- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .
الخلق :
أيها الإخوة الكرام ، من لوازم المؤمن أنه ذو أخلاق ، ذلك أن الأخلاق في تعريفها الدقيق : هي ضبط للسلوك .
فالله عز وجل أودع في الإنسان الشهوات ، وسمح له أن يتحرك بها من دون قيد أو شرط ، لكن التشريع الحكيم ألزمه بحيز ينبغي ألا يتعداه ، الإنسان يستطيع أن يمارس أية شهوة أودعها الله فيه بشكل كامل ، إلا أن الشريعة الغراء سمحت له في علاقته بالمرأة بالزواج فقط ، وفي كسبه للمال بكسب المال الحلال ، وفي أية شهوة أودعت في الإنسان سمح له أن يمارسها ضمن قناة نظيفة ، هي التشريع الإلهي
فكل إنسان أوقع حركته وفق النطاق الذي سمح الله به فهو ذو خُلق .
لذلك الأخلاق كسبية تقوم باختيار ، ثم بإرادة ، ثم بفعل .
الآن النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه كان قمةً في كل شيء قال الله له :
﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾
القرآن يتلى عليه مرةً فيحفظه ، كان أفصح العرب ، كان جميل الصورة ، فكل خصائصه التي تعينه على أداء الرسالة منحه الله إياها ، إنها وسائل الدعوة ، إلا أن الله حينما أثنى عليه أثنى على خُلقه فقط .
الأمر يتّضح تماماً كما لو أن ابناً طلب من أبيه قصراً ، وأبوه ملك ، فمنحه القصر ، طلب طائرة خاصة فمنحه طائرة خاصة ، طلب يختاً فمنحه اليخت ، لكن لا يعقل أن يكرم هذا الابن حينما يمنح يختاً أو طائرةً ، أما حينما يتفوق في دراسته ، وهي من كسبه يكرم .
لذلك كل أدوات الدعوة من فصاحة إلى ذاكرة قوية إلى حكمة إلى ... هذه كلها من خصائص الدعوة ، وقد تفضل الله على النبي عليه الصلاة والسلام ، لكن حينما يمدح النبي صلى الله عليه وسلم يمدح بشيء من كسبه ، ألا وهو الخلق ، فالخصائص قد تكون وهبية ، بينما الخلق هو كسبي ، قال تعالى :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾
السيدة عائشة سئلت عن خلقه فقالت :
(( كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ ))
لو قرأت القرآن الكريم كله ، أثنى الله على الصادقين وكان صادقاً ، أثنى على المتصدقين وكان متصدقاً ، أثنى الله على الصابرين وكان صابراً ، فما من صفة وردت في القرآن الكريم فاضلة إلا والنبي صلى الله عليه وسلم تمثلها قلباً وقالباً ، إذاً كانت أخلاقه القرآن .
مكارم الأخلاق :
وقال بعضهم :
الكون قرآن صامت ، والقرآن كون ناطق ، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآن يمشي ، وقد جمعت مكارم الأخلاق في آية ، قال تعالى :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
كلمة
﴿ خُذِ ﴾
تعني شيئاً ثميناً ، أنت حينما تعفو عمن ظلمك ، وتعطي من حرمك ، وتصل من قطعك فأنت قد أخذت العفو ، عفوت عنه حينما قطعك فوصلته ، وعفوت عنه حينما حرمك فأعطيته ، وعفوت عنه حينما ظلمك فأنصفت معه .
عن أبو هريرة رضي الله عنه : أَنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال :
(( أَمَرَنِي رَبِّي بِتِسْع : خَشْيَةِ الله في السِّرِّ والعلانية ، وكلمة العدل في الغضب والرضى ، والقصد في الفقر والغنى ، وأن أَصِلَ مَنْ قَطَعَنِي ، وأعطي مَنْ حَرَمَنِي ، وأعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَنِي ، وأن يكون صَمْتي فِكْرا ، ونُطْقِي ذِكْرا ، ونظري عبرة ، وآمرُ بالعُرْف ، وقيل : بالمعروف ))
﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾
الآن الأوامر :
﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾
العرف ما تعرفه الفطر السليمة بداهةً ، لك فطرة سليمة أيها الإنسان ، إنك في أصل تركيبك ، وفي أصل جبلتك ، وفي أصل فطرتك تحب الصدق ، تحب الإنصاف ، تحب الرحمة ، الله عز وجل أمر النبي عليه الصلاة والسلام أن يأخذ العفو ، ويأمر بالعرف ، يجب أن تأمر أيها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالقيم الأخلاقية التي فطر الإنسان عليها .
﴿ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ ﴾
والناس يستجيبون أو لا يستجيبون ، يمدحون أو يذمون ، الإنسان المتفلت لا تعجبه مكارم الأخلاق ، يحب أن يأخذ ما ليس له ، يحب أن يعتدي على أعراض الآخرين ، قال تعالى :
﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ ﴾
وثمة أحاديث صحيحة تبين أن أثمن شيء في الدين على الإطلاق حسن الخلق .
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ :
(( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ ))
مِن أوسع الكلمات دلالةً على مكارم الخلاق :
(( الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ))
ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق ، وإن الله تعالى ليبغض الفاحش البذيء .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ :
(( سُئِلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ الْجَنَّةَ ؟ قَالَ : التَّقْوَى ، وَحُسْنُ الْخُلُقِ ، وَسُئِلَ : مَا أَكْثَرُ مَا يُدْخِلُ النَّارَ ؟ قَالَ : الْأَجْوَفَانِ ، الْفَمُ وَالْفَرْجُ ))
يعني شهوتا الطعام والجنس .
وعَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( إِنَّ مِنْ أَكْمَلِ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنَهُمْ خُلُقًا ))
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا ، وَخِيَارُكُمْ خِيَارُكُمْ لِنِسَائِهِمْ خُلُقًا ))
وعَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
(( إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ ))
الإنسان صائم في النهار ، قائم في الليل ، يأتي الذي له أخلاق حسنة فيسبقه بهذه الأخلاق .
وعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا ، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا ، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ ))
المراء المشاحنة ، وإن سألتني : هل يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة بعد صحة الاعتقاد ؟ الجواب : حسن الخلق .
هذا الأمر دعا بعض كبار العلماء أن يقول : الإيمان هو الخلق ، ومن زاد عليك في الإيمان زاد عليك في الخلق .
وعَنْ جَابِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
(( إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا ، وَإِنَّ أَبْغَضَكُمْ إِلَيَّ وَأَبْعَدَكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الثَّرْثَارُونَ ، وَالْمُتَشَدِّقُونَ ، وَالْمُتَفَيْهِقُونَ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدْ عَلِمْنَا الثَّرْثَارُونَ وَالْمُتَشَدِّقُونَ فَمَا الْمُتَفَيْهِقُونَ ؟ قَالَ : الْمُتَكَبِّرُونَ ))
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ :
(( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْهَرَ اللَّوْنِ ، كَأَنَّ عَرَقَهُ اللُّؤْلُؤُ ، إِذَا مَشَى تَكَفَّأَ ، وَلَا مَسِسْتُ دِيبَاجَةً وَلَا حَرِيرَةً أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَا شَمِمْتُ مِسْكَةً وَلَا عَنْبَرَةً أَطْيَبَ مِنْ رَائِحَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ))
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ :
(( خَدَمْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ ، وَاللَّهِ مَا قَالَ لِي أُفًّا قَطُّ ، وَلَا قَالَ لِي لِشَيْءٍ لِمَ فَعَلْتَ كَذَا ؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا ))
الفضيلة وسط بين طرفين :
أيها الإخوة الكرام ؛ شيء دقيق ، هو أن كل خلق محمود مكتنف بخلقين ذميمين ، كل خلق محمود قبله خُلق مذموم ، وبعده خلق مذموم ، والفضيلة وسط بين طرفين .
الجود خلق محمود ، أما الإسراف فخلق مذموم ، البخل خلق مذموم ، يوجد إنفاق عشوائي طائش ، يوجد تبذير ، يوجد إسراف ، ويوجد تقتير ، والجود بينهما .
التهور خلق مذموم ، الجبن خلق مذموم ، بينهما الشجاعة .
ما من خلق محمود إلا وقبله وبعده خلقان مذمومان ، فالفضيلة وسط بين طرفين .
الطيش خلق مذموم ، التهيب خلق مذموم ، الحلم بينهما .
الأناة فضيلة ، عدم الحركة إطلاقاً رذيلة ، لا يتحرك إلى شيء من شدة حذره وخوفه وقلقه ، يلغي عمله كله ، والتسرع خلق مذموم .
لو ذهبت إلى بنود الأخلاق كلها لا تجد خلقاً فاضلاً إلا ويكتنفه خلقان مذمومان ، لذلك قالوا : الفضيلة بين طرفين .
أيها الإخوة الكرام ؛ صاحب الأخلاق الفضلى يسبق الصائم القائم ، وقد يصل إلى أعلى درجات الجنة ، طبعاً أقول : الأخلاق الفاضلة التي بنيت على إيمان ، أما هناك أخلاق تبنى على الذكاء ، هذه أخلاق أهل الدنيا ، تقتضي مصلحته أن يكون صادقاً ، تقتضي مصلحته أن يكون منصفاً .
قلت مرة : إن الأخلاق التي تلفت النظر في العالم الغربي هي أخلاق أساسها الذكاء ، لأنهم يعبدون المال من دون الله فكانوا بهذه الأخلاق ، وإذا تضررت مصالحهم يصبحون وحوشاً ، أليس كذلك ؟ كان الامتحان صعباً ، وسقطوا ، مادامت الأمور كلها لصالحهم فهم صادقون ، منصفون ، يعرفون قيمة الإنسان ، تقتضي مصلحتهم ذلك ، أما إذا مست مصالحهم ينقلبون إلى وحوش كاسرة ، لذلك يجب أن نفرق بين أخلاق الأذكياء وأخلاق العباد المؤمنين .
المؤمن خلقه أصيل ، لا يتأثر لا بإقبال الدنيا ولا بإدبارها ، لا بتحقيق مصالحه ولا بتعطل مصالحه ، لا بالغنى ولا بالفقر ، الخلق الإيماني خلق ثابت ، خلق أصيل .
بينما الخلق الشيطاني خلق مبني على الذكاء ، ومبني على تحقيق المصالح ، فإذا مست المصالح يصبح هذا الأخلاقي وحشاً كاسراً .