وضع داكن
28-03-2024
Logo
تربية الأولاد إصدار 2008 - الدرس : 02 - أهمية تربية الأولاد
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني من دروس تربية الأولاد في الإسلام.

الإنسان هو المخلوق الأول الذي خُلق لجنة عرضها السماوات و الأرض:

الحقيقة أن الإنسان هو المخلوق الأول، ينبغي أن نعلم هذه الحقيقة، أنت حينما تعلم أنك المخلوق الأول، أنك إذا آمنت بالله، وحققت الهدف من وجودك، فأنت المخلوق الأول الذي يمكن أن يسبق الملائكة، لذلك قالوا:

أتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر

* * *

بل قالوا: من عرف نفسه عرف ربه، الإنسان بحالات كثيرة يكون غافلاً عن حقيقته، لذلك قالوا: من الناس من يدري ويدري أنه يدري، فهذا عالم فاتبعوه، منهم من يدري ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه، ومنهم من لا يدري ويدري أنه لا يدري فهذا جاهل فعلموه، ومنهم من لا يدري ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه.
أنت حينما تعلم أنك المخلوق الأول، وأن الله سبحانه وتعالى خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، وأن الدنيا مهما امتدت في نظر الآخرة صفر، لا قيمة لها إطلاقاً، بل إن الله سبحانه وتعالى أبى أن تكون الدنيا مكافأة لأحد، بل أن يكون الحرمان منها عقاباً لأحد هي أقل من أن تكون مكافأة، أو أن تكون حرماناً.

من نقل اهتماماته من الدنيا إلى الآخرة وضع قدمه على الطريق الصحيح للآخرة:

أيها الأخوة، لمجرد أن تنقل اهتمامك من الدنيا إلى الآخرة، تكون قد وضعت قدمك على الطريق الصحيح نحو الآخرة.
أقول لكم كلمة دقيقة جداً: إن لم تنعكس مقاييسك بعد أن آمنت بالآخرة فإيمانك بالآخرة ليس صحيحاً، إن لم تنعكس مقاييسك، في مقاييس فُطر الإنسان عليها قبل أن يعرف الله.
بالمناسبة حيث ما قرأتم في قوله تعالى: إن الإنسان، الإنسان جاءت معرفة بأل فتعني الإنسان قبل أن يعرف الله.

﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾

( سورة المعارج )

﴿ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً ﴾

( سورة النساء )

﴿ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولاً ﴾

( سورة الإسراء )

حيث ما وردت كلمة الإنسان معرفة بأل فتعني الإنسان قبل أن يعرف الله، لكن بعد أن يعرفه شيء آخر، قبل أن يعرفه يفرح بالأخذ، بعد أن يعرفه بفرح بالعطاء فالمقياس انعكس، قبل أن يعرفه يرى من الذكاء أن يستغل جهود الآخرين، بعد أن عرفه يصبح في خدمة الآخرين، قبل أن يعرفه يرى أن المال كل شيء، بعد أن يعرفه يرى أن المال ليس بشيء.
كلمة دقيقة: إن لم تنعكس مقاييسك بعد الإيمان بالآخرة فاعلم علم اليقين أن إيمانك بالآخرة ليس كاملاً يحتاج إلى إعادة نظر.

من آمن بالآخرة يرى أن أعظم عمل على الإطلاق تربية الأولاد:

البطولة أن تنقل اهتماماتك إلى الآخرة، إذا نقلتها إلى الآخرة تكتشف كم هي عظيمة تربية الأولاد، أنت حينما تؤمن بالآخرة وأن الله سبحانه وتعالى حينما قال: 

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾ 

( سورة الطور الآية: 21 )

إن آمنت بالآخرة ترى أن تربية الأولاد أعظم عمل على الإطلاق، إن آمنت بالآخرة ترى أن ابنك امتداد له، إن آمنت بالآخرة ترى أن ابنك وذريته ومن يأتي بعده إلى يوم القيامة وأعمالهم الصالحة في صحيفتك، ﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ﴾.
هي البطولة أن تؤمن بالآخرة، البطولة أن تعمل للآخرة، البطولة أن تنقل اهتماماتك للآخرة، البطولة أن تعرف لماذا أنت في الدنيا ؟ أي لماذا أنت في الدنيا ؟ يقال: من أجل أن تعمل، من أجل أن تعرف الله، ومن أجل أن تنضبط بمنهجه، ومن أجل أن تحسن إلى خلقه، لتكون المعرفة، والانضباط، والإحسان ثمن الجنة، ثمن جنة عرضها السماوات والأرض فيها:

(( ما لا عين رأتْ ولا أذن سمعتْ، ولا خطَر على قلبِ بَشَرْ ))

[أخرجه البخاري ومسلم والترمذي عن أبي هريرة ]

من شعر أن ابنه عبء عليه خسره دون أن يشعر:

بصراحة من دون أن تؤمن بالآخرة الابن عبء، تتمنى أن تبتعد عنه، متعب جداً، يحتاج إلى رعاية، إلى اهتمام، إلى تعليم، إلى توجيه، إلى صبر، إلى نفس طويل، إلى متابعة.
أنت في رحلة مع أصدقائك، لو أخذت معك ابنك معك عبء، يجب أن تلاحظه أين ذهب ؟ ماذا فعل ؟ أو توجهه، لو أبقيته في البيت أفضل، أكثر الآباء يشعر أن ابنه عبء عليه، يهمله، يكبر الابن يكتشف الأب حقيقة تسحقه أنه خسر ابنه، حينما تركه التصق بأصدقائه، والأب لا يعلم مَن أصدقائه، علموه عادات، علموه أشياء منحرفة، علموه كلمات بذيئة، علموه أشياء لا ترضي الله، فالأب يكتشف أن ابنه ماشي خطأ، له تفكير مغلوط، سلوك خطأ، يحاول أن يصلحه يكون فات الأوان.
أنا لا أنسى كلمة قالها لنا أحد الأخوة الكرام الدعاة، الذي تخصص بعلم القيادة: إن كل الصفات التي تتمناها من ابنك، من انضباط، من صدق، من أمانة، من نظافة، من عناية بالملابس، من عناية بالأغراض كل الصفات التي تتمناها بابنك تُغرس فيه من السنة الأولى وحتى السنة السابعة، وقال هذا الداعية: وبعد السنة السابعة العوض بسلامتك.
ويكون معظم الآباء في أول حياتهم منشغلين عن أولادهم، تجد أباً صالحاً لكن لم ينتبه لهذه الحقائق.

من أحسن تربية ابنه كافأه الله في الدنيا قبل الآخرة بجعله قرة عين له:

صدقوا أيها الأخوة، ولا أبالغ إن الابن الصالح يدخل على قلب أبيه من السرور، من الرضا، من السعادة، ما لا يوصف، بل إن الابن الصالح لشدة خطورة تربية الأولاد ما جعل الله لك أيها الأب الصالح مكافأتك بالآخرة ؛ جعلها في الدنيا والآخرة، ما المكافأة في الدنيا ؟ يجعل الله أولادك قرة عين لك، هذا فحوى قوله تعالى:

﴿ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً ﴾

( سورة الفرقان )

كمقدمة دقيقة جداً: لم تعرف قيمة تربية الأولاد إلا إذا آمنت بالآخرة، إلا إذا رأيت ابنك استمراراً لك، وكنت أقول دائماً: جُبل الإنسان على حبّ وجوده، وعلى حبّ سلامة وجوده، وعلى حبّ كمال وجوده، وعلى حبّ استمرار وجوده، سلامة وجودك بإتباع تعليمات الصانع، صدقت ولم تكذب، وكنت أميناً ولم تخن، كنت رحيماً ولم تقسُ أعطيت كل ذي حق حقه، بإتباع تعليمات الصانع تسلم فقط، ولكن بالعمل الصالح تسعد.

﴿ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً ﴾

( سورة الكهف الآية: 110 )

أما استمرار وجودك ؛ بتربية أولادك يستمر وجودك.
والله لا أنسى أحد خطباء بني أمية، قصة قديمة جداً يمكن من عشرين عاماً توفي رحمه الله تعالى، أقيم العزاء له بالجامع الأموي، وفي اليوم الثالث من العزاء، قام ابنه وألقى خطبة أمامنا، صدقوا أيها الأخوة، دمعت عيناي، وبكيت، وقلت: إذاً هذا الخطيب لم يمت، الابن استمرار.

استمرار وجود الإنسان سببه الإيمان بالآخرة و تربية الأولاد:

بأعماق أعماق أعماقك تحب أن تعيش عمراً طويلاً، هذه طبيعة الإنسان، بل إن الذي يسعدك أنك إذا عرفت الله، واستقمت على أمره كنت في الجنة إلى أبد الآبدين، الحاجة للاستمرار تتأتى من إيمانك بالآخرة.
الآن الحاجة إلى الاستمرار تتأتى أيضاً من تربية أولادك، يعني إنسان يتوفاه الله عز وجل، له أولاد صالحون، مؤمنون، طيبون، لهم أعمال صالحة، يدهم في الخير طويلة، كلما رآه الإنسان رحمة الله على الوالد، هذا الأب لا يُنسى ذكره ما دام ابنه مستقيماً، فأنت حينما جُبلت على حبّ استمرار وجودك، استمرار الوجود سببه أولاً الإيمان بالآخرة، وثانياً تربية الأولاد.

أشقى الناس من لم يكن ابنه كما يتمنى:

إذاً لا يمكن أن نعرف قيمة تربية الأولاد إلا إذا آمنا بالآخرة، و إلا إذا علمنا أن هذا الابن أعماله لك، أفعاله الصارخة لك، صدقاته في صحيفتك، عباداته في صحيفتك، ابنك وابن ابنك وابن ابن ابنك.
مرة كنت في مؤتمر في أمريكا فقام أحد الدعاة وقال: إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً في تلك البلاد لا ينبغي أن تبقى فيها، أنا أعجبتني هذه الكلمة رددتها كثيراً، أقيم مؤتمر للأطباء في دمشق، من ديترويت جاء مئة طبيب للشام لحضور هذا المؤتمر، أحد الأطباء زوج ابنته في هذه الفترة، ودعاني إلى عقد القران، حضرت هذا العقد وألقيت كلمة، دون أن أشعر ذكرت كلمة هذا العالم، لأنه كلهم من أمريكا، قلت: إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً لا ينبغي أن تبقى في هذه البلاد، والله بعد أن انتهت كلمتي، وانتهى الحفل تقدم مني طبيب مقيم هناك، والله الدمعة على خده، قلت خير إن شاء الله ! قال لي: ألم تقل أنت إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك قال لي: أنا ابني ليس مسلماً، ابني الذي من صلبي ليس مسلماً.
فلذلك كنت أقول لهم هناك، وقتها كان كلينتون: لو بلغت منصباً ككلينتون، وثرة كأوناسيس، وعلماً كأنشتاين، ولم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس، دققوا في هذه الكلمة، والله ما من كلمة أقولها لكم إلا نابعة من أعماقي، لو بلغت أعلى منصب، لو جمعت أكبر ثروة، إن لم تضمن، إن لم يكن ابن ابن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس ابحث عن سعادتك، ابحث عن سلامتك، تربية أولادك، لا تقل لست متفرغاً هذا العذر ليس عند الله مقبولاً، إن لم تضمن أن يكون ابن ابن ابنك مسلماً، أو لم يكن ابنك كما تتمنى فأنت أشقى الناس.
لذلك الإيمان بالآخرة يعطيك قيمة تربية الأولاد، هذا الابن في صحيفتك، زواجه في صحيفتك، أولاده في صحيفتك، أولاده الصالحون في صحيفتك، أولاد أولاده الصالحين في صحيفتك.

النجاح الأول والأطول أمداً في حياة الإنسان نجاحه في معرفة الله:

أيها الأخوة، لكن أريد أن أضع بين أيديكم هذه الحقيقة التي طالما ذكرتها في جميع الدروس، طالما آمن بها كل شيء في كياني: أنه لا يمكن أن يكون النجاح جزئياً نجاح جزئي لا يوجد، لا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً.
أي إنسان برع في كسب المال، وأولاده شردوا عن منهج الله، ليس ناجحاً في حياته، إنسان ذهب إلى بلد بعيد، وجاء بأموال طائلة على حساب تربية أولاده ليس هذا نجاحاً، هذه الفكرة أرددها كثيراً: لا يمكن أن يكون النجاح جزئياً، لا يسمى النجاح نجاحاً إلا إذا كان شمولياً.
طبعاً بالنسبة إليك أربعة نجاحات في محطات كبيرة، أول نجاح، وأكبر نجاح، وأعظم نجاح، والنجاح الأول والأطول أمداً نجاحك في معرفة الله.

(( ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحبك إليك من كل شيء ))

[ ورد في الأثر ]

دقق: المرأة أحياناً نجاحها الأول والأخير أن ترزق بزوج صالح، نقول الزواج في حق المرأة كل فصول حياتها، لكن في حق الرجل بعض فصول حياته، في عمله، في دراساته، الآن كل أنواع النجاح تعد نجاحاً، إلا أن النجاح الأول الذي هو أصل كل نجاح أن تعرف الله.
تصور بيتاً، فيه براد، ثلاجة، غسالة، مكيف، مروحة، فيه جميع الأجهزة من دون استثناء، لكن لا يوجد فيه كهرباء، كل هذه الأجهزة لا قيمة لها.
كأن معرفة الله واحد، الزواج صفر، معرفة الله مع الزواج عشرة، معرفة الله مع الأولاد مئة، معرفة الأولاد مع النجاح بالعمل ألف، اسحب هذا الواحد ما بقي إلا أصفار صفر، لذلك الآية الدقيقة الدقيقة:

﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾

( سورة الكهف )

التقسيمات في الأرض لا تعد و لا تحصى لكن هذه التقسيمات عند الله اثنان فقط هي:

 

إذاً أول نقطة في هذا اللقاء الطيب: إذا آمنت باليوم الآخر إيماناً حقيقياً لأنه:

﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾

( سورة المؤمنون )

سآتيكم بآية دقيقة جداً في هذا الموضوع، أرأيت إلى هؤلاء الناس ؟ لا في بلدنا في العالم العربي، بل في العالم الإسلامي، بل في القارات الخمس، أرأيت إلى ستة آلاف مليون ؟ كم تقسيم أرضي لهم ؟ الآن في دول الشمال ودول الجنوب، دول الشمال 20% من سكان الأرض، ويملكون 80% من ثروات الأرض، ودول الجنوب 80% من دول الأرض يملكون 20% من ثروات الأرض، دول الشمال ودول الجنوب، العرق الأصفر، العرق الأبيض، العرق الأسمر، الآريون، والساميون، الأغنياء والفقراء، الأقوياء والضعفاء، المستغِلون والمستَغلون، هناك تقسيمات لا تعد ولا تحصى، كل هذه التقسيمات عند الله باطلة، عند الله تقسيمان اثنان.

1 ـ الإنسان الذي عرف الله فانضبط بمنهجه و سعد:

بالدليل: التقسيم الأول الإنسان الذي عرف الله، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، فسلم، وسعد في الدنيا والآخرة.

2 ـ الإنسان الذي غفل عن الله وتفلت من منهجه وشقي:

الإنسان الذي غفل عن الله وتفلت من منهجه وأساء إلى خلقه فهلك وشقي في الدنيا والآخرة.

البشر جميعاً إما أن يكونوا مع الأقوياء أو مع الأنبياء:

لن تجد نموذجاً ثالثاً في القرآن، دقق:

﴿ فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

( سورة الليل )

لحكمة بالغة الترتيب معكوس

﴿ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾

أي بالجنة.

﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى ﴾

( سورة يونس الآية: 26 )

الجنة يعني، صدق أنه مخلوق للجنة، يبنى على هذا التصديق اتقى أن يعصي الله، استقام، يبنى على هذه الاستقامة بنى حياته على العطاء، ثلاث كلمات، صدق أنه مخلوق للجنة اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، النموذج الآخر:

﴿ وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ ﴾

( سورة الليل الآية: 8 )

بنى حياته على الأخذ، لأنه استغنى عن طاعة الله، ولأنه كذب بالجنة نموذجين، صدق بالحسنى، اتقى أن يعصي الله، بنى حياته على العطاء، كذب بالحسنى استغنى عن طاعة الله، بنى حياته على الأخذ.
لذلك البشر جميعاً إما أن يكونوا مع الأقوياء، أو مع الأنبياء، الأنبياء ملكوا القلوب، الأقوياء ملكوا الرقاب، الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا، الأقوياء أخذوا ولم يعطوا الأنبياء عاشوا للناس، الأقوياء عاش الناس لهم.

من آمن بالدنيا ليس بحاجة أصلاً إلى أولاد:

 

لذلك أيها الأخوة، لا يمكن أن نفهم قيمة تربية الأولاد في الإسلام، وشأنها الكبير، وعطاءها العظيم إلا إذا آمنا بالآخرة، أما إذا آمنا بالدنيا صدقوا ولا أبالغ لست بحاجة أصلاً إلى الأولاد.
لي قريب مقيم بأمريكا، فزاره أخوه، إلى جانب بيت أخيه بيت لإنسان أمريكي بعد حين قاموا بزيارة له، فسأله الضيف كم ولد عندك ؟ لأنه رأى ثياباً صغيرة أثناء النشر قال له: ما عندي أولاد عندي كلاب أنا، الثياب الصغيرة ثياب كلاب.
إذا الإنسان كذب بالحسنى ما في داعي إطلاقاً ينجب أولاداً، عبء، في حالات بالعالم الغربي مخيفة جداً، لأنه أم تركت أولادها حتى ماتوا في البيت، فإذا إنسان آمن بالدنيا الابن عبء، لا داعي إطلاقاً يكون عنده ولد.
أما من لوازم الإيمان بالآخرة أن هذا الابن يحقق استمرار وجودك، أن هذا الابن تسعد به في الدنيا والآخرة.
في صحابي جليل له ابن رائع، جميل جداً، فمن شدة تعلقه به كان يضعه على كتفه ويمشي، فإذا جلس أمام رسول الله ابنه على أكتافه، النبي لطيف مع أصحابه جداً داعبه مرة، قال له: يا فلان أتحبه ؟ قال له: أحبك الله كما أحبه، بعد أيام افتقد النبي هذا الصحابي، سأل عنه فقيل له: مات ابنه، فاستدعاه وعزاه، وقال له: يا فلان أتحب أن تمتع به عمرك أي يلازمك حتى الموت كظلك ؟ ابن بار، خادم مطيع، محب، معوان، في حالات نادرة، ابنه معك على طول، حتى آخر لحظة بحياته.

من مات ابنه في حياته و كان إنساناً صالحاً سبقه إلى الجنة وفتح له أبوابها:

بالمناسبة حدثنا أحد الأخوة المقيم بفرنسا، أنه جاءت امرأة إلى مركز إسلامي امرأة فرنسية، ومعها ابنتها، قال: ممكن تقنعوها بالإسلام كي تسلم ؟ هم سألوها وأنت ؟ قالت: لا أنا لا أريد أن أسلم، فقط ابنتي، طلب عجيب إذا قانعة بالإسلام، قالت: لا أنا أريد أن أسلم، ما السبب ؟ قال: لأن لها جيران مسلمين ترى بأم عينها كيف أن البنات يعتنين بأمهم عناية تفوق حد الخيال، ما امتد بها العمر، فتمنت أن تكون ابتها مثل بنات هؤلاء المسلمين.
فقال له: أتحب أن تمتع به عمرك، أو أن يسبقك إلى الجنة، فأي أبوابها فتحها لك ؟ قال له: بل الثانية، قال له: هي لك.
حتى إنسان لو مات ابنه في حياته وكان إنساناً صالحاً، هذا الابن يسبقه إلى الجنة وسيفتح لأبيه أبواب الجنة.

الابن في ضوء الإيمان بالآخرة أكبر سبب لسعادة الأب:


الابن في ضوء الإيمان بالآخرة شيء ثمين جداً، الابن في ضوء الإيمان بالآخرة أكبر سبب لسعادة الأب

الأب في ضوء الإيمان بالآخرة يجمع لك أكبر عمل صالح، كل أعماله في صحيفتك، كل التزامه في صحيفتك، كل صدقاته في صحيفتك، أنت الذي ربيته.
حتى إن فقهاء الأحناف لهم رأي عجيب، حجة البدل من شروطها الوصية لأن الله عز وجل يقول:

﴿ وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى ﴾

( سورة النجم )

فإذا شخص ما كتب وصية بحجة البدل ما سعى لهذه الحجة، لا بد من وصية إلا أنهم استثنوا الابن فقط، إذا ابن حجّ عن أبيه حجة بدل من دون وصية مقبولة للأب، لأن الأب رباه تربية صحيحة، ولولا أنه رباه تربية صحيحة لما حجّ عنه حجة البدل، فالابن له شأن كبير، لكن في ضوء الإيمان بالآخرة، أما في ضوء الإيمان بالدنيا يربي الإنسان كلاباً أفضل له، بين أن تربي ابناً، يكون امتداداً لك، يحفظ اسمك، يدعو الناس لك من ربيته يتزوج، ينجب أولاداً، لك أحفاد.
والله قال لي عالم من علماء القرآن: أنا عندي 38 حفيداً، ثلاثة عشر واحداً طبيب منهم، وثلاثة عشر واحداً حافظون لكتاب الله، هذا زواج.
فإما أن تربي الأولاد تبتغي بهم وجه الله والدار الآخرة، وإما أنك إذا ابتعدت عن الإيمان بالآخرة شيء متعب، وعبء.

 

النجاح شمولي و ليس جزئياً أول محطاته:

أيها الأخوة، بقي شيء: التربية، هناك تربية إيمانية، هناك تربية أخلاقية، هناك تربية نفسية، هناك تربية اجتماعية، هناك تربية جسمية، هناك تربية علمية، هناك تربية جنسية.

1 ـ أن تعرف الله:

كما قلت لكم قبل قليل: النجاح لا يكون جزئياً يكون شمولياً، وبدأت بأن أول محطة بالنجاح الشمولي أن تعرف الله.

2 ـ أن تكون على علاقة طيبة جداً بالأسرة بدوائرها الضيقة ودوائرها الواسعة:

المحطة الثانية أن تكون على علاقة طيبة جداً بزوجتك، وأولادك، والدوائر الاجتماعية التي تلي هذه الدائرة، يعني بزوجتك وأولادك، وإخوتك وأخواتك، وعماتك وخالاتك، أي أن تكون علاقتك بالأسرة بدوائرها الضيقة، ودوائرها الواسعة، هذه المحطة الثانية.

3 ـ أن تكون متقناً لعملك و منضبطاً به:

الثالثة بعملك، متقن لعملك، منضبط، متفوق، طورت عملك، دخله جيد.

4 ـ أن تعتني بصحتك:

الرابعة بصحتك.
نصيحة أول علاقة يجب أن تكون محكمة هي بينك وبين الله.

﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

( سورة الأنفال الآية: 1 )

﴿ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

أي العلاقة ما بينك وبين الله، هذا أول معنى و

﴿ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

علاقتك مع من حولك، هذه الثانية و

﴿ ذَاتَ بَيْنِكُمْ ﴾

أن تصلح أي علاقة بين اثنين، بينك وبين الله أول محطة، بينك وبين أهلك بالدوائر المتتابعة، علاقة ثانية، أي علاقة بين كل شخصين هذه الدائرة الثالثة، فالأربع محطات الأساسية في نجاحك علاقتك بالله أولاً، وعلاقتك بأهلك وأولادك ثانياً، وعلاقتك بعملك ثالثاً، وعلاقتك بصحتك رابعاً.

لن ينجح أي إنسان بتربية ابنه إلا إذا كانت التربية شاملة:

الآن: حتى تربية الأولاد قد ينجح في الشهادة العامة لكن لا يصلي، إذاً لم تنجح في تربيته، قد يكون متفوقاً وذكياً لكن ليس أخلاقياً، لم تنجح في تربيته، قد يكون أخلاقياً لكن مقصر في الدراسة، لم تنجح في تربيته، قد يكون أخلاقياً ومتفوقاً لكن هندامه سيء جداً وعنايته بجسمه سيئة جداً، إذاً لم تنجح في تربيته.
كما أنك أن تحرص على نجاحك في كل المحطات الأساسية يجب أن أؤكد لك أنه لن تنجح بتربية ابنك إلا إذا كانت التربية شاملة.

على كل إنسان أن يهتم بتغذية ابنه التغذية الإيمانية:

العناوين الكبرى التي سوف نأخذها بدءاً من الدرس القادم هي التربية الإيمانية.

(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

[أخرجه مسلم وأبو داود عن عبد الله بن عمرو بن العاص ]

هو يطعمه، ويسقيه، ويكسوه، ويهتم بصحته، ودراسته، لكن ما اهتم بإيمانه ما اهتم بأعماله الصالحة، ما اهتم بعباداته، فأنت بحق هذا الابن آثم. 

(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

يصفه النبي بأنه يطعمه، ويسقيه، ويكسوه، ويعتني بصحته، وبدراسته، لكن ما انتبه لصلاته، ما انتبه لعقيدته، له صديق ملحد، فاستغرق معه إلى أن أنكر الدين كله والله الذي لا إله إلا هو أحياناً يأتيني أب يشكو أن ابنه ليس مؤمناً إطلاقاً يكاد يتقطع قلبه حتى في أب جاءني مرة، وقال لي: ابني ترك دينه إلى دين آخر، يكاد يموت الأب من الألم. 

(( كفى بالمرء إِثما أن يُضَيِّع مَن يقوتُ ))

فكر إن أردت أن تربي ابنك التربية الإيمانية أولاً، أدبوا أولادكم وهذبوهم فإنهم خلقوا لزمن غير زمنكم، أدبوا أولادكم على محبة نبيكم.
وعاء الماء بالسيارة تعرفونه ؟ وعاء ماء، له فتحة من الأعلى، له صنبور من الأسفل، الذي تضعه من الأعلى تأخذه من الصنبور، إذا الشاشة هي مصدر معلوماته فقط كلما تحرك يحكي اسم ممثل، اسم لاعب كرة، أين الصحابة ؟ ما تلقى هذه التغذية، ما تلقى تغذية إيمانية، فبين أن تهتم بأشخاص ليس لهم وزن في الحياة إطلاقاً، فإذا أنت هذا الوعاء الماء ما غذيته تغذية إسلامية، قرآن، صحابة، تابعين، تغذى بالكرة فقط، الأشياء الأخيرة، فالمشكلة كبيرة جداً، يجب أن تهتم بتغذيته التغذية الإيمانية، هذا أول شيء. 

على كل إنسان أن يربي ابنه تربية كاملة من جميع الجوانب:

 

عندنا التربية الأخلاقية، في صدق، في أمانة، في أدب، في تواضع، في حياء، في خجل.

(( فلا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ))

[أخرجه الطبراني عن عائشة أم المؤمنين ]

لا تعمل عملاً تدفع الناس إلى أن يسبوا أباك، انظر إلى الأدب النبوي.

(( فلا تمش أمامه، ولا تجلس قبله، ولا تدعه باسمه، ولا تستسب له ))

هناك تربية إيمانية، تربية أخلاقية، هناك تربية نفسية، الصبر، عدم الغضب الحلم، التؤدة، التريث، التحقق، هذه كلها تربية نفسية.
التربية الاجتماعية: أن تسلم، أن تحترم، أن تعتذر، أن تتواضع، أن تكون متعاوناً، هذه تربية اجتماعية.
التربية الجسمية: أن يكون أكلك منتظم، أن يكون لك هوايات رياضية لتقوية جسمك.
التربية العلمية: التحصيل، دراسته، متفوق باختصاصه.
التربية الجنسية: أحياناً أب ينحرج حرجاً لا حدود له، إذا قال له ابنه: أنا بابا من أين جئت ؟ في أجوبة دقيقة جداً، لطيفة جداً، ادرسها، لا تحرج هذا السؤال من حقه، يضربه، عيب هذا السؤال، فأعطاه اهتماماً أكبر، ما عاد عنده سؤال إلا هذا السؤال، لما أنت قمعته ؟
هناك تربية جنسية، تربية علمية، تربية جسمية، تربية اجتماعية، تربية نفسية، وتربية أخلاقية، وتربية إيمانية.
هذه الموضوعات التي ربما كانت محاور للدروس القادمة. 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور