- العقيدة الإسلامية
- /
- ٠4موضوعات مختلفة في العقيدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً وأرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
الإحسان ثمن الجنة والمحسن قريب من الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام، من أشهر الأحاديث الشريفة التي وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي رواها سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((عن عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قَالَ: بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ إِذْ طَلَعَ عَلَيْنَا رَجُلٌ شَدِيدُ بَيَاضِ الثِّيَابِ شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعَرِ لا يُرَى عَلَيْهِ أَثَرُ السَّفَرِ وَلا يَعْرِفُهُ مِنَّا أَحَدٌ حَتَّى جَلَسَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَسْنَدَ رُكْبَتَيْهِ إِلَى رُكْبَتَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ أَخْبِرْنِي عَنِ الإسْلامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الإسْلامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّداً رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتُقِيمَ الصَّلاةَ وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلاً، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: فَعَجِبْنَا لَهُ يَسْأَلُهُ وَيُصَدِّقُهُ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإيمَانِ، قَالَ: أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ، قَالَ: صَدَقْتَ قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنِ السَّاعَةِ، قَالَ: مَا الْمَسْئُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، قَالَ: فَأَخْبِرْنِي عَنْ أَمَارَتِهَا، قَالَ: أَنْ تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَهَا وَأَنْ تَرَى الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الْعَالَةَ رِعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، قَالَ: ثُمَّ انْطَلَقَ فَلَبِثْتُ مَلِيّاً، ثُمَّ قَالَ لِي: يَا عُمَرُ أَتَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّهُ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ دِينَكُمْ ))
أيها الأخوة، الإحسان، صدقوني إذا قلت لكم أنكم جميعاً وجميع بني البشر إنما أتوا إلى الدنيا من أجل الإحسان وإن الإحسان هو ثمن الجنة وأن المحسن هو قريب من الله عز وجل، وأن الذي يأتيه ملك الموت لا يندم إلا على العمل الصالح.
الإحسان أيها الأخوة، جاء في القرآن الكريم مقروناً بالإسلام، ومقروناً بالإيمان، ومقروناً بالتقوى، فالله سبحانه وتعالى يقول:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ ﴾
الإحسان من لوازم الإيمان :
الإحسان من لوازم الإيمان والإحسان قُرن بالإسلام، قال تعالى:
﴿ بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ﴾
﴿ وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ﴾
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
ثبت في صحيح مسلم، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن هذه الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، الحسنى الجنة، وزيادة النظر إلى وجه الله الكريم.
طبعاً لماذا كان جزاء المحسن الذي عبد الله كأنه يراه فإن لم يكن يراه فإن الله يراه؟ هذا الذي عبد الله بحضور قلب وشهود بصيرة الجزاء من جنس العمل، ينبغي أن يكون من جزائه أن يرى وجه الله الكريم عبده طوال حياته وهو لا يراه، لكن يظن أن الله يراه، عبده كأنه يراه، الآن في الجنة سوف تراه رؤيا العين وتراه كما ترى القمر ليلة البدر في رابعة السماء.
معنى الإحسان :
قال تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
ورد في الأثر: أن الإنسان إذا نظر إلى وجه الله الكريم يغيب خمسين ألف عام من نشوة هذه النظرة.
الآن درسنا ما الإحسان؟ قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، تجتهد وتجتهد وتفكر، وتتأمل وتقف عند الحدود وتبالغ في الورع، وتؤدي الصلوات، وتنفق الأموال، وتضبط الجوارح، من أجل أن تشعر أنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، أي إذا لم تبلغ هذه المرتبة يوجد مرتبة ممكنة، تصور أنه يراك، إن لم تكن تراه تصور أنه يراك.
أحياناً الإنسان إذا أراد أن يظهر بجهاز إعلامي على الشاشة يتخيل كل الناس يرونه، مع أنه أمام آلة تصوير، والمكان في صمت مطلق، في كتم صوت شديد، لماذا يضطرب الإنسان؟ لا يوجد أحد ولا إنسان إلا آلة تصوير وأنت وراءها، لأنه يتوهم أو يعتقد أن كل الناس قاطبةً يرونه، ذكرت هذا المثل لأبين لكم أنه إذا آمنت أنك مكشوف أمام الناس، جميعاً وأن كل كلمة محاسب عليها، وأن كل غلطة مدان عليها، وسوف يتناقلها الناس في مجالسهم، وسوف يقيمونك، كلما جلست يتحدثون، لماذا تحرص على أن يكون إلقاءك في أعلى مستوى مع أن أحداً لا يراك ولا أحد يسمعك ولا يوجد إلا آذن وآلة تصوير؟! لكن لأنك تتوهم أو تظن وتعتقد أن كل الناس يرونك ويسمعونك.
المؤمن يرى ربه يوم القيامة كما ينظر إلى القمر ليلة البدر في كبد السماء :
لذلك جزاء الذين يعبدون الله كأنه يراه، يعبده بقلبه، بقلب شاهد وبصيرة نافذة، حتى لو لم يبلغ هذه المرتبة يتصور أن الله يراه، جزاء هذا الذي يتعامل مع الله شهوداً، ويقظةً، وبصيرةً أن يُسمح له أن يرى وجه الله الكريم، لذلك ثبت أن قوله تعالى:
﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾
الزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم، يؤكد هذا قوله تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾
وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة، وما هم عليه السلف الصالح، وما هم عليه مجموع الأمة، المؤمن يرى ربه يوم القيامة كما ينظر إلى القمر ليلة البدر في كبد السماء.
هؤلاء الذين حجبوا عن ربهم في الدنيا حجبتهم شهواتهم وضلالاتهم وانحرافاتهم، حجبتهم أهواءهم ونزواتهم، هؤلاء الذي غاصوا في المعاصي إلى قمم رؤوسهم، هؤلاء الذين أعرضوا عن ربهم، هؤلاء الذين أشاحوا بوجوههم عن الحق، هؤلاء الذين كان الران على قلوبهم، جزاءهم يوم القيامة من جنس حالهم في الدنيا، ما جزاءهم؟ قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
والله أيها الأخوة، ما من عقاب أشد على الإنسان من أن يكون عن ربه محجوباً، قد يعطيك الله كل شيء لكن لا يسمح لك أن تقبل عليه، فأنت في الأخسرين، قد تتمتع بالدنيا بأكملها لكنك محجوب عن الله، وقد تحرم من الدنيا بأكملها لكنك موصول به، الإنسان الرقيق الذي ينطوي على إحساس مرهف، هذه الآية ينخلع القلب لها.
من يقدم روحه في سبيل الله ينغمس في سعادة لا توصف :
لو سألت مؤمناً صادقاً ما الذي يدعوك إلى طاعة الله، ما الذي يدعوك إلى مجاهدة النفس والهوى، ما الذي يدعوك أن تكون قائماً بأمره، ما الذي يدعوك أن تبتعد عن نواهيه؟ الجواب واحد حرصك على الاتصال به، حرصك على أن تكون موصول به، خوفك من أن تحجب عنه، الآن يوجد جهة في الأرض تعاقب إنسان أطلق بصره في الحرام؟ بالعكس إذا أنس منك الناس أنك تغض بصرك يعجبون لحالك، ماذا ألم بهذا، لماذا تفعل هذا؟ وهذا من رحمة الله بالإنسان أن بعض أوامر الله تنطبق على قوانين الأرض، فالذي يدع السرقة لا تدري يا ترى تركها خوفاً من الله؟ قد يكون ذلك، أم تركها خوفاً من عقاب الدنيا، أو خوفاً من عقاب القانون، لا ندري لكن السرقة في القانون محرمة، وعند الله محرمة، فترك السرقة لا يعلم ما الدافع لهذا الترك، لكن ما من قانون أرضي على الإطلاق، ما من جهة في الأرض تحرم على رعاياها إطلاق البصر إلى ما حرم الله إلا الدين، فهذا الذي يغض بصره عن محارم الله لماذا يفعل ذلك؟ يفعل ذلك حفاظاً على هذه الصلة، حفاظاً على أن يكون مع الله، خوفاً من أن يحجب عن الله.
لو شـاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لما وليت عنا لغيرنا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا خلعت عنك ثياب العجب وجئتنا
ولو ذقت من طعم المحبة ذرةً عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنا
ولو نسمت من قربنا لك نسمة لـمت غـريباً واشتياقاً لقربنا
فما حبنا سهـل وكل من ادعى سهولته قلنا لـه قـد جهلتنا
فأيسر ما في الحب للصب قتله وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنا
* * *
جاء صحابي إلى النبي وخاض معه إحدى الغزوات، واستحق بعض الغنائم، قال: ما هذا يا رسول الله؟ قال: هذه غنيمتك، قال: ما على هذا أسلمت، أنا أسلمت على الذبح، فابتسم النبي وتعجب لهذا الصدق.
أي أسلمت من أجل أن أقتل في سبيل الله، في معركة قادمة تفقده النبي عليه الصلاة والسلام فإذا هو مع القتلى، فبكى، وقال عليه الصلاة والسلام: هو هو، قالوا: هو هُو.
أنا أؤكد لكم أن هؤلاء الذين يقدمون أرواحهم في سبيل الله ينغمسون في سعادة لا تستطيع لغات الأرض أن تصفها.
لقطات من السيرة :
بعض لقطات من السيرة:
سيدنا سعد بن الربيع تفقده النبي فلم يجده، أعتقد عقب معركة أحد، أرسل أحد أصحابه الكرام إلى أرض المعركة ليتفقد حاله، رآه بين القتلى وبه رمق قليل، فقال: يا سعد أنت مع الأحياء أم مع الأموات، قال: مع الأموات، قال: إن النبي يقرئك السلام ويسأل عن حالك، قال: قل له وأبلغ عني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقل له: جزاك الله عنا خير ما جزى نبياً عن أمته، وقل لأصحابه لا عذر لكم إن خلص إلى نبيكم وفيكم عين تطرف.
أنا تصورت هذا الصحابي وهو في النزع الأخير في حالة من السعادة لا توصف، ماذا فعل؟ قدم أثمن ما يملك، قدم حياته لله، قدم روحه لله، الإنسان إذا بذل شيء من ماله تراه تألق، إذا بذل وقته يتألق، إذا بذل جهده، خبرته، علمه يشعر أنه فعل شيئاً، لذلك هذا الذي يغيب عن الله عز وجل في الدنيا يحرم نفسه ذلك اللقاء المسعد، عقابه في الآخرة من جنس العمل، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ﴾
((.. فَأَخْبِرْنِي عَنِ الإحْسَانِ، قَالَ: أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ... ))
درسنا اليوم حول هذه الفقرة، قال إذا تصورت أن الله يراك هذا يوجب الخشية، والخوف، والهيبة، والتعظيم، جاء في بعض روايات هذا الحديث أن تخشى الله كأنك تراه.
أحياناً الإنسان يخاف بعينه فقط، وكلما ارتقى الإنسان يخاف بعقله، لكن الإنسان إذا وقف أمام قوي وبيده سلاح فتاك أيعصي أمره؟ أن تخشى الله كأنك تراه. لذلك في بعض الأدعية الشريفة: اللهم اجعلنا نخشاك كأننا نراك، وأسعدنا بلقياك ولا تشقنا بالبعد عنك، وخر لنا واخترنا، حتى لا نطلب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت.
من شقاء الإنسان ألا يصاحب من لا يجانسه :
أيضاً حينما تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فأنه يراك هذا يوجب إتقان العبادة وبذل الجهد في تحسينها، الإنسان على قدر مراقبته لله عز وجل يرتفع مستوى عبادته، وقد وصى النبي صحابته بهذه الوصية: أن تخشى الله كأنك تراه، قال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أخشى الله كأني أراه فإن لم أكن أراه فإنه يراني.
أحياناً إنسان يمسك يد أخوه، ويضع يده على كتفه هذا منتهى المودة، أحياناً تبلغ المودة درجة أنه يمسكه، ابن عمر كان يحب النبي عليه الصلاة والسلام كثيراً:
(( أخَذَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بِمَنْكبي، فقال: كُنْ في الدنيا كأنك غَريبٌ، أو عابِرُ سَبيلٍ ))
رجل سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: يا رسول الله حدثني بحديث وأجمِله أي واختصره، فقال صلى الله عليه وسلم:
((جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: عِظْنِي وَأَوْجِزْ، فَقَالَ: إِذَا قُمْتَ فِي صَلاتِكَ فَصَلِّ صَلاةَ مُوَدِّعٍ وَلا تَكَلَّمْ بِكَلامٍ تَعْتَذِرُ مِنْهُ غَداً وَاجْمَعِ الإيَاسَ مِمَّا فِي يَدَيِ النَّاسِ))
الإنسان إذا شعر أن مرضه يجعله قريباً من أهل الآخرة ينخلع قلبه فإذا صلى صلَّى بكله، بكل مشاعره، بكل جوارحه، بكل تذلله، بكل تواضعه، بكل إقباله، فالنبي عليه الصلاة والسلام نصحنا أن نصلي صلاة مودع، كل صلاة اعتقد أنها آخر صلاة، لا تلهو.
النبي الكريم أساساً قال:
((إن الله اختارني واختار لي أصحابي.))
لكرامته على الله عز وجل، هو سيد الخلق وكلما ارتقى الذين حولك تسعد بهم ويسعدون بك، وكلما كانت المسافة كبيرة جداً بينك وبين من حولك هذا من شقاء الإنسان، أن يكون متألقاً وحوله أناس كسالى، أن يكون منبعث إلى الله عز وجل ومن حوله هممهم منخفضة، أن يكون وفياً وحوله غير أوفياء، من شقاء الإنسان ألا يصاحب من لا يجانسه، لذلك لكرامة النبي على الله عز وجل، لذلك قال: إن الله اختارني واختار لي أصحابي.
المؤمن الصادق يتولاه الله في كل أموره :
أحد الصحابة، النبي عليه الصلاة والسلام قال له: يا حارثة كيف أصبحت؟ التقيت مع شخص أسأله كيف أصبحت؟ وهناك سؤال الناس يهملونه، كيف حالك مع الله؟ الصحة طيبة، ودخلك جيد، وأولادك سليمين، والزوجة جيدة، والتجارة رائجة، كيف حالك مع الله؟ هل أنت مقبل عليه، هل قلبك عامر بذكره؟ قال:
((كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمناً حقاً ، قال: انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: يا حارث عرفت فالزم ـ ثلاثاً ـ ))
عبد نور الله قلبه بالإيمان. والله أيها الأخوة أحياناً المؤمن الصادق إن وجد إنساناً منحرفاً يرى شقاءه في الدنيا قبل الآخرة، إن رأى شاباً مخلصاً ورعاً أحياناً أشعر أن هذا الشاب له مستقبل مشرق، وأن الله سيوفقه ويأخذ بيده، وسيقر عينه، ويحفظه، وسينصره.
الحقيقة يقولون في العلوم ما فائدة القانون؟ لماذا ندرس الفيزياء والكيمياء؟ طبعاً من أجل أن نصل إلى قوانين، والقوانين علاقات ثابتة بين متغيرات، والقانون مهمته التنبؤ، صحن المسجد جاءت موجة حر قبل شهرين شيء عجيب، بلاط رخامي ومعه بلاط أسود قاسي جداً فوجئنا في صبيحة أحد الأيام أن البلاط صار كالقوس، سألنا أخاً خبيراً فقال: لا يوجد فواصل تمدد، حتى البلاط يتمدد، الرخام يتمدد، لا بد له من فواصل تمدد، موجة الحر الشديدة جعلته يتمدد، صلحنا مكان التمدد وجعلنا فاصل تمدد.
القانون ما فائدته؟ أن تتنبأ بما سيكون، أنت عندما تعلم أن المعادن تتمدد بالحرارة، تجد كل الجسور فيها فواصل تمدد، سكك القطار فيها فواصل تمدد، لأننا لو أهملنا القانون فسوف نفاجئ بالتواء السكك وتقوص الجسور، القانون فائدته القدرة على التمدد، أنت إذا عرفت الله معرفةً متينة، رأيت شاباً ورعاً مستقيماً يحب الله عز وجل، الله سوف يوفقه رغم أزمة السكن الحالية، ورغم قلة الأعمال، ورغم شح الموارد أحياناً، لأن الله تعالى قال:
﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾
﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾
من لم يشعر بالغنى فهو فقير :
بالمقابل إن رأيت إنساناً منحرفاً محتالاً يأكل المال الحرام، يرتكب المخالفات، يعتدي على خلق الله، يقسو عليهم، يظلمهم، يجب أن ترى أن الله سوف يدمره.
((كيف أصبحت يا حارث؟ فقال: أصبحت مؤمناً حقاً ، قال: انظر ما تقول، فإن لكل شيء حقيقة، فما حقيقة إيمانك؟ فقال: عزفت نفسي عن الدنيا، فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري، وكأني أنظر إلى عرش ربي بارزاً، وكأني أنظر إلى أهل الجنة يتزاورون فيها، وكأني أنظر إلى أهل النار يتضاغون فيها، فقال: يا حارث عرفت فالزم ـ ثلاثاً ـ ))
هذا أحد صحابته، أنت إذا رأيت إنساناً منحرفاً وغنياً، وقلت: هنيئاً له، والله لا تعرف في الدين شيئاً، لمجرد أن تقول هنيئاً له قال تعالى:
﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ*وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ ﴾
أنت إن لم تشعر بالغنى أنت فقير، إن لم تشعر بالتفوق وأنت في الدرجة الدنيا من المجتمع، طالب صغير حريص على طاعة الله، حريص على حضور مجلس علم، حريص على تلاوة القرآن، هذا الطالب يجب أن تنظر إليه أنه طالب عظيم في مقياس الحق.
أهلاً بمن أخبرني جبريل بقدومه، قال: أو مثلي؟ قال: نعم يا أخي خاملاً في الأرض علماً في السماء.
لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أوصى رجلاً، قال: استحي من الله استحياءك من رجلين من صالح عشيرتك لا يفارقانك.
الخوف من الله في السر والعلانية :
إذا كنت تسير مع شخص له مكانته، لا أعتقد أنك تتكلم كلمة نابية، ولا تمسك سبحة، ولا تسير عشوائياً، إذا كنت تسير مع شخص له وقاره تمشي بأدب وتصغي له، إذا دخلت إلى إنسان له شأن تجلس جلسة مؤدبة، لا تفتح رجليك، كما أنك لا تضع رجلاً على رجل، ولا تعبث بسبحة، ولا تقرأ جريدة أمامه، ولا تلتفت إلى جهة أخرى تحدق النظر إليه، وتجلس جلسة مؤدبة، لأن مقامه موجود، فكيف مع ملك الملوك؟! والنبي عليه الصلاة والسلام أوصى معاذ بن جبل حينما بعثه إلى اليمن قال: استحي من الله كما تستحي من رجل ذا هيبة من أهلك. وسئل النبي عن كشف العورة خالياً فقال: الله أحق أن يستحيا منه.
إنسان استخدم إنساناً لعمل فاغتسل عارياً، فقال: خذ أجرتك لا حاجة لنا اليوم بك.
قال بعض أصحاب النبي: كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا، كأن الله بيننا.
والنبي عليه الصلاة والسلام، تقول عنه السيدة عائشة كان يحدثنا ونحدثه، فإذا حضرت الصلاة لا يعرفنا ولا نعرفه.
والله أنا في عرفات وجدت أناساً يتحدثون طوال اليوم حديثاً تافهاً، وبعضهم يلهو كما يلهو في بيته، وهذا أشرف مكان في الأرض وأقدس مكان في التاريخ، وأنت في عرفات، هناك أناس يطوفون شاردون لاهون، فلذلك:
((...أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ... ))
فإن فعلت هذا سوف ترى الله في الجنة، يوجد نقطة مهمة جداً يقول بعض العارفين: اتقِ الله أن يكون أهون الناظرين إليك، لا تجعل الله عز وجل أهون ناظر إليك.
وقال بعضهم: خاف الله على قدر قدرته عليك، أحياناً ترى منصباً رفيع المستوى ولو كان إنساناً كلهم يخافونه، كلهم يحترمونه احتراماً مبالغ به لقدرته عليهم، وقد يكون أقل من بعضهم علماً وفهماً وأخلاقاً ومع ذلك لقدرته عليهم يحترمونه أشد الاحترام، ويعظمونه أشد التعظيم، ويبجلونه أكبر التبجيل.
أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة الإحسان :
خاف الله على قدر قدرته عليك، واستحي من الله على قدر قربه منك، قريب وقدير، وقال بعض العارفين: من عمل لله على المشاهدة هو عارف، ومن عمل على مشاهدة الله إياه فهو مخلص، إن عبدته كأنك تراه كنت عارف، وإن عبدته كأنه يراك فأنت مخلص، بين العارف والمخلص، هناك أقوال نقلت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت.))
عندما تجد امرأة محجبة في بلدها وفي الطائرة تخلع الحجاب وتغدو كإنسانة متفلتة هذه هل تعبد الله؟ أبداً، تخاف من التقاليد والعادات، هذا شيء ملاحظ، بعض البلاد التي تجبر فيها النساء على ارتداء الحجاب إذا سافرن إلى بلد أجنبي في الطائرة يخلعن كل شيء وتغدو إحداهن، أما الذي يعبد الله، الله معه حيث كان.
((أفضل الإيمان أن تعلم أن الله معك حيثما كنت.))
ويوجد حديث آخر، سئل عليه الصلاة والسلام:
((ما تزكية المرء نفسه؟ ـ أي كيف يزكي الإنسان نفسه ـ فقال: يعلم أن الله معه حيث كان.))
إذا علم أن الله معه حيث كان زكى نفسه، كل هذا الكلام حول قول النبي صلى الله عليه وسلم في مرتبة الإحسان:
((...أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ... ))
(( ثلاثة في ظل الله تعالى يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، رجل حيث توجه علم أن الله معه))
الإنسان قبل أن يعصي الله يجب أن يفكر ملياً كيف سيلقاه يوم القيامة :
إبراهيم النخعي فيما أذكر، سأله أحد الأشخاص، نفسي تراودني كيف أعالجها، فقال هذا العالم الجليل: خمس أشياء إن فعلتها ما ضرتك معصية أبداً، قال له: إذا أردت أن تعصيه فلا تأكل رزقه، قال: وماذا أكل إذاً؟، قال: تأكل رزقه وتعصيه، تتقوى على رزقه بمعصيته، قال: هات الثانية، قال: إذا أردت أن تعصيه فلا تسكن بلاده، قال: وأين أسكن إذاً وكل الأرض بلاده؟، قال: تأكل رزقه وتسكن بلاده وتعصيه، منتهى الوقاحة، قال: هات الثالثة، قال: إذا أردت أن تعصيه فكن في مكان لا يراك فيه، وهو معكم أين ما كنتم، قال: أين ما ذهبت هو معي، قال: تأكل رزقه، وتسكن أرضه، وتعصيه وهو يراك، قال: هات الرابعة، قال: إذا أردت أن تعصيه وجاءك ملك الموت فلا تذهب معه وادفعه بيمينك وأبعده عنك، قال: لا أستطيع، قال: تأكل رزقه وتسكن أرضه وتعصيه وهو يراك وأنت لا تقوى على دفع ملك الموت، قال: هات الخامسة، قال: إذا جاءك زبانية جهنم ليأخذاك إلى النار فلا تذهب معهم وادفعهم عنك، قال: لا أستطيع، عندئذ قال له: تأكل رزقه وتسكن أرضه وتعصيه وهو يراك وأنت لا تقوى على دفع ملك الموت ولا على دفع زبانية النار، قال: كفيت.
فالإنسان قبل أن يعصي الله عز وجل يجب أن يفكر ملياً، كيف تلقى الله بهذه المعصية؟ كيف سأعتذر إلى الله؟ قال تعالى:
﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾
﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾
﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَواتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُواْ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمٌ ﴾
آيات من الذكر الحكيم تبين أن الله عالم بكل شيء :
قال تعالى:
﴿ وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾
﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾
﴿ يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً ﴾
أحاديث من السُّنة الشريفة تبين أن الله عالم بكل شيء :
والنبي عليه الصلاة والسلام يقول:
((عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ فَقَامَ فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ فَلا يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ ثُمَّ رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ أَوْ يَفْعَلُ هَكَذَا ))
((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى بُصَاقاً فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ: إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَبْصُقُ قِبَلَ وَجْهِهِ فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى ))
أنت عندما تصلي مع الجماعة يقول الإمام: سمع الله لمن حمده، الله عز وجل يستمع إلى حمدك.
((عن أبي أمامة عن النبي صلى اله عليه وسلم أنه قال: ثلاثة في ظل الله تعالى يوم القيامة، يوم لا ظل إلا ظله، رجل حيث توجه علم أن الله معه))
((... وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَكُمْ بِالصَّلاةِ فَإِذَا صَلَّيْتُمْ فَلَا تَلْتَفِتُوا فَإِنَّ اللَّهَ يَنْصِبُ وَجْهَهُ لِوَجْهِ عَبْدِهِ فِي صَلَاتِهِ مَا لَمْ يَلْتَفِتْ... ))
والنبي الكريم سمع أناس يرفعون صوتهم بالدعاء فقال لهم:
((عَن أَبِي مُوسَى الأشْعَرِيِّ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ فَجَعَلْنَا لا نَصْعَدُ شَرَفاً وَلا نَعْلُو شَرَفاً وَلا نَهْبِطُ فِي وَادٍ إِلا رَفَعْنَا أَصْوَاتَنَا بِالتَّكْبِيرِ قَالَ: فَدَنَا مِنَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَإِنَّكُمْ مَا تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلا غَائِباً إِنَّمَا تَدْعُونَ سَمِيعاً بَصِيراً إِنَّ الَّذِي تَدْعُونَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَتِهِ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ أَلا أُعَلِّمُكَ كَلِمَةً مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ لا حَوْلَ وَلا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ ))
ويقول الله عز وجل في الحديث القدسي:
((عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي إِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلأٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلأٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
هذا الحديث أخوانا الكرام يجب أن يشعر به كل مؤمن، اقترب خطوة ترى الأمور تيسرت وقلبك انشرح، والناس حبوك وخدموك، أنت اقتربت خطوة، أي عقدت الأمر على التوبة، صدقت بصدقة الأمور كلها بصالحك، هذا معنى أنك إذا تقربت شبراً تقرب الله منك ذراعاً.
كل جهد تبذله في التقرب من الله تعالى لابدّ من أن تجده أضعافاً مضاعفة :
الله عز وجل ينمي الخير القليل، لمجرد أنك تتحرك نحوه ترى الأمور كلها تغيرت، بالمناسبة لا يمكن أن تخطب ود الله عز وجل والله عز وجل لا يكون له رد فعل معك، يرد عليك بالإحسان، بالتكريم، بالسكينة، بالتوفيق، لا يمكن أن تتحرك نحوه ولا تجد أي شيء جديد، لا بد من أن تفاجئ بشيء جديد لم يكن من قبل، تقربت إليه في بعض النوافل وعقدت العزم على أن تكون في خدمة عباده، وتقربت إليه في بعض الطاعات، لا بد من أن تجد رداً إلهياً.
سيدنا النبي عندما كان في الطائف، وسخر منه أهل الطائف وكذبوه، ونالوا منه ما نالوا، فقال: إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ولك العتبى حتى ترضى، أين وجد الرد؟ في الإسراء والمعراج، حينما علم أنه سيد الخلق وحبيب الحق، وسيد ولد آدم، وبلغ سدرة المنتهى، ورأى من آيات ربه الكبرى، وأطلعه الله على ما كان وما سيكون قبل أن يكون، لذلك كل جهد تبذله في التقرب من الله عز وجل لا بد من أن تجد أضعافاً مضاعفة من الله عز وجل، هذا معنى الحديث.
((...وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْراً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعاً وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً ))
تروي بعض الكتب أن سيدنا عيسى عليه السلام قال للحواريين: كلموا الله عز وجل كثيراً وكلموا الناس قليلاً، فقالوا: كيف نكلم الله كثيراً؟ قال: أخلوا بمناجاته، أخلوا بدعائه، مناجاته كلام، ودعاءه كلام، إذا أردت أن تحدث الله فادعه، وإذا أردت أن يحدثك الله فاقرأ القرآن.
يوجد أشخاص لا يفتر عن الكلام غير الهادف، أما إذا أقام ليصلي يختصر.
يا موسى أتحب أن أكون جليسك؟ قال: كيف ذلك يا رب وأنت رب العالمين؟ قال: أما علمت يا موسى أنني جليس من ذكرني وحيثما التمسني عبدي وجدني.
لا يجد المطيعون لله عز وجل لذة في الدنيا أحلى من الخلوة :
يقول بعض العارفين: عجبت للخليقة كيف أنست بسواك يا رب، كيف الإنسان يضحك ويسر، يقول لك: والله سررنا وهو غافل عن الله، تارك للصلاة، كيف تأنس بغير الله؟
قال أبو أسامة: دخلت على محمد بن النظر الحارثي، فرأيته كأنه ينقبض، قلت: كأنك تكره أن تؤتى، أي تكره الناس، قال: أجل، قلت: أو ما تستوحش؟ قال: كيف أستوحش وهو يقول أنا جليس من ذكرني.
قال بعضهم: الاستئناس بالناس من علامات الإفلاس، قيل لرجل اسمه مالك بن مقفل جالس في البيت وحده، قيل له: ألا تستوحش؟ قال: أيستوحش مع الله أحد.
وكان يقول بعضهم: من لم تقر عينه بك فلا قرت عينه، أدعو أحياناً وأقول: اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم، يقول هذه الأرض تضاعفت مئتا مرة لا أبيعها بعشرين مليون مطمئن، هذا المكتب، هذا البيت، هذه التجارة، هذا المنصب، هذه الوسامة، اللهم كما أقررت أعين أهل الدنيا بدنياهم فأقرر أعيننا من رضوانك. من لم تقر عينه بك فلا قرت عينه، ومن لا يأنس بك فلا أنس له.
قال أحد العارفين بالله: إني أصبت راحة قلبي في مجالسة من لديه حاجتي.
سأل أحد الخلفاء في الحرم المكي أحد العلماء الكبار قال له: سلني حاجتك، قال: والله أستحي أن أسأل غير الله في بيت الله، التقى به خارج الحرم، فقال له: سلني حاجتك، قال: والله ما سألتها من يملكها أفأسألها من لا يملكها، قال له: سلني حاجتك؟ قال: أدخلني الجنة، وأنقذني من النار، قال له: هذه ليست لي، قال: ليس لي عندك حاجة.
وقال بعضهم: ما تلذذ المتلذذون بمثل الخلوة بمناجاة الله عز وجل، وقال بعضهم: والله لولا الجماعة ما خرجت من بابي أبداً حتى أموت، وما يجد المطيعون لله عز وجل لذة في الدنيا أحلى من الخلوة، لمناجاة حبيبهم.
أقوال في الإحسان :
قال إبراهيم بن الأدهم ـ وهو دفن في جبلة من كبار العارفين بالله ـ: أعلى الدرجات أن تنقطع إلى ربك وأن تستأنس بقلبك وعقلك وجميع جوارحك، حتى لا ترجو إلا ربك، ولا تخاف إلا ذنبك، وترسخ محبته في قلبك، حتى لا تؤثر عليها شيئاً، فإن كنت كذلك لن تنل في بر كنت أو في بحر أو في سهل أو في جبل، لن تنل أي الله يحفظك، وكان شوقك إلى لقاء الحبيب كشوق الظمآن إلى الماء البارد وشوق الجائع إلى الطعام الطيب، ويكون ذكر الله عندك أحلى من العسل وأحلى من الماء العذب الصافي عند العطشان في اليوم الصائم.
وقال الفضيل: طوبى لمن استوحش من الناس وكان الله جليسه.
وقال أبو سليمان الداراني: لا أنسى الله أبداً.
وقال معروف: توكل على الله حتى يكون جليسك وأنيسك وموضع شكواك.
ماذا قال سيدنا يعقوب؟ قال تعالى:
﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
ويعاب من يشكو الرحيم إلى من لا يرحم.
وقال ذي النون: من علامة المحبين لله ألا يأنسوا بسواه وألا يستوحشوا معه.
أيها الأخوة، هذه مرتبة الإحسان
(( أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ.))
وهذا الجهد الجهيد الذي تبذله كي تكون في هذا المستوى جزاءه أن ترى الله حقاً في الجنة، قال تعالى:
﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ*إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾