- أحاديث رمضان
- /
- ٠11رمضان 1425هـ - ومضات ايمانية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
من صفات المؤمن الصادق :
أيها الأخوة الكرام، من صفات المؤمن الصادق أنه يخاف، يخاف الله، وأصل الخوف: أن الله سبحانه وتعالى خلق النفس البشرية على طبيعة الخوف، فقال تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾
ولولا هذه الخصيصة في النفس البشرية لما تاب إنسان، ولما خضع إنسان، ولا أناب إنسان، والخوف سبب سعادة الدنيا والآخرة، هي نقطة ضعف في أصل خلق الإنسان, ولكن هي لصالح الإنسان:
﴿الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾
من علامة الإيمان :
إلى الآيات: الله عز وجل يقول:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
لا بد من أن تخاف جهة، يفترق المؤمن عن غير المؤمن: أن المؤمن يخاف من الله وحده، بينما غير المؤمن يخاف من كل أقوياء الأرض، قلبه مشتت، فإذا كان الأقوياء متناقضين وقع في حرج كبير، إن أرضى هذا أغضب هذا، إن أرضى هذا أغضب هذا, فالله عز وجل يقول:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ﴾
جمع:
﴿وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾
إذاً: من علامة الإيمان أن تخاف الله وحده، وهذا المعنى -أيها الأخوة- يحتاجه المسلمون اليوم قبل أي وقت آخر، السبب: أن القوى التي تهدد المسلمين في شتى بقاع الأرض, قوى جبارة وطاغية، ولا تخاف الله عز وجل، فعلامة إيمان المؤمن: أنه يعتقد أن أمره بيد الله، وأن الله سبحانه وتعالى ما كان له أن يسلمه إلى غيره:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
﴿وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ﴾
متى يخاف العبد الله؟ :
القضية كفكرة سهلة، أما كممارسة فصعبة جداً، أنت سهل أن تقول: الله بيده كل شيء، أنا سأخافه وحده، لكن القوى التي أمامك ملموسة، محسوسة، بطاشة، جبارة, فعملياً لا تستطيع أن تخاف الله وحده إلا بتوحيد كبير، والتوحيد الكبير يحتاج إلى جهد كبير، فالموحد وحده لا يرى إلا الله، يرى يد الله فوق أيديهم:
﴿وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى﴾
فالآية الأولى:
﴿فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ﴾
فأنت بين أن تخاف من ألف جهة متناقضة، وبين أن تخاف من الله وحده، و:
من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.
ماذا تفيد كلمة إياي :
الآية الثانية:
﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
وحينما قدمت كلمة:
﴿وَإِيَّايَ﴾
أفاد هذا التقديم معنى القصر، يعني ينبغي أن ترهب الله، ومن لوازم رهبتك من الله: ألا ترهب أحدًا آخر مهما كان قوياً:
﴿وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ﴾
ما وظيفة الخوف في أصل تصميم الإنسان؟ :
الآية الثالثة:
﴿فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ﴾
لما يأتي نهي في القرآن الكريم, معنى ذلك: أن هذا واقع، الناس يخاف بعضهم بعضاً، الناس يخشون بعضهم بعضاً:
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ﴾
﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ﴾
في نهاية الآية:
﴿أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ﴾
إذاً: في أصل تصميم الإنسان: أنه شديد الخوف، في أصل التصميم، وشدة الخوف: سلم يرقى به إلى الله، شدة الخوف حيادية، يمكن أن توظف بالإيمان, ويمكن أن تقود إلى الشرك، حيادية، وأنت مخير، فأنت مصمم على أن تخاف، كائناً من كان، بل إن الذي يخاف من المشركين, قطعاً المشرك يخاف:
﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا﴾
لأنه أشرك يخاف، ولو كان أقوى أقوياء الأرض، والذي ترون الآن: أن القوى التي لا تعقل قوتها, أشد خوفاً من الضعفاء، الآن في مرتبة عليا من الخوف.
من علامة النفاق :
في المسند والترمذي: عن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
((قلت: يا رسول الله، قول الله عز وجل: ﴿الذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة﴾-خائف- أهو رجل يزني، ويسرق، ويشرب الخمر، وهو مع ذلك يخاف الله عز وجل؟ قال: لا، ولكنه الرجل يصوم، ويصلي، ويتصدق، وهو مع ذلك يخاف الله عز وجل))
لذلك: من علامة النفاق: أن تطمئن في علاقتك مع الله، ومن علامة المؤمن: القلق المقدس، لذلك قال أحد التابعين:
التقيت بأربعين صحابياً, ما منهم واحد إلا وهو يظن نفسه أنه منافق، من شدة الخوف من الله.
سيدنا عمر الذي بشره الله بالجنة, جاء إلى سيدنا حذيفة، وقد أودع النبي عنده أسماء المنافقين، فقال: يا حذيفة، بربك اسمي معهم؟ قال: لا يا أمير المؤمنين.
كيف تفسر ذلك؟ كلما ازداد علمك, ازدادت خشيتك من الله، ولا يطمئن إلا الأبله .
من أشد الناس خوفاً من الله؟ :
مرة طالب قال بشكل وقح: أنا لا أخاف من الله، قلت له: أنت بالذات معك الحق؟ قال: لمَ؟ قلت له: الفلاح يأخذ ابنه في أربع سنوات إلى الحصيدة، ويضعه بين سنابل القمح، قد يمر إلى جانبه ثعبان طوله 12 متراً لا يخاف، ليس له إدراك، ولا خوف، الخوف متعلق بالإدراك.
انظر إلى الطبيب, يخاف أن يأكل حبة فاكهة من دون غسيل، لأنه يعرف الجراثيم والأمراض والإنتانات والتهاب الأمعاء، يخاف أن يأكل أكلة غير نظيفة، يعرف مضاعفات هذا الطعام، لذلك لا يخاف إلا عالم.
من ألطف ما مر في السنة: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:
((أعلمكم بالله أنا, وأشدكم خشية منه أنا))
ربط العلم بالخشية، فكلما ازداد علمك ازدادت خشيتك:
((يا رسول الله مثل بهم, فقال عليه الصلاة والسلام: لا أمثل به، فيمثل اللّه بي، ولو كنت نبياً))
علامة إيمانك أن تخاف من الله.
علامة معرفة الله أن تخاف منه :
لذلك مرة قلت: قد تقف متكلماً لساعة طويلة ارتجالاً من دون تحضير، بلغة فصيحة، وأدلة صحيحة، وتحليل عميق، وأنت لا تعرف الله, تعرفه إذا خفت منه، تعرفه إذا اتقيت أن تعصيه، تعرفه إذا علمت أنك في قبضته، تعرفه إذا أيقنت أنه يعلم، وسيحاسب، وسيعاقب، هذه علامة معرفة الله، علامة معرفة الله أن تخاف منه.
من لوازم العلماء :
أيها الأخوة، قال بعض العلماء: الخوف من الله لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء.
تماماً كإنسان خاف المرض، ترك هذا الطعام، لكن الطبيب يخاف المرض فيلجأ إلى الدواء، بين أن تهرب، وبين أن تعالج نفسك، فالخشية من لوازم العلماء، لقوله تعالى:
﴿إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ﴾
ولقول النبي -عليه الصلاة والسلام-:
((أنا أتقاكم لله تعالى، وأشدكم خشية))
بعضهم أضاف إلى ذلك: أن الخوف لعامة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين, والهيبة للمحبين، والإجلال للمقربين.
بين الخوف والخشية والهيبة والإجلال، مثلاً:
يقول عليه الصلاة والسلام:
((والله لو تعلمون ما أعلم, لضحكتم قليلاً، ولبكيتم كثيراً، وما تلذذتم بالنساء على الفرش, ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله))
ما هو الأمن الغبي وما هو القلق المقدس؟ :
القلق في هذا الموضوع مقدس، من علامة المنافق: أنه يأمن مكر الله، يأكل المال الحرام، ويعتدي على أعراض الناس، ويتبجح، ويتغطرس، ويقول: أنا من أهل الجنة:
﴿وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً﴾
هذا الأمن الغبي، وعلامة الإيمان القلق المقدس، في أمن غبي، وفي قلق مقدس، بعض العلماء قال:
الخوف سوط الله, يقوم به الشاردون عن بابه.
ما الذي ينبغي أن يجتمع في قلب المؤمن؟ :
أنا أحياناً أرى: أن معظم رواد المساجد إلا القليل منهم أتوا إلى المسجد، واصطلحوا مع الله بتدبير حكيم من الله، بدأ من الخوف، يعني الخوف له فضل علينا، هذه الخصيصة التي أودعها الله فينا, لولاها لما رجعنا إلى الله، ولما تبنا إليه، الإنسان يخاف.
والحقيقة: لما أحد الأنبياء قال:
((أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود, أحب عبادي إلي؛ نقي القلب, ونقي الكفين، لا يأتي إلى أحد سوءا, ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني وأحب من يحبني وحببني إلى عبادي، قال: يا رب, إنك لتعلم أني أحبك وأحب من يحبك, فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال: ذكرهم بآلائي وبلائي ونعمائي, يا داود, إنه ليس من عبد يعين مظلوماً أو يمشي معه في مظلمته, إلا أثبت قدميه يوم تزول الأقدام))
تأكد, ما لم تشعر بخوف من الله، وتعظيم له، ومحبة له, ففي الإيمان خلل، يجب أن يجتمع الإيمان في قلب المؤمن تعظيم ومحبة وخوف، لذلك قالوا: الخوف سراج في القلب ، وكل أحد إذا خفت منه هربت منه، إلا الله عز وجل، إنك إن خفته هربت إليه، لا ملجأ منك إلا إليك.
الله وحده إن خفت منه لجأت إليه، وأحياناً الطفل يخاف من أمه، فيرمي نفسه في أحضانها، وهذا حال المؤمن يخاف من الله فيلجأ إليه.
ما هو الخوف الحقيقي المحمود؟ :
الحقيقة بلا مجاملة، بوضوح شديد: الخوف الحقيقي المحمود: ما حال بينك وبين محارم الله، وإلا خوف مزيف، وادعاء كاذب.
أحيان أناس كثيرون يقولون: الله يتلطف، شيء مخيف، مقيم على المعصية، هذا خوف غير صحيح، هذا خوف مزيف، لو خفته لابتدعت عن معاصيه:
تعصي الإله وأنت تظهر حبه
-أو أنت تعبر عن خوفك منه-
ذاك لعمري في المقال شنيع
يتابع كل شيء على الشاشة, يا أخي ما هذا الفسق؟ ما هذا الفجور؟ ولماذا تتابع؟ من أجبرك أن تتابع؟ هذا خوف مذموم، خوف المنافقين.
الفرق بين خوف العبيد وبين خوف الأحرار :
والحقيقة: هناك خوف من العقوبة، هذا خوف العبيد، لكن خوف الأحرار: أن تخاف أن تنقطع عن الله عز وجل، لك مع الله علاقة مميزة، لك مع الله صلة, فإذا كنا حرصاً عليها تبتعد عن كل ما يغضب الله, حفاظاً على هذه الصلة، وهذا أقوى تفسير للخوف:
((رَأْسُ الْحِكْمَةِ مَخَافَةُ اللّهِ))
(( أشدكم لله خشية أنا))
والله أعلم, ليس الخوف أن ينال الإنسان عقوبة من الله هذه مرتبة، وكل إنسان يخاف الله من هذا المستوى, لكن في مستوى أعلى، إنك إن وصلت إلى الله, ولك معه صلة، وأنت في أتم السعادة من هذه خلال الصلة, حفاظاً على هذه الصلة، وعلى هذا الود الذي بينك وبين الله, تبتعد عن كل ما يخدش هذه الصلة، هذا التفسير الذي يليق بإنسان حر.
انظر ما قاله بعض أهل العلم :
قال بعض العلماء: القلب في سيره إلى الله كالطائر تماماً، المحبة رأسه, والخوف والرجاء جناحه، فمتى سلم الرأس والجناحان, فالطائر يجيد الطيران، ومتى قطع الرأس, مات الطائر، ومتى فقد جناحيه, فهو عرضة لكل صائد وكاسر.
رأس الطائر المحبة, وجناحاه الخوف والرجاء، إذاً: لا بد من أن يجتمع في قلب المؤمن محبة وتعظيم وخوف ورجاء.
ما هي علامة المحبة وما هي علامة الخوف؟ :
والحقيقة: أن الخوف إذا زاد عن حده أصبح يأساً وقنوطاً، وهو عين الكفر, والمحبة إذا قادتك إلى التساهل في طاعة الله عز وجل, كانت محبة ترتبط بالنفاق، المحبة إذا اشتطت بحيث أنك أهملت عباداتك، أهملت غض البصر، أهملت أهملت, هذه محبة كاذبة، فعلامة المحبة: المبالغة في الطاعة، وعلامة الخوف: الخوف من أن تنقطع علاقة بالله التي تحرص عليها.
دعاء الختام :
بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي, وعلى آله وصحبه وسلم.