة، فراعهم كلامه، وأدهشهم تعلق الناس به، وإنصاتهم له، وتأثرهم بما يقول، ولما أبصرهم النبي عليه الصلاة والسلام رأى وفداً، قال: أنا خيرٌ لكم من العزى، وهم يعبدون الأوثان، ومن كل ما تعبدون، إني خيرٌ لكم من الجمل الأسود، هذا كناية عن أثمن أنواع المال، الأسود غال جداً، فلما انتهى النبي الكريم من خطبته، وقف زيدُ بين الجموع وكان من أجمل الرجال، من أجمل رجال الجاهلية ومن أتمهم خلقةً، وأطولهم قامةً، أطلق صوته الجهير قال: يا محمد أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، فأقبل عليه النبي الكريم، وقال له: من أنت؟ قال: أنا زيد الخيل ـ اسمه زيد الخيل ـ فقال عليه الصلاة و السلام: بل زيد الخير لا زيد الخيل، والحمد لله الذي جاء بك من سهلك وجبلك، ورقق قلبك للإسلام، ثم مضى به النبي الكريم إلى بيته تكريماً له، ومعه سيدنا عمر، وفي البيت طرح النبي الكريم عليه وسادةً متكئاًً، فعظم على زيد أن يتكئ في حضرة رسول الله، مضى على إسلامه نصف ساعة، أُعطي وسادة ليتكئ عليها، قال له: والله لا أتكئ في حضرتك، عرف مكانته، ولما استقر بهم المجلس قال: يا زيد ما وصف لي رجلٌ قط ثم رأيته إلا كان دون ما وصف إلا أنت يا زيد، يا زيد إن فيك لخصلتين يحبهما الله ورسوله، قال: وما هما؟ قال: الأناة والحلم، فقال زيد: الحمد لله الذي جعلني على حب الله ورسوله، ثم التفت إلى النبي وقال: يا رسول الله أعطني ثلاثمئة فارس، وأنا كفيلٌ لك أن أغير على بلاد الروم وأنال منهم، أكبر النبي همته هذه، وقال له: لله ذرك يا زيد، أي رجلٍ أنت؟ النبي لم يكتم إعجابه، هناك شخص لا يبدي إعجابه بأحد، عامل وقار لنفسه، كهنوت، كل الناس دونه، سيد الخلق وحبيب الحق أُعجب به، إذا كان هناك إنسان تفوق أثني عليه، أكرمه، قال له: لله ذرك أي رجلٌ أنت؟ ثم أسلم مع زيد كل من كان في صحبته.
الشاهد ليس هنا، ولما همّ بالرجوع إلى ديار قومه في نجد ودعه صلى الله عليه و سلم وقال: أي رجلٌ هذا؟ وفي الطريق إلى دياره وافته المنية، ولم يكن بين إسلامه وموته متسع، ولكن إخلاصه في إسلامه، ونواياه الكبيرة بفتح بلاد الروم، ونشر هذا الدين هناك أغنته عن كثيرٍ من العمل.
أَخلص دينك يكفك القليل من العمل، مع الإخلاص ينفعك قليل العمل و كثيره، ومن دون إخلاصٍ لا ينفعك لا كثيره ولا قليله.
فالإخلاص أحد ثاني أكبر الموضوعات التي تسرع الخطا إلى الله، هذه الدروس تحت عنوان: "سبل الوصول وعلامات القبول".
أسأل الله سبحانه وتعالى أن تكون هذه الموضوعات سلوكاً يومياً لنا، وأن تنتقل من أفكار تستمع إليها إلى سلوك تفعله.