وضع داكن
02-04-2025
Logo
الدرس : 37 - سورة النساء - تفسير الآيتان 78-79 إرادة الله المطلقة
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 
الحَمدُ لِلَّه ربِّ العالمينَ، والصّلاة والسّلام على سيِّدنا محمد الصّادقِ الوَعدِ الأمين، اللهُمَّ لا عِلمَ لنا إلا ما علّمْتَنا، إنّك أنت العليمُ الحكيمُ، اللهمَّ علِّمنا ما ينفعُنا، وانفعْنَا بما علَّمْتَنا، وزِدْنا عِلْماً، وأرِنَا الحقَّ حقًّا وارْزقْنَا اتِّباعه، وأرِنَا الباطِلَ باطلاً وارزُقْنا اجتِنابَه، واجعَلْنا ممَّن يسْتَمِعونَ القَولَ فيَتَّبِعون أحسنَه، وأَدْخِلْنَا برَحمَتِك في عبادِك الصَّالِحين.

الخوف من القتال في حقيقته هو خوف من الموت:


 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس السابع والثلاثين من دروس سورة النساء، ومع الآية الثامنة والسبعين، وهي قوله تعالى: 

﴿  أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍۗ وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثًا(78)﴾

[ سورة النساء ]

 ما علاقة الآية بالتي قبلها؟ يقول الله عز وجل: 

﴿ أَلَمۡ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ قِيلَ لَهُمۡ كُفُّوٓاْ أَيۡدِيَكُمۡ وَأَقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ ٱلزَّكَوٰةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍ قَرِيبٍۗ قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٌ وَٱلۡأٓخِرَةُ خَيۡرٌ لِّمَنِ ٱتَّقَىٰ وَلَا تُظۡلَمُونَ فَتِيلًا(77)﴾

[ سورة النساء ]

 خوفهم من القتال في حقيقته هو خوف من الموت، إذاً هم يحرصون على الحياة، فالله في الآية السابقة أنبأهم أن الحياة قصيرة، قال تعالى: ﴿قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٌ﴾ الحياة مصممة عند الله أن تنتهي بالمؤمن إلى جنة عرضها السماوات والأرض، أما حينما لا يعرف الإنسان الله ولا يطيعه تنتهي حياته إلى عذاب النار وبئس المصير، فليست العبرة أن أحيا سنوات عدة، العبرة أن تنتهي حياتي إلى الجنة، لذلك من أجمل الأدعية: اللهم اجعل نِعَم الدنيا متصلة بنعم الآخرة.
كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت :
 يقول الله عز وجل: ﴿فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِّنۡهُمۡ يَخۡشَوۡنَ ٱلنَّاسَ كَخَشۡيَةِ ٱللَّهِ أَوۡ أَشَدَّ خَشۡيَةً وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبۡتَ عَلَيۡنَا ٱلۡقِتَالَ﴾ اعتراضاً ﴿لَوۡلَآ أَخَّرۡتَنَآ إِلَىٰٓ أَجَلٍ قَرِيبٍۗ﴾ أي نموت على فُرشنا: ﴿قُلۡ مَتَٰعُ ٱلدُّنۡيَا قَلِيلٌ﴾ ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ﴾ لو أنكم لم تقاتلوا، لو أنكم استنكفتم عن أن تقاتلوا وعشتم فلا بد من الموت، كل مخلوق يموت، ولا يبقى إلا ذو العزة والجبروت. 

واللّيـــلُ مهمـــــا طـــــــــالَ   فلا بدّ من طُلــــوعِ الفجْــــرِ

والعُمـــرُ مهمـــا طـَــــــــالَ   فلا بدّ مـــن نُــزولِ القَبــــــرِ

****

كُلُ اِبنِ أُنثى وَإِن طالَت سَلامَتُهُ     يَوماً عَلى آلَةٍ حَدباءَ مَحمـولُ 

[ كعب بن زهير ]

فـإذا حملتَ إلى القبـــــورِ جنــازةً    فـاعلمْ بأنّك بعدَهـــــــــا محمـولُ

[ علي بن أبي طالب ]

بوابات الخروج من الدنيا لا تعد ولا تحصى وكل من عليها فان :
 قال تعالى: ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ﴾ في أي مكان كنتم، في حِصن، في قلعة، في غِنى فاحش، في قوة كبيرة، في مركز كبير، في قمة مجتمع: ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ﴾ في أي مكان كنتم، في مكان آمِن أو في مكان خطِر، في بر أو في بحر، في جو أو في يابسة، في راحة أو في غير راحة، مع مرض أو بغير مرض ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ﴾ ، يضاف إلى هذا المعنى وفي أي مكانة كنتم، فسبحان من قهر العباد بالموت، وسبحان من قهر الجبابرة بالموت. 
﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ﴾ الموت يدرك، أنت هاربٌ منه وهو يدركك، بل إن الموت قد يفاجئك، أنت هارب منه، وأنت تتصور أنه يتبعك فتُفاجأ أنه أمامك، كيف؟ إنسان مريض، كل توقعاته أن يموت بهذا المرض، قد يكون المرض عضالاً، فيُفاجَأ أن الموت جاء بغير المرض العضال، قد يكون بحادث، قد يكون بهدم أو بحريق، فالموت يدرك، قال تعالى: 

﴿ قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمْ ۖ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَىٰ عَٰلِمِ ٱلْغَيْبِ وَٱلشَّهَٰدَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ(8)﴾

[  سورة الجمعة ]

 بدل أن تتوقعوه وراء ظهوركم يتبعكم، قد تُفاجَؤون أنه أمامكم، وبوابات الخروج من الدنيا لا تعد ولا تحصى، قد يموت الإنسان في ثانية، ولا يشكو شيئاً، وقد يموت بعد مرض عضال دام ثلاثين عاماً، ليس هناك قاعدة، القاعدة أنه ليس هناك قاعدة، الموت يأخذ الكبير والصغير، والصحيح والسقيم، والغني والفقير، والذكي والأحمق، ومن كان في منصب رفيع ومن كان في منصب وضيع، يأخذ الناس جميعاً، 

﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍۢ(26)﴾

[ سورة الرحمن ]

﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ﴾ 

الموت واعظ وكل الذي يُحصلّه الإنسان يخسره في ثانية واحدة:


 لذلك قيل: 

لا تَأمَنِ المَوتَ في طَرفٍ وَلا نَفَسٍ    وَإِن تَمَنَّعـــــتَ بِالحُجّـابِ وَالحَـرَسِ

فَما تَزالُ سِهامُ المــوتِ نافِـــــــذَةً    في جَنبِ مُدَّرِعٍ مِنهـــــا وَمُتَّــــــرِسِ

أَراكَ لَستَ بِوَقّــافٍ وَلا حَـــــــذِرٍ    كَالحاطِبِ الخابِطِ الأَعوادَ في الغَلَسِ

تَرجو النَجــــاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها    إِنَّ السَفينَةَ لا تَجـري عَلى اليَبَـــــسِ

[ أبو العتاهية ]

﴿قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمْ﴾ أخ كريم أُحسِنُ الظن به أصيب بمرض عضال، وأجرى عملية معقدةً جداً، ونسبة نجاح العملية أقلُّ من عشرين بالمئة، ونجا في هذه العملية الجراحية العويصة، قبل حين اتصل بي ولده وقال: والدي توفي رحمه الله، أنا ظننت أنه مات بالمرض الذي أصابه، ثم فوجئت أنه مات بحادث، هو يتوقع أن يموت بهذا المرض، وكل من بلغه نبأ الوفاة متوقع أن يموت بهذا المرض، ثم مات بحادث ﴿قُلْ إِنَّ ٱلْمَوْتَ ٱلَّذِى تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُۥ مُلَٰقِيكُمْ﴾ فالموت له أبواب لا تعد ولا تحصى، العلم اخترع أسماء متعددة؛ سكتة دماغية، سكتة قلبية، هبوط مفاجئ في وظائف الكليتين، تشمُّع في الكبد، هذه أسماء أمراض وبيلة، إنها في حقيقتها بوابة الخروج، فالإنسان لا بد أن يخرج، وأنا أقول لكم هذه الكلمة، وأنصح بها نفسي: مستحيل وألف ألف مستحيل أن تستيقظ كل يوم كاليوم السابق إلى ما شاء الله، فلا بد من يوم ترى شيئاً لم يكن من قبل في الجسد، إن كان بوابة الخروج يتفاقم إلى أن ينتهي بالنعي، لذلك ما من شيء يعظ الإنسان كالموت، "لم أرَ كالموت واعظاً يا عمر" ، الموت واعظ، وكل الذي يحصِّله الإنسان يخسره في ثانية واحدة.

الله عز وجل يطمئن المؤمنين في كتابه العزيز:


 أيها الإخوة، أنا لست متشائماً، من كان مؤمناً بالله الإيمان الصحيح، وله عمل طيب، وقد ضبط حواسّه وجوارحه وفق منهج الله وعملَ الصالحات هذا تغطيه الآية الكريمة: 

﴿ بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُۥ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُۥٓ أَجْرُهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62)﴾

[  سورة البقرة ]

 أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعل لنا نِعَم الدنيا متصلة بنِعَم الآخرة، والله عز وجل يطمئن المؤمنين فيقول: 

﴿ قُل لَّن يُصِيبَنَآ إِلَّا مَا كَتَبَ ٱللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَىٰنَا ۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ ٱلْمُؤْمِنُونَ(51)﴾

[  سورة التوبة ]

 ما كتب الله لنا لا علينا تفيد الخيرات. 
﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ﴾ قصص الموت عجيبة جداً، قد ينام إنسان فلا يستيقظ، قد يموت وهو ساجد، وقد يموت وهو يرتكب معصيةً، وقد يموت في بيته، وقد يموت بعيداً عن بيته، وقد يموت فلا يعلم به أحد، حتى تكشف موته رائحة جسمه، وقد يموت بين أهله وأحبابه، لكن الأثر ورد أن صنائع المعروف تقي مصارع السوء.  

في الآية إشارة إلى موضوع القضاء والقدر:


 ﴿أَيۡنَمَا تَكُونُواْ يُدۡرِككُّمُ ٱلۡمَوۡتُ وَلَوۡ كُنتُمۡ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍۗ﴾ أحياناً يتقي الإنسان أن يُقتَل فتأتيه أسباب القتل من الداخل، لو أنه تحصّن بحصنٍ منيع يأتيه ملك الموت، ملك الموت يتخطى كل الحصون، ويتخطى كل السدود.
 قصة رمزية: أن رجلاً كان في حضرة نبي الله سليمان، وكان عند سليمان ملك الموت، فصار ملك الموت يُحِدّ النظر برجل في مجلسه، فهذا الذي رأى ملك الموت يُحِدّ النظر فيه سأل سليمان أن يأخذه إلى طرف الدنيا الآخر -قصة رمزية- على بساط الريح، فنقله إلى الهند، فتوفي هناك، فلما سأل هذا النبي الكريم ملك الموت: عجبت لك لمَ كنت تحدق فيه، قال: عجبت، أنا معي أمر بقبض روحه في الهند، فما الذي جاء به إليك!
 ملك الموت جاهز، يتجاوز الحصون والقلاع والسدود، يتجاوز كل حاجز، كيف أن الإنسان يموت بطلقة من الخارج، قد يموت بطلقة من الداخل، هذه الطلقة من الداخل تتجاوز كل الحصون والقلاع. 

لا تَأمَنِ المَوتَ في طَرفٍ وَلا نَفَسٍ    وَإِن تَمَنَّعـــــتَ بِالحُجّـابِ وَالحَـرَسِ

فَما تَزالُ سِهامُ المــوتِ نافِــــــــذَةً    في جَنبِ مُدَّرِعٍ مِنهــــا وَمُتَّــــــرِسِ

أَراكَ لَستَ بِوَقّــافٍ وَلا حَــــــــذِرٍ    كَالحاطِبِ الخابِطِ الأَعوادَ في الغَلَسِ

تَرجو النَجـــــاةَ وَلَم تَسلُك مَسالِكَها    إِنَّ السَفينَةَ لا تَجـري عَلى اليَبَـــــسِ

[ أبو العتاهية ]

 الحقيقة خوف القتال هو خوف من الموت ورغبة في الحياة، هذا الأمر يسوق إلى موضوع القضاء والقدر، وقد عولج هذا الموضوع في هذه الآية بطريقة رائعة، يقول الله عز وجل: ﴿وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ﴾ كلام جيد كلمة حق. 
﴿وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ﴾ أنت السبب، فرد الله عليهم بقوله: ﴿قُلۡ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ﴾

أول حقيقة في القضاء والقدر أن كل شيء يقع في ملك الله هو بإرادة الله وبفعله: 


 أول حقيقة في القضاء والقدر أن ما من شيء يقع في ملك الله إلا بإرادة الله، وبفعل الله، فالذي وقعَ وقع بإرادة الله، والذي وقعَ وقع بفعل الله، والإنسان ضعيف لا يملك حولاً ولا طَولاً، لكن لماذا وقع الذي وقع؟ الذي وقع له أسباب، فمثلاً حينما يرسب طالبٌ في صفه من الذي وقّع قرار الرسوب؟ المدير، من الذي أمر بالرسوب؟ المدير، من الذي أدخل في السجلات أنه طالب راسب؟ المدير، لماذا رسب هذا الطالب؟ من حيث الفعل هو فعل المدير، ومن حيث السبب هو بسبب الطالب، بسبب تقصيره وكسله رسب في صفه، فالفعل إذا نظرت إليه من زاوية الخَلق فهو من عند الله، وإن نظرت إليه من زاوية السبب فهو من عند الإنسان، فإذا قلنا: إن إدارة المدرسة قررت رسوب هذا الطالب من حيث الفعل، ثم إذا قلت: إن هذا الطالب رسب لأنه كسول فهذا صحيح أيضاً، فمرة ذكرت الفاعل، ومرةً ذكرت السبب، أي شيء يقع في الكون من حيث الفعل فهو من عند الله، أما كل شيء يقع في الكون من حيث السبب فهو من عند الإنسان.

((  عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ:  يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئاً يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئاً يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ ))

[  مسلم، الترمذي، ابن ماجه، أحمد، الدارمي  ]

 قالوا: "الجنة محض فضل والنار محض عدل" ، فلو أن طالباً وعده والده بمكافأة ثمينة جداً إذا هو نجح، الآن نجح، فهل يكفي نجاحه لأن ينال هذه الهدية الثمينة؟ لا، لولا أن الأب دفع ثمنها ونفذ وعده لمَا نالها، إذاً نجاحه ليس سبباً كافياً لنيل هذه الهدية، فكرة دقيقة، أب وعد ابنه بدراجة غالية جداً إذا هو نجح، فحينما نجح الابن وأخذ النتيجة توجه مباشرةً إلى بائع الدراجات، وقال له: أعطني هذه الدراجة، وهذه النتيجة، الخير هو فضل من الله، ولا بد أن يدفع الأب ثمن هذه الدراجة وينفذ وعده، لكن نجاح الابن وحده غير كافٍ لامتلاك الدراجة، أما حينما ينزل عقاب بإنسان فيكون الإنسان هو السبب فقط، لولا أنه فعل هذه المعصية لمَا نال هذا العقاب، لذلك مطلق العقاب هو النار، ومطلق الثواب هو الجنة، فالجنة محض فضل، والنار محض عدل.

كل أعمال المؤمن الصالحة في الدنيا هي سبب لدخول الجنة وليست ثمناً لها:


 مثلاً: لو وهبك إنسان بيتاً في أرقى أحياء دمشق، وثمنه خمسون مليوناً، وكلفك أن تدفع ثمن المفتاح، أنت ماذا دفعت ثمناً؟ هل دفعت ثمنه؟ لا، دفعت سببه، دفعت قيمة سبب دخوله، لذلك المؤمن كل أعماله الصالحة في الدنيا هي سبب لدخول الجنة وليست ثمناً لها، والفرق كبير بين أن تشتري مفتاحاً بعشرين ليرة تدخل به بيتاً ثمنه خمسون مليوناً، وبين أن تدفع الخمسين مليوناً.
 نحن كل أعمالنا في الدنيا ندفع ثمن سبب دخول الجنة، بينما ثمن الجنة لا يملكها أحد، لذلك الجنة محض فضل من الله عز وجل، أنت مستقيم، متعك الله بصحة جيدة، وهبك ذرية صالحة، أعطاك ملَكات عالية، أعطاك رزقاً وفيراً، هل إمكاناتك وحدها سبب كافٍ لما أنت عليه؟ لا، ما أنت عليه بفضل الله عز وجل، وبتقدير الله، وبعطاء الله، وبكرم الله، المشكلة أنك حتى لو تفوقت في عملك، وفي ملَكاتك هذه ليست سبباً كافياً لما أنت فيه، إنما هي سبب وسيط، وليست ثمناً لما أنت فيه، هذا معنى الحديث المروي عَنْ عَائِشَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: 

(( سِّدُوا، وَقَارِبُوا، وَأَبْشِرُوا، فَإِنَّهُ لَا يُدْخِلُ أَحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ. ))

[  البخاري، مسلم، النسائي أبو داود، ابن ماجه، أحمد، مالك  ]

 فالجنة برحمة الله، العمل سبب دخول الجنة، وفضل الله ثمن الجنة، لذلك ما معنى الآية: 

﴿ خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ ۚ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِّمَا يُرِيدُ(107)﴾

[  سورة هود ]

 المعنى أن ثمة احتمال أن نخرج منها، ما معنى الآية؟ ﴿خَٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ إِلَّا مَا شَآءَ رَبُّكَ﴾ العلماء قالوا: معنى هذه الآية إنك إذا اشتريت بيتاً، ودفعت ثمنه بالتمام والكمال، وبسعره الحقيقي، وما أنقص لك صاحبه درهماً، فحينما تتملك البيت، وقد دفعت ثمنه كاملاً هل تشعر أن هذا الذي باعك البيت له فضل عليك؟ لا، قبض الثمن بالتمام والكمال، وقبض أعلى ثمن، أما حينما تدفع ثمن مفتاحه فقط، والبيت ثمنه خمسون مليوناً كلما رأيته بالطريق تذوب شكراً له.

الجنة محض فضل والنار محض عدل:


 الجنة لا يمكن أن ندفع ثمنها لكن يمكن أن نقدم سبب دخولها، استقامتنا إن شاء الله والأعمال الصالحة هي سبب دخول الجنة، أصل الدخول برحمة الله، أما مكانك في الجنة فبحسب عملك، هذا معنى قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لَا يُدْخِلُ أَحَداً الْجَنَّةَ عَمَلُهُ، قَالُوا: وَلَا أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: وَلَا أَنَا، إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَنِي اللَّهُ بِمَغْفِرَةٍ وَرَحْمَةٍ) فالجنة محض فضل، والنار محض عدل، إذاً قال تعالى: ﴿وَإِن تُصِبۡهُمۡ حَسَنَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ﴾ هذا فهم مغلوط ﴿قُلۡ كُلٌّ﴾ كل شيء وقع من عند الله حدوثاً إيقاعاً خلقاً: ﴿قُلۡ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ﴾ أما سبب الوقوع فمن عند أنفسكم. 
﴿وَإِن تُصِبۡهُمۡ سَيِّئَةٌ يَقُولُواْ هَٰذِهِۦ مِنۡ عِندِكَۚ قُلۡ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ فَمَالِ هَٰٓؤُلَآءِ ٱلۡقَوۡمِ لَا يَكَادُونَ يَفۡقَهُونَ حَدِيثًا﴾ الآن التفصيل؛ من زاوية الفعل: ﴿قُلۡ كُلٌّ مِّنۡ عِندِ ٱللَّهِۖ﴾ من زاوية السبب: ما أصابك من حسنة فمن الله، لو نجحت أيها الطالب وقد وعدك أبوك بدراجة لو لم يدفع أبوك ثمنها لا تتملّكها، فهذه الدراجة تملّكتها بثمن دفعته أنت؟ لا، تملّكتها بنجاحك بالامتحان، وقد وعد أبوك الذي ينجح بهذه الدراجة، فالقضية واضحة تماماً.

أروع ما في الإيمان التوحيد وأروع ما في التوحيد أنك لا تحقد على أحد:


 قال تعالى: 

﴿ مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسولًاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا(79)﴾

[ سورة النساء ]

(يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) أروع ما في الإيمان التوحيد، وأروع ما في التوحيد أنك لا تحقد على أحد، وفي كل مشكلة تعاني منها تُرَد الكرة إلى ملعبك، لا يُعقل، ولا يُقبَل أن يحقد إنسان على العصا التي ضُرِب بها، هذه أداة، قطعة من الخشب، ينبغي أن تحقد إن كنت حاقداً على مَن ضربك بها، ومن حقد على العصا فهو متهم في عقله، لو ضربت إنساناً، وأمسك هذه العصا، وبدأ يكسّرها، ويشتمها، فهو أحمق، ينبغي أن تشتم الذي ضربك بها.

المكارم والعطاءات هي فضل من الله بسبب استحقاقنا لها:


 إذاً الأداة لا علاقة لها بالنتيجة، مَن الذي أمسك هذه الأداة؟ إذا اعتقدت اعتقاداً جازماً أن الطغاة في الأرض عِصيٌّ بيد الله، وأن هؤلاء الطغاة تسلطوا على بعض المؤمنين لخللٍ في إيمانهم، ولضعفٍ في استقامتهم، وقد ورد في الأثر القدسي: 

(( أنا ملك الملوك، ومالك الملوك، قلوب الملوك بيدي، فإن العباد أطاعوني حولت قلوب ملوكهم عليهم بالرأفة والرحمة، وإن هم عصوني حولتها عليهم بالسخط والنقمة، فلا تشغلوا أنفسكم بسب الملوك، وادعوا لهم بالصلاح، فإن صلاحهم بصلاحكم.  ))

[ رواه الطبراني بسند ضعيف ]

﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِۖ﴾ لو كنت مستقيماً فإكرام المستقيم فضل من الله عز وجل، لو كنت منضبطاً فإكرام المنضبط فضل من الله، وانضباطك ليس سبباً منطقياً كافياً لما أنت فيه من إكرام، فما أنت فيه من إكرام إنما هو فضل من الله، لكن الأمر الآخر ليس كذلك. 
﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ الله غني عن تعذيبنا، لا يُقبل، ولا يُعقل أن نُعذَّب بلا سبب، بدليل قول الله عز وجل: 

﴿ مَّا يَفْعَلُ ٱللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءَامَنتُمْ ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا(147)﴾

[  سورة النساء ]

 المصائب غير المكارم، المكارم والعطاءات هي فضل من الله بسبب استحقاقك لها، كلام دقيق، العطاءات من الله عز وجل هي عطاءات منه، لكنه منحك إياها بسبب استحقاقك لها استحقاقاً عبادياً لا استحقاقاً مادياً، بينما المصائب هي بسبب من الإنسان فقط.

أي شيء تراه أعيننا هو من فعل الله خلقاً ومن الإنسان سبباً:


 قال تعالى: ﴿وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفۡسِكَۚ وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسولًاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا﴾ إخوتنا الكرام، حينما تفهم هذه الآية تنتهي علاقتك بالخلق، وتبدأ علاقتك مع الحق، هؤلاء البشر أمامي كلهم دُمى بيد الله، قال تعالى: 

﴿ مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ (55) إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُم ۚ مَّا مِن دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا ۚ إِنَّ رَبِّي عَلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (56)﴾

[  سورة هود  ]

 إذاً ألزم الله ذاته العلية بالاستقامة: (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّماً فَلا تَظَالَمُوا يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ)
 هذه الآية في سورة النساء أصل في مفهومات القضاء والقدر، وكل ما وقع أراده الله، بمعنى سمح به، وكل شيء أراده الله وقع، لأن الله فعال لما يريد، فأي شيء تراه عينك هو من فعل الله خلقاً، ومن الإنسان سبباً.

مطلق العطاء الجنة ومطلق العقاب النار:


 (مَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ) .

((  ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يعفو الله أكثر ))

[ ضعيف الجامع ]

﴿ وَمَآ أَصَٰبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍۢ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍۢ(30)﴾

[  سورة الشورى ]

 هذا المعنى مريح يلغي الحقد، ويلغي الاعتراض، علاقتك مع نفسك، علاقتك مع ربك.

((   اعمل لوجهٍ واحدٍ يكفك الوجوه كلها. ))

[ ضعيف الجامع ]

(( من جعل الهمومَ همًا واحدًا همَّ آخرتِه؛ كفاه اللهُ همَّ دنياه ))

[ الألباني بسند ضعيف ]

دائماً راجع نفسك، دائماً اتهم نفسك، فقد كان بعض الصالحين يقول: أعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، إذا كنت مع الله مُحكَم الصلة، وقافاً عند كتاب الله، غاضاً للبصر يلهم الله هذه الزوجة أن تكون مطيعةً لك، محبةً لك، تراها بعينك جميلة، ولا تتمنى غيرها، أما إذا كان هناك من معصية متعلقة بالمرأة، ولو أن زوجتك كانت جميلة فلا تراها كذلك، لو أنها وديعة تبدو لك قاسية ومتغطرسة، فأعرف مقامي عند ربي من أخلاق زوجتي، هكذا قال بعض العارفين، طبعاً لا يعني هذا أن كل إنسان يعاني من متاعب عنده مشكلة مع الله، قد يكون الله جعلها عنده لتستفيد منه. 
﴿مَّآ أَصَابَكَ مِنۡ حَسَنَةٍ فَمِنَ ٱللَّهِۖ وَمَآ أَصَابَكَ مِن سَيِّئَةٍ فَمِن نَّفۡسِكَۚ﴾ ذكرت أن مطلق العطاء وهي الجنة محض فضل وأن مطلق العقاب وهي النار محض عدل. 
﴿وَأَرۡسَلۡنَٰكَ لِلنَّاسِ رَسولًاۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدًا﴾ هاتان الآيتان هما أصل في القضاء والقدر، كل شيء وقع أراده الله، وكل شيء أراده الله وقع، وإرادته متعلقة بالحكمة المطلقة، وحكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق.

الحقد مدمر:


 أيها الإخوة، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد، وكنت أقول دائماً: إن العبرة في تفسير الحدث، قصة وقعت قبل ثلاثين عاماً فيما أذكر؛ أن موظفاً عند تاجر شكاه إلى بعض الجهات المسؤولة، فرتّبوا عليه مصالحةً بمبلغ يفوق حد الخيال، حقد هذا التاجر على هذا الموظف فأطلق عليه النار فأرداه قتيلاً، فحُكِم ثلاثين عاماً في السجن، تحليل هذه القصة؛ لو أن هذا التاجر كان موحداً لم يرَ هذا الفعل جاءه من هذا الموظف، بل يراه من الله، فيعيد أوراقه مع الله، ويفتح مع الله صفحةً جديدة، وقد يعوض الله عليه، أما حينما لا ترى أن الله عز وجل فعال، ترى الناس يفعلون ما يشاؤون عندئذ ينشأ الحقد، والحقيقة الحقد مدمر، لأنك ترى إنساناً أقوى منك، ويملك أمرك، وأنت في قبضته، ولا يحبك، ويريد تدميرك، والله هذه الأفكار وحدها تسحق، أما حينما ترى أن الله بيده كل شيء، وأن الله عز وجل لا يسلمك إلى أحد، ولا يكل أمرك إلى أحد، ولو أنه أسلمك إلى أحد من خلقه لا يستحق أن تعبده، وأن الأمر كله بيد الله، قال تعالى: 

﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ ۚ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)﴾

[  سورة هود  ]

 ينتهي الحقد، لذلك قال تعالى: 

﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَتَكُونَ مِنَ ٱلْمُعَذَّبِينَ(213)﴾

[  سورة الشعراء ]


الملف مدقق

والحمد لله رب العالمين 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

نص الدعاة

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور