- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين ، والصـلاة والسـلام على سـيدنا محمد الصـادق الوعـد الأمين .
قصة سيدنا موسى :
أيها الإخوة الكرام ؛ لا شك أن اليأس كفر ، وأن القنوط كفر ، وأن أخطر شيء يصيب الأمة أن تهزم من الداخل ، أو أن تقع في اليأس ، لذلك ساق الله جل جلاله لنا قصص الأنبياء لتكون دروساً لنا .
الآن أعرض عليكم قصة بمقاييس الأرض ، هل هناك أمل واحد بالمليار أن ينجو واحد من هؤلاء ؟
سيدنا موسى حينما سار بقومه بني إسرائيل ، وهم شرذمة قليلون أتبعهم فرعون بجنوده ، وفرعون بجنوده وطغيانه ، وجبروته وحقده ، وقوته وبطشه ، وصلوا إلى ساحل البحر ، هل هناك من أمل ؟ إطلاقاً ، ولا واحدًا بالمليار .
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
نبي كريم ، معه وحي السماء قال :
﴿ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
فإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان الله عليك فمن معك .
هذه القصة تبين لنا أن الذي ييئس ، أو يقنط لا يعرف الله أبداً ، لم يعرف يعرف أن الله بيده كل شيء ، وأمره كن فيكون ، زل فيزول ، العبرة أن نكون مؤهلين كي ينصرنا الله عز وجل :
﴿ فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
فإذا بالبحر يصبح طريقاً يبساً يمر فيه هذا النبي الكريم مع قومه من بني إسرائيل ، فلما وصلوا إلى الضفة الثانية دخل فرعون في الطريق اليبس ، فلما صار في منتصف البحر الأحمر عاد البحر بحراً !!!
هذه القصة لمن ؟ !!
لسيدنا موسى !!؟
جاء القرآن بعد سيدنا موسى لمن ؟؟؟ ... لنا .
إياكم أن تيئسوا ، البطولة أن تقدم لله سبباً كي يتدخل من أجلك ، إذا تدخل الله عز وجل حسم كل شيء ، وإذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك ؟
هذه القصة ليست لأخذ العلم بما حصل لسيدنا موسى ، ومن يظن كذلك فهو لم يقرأ هذه القصة ، أرادها الله لنا درساً عملياً ، وضع لنا حالة الأمل في النجاة صفرًا .
والآن ... آلاف المسلمين يقولون لك : ليس هناك حل أرضي ، لأن هذه القوة الطاغية لا تستطيع قوة في الأرض من بني البشر أن تقف أمامها ، فبدل أن نيئس ونقول انتهينا ، إذا قرأنا القرآن نؤمن أن الأمر بيد الله ، ولا يليق بكمال الله أن يجري في ملكه مالا يريد ، ولا يمكن لجهة أن تتأله ، فالله سبحانه وتعالى يقصم ، هذه قصة !
قصة سيدنا يونس :
قصة ثانية ...
المصائب لا تعد ولا تحصى ...
مصائب متعلقة بالجسم ... أمراض .
مصائب متعلقة بالدخل ... إفلاس ، كوارث اقتصادية ، بطالة ، دخل قليل ، فقر مدقع ، هذه مصائب .
مصائب تنال الإنسان مباشرة ... قد يفقد حريته .
لكن بربكم كل هذه المصائب إذا استعرضناها هل من مصيبة أكبر أن يجد الإنسان نفسه فجأة في بطن حوت ؟!!
فم الحوت يتسع لخمسين رجلا واقفًا ؟ فمه فقط ، لا بطنه ! طوله مئة وثمانون مترًا ، ووزنه مئة وخمسون طنًّا ، هذا الحوت الأزرق .
فنبي كريم فجأة يجد نفسه في فم الحوت ، فالتقمه الحوت ، هل يوجد أمل ؟ هو في ظلمات ثلاث ، في ظلمة الليل ، الظلام موحش ، وفي ظلمة البحر ، وظلام البحر أشد وحشة ، وفي ظلمة فم الحوت ، في الليل ، والبحر ، وفم الحوت !
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ ﴾
أنت أحياناً تكون في أمسّ الحاجة لاستخدام الهاتف المحمول تجده خارج التغطية ، في قاع البحر كان هناك تغطية ، نعمة كبيرة !!
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
لعل أجمل ما في الآية التعقيب الذي قلبها قانوناً في كل عصر .
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه ليست لسيدنا يونس وحده ، هذه القصص لنا ولأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ليست العبرة أن نأخذ علماً بما وقع لسيدنا يوسف ، أو يونس ، أو نوح ، أو إبراهيم ، هذه مصيبة ، والأمل منعدم ، صفر !!
قصة سيدنا إبراهيم :
قصة ثالثة :
نار أضرمت كالجمر ، وجيء بفتى يقال له إبراهيم ، وألقي في النار ، هل يوجد أمل ؟ نار عظيمة أضرمت ! ألقي في وسطها ، والأمل معدوم ، بكلمتين :
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
قال علماء التفسير لو أن الله قال : كوني برداً لمات من شدة البرد ، ولو لم يقل : على إبراهيم لألغي فعل النار إلى الأبد ، قال :
﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾
﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾
الغاية من هذه القصص :
إخواننا الكرام ؛ هذه القصص لنا ، وتعلمنا أن أمر الله هو النافد ، ماذا فعل إخوة يوسف ؟ أرادوا به كيداً ، أرادوا قتله ، كيف ؟ حينما وضعوه في غيابات الجب ، كان وضعه في السجن أفضل ألف مرة من وضعه في غيابات الجب ، السجن حياته مضمونة ، أما هناك فمن ساق هذه السيارة ؟ أرسلت واردها ، فأدلى دلوه ، قال : يا بشرى هذا غلام هذا فعل الله ! إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .
وإذا العناية لاحظتك جفونها نم فالمخاوف كلهن أمان
***
لذلك المؤمن لا ييئس ، ولا يقنط ، ولا يرى إلا يد الله وحدها تعمل .
﴿ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ ﴾
الطغاة العتاة المجرمون هؤلاء ليسوا مطلقين ، ما من آية أدق في هذا المعنى من قوله تعالى :
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
تخيل وحوشًا كاسرة ، ومفترسة ، ومخيفة ، لكنها مربوطة بأزمَّة بيد قويةٍ رحيمة عادلة ، علاقتك مع الوحوش أم مع هذه اليد ؟ مع اليد ، لأنها إن أرخت الزمام وصلت إليك ، وإن شدته ابتعدت عنك ، علاقتك مع من ؟ ليس مع الوحوش ، ولكن مع من يملكها .
لذلك ورد في بعض الآثار القدسية : أنا ملك الملوك ، ومالك الملوك ، قلوب الملوك بيدي ، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة ، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة ، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك ، وادعوا لهم بالصلاح ، فإن صلاحكم بصلاحهم .
هذا القرآن شفاء لما في النفوس ، هذا القرآن يبعدك عن اليأس ، ويعطيك التفسير الدقيق لما يجري في العالم ، الأمر بيد الله .
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
والمستقبل لا يعلمه إلا الله ، هذا الذي ينظر إلى مستقبل بعيد ، ويعود يائساً إنسان لا يعرف الله ، هذه الكتلة الشرقية التي تملك من القنابل النووية ما تستطيع تدمير القارات الخمس خمس مرات ، كيف تداعت من الداخل ؟ من كان يصدق قبل أن تنهار في سنتين ؟ الأمر بيد الله عز وجل ، ليس معنى هذا أن نقعد ، وأنها ستدمر وحدها ، هذا موقف غير مقبول أبداً ، لكن أنا أقول هذا الكلام كي لا نيئس ، الأمر بيد الله .
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ﴾
﴿ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ ﴾
هذه القصص ، قصة سيدنا يونس في بطن الحوت ، وقصة سيدنا موسى مع بني إسرائيل حينما أتبعهم فرعون بجنوده ، وقصة سيدنا إبراهيم وهو في النار ، وقصة سيدنا محمد وهو في الغار ، قال أَبُو بَكْرٍ رَضِي اللَّه عَنْه :
(( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْغَارِ ، فَرَأَيْتُ آثَارَ الْمُشْرِكِينَ ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ رَفَعَ قَدَمَهُ رَآنَا ، قَالَ : مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا ))
ألم تقرأ قوله تعالى :
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
أنت حينما تؤمن أن الله قادر يقيناً أن يغير موازين القوى بلحظة فما عليك إلا أن تقدم في لله سبباً لينصرك ، وهذا الكلام موجه للأفراد والشعوب ، ولآحاد المسلمين ومجموعهم ، وفي أقل شيء ، وأخطر شيء ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، وهذه القصص هي لنا ، وليست لقوم يونس ، ولا لقوم موسى عليه السلام ، ولا لقوم إبراهيم ، هي لنا ، لأن هذا القرآن نزل بعد كل هذه القصص .
الآن ليست هذه القصص لأخذ العلم ، بل من أجل أن تجعلها قانوناً يحكم تصرفاتك .