- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠4موضوعات مختلفة في العقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
مقياس الفطرة :
أيها الأخوة الكرام، لا زلنا في الحديث عن تجربة هذا الملحد الذي سلك طريقه إلى الإيمان بالله، فانتقل من الشقاء إلى السعادة، ومن الضياع إلى الوجدان، من ضيق الدنيا إلى رحابة الكون، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة، هذا الإنسان كان في غرفة صغيرة جدرانها بلون رمادي، لها نافذة في حائطها الجنوبي، على أرضها سجادة فيها لونان متميزان، يقف في الصف الثالث وأمام الصفين الذي قبله رجل يقف أمامهما في الوسط، ثم يؤدون حركات غريبة تارةً هكذا وتارة هكذا، هذه الرؤية رآها ذلك الرجل قبل عشرين عاماً ولم يفهم منها شيئاً، بعد أن تجاوز مراحل الدراسة ونال الشهادة وانتقل إلى سان فرانسيسكو، وصار أستاذاً في الجامعة وله باع طويل في الرياضيات، واتخذ الإلحاد مذهباً له، كان مرة في مكتبه في هذه الجامعة وقد ألحق بهذه الجامعة دار عبادة، وقد استأجر المسلمون من هذه الدار غرفةً صغيرة كمسجد لهم، لا يدري هذا الإنسان لماذا اتجه نحو المسجد، وقبل أن يدخل المسجد شعر باضطراب شديد، وتردد عجيب، وقلق شديد بين مقبل ومحجم، داخل وواقف، ثم دخل إلى هذه الغرفة الصغيرة التي لا تزيد عن بضعة أمتار طولاً وعرضاً وجدرانها خالية من كل شيء، على أرضها بساط ذو لونين، دخل إلى هذه الغرفة ففيها رجلان ارتسمت على وجهيهما تعابير السرور والبهجة. هو حينما دخل هذه الغرفة، قال: شعرت بأن شيئاً ما صحيح أتبعه، هذه الفطرة، طبعاً لن أكتفي بقراءة بعض فقرات هذا الكتاب وسأحلل لكم، الإنسان أحياناً يرتاح لشيء ولا يرتاح لشيء آخر، حينما دخل هذا المسجد شعر بشيء عجيب، قال: شعرت بأن شيئاً ما صحيح أتبعه بغض النظر عما يعتقده الآخرون، كل من حوله يعتقد أن هؤلاء الذين في هذه الغرفة ليسوا على الحق شان الفرق الدينية في العالم كله، كل يدعي وصلاً بليلى، كل يتوهم أنه على حق.
قال: أمه اعتادت أن تقول له: يا بني اتبع مشاعرك، المشاعر السليمة تعطيك مقياساً صحيحاً، هذا المقياس هو مقياس الفطرة، أشار النبي عليه الصلاة والسلام إليه قال:
((عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ الأسَدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِوَابِصَةَ: جِئْتَ تَسْأَلُ عَنِ الْبِرِّ وَالإثْمِ، قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَجَمَعَ أَصَابِعَهُ فَضَرَبَ بِهَا صَدْرَهُ وَقَالَ: اسْتَفْتِ نَفْسَكَ اسْتَفْتِ قَلْبَكَ يَا وَابِصَةُ ثَلاثاً الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ وَالإثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ))
إذا طمست الفطرة فهي ليست مقياساً صحيحاً :
يا أيها الأخوة، إن عملت عملاً وشعرت بعده براحة عجيبة ولك نفس طاهرة وفطرة سليمة فاعلم أن هذا العمل صحيح، وإن عملت عملاً وشعرت بقلق واضطراب، شعرت بخزي من الله عز وجل، وقفت لتصلي رأيت الطريق مسدوداً، وقفت لتصلي لم تشعر بشيء وكأنك في حجاب عن الله عز وجل، اعلم أن هذا العمل لا يرضي الله، هذه هي الفطرة، قال تعالى:
﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ﴾
مقياس دقيق، هل تستطيع أن تتصل بالله عقب هذا العمل؟ إن كان لك وجه أبيض في أثناء الصلاة فالعمل صحيح ولا شيء عليه، إلا أن هذا المقياس لا بد من التحفظ به، ذكرت قبل قليل إن كانت لك فطرة سليمة، قلب نقي، أما إذا طمست هذه الفطرة ليست إذاً مقياساً صحيحاً، أصحاب الفطر المطموسة بالشهوات هؤلاء لا يعد ارتياحهم لشيء ولا انزعاجهم من شيء مقياساً صحيحاً.
قال هو: عندما دخل هذه الغرفة شعر بأن شيئاً ما صحيحاً قد فعله بصرف النظر عما يعتقده من حوله، وكانت أمه تقول له: اتبع مشاعرك، الحقيقة حينما تنعقد لك صلة بالله، حينما تتوب إلى الله، حينما تصحح مسارك، حينما تفكر أن تتعرف على ربك تصبح إنساناً آخر، قد يقول أحدكم ما السبب؟ السبب هو أن الله يقبلك، ألم يقل الله عز وجل في الحديث القدسي:
((عَنْ أَنَسٍ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ قَالَ: إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً وَإِذَا أَتَانِي مَشْياً أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))
شعور التائب بالسعادة والفرح والطمأنينة شعور طبيعي لأنه من خلق الله عز وجل :
شعور التائب بالسعادة، بالفرح، بالراحة، بالطمأنينة هذا شعور طبيعي جداً لأنه من خلق الله عز وجل، لأنك بادرت إلى الله، بادرت إلى طاعته، بادرت إلى التعرف عليه، بادرت إلى شكره، بادرت إلى العبودية له.
هؤلاء الذين في الغرفة حينما رأوني أدخل عليهم اعتقدوا أني أريد أن أصبح مسلماً فرحوا فرحاً شديداً، وهذه حال المسلم دائماً عندما يرى إنساناً يقبل على الدين، يشعر براحة ما بعدها راحة، لماذا؟ هذا من رحمة المؤمن، لأن الله عز وجل نقل إنساناً من الضياع إلى الهدى، من الشقاء إلى السعادة.
رحبوا بي وذكروني بإسلام مهندسي الناسا، الناسا مؤسسة أبحاث فضائية في أمريكا، هؤلاء عندما رأوا من المجرات ومن عظيم السموات، لما رأوا هذه المسافات الكونية الشاسعة، لما رأوا مواقع النجوم، لما رأوا الشيء الذي لا يصدق خشعوا لله عز وجل، وهذا ما وقع لسحرة فرعون، هم سحرة يأتون بأنابيب مطاطية يضعون فيها زئبق، يضعون تحته منطقة ساخنة الزئبق يتحرك ويحرك هذه الأنابيب ويخيل للناس أنها تسعى، وحينما نظروا إلى العصاة بيد سيدنا موسى وقد أصبحت ثعباناً مبيناً هذا ليس سحراً، هذه معجزة، فسجد السحرة لله عز وجل، قال تعالى:
﴿ وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ ﴾
فهؤلاء مهندسو ناسا مؤسسة أبحاث فضائية أمريكية، هؤلاء أعلنوا إسلامهم لعظم ما رأوا من آيات الله في الكون، هم شجعوني على ذلك ولم أكن أسلمت بشكل رسمي.
قال: دخل رجل وضيء الوجه وقور، قيل له: إن هذا الرجل، إن هذا الأخ يريد أن يصبح مسلماً، فقال لهم: عليه أن ينطق بالشهادة، فتراجع بهدوء كما أنه اكتشف شيئاً ثميناً، وقال له: أخبر الأخ ماذا عليه أن يقول في الشهادة.
حياة الجسم بالطعام والشراب وحياة القلب بمعرفة الله :
الآن دقق في مشاعر إنسان ملحد ينطق بالشهادة أول مرة، يوجد عندنا قاعدة في اللغة أن الكلمة حينما يكثر استعمالها تفقد معناها، المسلمون نشؤوا في بلاد إسلامية وهذه الشهادة تطرق مسامعهم كل يوم آلاف المرات قلما يفكر أحد بمعنى لا إله إلا الله، ولكن الآن دقق في شعور إنسان ملحد يلقم الشهادة.
قال له هذا الإنسان الوضيء ويبدو أنه إمام المسجد: قل أشهد وهو الآن يترجم ما معنى أشهد، أقر وأعترف، قال: حاولت أن أنطقها بشكل صحيح، لقد كنت كمن يحاول تعلم اللغة الثانية، قال: لا إله، قلت مردداً: لا إله، أي ليس هناك إله، قال: كنت أؤمن بهذه العبارة بمفردها طوال حياتي، كل حياته يؤمن أنه لا إله، وقال: هذه عقيدتي السابقة وأما الآن فقد أدركت أول مرة الحقيقة المرعبة لهذه العبارة. كلمة لا إله حقيقة مرعبة، وحشة، ضيق، شقاء، حركة في طريق مسدود.
قال له الإمام: إلا، قلت: إلا أي استثناءً، يقول في ترجمة هذه العبارة: أداة استثناء تشير إلى أن هناك شيئاً مغفلاً، لا إله إلا، لعند إلا يوجد شيء مغفل، إنها كلمة صغيرة وقفت بيني وبين هذا الفراغ الهائل طوال حياتي مبعدة إياي عن الواقع الذي كنت أبحث عنه، فلما قال الإمام إلا الله، قلت: الله المعبود، الآن دقق في شعور ملحد.
قال: كانت هذه الكلمات لا إله إلا الله كقطرات ماء صافية تنحدر في حلق رجل قارب الموت من شدة العطش، كلمة لا إله إلا الله كأنها قطرات ماء صافية تنحدر في حلق رجل قارب الموت من شدة العطش، وكنت أستعيد القوة بكل كلمة منها وكنت أصحو للحياة الثانية. كان ميتاً فأحياه الله بهذه الكلمة، ويوجد حياة الجسم وحياة القلب، حياة الجسم بالطعام والشراب، وحياة القلب بمعرفة الله.
الحمد لله نحن نشأنا في بلاد إسلامية، وربينا على معرفة الله، وحضرنا دروس العلم، لا يوجد عندنا مشكلة الإلحاد، لكن دقق في شعور ملحد يعيش في وحدة، في خوف، في قلق، في طرق مسدودة، في عالم صغير، في كون محدود، في تشاؤم، تشكيك بكل شيء، فلما قال: أشهد أن لا إله، لا إله عقيدتي طوال حياتي، إلا كلمة مبهمة، فلما جاءت كلمة الله ملأت فراغ حياتي.
المؤمن يغتني بغنى الله ويتقوى بقوة الله ويتعلم بعلم الله ويسمو بعظمة الله :
نتابع الشهادة، وأشهد أي أقرّ وأعترف، قال: كنت أنضم إلى أتباع الأنبياء جميعاً المؤمنون في الأرض أتباع الأنبياء، والأنبياء قمم البشر قمم في الكمال، والأقوياء قمم في السلطة والقوة، فهؤلاء أتباع الأنبياء انضم إليهم.
قال: كنت أنضم إلى أتباع الأنبياء جميعاً الذين يؤمنون بكافة الرسل الذين أرسلوا في مختلف العصور لجميع الأجناس والأعراق، أمد يدي كتابع ومصدق لمن بعث للإنسانية منذ أربعة عشر قرناً.
قال الإمام: وأشهد أن محمداً، قلت: محمداً، لقد كان هذا أكثر من اعتراف، إن هذا يعني التزاماً بطريق عالمي متمتعٍ بقداسة القدم، بشرت بها حملة أول رسالة سماوية وختمت بظهور محمد صلى الله عليه وسلم وأشهد أن محمداً رسول، الرسول حامل الشهادة.
قال: شعرت بالحصانة والأمان، شعرت الحرية والطمأنينة، شعرت بمقدوري أنني بإمكاني أن أحب وأن يحبني من لا حدود لعطائه.
أنت تحب شخص وشخص يحبك، أما إذا أحبك إنسان عظيم يملك الأرض كلها ماذا تعني هذه المحبة؟ أنك ملكت من خلاله كل شيء، ماذا يعني أن يحبك غني جداً غنىً فاحشاً؟ يعني أنك أصبحت غنياً، ماذا يعني أن يحبك قوي قوة لا حدود لها؟ أي أصبحت قوياً بقوته، أنت تغتني بغنى الله، تتقوى بقوة الله، تتعلم بعلم الله، تسمو بعظمة الله.
قال: شعرت بالحصانة والأمان، شعرت الحرية والطمأنينة، شعرت بمقدوري أنني بإمكاني أن أحب وأن يحبني من لا حدود لعطاءاته ونعمه، أي بتقدير المسلم الصادق أعظم إنسان على الإطلاق هو رسول الله، لا يوجد مخلوق نال عطاء من الله يفوق رسول الله من حيث العلم، لقد رأى من آيات ربه الكبرى، رأى حقائق الأشياء، رأى عظمة الله عز وجل قال تعالى:
﴿ ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى* فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ﴾
رأى ملكوت السموات والأرض، رأى ما كان وأراه الله ما سيكون في الإسراء والمعراج، هذا من حيث العلم، أما عمله له أثر بثلث سكان الأرض الآن، أي مليار ومئتان مليون يتبعون هذا النبي الكريم، هذا العمل.
الإمام الذي أتاه الله حفظ القرآن وأتاه صوتاً حسناً له دور خطير في الإسلام :
الإنسان يفرح عندما يرى المسجد مليء بالمصلين فيقول: لا يوجد مكان في المسجد، وإذا كانت الأرض مليئة والقارات مليئة، اذهب إلى الشرق الهند وباكستان ملايين مملينة، اذهب إلى الغرب إلى شمال أفريقيا، اذهب إلى قارة أفريقيا دول إسلامية بأكملها مليار ومئتان مليون هؤلاء في صحيفة النبي عليه الصلاة والسلام.
قال: شعرت بالحصانة والأمان، شعرت الحرية والطمأنينة، شعرت بمقدوري أنني بإمكاني أن أحب وأن يحبني من لا حدود لعطاءاته ونعمه، لقد هويت في الرحمة النابعة من الحب الأسمى، لقد عدت إلى ملاذي ثانيةً.
إنسان مشرد، جائع، عطشان، خائف، طريد، دخل إلى بيت أمه وأبيه، استلقى على وسادة مريحة، اغتسل، أكل أنفس الطعام هذا مكانه الصحيح.
والله أقول لكم أيها الأخوة: أحياناً اللغة تعجز عن أن تعبر عن الحقيقة، يعتري المؤمن الصادق حينما يتوب إلى الله عز وجل تعتريه مشاعر مهما كان فصيحاً أو بليغاً لا يستطيع أن يعبر عن هذه المشاعر.
قال الإمام: وأشهد أن محمداً رسول الله، قال: بعد يومين تعلمت أول صلاة جمعة جماعية، كان يوم صيف هندي، مشمس، دافئ، طبعاً في سان فرانسيسكو كنا في الركعة الثانية من الصلاة وكان الإمام يتلو القرآن بأسلوبه الرائع المميز.
الإمام الذي أتاه الله حفظ القرآن وأتاه صوتاً حسناً له دور خطير في الإسلام، خطير جداً، أحياناً تستمع إلى صوت الآيات القرآنية من فم مؤمن صادق، طليق اللسان، واضح النبرات، أتاه الله مزماراً كمزمار داود، هذه القراءة وحدها اتصال بالله، هذه القراءة وحدها تعليم، أنت تعتقد معي القرآن يحتاج إلى تفسير لكن يوجد سور بأكملها وآيات وما أكثرها لمجرد أن تقرأها تخر ساجداً لله عز وجل، قال تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ﴾
تحتاج إلى تفسير، قال تعالى:
﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الحكمة من وقوف المصلي إلى جنب المصلي في صلاة الجماعة :
أخوانا في التراويح المؤمن عندما يصوم ويستمع إلى القرآن من فم إمام عذب الصوت، هذا وحده درس بليغ.
يقول هذا الرجل: إن معظم تلاوات القرآن بطيئة ومنسقة الأصوات ومضبوطة، لقد كانت قراءته كمناجاة طفل يناجي والديه، انظر الحب والرحمة، الحقيقة الذي عنده ابن أو أخ صغير يستمع إلى صوت الطفل الصغير وهو ينادي أمه بكل الحب، بكل الثقة، بكل الأمل، بكل العطف، يشعر بعطف أمه ورحمتها واهتمامها، يناديها وعرف مكانته عندها.
قال: هكذا كان يفهم على الإمام قراءته في الصلاة، لقد كان يتضرع إلى الله عز وجل بترنيمة إيقاعية محكمة، وقفنا خلفه مصطفين، الكتف على الكتف والقدم على القدم.
ومرة سئل وكانت الدنيا حر: لماذا ينبغي أن يقف المصلي إلى جنب المصلي؟ مكان واسع دع متر بمتر، هو هذا الذي كان ملحداً أجاب عن هذه النقطة، فقال: وأنت في أشد حالات القرب من الله يجب أن تشعر بأخيك إلى جانبك، يجب أن تتعاون أنت وإياه، كتفه على كتفك، شعور مركز أخاك إلى جنبك أنت له وهو لك، إجابة إنسان كان قبل حين ملحداً. أنت تحب أن تجلس على كرسي وإلى جانبك نصف متر فارغ، حدثنا أحد قراء القرآن الكريم: حضر مهرجاناً، أعتقد في ماليزيا، وطرب الناس من قراءته،وطرب رئيس الجمهورية هناك، فتكريماً له حجز له مقعداً فارغاً إلى جانبه، شيء مريح جنبك يوجد في فراغ مجال حيوي.
أما في الصلاة كتف إلى كتف، قدم إلى قدم، هذا الملحد سابقاً أجاب عن هذا التساؤل، فقال: وأنت في أشد حالات القرب من الله يجب أن تشعر بأخيك إلى جانبك، أن تشعر بوجوده، أن تشعر بمحبته، يجب أن تتعاون أنت وإياه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
((عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لا يَجْمَعُ أُمَّتِي أَوْ قَالَ: أُمَّةَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ضَلالَةٍ وَيَدُ اللَّهِ مَعَ الْجَمَاعَةِ وَمَنْ شَذَّ شذَّ إِلَى النَّار))
كبر الإمام بالركوع وقال: الله أكبر، ترجمها الله هو الأعظم.
وصف دقيق للركوع في الصلاة بلسان جيفري لنك :
مرة ثانية أخوانا الكرام أنت كمسلم نشأت في بلاد إسلامية ومن أم وأب مسلمين هذه الكلمات مألوفة عندك، أما انظر إلى وقعها عند ملحد، الله أكبر، قبل قليل لم يكن يعترف بوجود الله، قال: عندما سمعنا هذا النداء الله أكبر، أي الله هو الأعظم، قال: انحنينا وأيدي كل واحد منا على ركبتيه وأظهرنا متعامدة على أرجلنا، الزاوية قائمة، وهمست بالمديح السماوي سبحان ربي العظيم، هذه أول صلاة يصليها، أي أشكرك يا ربي لأنك جلبتني إلى هنا هكذا فسرها، غرفة صغيرة هو رئيس قسم في الجامعة، أستاذ كبير، مكتبه فخم جداً، دور العبادة هناك شيء لا يصدق، حدثني أخ كان دور العبادة في بعض البلاد لها مساحات واسعة وزخرفة وتماثيل، شيء لا يصدق، غرفة لا شيء فيها، جدران فارغة، نافذة في الأمام، بساط فقط، ومع ذلك كأنه يتجدد من جديد.
سبحان ربي العظيم، المجد لربي العظيم، أشكرك يا ربي لأنك جلبتني إلى هنا، قال الإمام: سمع الله لمن حمده، وقفنا منتصبين ثانية وأجبنا: ربنا ولك الحمد، يا خالقنا لك المديح والسلام، أي أنت عندما تقول: سمع الله لمن حمده، هل تنتبه ماذا تتكلم؟ سمع الله أي الله عز وجل يستمع إليك، ماذا تقول له؟ تقول له: يا ربي لك الحمد، على ماذا؟ على أن أوجدتني، لم أكن شيئاً مذكوراً، على أن خلقتني في أحسن تقويم، أمشي على قدمين، لي يدان، لي سمع وبصر، لي رأس، مفاصل، أجهزة، لي زوجة، لي أولاد، نصبت لي هذه الآيات، أرسلت إلي هؤلاء الأنبياء والمرسلين، هذه الكتب، ثم يقول: ونحن واقفون في صفوف محكمة التنظيم كنا نتحرك وكأننا جسد واحد، لقد أديت أربع صلوات في المسجد يوم الخميس ولكن ليس بهذا العدد من الناس، وأما الآن فكان حولي ثمانين مصلياً تقريباً حشروا في غرفة صغيرة شباباً من جميع بلدان العالم، يمثلون ربما عشرين بلداً يؤدون شعيرة جماعية يوم الجمعة.
المنام وسيلة من وسائل إعلام العبد من الله مباشرةً :
يتابع حديثه عن صلاته: ولما هوينا إلى الأرض ثانية، هوينا على ركبتينا ثم على أقدامنا جميعاً ثم لامسنا بوجوهنا السجاد، ثم قلت بصوت منخفض: سبحان ربي الأعلى، وترجمها المجد لربي الأكثر علواً ومضيفاً، اللهم إني أعوذ بك من أن أضل، ثم جلسنا على أقدامنا مقتدين بالإمام، كنت أنا في الصف الثالث ونظرت أمامي فإذا بي أرى إنساناً بعيداً عني يقف تحت النافذة التي كانت تملأ الغرفة نوراً، وكان وحده دون صف باعتباره إماماً، وكان يرتدي عباءةً بيضاء طويلة، وكان معتماً بلفحة بيضاء ذات رسم آخر، صرخت من داخلي إنه الحلم، هذا الحلم رآه ثلاث مرات خلال عشر سنوات، رأى نفسه في غرفة صغيرة جدرانها ليس عليها شيء مطلية بلون ألماسي، والأرض عليها سجادة حمراء وصفراء، يقف مع نسق أول ونسق ثاني ونسق ثالث، هو في النسق الثالث أمامه رجل وحده تحت النافذة، وكانوا يؤدون حركات معينة. هذه الرؤيا بشارة من الله، الإنسان أحياناً يرى منام لا يفقه تفسيره، المنام وسيلة من وسائل إعلام العبد من الله مباشرةً.
مرة اتصل بي أخ كريم من ألمانيا قال لي: أنا إلى أن وصلت إلى هاتفك مضى على ذلك شهران، ما قصتك؟ قال لي: أنا بعيد عن الدين بعداً شديداً، ما صليت في حياتي ولا ركعة، ولا صمت إطلاقاً، وأنا أكره الدين وأكره رجاله، تكلم كلاماً غير معقول، دعته أخته لزيارة أمريكا، أخته في كندا، سمع شريطاً لاسم من أسماء الله الحسنى، قال: هذا الكلام أبحث عنه، وجلب عدداً كبيراً من هذه الأشرطة عن أسماء الله الحسنى، واستمع إليها واحداً واحداً، قال لي: قبل عشرين عاماً رأيت في المنام أن علبة أتتني فتحتها فإذا فيها شيء، كتب عليها اسم الله العظيم قال: والله هذا الرؤية تحققت بعد عشرين عاماً، جاءتني علبة أشرطة من الشام، فتحت هذه العلبة عليها هذا الاسم، إذا الإنسان رأى رؤية واضحة جداً البحث عن تفسيرها إعلام من الله عز وجل، الرؤية الصادقة جزء من ست وأربعين جزءاً من النبوة.
أيها الأخوة، هذا الرجل بعد أن دخل إلى المسجد الصغير وصلى هذه الصلاة وشعرة بنشوة الهداية، وأمن الهداية، ورحمة الهداية، تذكر هذه الرؤية التي رآها قبل عشر سنوات، ورآها ثلاث مرات، وعرف كأن الله سبحانه وتعالى علم فيه خيراً وبشره بهذا الإسلام الذي وصل إليه.
الصلاة هي رحمة الله :
يقول: إن الله عز وجل كان يترك لي مجال الاختيار في المسائل الحاسمة، هو أدرك أن الإنسان مخير، قال: تملكني الخوف والرهبة عندما شعرت بالحب والعطف الظاهرين لا لأني أستحق ذلك، لكن لأن هذا الحب والعطف كانا دوماً موجودين وكل ما علينا عمله للحصول عليهما هو أن نعود إلى الله.
الحب موجود، والعطف موجود، والرعاية موجودة، والاهتمام موجود، والرحمة موجودة، والتوفيق موجود، ولكن الناس في غفلة، يكفي أن تعود إلى الله ليطمئنك الله، ليسعدك الله، ليوفقك الله، ليأخذ بيدك الله، قال: شيء موجود ونحن في غفلة عنه، غفل عنه سنوات طويلة حينما كان ملحداً، هذه الصلاة التي أرادها الله، أرجو الله عز وجل أن يوفقنا إلى مثل هذه الصلاة، أن تقف بين يدي الله تقول: الحمد لله رب العالمين مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين، أن تفقه معنى الركوع سمعاً وطاعةً لك يا رب، أن تفقه معنى السجود يا رب أعني على طاعتك، إذا قلت: سمع الله لمن حمده، يا ربي لك الحمد والشكر والنعمة والرضا، حمداً كثيراً طيباً مباركاً، هذه الصلاة هي رحمة الله، قال تعالى:
﴿ إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
﴿ كَلَّا لَا تُطِعْهُ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
﴿ اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾
الصلاة ميزان فمن وفى استوفى :
((عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: قَالَ مِسْعَرٌ أُرَاهُ مِنْ خُزَاعَةَ لَيْتَنِي صَلَّيْتُ فَاسْتَرَحْتُ فَكَأَنَّهُمْ عَابُوا عَلَيْهِ ذَلِكَ فَقَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: يَا بِلالُ أَقِمِ الصَّلاةَ أَرِحْنَا بِهَا))
((عَنْ أَبِي مَالِكٍ الأشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الطُّهُورُ شَطْرُ الإيمَانِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلأ الْمِيزَانَ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلآنِ أَوْ تَمْلأ مَا بَيْنَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالصَّلاةُ نُورٌ وَالصَّدَقَةُ بُرْهَانٌ وَالصَّبْرُ ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو فَبَايِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا))
الصلاة حضور، الصلاة ميزان فمن وفى استوفى، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُباً إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً﴾
يا أيها الأخوة الكرام: كلما كانت معرفتك بالله أكبر، وكلما كانت استقامتك أدق إذا وقفت أمام يدي الله عز وجل تشعر بهذه المشاعر، بربكم إنسان ملحد بعيد عن جو المسلمين، يعيش في جو الرياضيات، أستاذ جامعي كبير يصلي هذه الصلاة ولعله أقرب إلى الله من بعض المسلمين.
ملخص القصة :
ملخص هذه القصة أن الله عز وجل هو الموجود، هو الواحد الأحد، كل إنسان من أي جنس، من أي عرق، من أي انتماءٍ، من أي ثقافةٍ، من أي ملةٍ، من أي حرفةٍ، من أي دينٍ، اتصل بالله عز وجل شعر بمشاعر، وآمن بقيم، واختط له طريقاً مساوياً لكل طريقٍ يسلكه المؤمنون، لذلك هذه الرؤيا أحياناً لها قيمة كبيرة، رأى أنه في غرفة يقف ويتحرك وهو في الصف الثالث أمامه نافذة، يوجد رجل يقود هؤلاء في هذه الحركات، بعد عشر سنوات هذه الرؤيا تحققت، ولا تنسوا قوله تعالى:
﴿ إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾
فلما تحققت هذه الرؤيا ماذا قال سيدنا يوسف؟ قال تعالى:
﴿ وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّوا لَهُ سُجَّداً وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾
أصبحت واقعة، إذا الإنسان رأى رؤية واضحة عليه أن يستبشر إذا كانت من الله عز وجل، نبقى مع هذا الكتاب دروس أخرى إن شاء الله، لأنها تجربة فريدة، ليس إنساناً مسلماً من أب وأم مسلمين، يعيش في بيئة مسلمة، ثم اهتدى إلى الله، إنسان ملحد، في بيئة متفلتة، في بيئةٍ الزنا على قارعة الطريق، النساء شبه عرايا، ومع ذلك عاش الظروف نفسها، والضغوط نفسها، والإغراءات نفسها، عاشها وتوجه إلى الله عز وجل، إن شاء الله نتابع قصة هذا الإنسان الذي له تجربة فريدة مع الله عز وجل. وهذا يدفعنا نحن إلى أن نحكم صلاتنا، إلى أن نحكم استقامتنا، إلى أن نحكم معرفتنا بربنا، أيكون هذا أسبقنا إلى الله عز وجل! هكذا يصلي.