- التربية الإسلامية / ٠4تربية الأولاد في الإسلام
- /
- ٠2تربية الأولاد 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
التربية الاجتماعية "آداب الطعام":
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الرابع والعشرين من دروس تربية الأولاد في الإسلام، ولا زلنا في التربية الاجتماعية، وننتقل اليوم إلى آداب الطعام.
الإسلام هرم مقسم إلى أربعة أقسام: العقيدة المعاملات العبادات و الآداب:
بادئ ذي بدء: إن صحّ أن الإسلام هرم مقسم إلى أربعة أقسام، القسم العلوي العقيدة، وأخطر شيء في الدين العقيدة، إن صحت صحّ العمل، وإن فسدت فسد العمل، إن صحّ العمل سلم الإنسان وسعد في الدنيا والآخرة.
القسم الثاني: قسم العبادات، لأن الإنسان كما قال الله عز وجل:
﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾
لأن الإنسان مخلوق لعبادة الله، فالصلاة عماد الدين، والصوم والحج والزكاة.
والقسم الثالث: قسم المعاملات، البيع، والشراء، والزواج، والطلاق والكفالة، والحوالة.
الأول العقيدة، الثاني العبادات، الثالث المعاملات، الرابع الآداب: والآداب شيء متميز في الإسلام، أقول لكم هذه الحقيقة: المؤمن لا يُعرف من صلاته، وحجه، وزكاته، يُعرف من آدابه، الشيء الصارخ، المتميز، إذا أكل، إذا جلس، إذا تكلم، إذا سار، إذا ألقى كلمة يُعرف بالأدب، فالأدب أصل من أصول الدين.
لذلك حينما سُئل عليه الصلاة والسلام عن هذا الأدب الرفيع قال:
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))
الآداب تُعرف بالتعليم وتُعرف بالصبغة:
أيها الأخوة، لكن سوف أوضح لكم حقيقتين دقيقتين، الحقيقة الأولى: أن الآداب تُعرف بالتعليم، وتُعرف بالصبغة، كيف ؟ تقول لابنك الصغير: يا بني كُل بيمينك، تعليم كما قال عليه الصلاة والسلام لأحد الأطفال:
(( سَمّ اللَّه، وكلْ بيمينك، وكلْ مما يلَيك ))
تُعرف بالتعليم، لكن الآن لو ارتقينا إلى درجة أرقى، الإنسان حينما يتصل بالله ورد أن مكارم الأخلاق مخزونة عند الله تعالى، فإذا أحب الله عبداً منحه خلقاً حسناً كيف ؟ للتوضيح:
لو أن إنساناً قبل أن يتوب مدمن على سماع الأغاني، وهناك بعض الأغنيات متعلق بها تعلقاً مذهلاً، فلما تاب إلى الله، الشرع يأمره أن يمتنع عن سماع الأغاني، لم يسمع الأغاني، لكن لو هذه الأغنية المفضلة عنده استمع إليها عرضاً عن غير قصد هناك فرق بين سمع واستمع، سمع: استمعها في معصية، أي جلس واستمع، لكن راكب سيارة ظهرت هذه الأغنية في السيارة يطرب لها، مع أنه تائب، لكن بعد حين بعد أن ترتقي نفسه إلى مستوى الشرع، يمقتها.
هناك حالة هو تائب، يعلم أن سماع الأغنيات حرام، فامتنع هذه حالة، لكن بعد أن اتصل بالله عز وجل، شرُف قلبه بمعرفة الله، انتقل إلى حالة أرقى.
فالبطولة أن ترتقي بنفسك إلى مستوى الشرع، ورد:
(( نعم العبد صهيب، لو لم يخف الله لم يعصِه ))
الأمراض النفسية خروج عن مبدأ الفطرة التي فطر الله تعالى الإنسان عليها:
أحياناً باتصالك بالله، وإقبالك عليه، تصطبغ بالكمال، وهذا الكلام يسوقني إلى كلام دقيق، هناك فطرة، وهناك صبغة، كل مولود يولد على الفطرة، أي مولود على الفطرة، الفطرة تعني أن تحب الكمال.
نحن جميعاً، والمسلمون جميعاً، وأهل الأرض جميعاً من آدم إلى يوم القيامة مفطورون على الكمال، ولولا هذه الفطرة لما كان هناك عذاب نفسي إطلاقاً، الآن أكبر مرض منتشر بالعالم الكآبة، ما الكآبة ؟ خروج عن مبادئ الفطرة، لا في دين، ولا في رادع، ولا في مبادئ، ولا في قيم، لكن في فطرة.
لذلك هذا الفندق في ألمانيا كتب على السرير: إن لم تنم هذه الليلة فالعلة ليس بفراشنا إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك إنها كثيرة.
الإنسان حينما يتجاوز مبادئ فطرته يُعذب، تسمي العذاب كآبة ؟، تسميه انهياراً داخلياً ؟ ممكن، تسميه شعوراً بالنقص ؟ ممكن، تسميه ضيقاً ؟ ممكن، الإنسان حينما يخرج عن مبادئ فطرته يُعذب.
بالمقابل حينما يتصل بالله عز وجل، تصطبغ نفسه بالكمال، الفطرة أن تحب الكمال لا أن تكون كاملاً، والدليل:
أن اللصوص إذا سرقوا مالاً يقتسموه بالعدل بينهم، لأن العدل فطرة، بعدها يا رب تستر.
الإنسان لو انحرف عنده فطرة، أحياناً المنحرف أشد الانحراف عند الزواج يبحث عن فتاة شريفة، أحياناً يكون موقع الإنسان مكافحة الدين يبحث لابنته عن مدرسة إسلامية، هناك تناقض شديد جداً، الموقف الثاني فطرة، كل مولود يولد على الفطرة، لولا أنك تحب الخير لما تعذبت من فعل الشر، لولا أنك تحب العدل لما شعرت بضيق إذا ظلمت، لولا أنك تحب الرحمة لما تضايقت إذا قسوت أبداً، الأمراض النفسية خروج عن مبدأ الفطرة.
من تاب إلى الله و اصطلح معه شعر براحة لا توصف:
لكن الذي أتمنى أن يكون واضحاً ما من أمر أمرنا الله به بشكل مطلق إلا ركز في فطرتنا محبته.
لذلك لمجرد أن تتوب إلى الله، وأن تصطلح معه، وأن تقيم أمره، تشعر براحة لا توصف، كأن أثقالاً كالجبال أزيحت عن كاهلك، لأنك اصطلحت مع فطرتك، حتى العوام يقول لك: ارتحت وزعت التركة بالعدل، ارتحت، ارتاح، وحينما يظلم، يغلي.
فالإنسان إذا كان أنانياً بالتعبير الشائع إذا أطاع الله ارتاحت نفسه، انظر إلى الصادق يتمتع بصدقه، المنصف يتمتع بإنصافه، الكامل يتمتع بكماله.
والله حتى أقول لكم: لو لم يكن هناك يوم جزاء الذي استقام على أمر الله يكافأ في الدنيا بالراحة النفسية، لذلك إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
توافق الآداب مع الفطرة:
والله أيها الأخوة، بقلب المؤمن من الأمن، والسلامة، والراحة، والسعادة، والسكينة، والتوازن، والاطمئنان ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم، يعني الإيمان مرتبة عالية جداً للتقريب:
مركبة أحدث موديل 2008، أغلى مركبة، من أرقى معمل، إن مشيت بها على طريق وعرة، صخور، وأكمات، وحفر، ونتوءات، تسمع أصواتاً، تسمع تعثراً بالمشي، أصوات اصطدام بالأحجار، تخرج من جلدك، سِرْ بها على طريق معبد، انسياب بالحركة، سرعة، أصوات لا يوجد أبداً، لأن هذه المركبة صممت للطريق المعبد.
تزوجت تجلس مع زوجتك، وقد أكرمك الله بها، وفق المنهج، تصلي قيام الليل، هذه وفق المنهج، أما لو أدرت حديثاً مع امرأة لا تحل لك، ولم تكن مطبقاً لمنهج الله في هذا الحديث، تشعر بضيق، أنت عندما تملك حساسية بالتعبير الجديد: شفافية، تشعر عندما تغلط أن هناك حجاب بينك وبين الله، لأنك أنت مبرمج، بتعبير آخر مولف، بتعبير آخر مفطور، بتعبير آخر مجبول، مفطور، مجبول، مولف، مبرمج على طاعة الله، فإذا أطعته اصطلحت مع فطرتك، وسعدت في الدنيا والآخرة، وإذا عصيت الله يقع انهدام داخلي، شعور بالنقص، شعور بالظلم، الذي يظلم إحدى زوجتيه له صفات عجيبة، يصبح قاسٍ جداً، يضرب سريعاً، يختل توازنه من الداخل، هذه الفطرة.
فالآداب تتوافق مع الفطرة، والأعمال المنافية للآداب تتناقض مع الفطرة، أما الصبغة، الفطرة تحب الرحيم، أما الصبغة تصبح رحيماً، الصبغة إيجابية، الفطرة محبة فقط، أن تحب الكمال شيء، وأن تكون كاملاً شيء آخر.
الفطرة مشتركة بين الناس و الصبغة تكمل باتصال العبد بالله عز وجل:
هذه الآداب آداب الطعام، آداب الشراب، آداب العيادة، آداب الزيارة، آداب قيادة المركبة، آداب إطلاق البوق الساعة الثانية بالليل، وزوجتك بالطابق الرابع، وأتيت لتأخذها من بيت أهلها لا تتنازل تخبرهم، تطلق ببوق المركبة ؟!.
كان عليه الصلاة والسلام إذا دخل بيته لفّ ثوبه، لئلا يوقظ حفيف ثوبه زوجته هذه الفطرة.
الفطرة مشتركة، نحن جميعاً، ولأننا جميع مفطورون على الكمال إذا أخطأنا نشعر بضيق نفسي، هذا جواب الفطرة، إذا أخطأنا نشعر بضيق، أما الصبغة تكمل باتصالك بالله، المتصل عنده حياء، عنده أدب، عنده رحمة، عنده إنصاف، المتصل.
فالكمال إما أن يأتي عن طريق التعليم، أو الذكاء، أو الاتصال بالله، إذا إنسان بعيد عن الله لكن ذكي جداً، حتى ينتزع إعجاب الآخرين، ويحقق مصالحه، يكون متأدباً بأدب تجاري هدفه تحقيق مصالحه، هذا شيء شائع جداً، هذا الإنسان الذي تأدب بأدب تجاري حينما يُستفز، أو حينما تهدد مصالحه، ينقلب كالوحش، مثلاً:
طفل ببلد أوربي أشار إلى سيارة فلم تقف له، أقام والده دعوى على الشركة الناقلة، وأخذ مبلغاً فلكياً، لو لم تأتِ مركبة ثانية، هذا الطفل تشرد، ولم يستطع أن يصل إلى بيت أهله، شعوب تموت بأكملها تموت.
قتل امرئ في بلدة جريمة لا تغتفر وقتل شعب مسلم مسألة فيها نظر
* * *
مليون قتيل بالعراق، مليون معاق، خمسة ملايين مشرد، وجاء هذا المجرم لينتزع ثناء الناس فتلقى صفعة بالحذاء.
كشف الله عز وجل من تخلق بذكاء فقط من أجل مصالحه :
المشكلة الإنسان أحياناً بذكائه ينتزع إعجاب الآخرين، أما حينما تهدد مصالحه، حينما يشعر بالخطر ينقلب إلى وحش كاسر، وكأن الله جلّ جلاله أراد ألا تنطوي حيل أعداء الله على الأمم، مثلاً:
قبل الحادي عشر من أيلول الغرب حضارة، حقوق الإنسان، تكافؤ الفرص، حق المقاضاة، العولمة، احترام جميع الأديان، أي قيم، ومبادئ، والإنسان مكرم أعظم تكريم، بعد الحادي عشر من أيلول انقلب الغرب إلى وحش.
فلذلك الله عز وجل متكفل أن الذي يتخلق بذكاء فقط من أجل مصالحه لابد من أن يكشفه الله عز وجل.
﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ ﴾
الآية:
﴿ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ ﴾
الآية لو وسعناها لا يرضى الله لأمة أن تهيمن على بقية الأمم بدعوى كاذبة يكشفها على حقيقتها.
المتصل بالله عنده ذوق آتٍ من الصبغة:
النقطة الدقيقة بالآداب ؛ عندنا آداب أساسها التعليم، آداب أساسها الصبغة، الاتصال بالله، آداب أساسها الذكاء، أحياناً الإنسان لو سافر لبلاد الغرب يجد احتراماً، دقة بالمواعيد، بالمعاملات، شيء رائع جداً، لكن هذا لا يمنع أن بلاد الغرب تقيم حضارتها على أنقاض الشعوب، تقيم ثراءها على إفقار الشعوب، تقيم عزها على إذلال الشعوب، تقيم حريتها على قهر الشعوب، تقيم حياتها على قتل الشعوب، هذا شيء واضح تماماً، هذه الأخلاق أتمنى ألا يعتد بها إطلاقاً، ذكاء فقط، ذكاء نابع من مصالح، هذه خارج حساباتنا، أما المؤمن أخلاقه إما أنه تلقاها قبل الصبغة عن طريق التعليم، أو أصبحت جزءاً من طبيعته بعد الاتصال بالله، هذه الحقيقة الأولى بالآداب، مثلاً الله عز وجل قال:
﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾
أنت دخلت لبيت ضيف، سمعت حركة، وجدت كتاباً، وجدت كمبيوتراً، لا يصح أن تقوم بشيء، كل شيء يحتاج إلى إذن، ممنوع تفتح كتاباً ليس لك، أي تحتاج إلى إذن، المتصل بالله عنده ذوق، ذوق آتٍ من الصبغة، والذي حضر درس علم بالآداب عنده معلومات، عنده تعليمات، لكن الأولى مقبولة، آداب التعلم مقبولة، وآداب الصبغة أرقى شيء، أما المرفوض آداب المصالح.
الآداب الراقية من عند الله تعالى:
أيها الأخوة، الدليل على أن الآداب الراقية من عند الله:
(( أدبني ربي فأحسن تأديبي ))
والله أيها الأخوة يمكن أن تُجاري الشخص ثلاثين عاماً لا تسمع منه كلمة نابية أبداً ولا مزاحاً رخيصاً.
والله بأقوال النبي شيء مذهل ! فتاة ترتدي ثياباً رقيقة، فقال: يا بنيتي إن هذه الثياب تصف، انظر أي كلمة ثانية محرجة ؟ تصف حجم عظامك، العظم لا يثير الشهوة إطلاقاً، هناك كلمات أخرى تثير الشهوة، إن هذه الثياب تصف حجم عظامك.
صحابية جليلة تشكو زوجها، قالت لسيدنا عمر: إنه صوام قوام، لم ينتبه، قال لها: بارك الله لك بزوجك، قال له سيدنا علي: إنها تشكو زوجها، صائم في النهار قائم في الليل أهملها، انظر إلى الأدب.
امرأة رأتها السيدة عائشة بهذا الوضع المؤلم، فشكت لها زوجها أنه صوام قوام، النبي استدعاه، وأمره أن يعطي حق زوجته، أعطاها حقها، في اليوم التالي جاءت إلى السيدة عائشة نضرة عطرة، قالت لها: ما الذي حصل ؟ قالت لها: أصابنا ما أصاب الناس، ما هذا الأدب ؟!.
الدين كله حياء:
تعلم الأدب من القرآن الكريم.
﴿ فَلَمَّا تَغَشَّاهَا ﴾
لا تجرح الحياء هذه الكلمة.
﴿ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ ﴾
تفهم.
﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ ﴾
دقق:
﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾
وراء ذلك جميع الانحرافات الجنسية في هذه الكلمة، فيقول لك: لا حياء في الدين، لا والله الدين كله حياء، وتعلم الحياء من كتاب الله، الدين كله حياء.
أخلاق الصبغة أخلاق أصيلة لا تتأثر بالمصالح والظروف والعداوات:
الآن هناك دليل ذاتي، دليل قوي جداً، قال تعالى:
﴿ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ﴾
يعني يا محمد بسبب رحمة استقرت في قلبك عن طريق اتصالك بنا لنت لهم.
﴿ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ ﴾
لو كنت منقطعاً عنا هذا الانقطاع سبب قسوة في القلب، وهذه القسوة في القلب ترجمت إلى غلظة وفظاظة.
﴿ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ﴾
هذا دليل آخر.
(( إن هذه الأخلاق من الله فمن أراد الله به خيراً منحه خلقاً حسناً ))
هذه أخلاق الصبغة، هذه الأخلاق الأصيلة، لا تتأثر لا بمصالح، ولا بظروف، ولا بعداوات، هذه الأخلاق الأصيلة، ليس لها علاقة بالفقر، ولا بالغنى، ولا قبل الزواج، ولا بعد الزواج، ولا مع الصحة، ولا مع المرض، أخلاق ثابتة.
أخلاق الصبغة و أخلاق الأذكياء:
أما إنسان يكون بالرخاء لابأس بحاله، بالشدة ينقلب وحشاً كاسراً، هذا الكلام يدفعني اذكر مصطلحين: هناك موقف أخلاقي، وهناك إنسان أخلاقي.
طبيب راكب مركبته وجد حادثاً، فيه ثلاثة جرحى، والدماء تسيل، والذين حول الجرحى يعرفونه طبيباً انحرج، فاضطر أن يقف ويأخذ بعض الجرحى في سيارته، هذا موقف أخلاقي، لكن قد يكون الطبيب يتمنى أن لا يعرفه ولا يقف، هذا فرق، أن تقف بدافع إنسان أخلاقي، بدافع التقرب من الله عز وجل، بدافع رحمتك، قد أُنقذ هذا المريض، وقد تقف حفاظاً على سمعتك، هذا الفرق بين أخلاق الأذكياء، وبين أخلاق الصبغة، أنا أُلح على أخلاق الصبغة، بطولتك أن تكون أخلاقياً صبغة، لا تتأثر لو فعلت خيراً وقابلوا هذا الخير بالنقد، لا تعبأ.
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
فهذا الفرق بين الموقف الأخلاقي من إنسان أخلاقي، يعني أنت عليك سند بمئة ألف أنا أديته، لأنه سند، وهناك محكمة، وصاحب السند إنسان تخاف منه، وله أساليب عجيبة في استرداد الدين، ويحجز على محلك، ويدخلك المحكمة.
أما شخص أقسم بالله معه عشرون مليون ليرة استثمار من إنسان، ما أخذ وصلاً منه مات بحادث، أقسم لي بالله لا أحد على وجه الأرض يعلم بهذا المبلغ، عشرون مليون ليرة، إنسان حريص جداً، كتوم جداً، يخاف، فما أخذ منه وصلاً، إذا كان الوصل كان عنده بالبيت في مشكلة، وله ثقة بهذا الإنسان، ما أخذ وصلاً، مات بحادث، ذهب إلى أهله وقدم لهم هذا المبلغ.
متى تكون أميناً بأعلى درجة ؟ حينما لا تكون مداناً في الأرض، ما أحد معه دليل عليك.
غض بصره دليل خشية الإنسان من الله عز وجل:
لذلك مثلاً عندنا غض البصر، غض البصر لا يوجد قانون في الأرض يمنعك أن تنظر، هذا الأمر ينفرد به الدين، الآن شخص ببيته، والغرفة مظلمة، وفي البناء المجاور ظهرت الجارة بثياب فاضحة إلى الشرفة، هي لا تراه إطلاقاً، لكنه يراها، هل هناك بالأرض جهة تضبطه ؟ أبداً، فإذا غض بصره هذا دليل خشيته من الله عز وجل، الله عز وجل قال:
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
مريضة عند طبيب تشكو من مكان، فاختلس النظر إلى مكان آخر، لا تشكو منه من يعلم هذه النظرة ؟ الله عز وجل،
﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾
الأخلاق ثلاثة أنواع ؛ أخلاق الصبغة أخلاق التعليم و أخلاق الذكاء:
لذلك أخلاق الصبغة هذه أخلاق أصيلة، هذه آداب أصيلة، هذه أخلاق ترقى بالإنسان إلى أعلى عليين، أخلاق الصبغة، وهناك أخلاق التعليم، و أخلاق الذكاء التجارة، الغرب بارع بهذه الأخلاق، يعني مثلاً:
أحياناً حقوق الحيوان مقدمة على حقوق الإنسان، وهناك خبر مزعج أن ما يأكله الكلاب في بعض الدول الأجنبية، لا يأكله الشعب الهندي بأكمله، ما يأكله الكلاب من اللحوم.
أنا كنت بأمريكا هناك عملية زرع مفصل للكلب، عملية زرع أسنان، السن يكلف مئتي و خمسين ألفاً، زرع سن، زرع مفصل، هناك أطباء نفسيون للكلاب، وفي مجاعات بأفريقيا، ترى الوحشية ؟ الآن وقود الطائرات يصنع من الذُرة، من فول الصويا، من أجل أن تركب طائرة من وقود نباتي أسعار المواد الغذائية ارتفعت عشرة أضعاف، قرأت مقالاً قبل يومين حول هذا الموضوع شيء مخيف، قوت الشعوب، قوت الفقراء، ارتفع عشرة أضعاف، فول الصويا، الذُرة، والشعير، والقمح أحياناً، هذا طعام الفقراء، طعام الشعوب صار وقود طائرات، بالبرازيل، بأمريكا، بكندا، بعدة بلاد، حتى من قصب السكر، السكر صار وقود طائرات، لأنه لا يوجد رحمة، هم يهتمون بحقوق الحيوان والإنسان مكرم عند الله عز وجل.
بأستراليا تمّ إعدام عشرين مليون رأس غنم قبل أعوام، ودفنت تحت الأرض من أجل الحفاظ على أسعار اللحوم المرتفعة، شعوب تموت من الجوع، مجاعات بإفريقيا.
والله يا أخوان أحياناً الإنسان يخجل أن ينتمي إلى الجنس البشري، وحوش البشر لا في رحمة، ولا في حياء، ولا في خجل، ولا في مبادئ، ولا في قيم، ولا في أخلاق، ولا في وطنية، ولا في قومية، ولا في إنسانية، في وحشية فقط، تحت سمعك وبصرك موت كعقاص الغنم لا يدري القاتل لِمَ يقتل، ولا المقتول فيمَ قُتل، يومياً في مئة قتيل بالعراق ما السبب ؟ ما في سبب، بتاريخ البشرية القاتل يُقتل، أما يمشي بالطريق صار في تفجير مات الإنسان، يوم يذوب قلب المؤمن في جوفه مما يرى، ولا يستطيع أن يغير.
الابن الراقي وراءه أب راقٍ و أم راقية:
أيها الأخوة الكرام، أردت بهذه المقدمة أن أوضح لكم أن الإسلام عقيدة، إن صحت صحّ العمل، أخطر شيء بالإسلام العقيدة، الإسلام عبادات، قوام الدين، عماد الدين، الإسلام معاملات، أما أوسع بهذا الهرم الآداب، موضوع واسع جداً آداب الزيارة، آداب عيادة المريض، آداب الجلوس، آداب النوم، آداب الطعام.
مرة قال لي إنسان: شخص دعا مجموعة من الناس للطعام وصنع أكلة تصنع في الشام لحم مع بندورة "كباب هندي"، وواحد مع ابنه، الابن يأكل اللحم فقط، أكل نصف الصينية لوحده والأب لم ينتبه، هكذا علمت ابنك ؟ أقسم بالله قال لي: كدت أتمزق، لم يبقَ أكل للحاضرين، حاف، واحدة، الثانية، الثالثة، الرابعة، بقي هندي لم يعد في كباب، أين الأدب ؟ والله أحياناً الطفل تعطيه قطعة حلويات لا يقبل أن يخذها، عنده عفة، وراءه أسرة علمته الأدب، لا يقبل.
(( سَمّ اللَّه، وكلْ بيمينك، وكلْ مما يلَيك ))
عندي قصص عن سوء أدب الصغار بالأكل، لا ينتبه، يريد أن يأكل كما يحلو له، قد يكون أهله وضعهم المادي ميسور، لكن الآن هناك وليمة، وهناك عدد محدود، و أكل محدود، لا ينتبه، أنا أتمنى أن يكون الأب يقظاً جداً إذا كان معه ابنه أين جلس ؟.
مرة كنا بمكان ؛ غرفة الضيوف مجللة بقماش أبيض ناصع كالثلج، ابن أحد الضيوف كان بالطريق، يمشي بالوحل، وصعد إلى الكنبة بحذائه، والأب مرتاح، أين الأدب ؟ الابن الراقي وراءه أب راقٍ، أم راقية، تربية الأولاد بطولة.
الآداب جزء من الإسلام كبير جداً و الطفل المؤدب واضح من كلامه:
أيها الأخوة، نحن هذا الدرس بالأساس في أدب الطعام، لكن لابدّ من حديث دقيق وتمهيدي عن موضوع الآداب وعلاقتها بالتعليم، وعلاقتها بالصبغة، وعلاقتها بالذكاء، هناك آداب الآن آداب الغرب آداب ذكاء، أما حينما تنقطع المصالح يصبح الغرب متوحشاً هذه خارج كل حساباتنا، أما آداب الصبغة هي أرقى الحسابات، آداب التعليم لابدّ منها، يعني يمشي الابن أمام أبيه، امشِ وراءه، لا تجلس قبله، لا تناديه باسمه.
مرة دخلنا لنرى بيتاً طفل عمره عشر سنوات، مضجع، ورجل فوق رجل يتابع مسلسلاً، دخل أبوه هو والضيوف وما تحرك.
روي أن سيدنا أبا حنيفة النعمان رحمه الله تعالى كان معه آلام برجله فمد رجله، طبعاً المعذور لا يوجد عليه إشكال إطلاقاً، أما النبي الكريم ما رؤي ماداً رجليه قط إطلاقاً، أما هو معذور، فدخل إنسان طويل القامة، عريض المنكبين، يرتدي عمامة، فاستحيا أبو حنيفة فرفع رجله إكراماً له، فالدرس كان عن صلاة الفجر، درس طويل، فلما انتهى الدرس سألوا هذا العالم الجليل كيف نصلي الصبح إذا طلعت الشمس قبل الفجر ؟ قال له: عندئذٍ يمد أبو حنيفة رجله.
أحياناً سؤال غير مدروس، سؤال محرج، سؤال وقح، سؤال في جهل كبير وأحياناً جلسة غير لائقة.
مرة حدثني أخ قال لي: كان بجامع شخص جالس على الحائط مرتاح لا يوجد مشكلة، بعدها أصبح مضطجعاً، درس علم، بعدها نام.
في آداب المساجد، آداب البيوت، آداب الجلوس، آداب اللباس، بعض الأسر سامحهم الله تجد الشاب بالألبسة الداخلية أمام أخوته البنات، والبنت بثياب نوم شفافة أمام أخوها، لا، هذا شيء لا يجوز إطلاقاً.
لذلك الآداب جزء من الإسلام كبير جداً، الطفل المؤدب واضح من كلامه، من أدبه، من استئذانه، لا يدخل فوراً، لا يستخدم شيئاً من دون إذن.
فأرجو الله سبحانه وتعالى أن نبدأ في الدرس القادم الحديث عن آداب الطعام لأن الطعام يومي، في اليوم ثلاث وجبات، إذا في اهتمام، أكل مما يليه، أكل بيمينه، سمى الله، حمد الله، معنى البسملة، كيف أن يبقي لأخيه طعاماً، كيف يختار الفاكهة الأقل، أحياناً تنازع بين الصغار على أخذ الفاكهة الأكبر، لا، بالعكس نعمل تنازع على الموآثرة، في موضوعات لطيفة جداً إن شاء الله في الدرس القادم نتحدث عنها.