- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
الاستقامة :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول" والموضوع اليوم: "الاستقامة".
والاستقامة عين الكرامة، ولن يقطف المسلم من ثمار الإسلام شيئاً إلا إذا كان مستقيماً على أمر الله، كيف أن التجارة بكل نشاطاتها تضغط بكلمةٍ واحدة إنها الربح، كذلك الدين بكل نشاطاته يضغط بكلمةٍ واحدة إنها الاستقامة.
الاستقامة سلوك الصراط المستقيم، ويشمل فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها الظاهرة والباطنة، وتتعلق الاستقامة بالأقوال، والأفعال، والأحوال، والنيات، أقوال، أفعال، أحوال، نيات.
والاستقامة في كل هذا يجب أن تقع لله إخلاصاً، وبالله استعانةً، وعلى أمر الله تطبيقاً، وكن أيها المؤمن صاحب استقامة ولا تكن طالب كرامة، لكن كتعليقٍ على الكرامة ما من مؤمنٍ يخطب ود الله عز وجل إلا وله عند الله كرامة، هذه الكرامة مستويات، ولكن أعلى مستوياتها كرامة العلم.
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الصراط المستقيم هو القرآن الكريم :
الكرامة الحقيقية أن تعرف الله،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ ﴾
والإله العظيم وصف هذا العطاء بأنه عظيم،
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
أنت في الصلاة تقول:
﴿ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، لأنك بعد أن تقول:
﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
الآيات التي تقرأها بعد الفاتحة هي الصراط المستقيم الذي سألت الله أن يهديك إياه.
إذاً الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، كتاب الله، فيه نبأ ما قبلكم، ونبأ ما بعدكم، وفيه حكم ما بينكم، هو حبل الله المتين، وهو النور المبين، وهو الصراط المستقيم، هو الشفاء النافع، عصمةٌ لمن تمسك به، ونجاةٌ لمن اتبعه، لا يعوج فيقوّم، أي تشريع أرضي يعوج فيعدل، يبدل، تضاف له مواد، تحذف منه مواد، ثم يلغى، لا يعوج فيقوّم، ولا بزيغ فيستعتب، ولا يخلق على كثرة الرد، مهما استمعت إلى القرآن الكريم تجد فيه شيئاً جديداً، لا يخلق على كثرة الرد، لا تنقضي عجائبه، وهو الذي لا تلتبس به الأهواء، حقٌ صرف، ولا يشبع منه العلماء، هو الذي لم تنتهِ الجن إذ سمعته إلى أن:
﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ ﴾
من وليه من جبارٍ فحكم بغير ما فيه قصمه الله، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله، ومن قال به صدق، ومن عمل به أُجر، ومن اتبعه هدي إلى صراطٍ مستقيم.
الاستقامة فعل تكليفي :
إذاً الصراط المستقيم هو القرآن الكريم، كونٌ ناطق، والكون قرآنٌ صامت، والنبي عليه الصلاة والسلام قرآنٌ يمشي.
﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الاستقامة فعل تكليفي، وكل فعل تكليفي أنت مخير أن تستقيم أو ألا تستقيم، أن تصدق أو ألا تصدق، أن تكون أميناً أو ألا تكون أميناً،
﴿ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
أنت مخير، تقول: الله كاتب عليَّ، هذا كلام فيه كذب.
﴿ سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا ﴾
كلام من؟ كلام المشرك.
﴿ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ﴾
أي تكذبون، تقول: الله مقدر عليَّ، جيء لسيدنا عمر بشارب خمر فقال: أقيموا عليه الحد، فقال: والله يا أمير المؤمنين إن الله قدر عليَّ ذلك ـ هناك كلمات تقولوها العوام هي الكفر بعينه، يقول لك: طاسات معدودة بأماكن محدودة ـ فقال: إن الله قدر عليَّ ذلك فقال: أقيموا عليه الحد مرتين، مرة لأنه شرب الخمر، ومرة لأنه افترى على الله، قال له: ويحك يا هذا إن قضاء الله لم يخرجك من الاختيار إلى الاضطرار، إياك أن تقول: إن الله قدر عليَّ أن أفعل هذا العمل السيئ.
﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾
أكثر العوام يعزون أخطاءهم إلى القضاء والقدر. أبداً.
من عزا الاستقامة إلى الله فهي بمعنى أن الله ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً :
الآن شيء لا يصدق، قال تعالى:
﴿ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ * إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ ﴾
سيدنا هود:
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
أي الله مستقيم، وإذا عزيت الاستقامة إلى الله فهي بمعنى أن الله ألزم نفسه بالاستقامة إلزاماً ذاتياً،
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
مثلاً الله عز وجل كما قال عن ذاته العليا
﴿ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الاعتراض دليل نقص معرفة الإنسان بالله :
إذاً:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
لأن الله على صراط مستقيم، النبي عليه الصلاة والسلام:
﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
مرة قال النبي لأصحابه قبيل معركة بدر: لا تقتلوا عمي العباس، هناك شخص لم يستوعب هذه الكلمة، قال: أحدنا يقتل أخاه وأباه في الحرب، وينهانا عن قتل عمه؟ ثم اكتشف بعد حين أن عمه مسلمٌ وهو في مكة, وهو عين النبي ينقل له كل شيء، فلو أن عمه لم يشارك في الحرب لكشف هويته وانتهت مهمته، لو أن النبي قال: عمي العباس قد أسلم لكشفه وانتهت مهمته، لو سكت لقُتل، فقال: لا تقتلوا عمي العباس، هذا الصحابي بعد حين حينما كشفت له الحقيقة قال: ظللت أتصدق عشر سنين رجاء أن يغفر الله لي سوء ظني برسول الله، هذا نبي
﴿ فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الآن دعوته.
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
فالذي قَبِل هذه الدعوة تعطيه التفاصيل.
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
﴿ وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
العبادة :
أيها الأخوة، دقق
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
ما العبادة إذاً؟ العبادة أن تتبع الطريق المستقيم، العبادة ليست أن تصلي فقط، في الحلال والحرام، في العطاء والمنع، في الصلة والقطع، في الرضا والغضب، هناك صراطٌ مستقيم، إذا توهم الإنسان أن العبادة هي أداء العبادات الشعائرية فهو واهمٌ جداً، يكاد يكون منهج الله يزيد عن خمسمئة ألف بند، الاستقامة أن تتبع منهج الله في كل شيء، في زواجك، في تجارتك، في رحلاتك، في عطائك، في أفراحك، في أتراحك
﴿ اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
التفصيلي، لذلك:
﴿ وَأَنِ اعْبُدُونِي ﴾
ماذا تعني العبادة؟
﴿ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ﴾
فالعبادة اتباع الصراط المستقيم.
من لم يحمله إيمانه على طاعة الله فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً :
الآن الإنسان يستقيم على أمر قوي خوفاً منه، لكن الله عز وجل ينتظر من المؤمن أن يستقيم إليه، أن تكون استقامة المؤمن مفضيةً إلى الله عز وجل، قال تعالى:
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
فاستقيموا إليه، أي أن تعتقد أن الله إلهٌ واحد دون أن تستقيم إليه لا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً،
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
الموقف الحركي، الموقف العملي، الموقف الدقيق للتعبير عن إيمانك أن تستقيم على أمره، وما لم يحملك إيمانك على طاعة الله فلا قيمة لهذا الإيمان إطلاقاً، إنه إيمانٌ إبليسي، لأن إبليس قال ربي:
﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾
وقال:
﴿ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ ﴾
ومع ذلك هو إبليس اللعين، إذاً الآية الأولى:
﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ ﴾
والآية الثانية:
﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً ﴾
نتائج الاستقامة :
أولاً: نتائج الاستقامة:
﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ﴾
أقف عند كلمة
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
هذا الزمن هناك ماض، وهناك حاضر، وهناك مستقبل
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
من المستقبل، لا يوجد مفاجآت.
﴿ قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا ﴾
المؤمن بعين الله، بحفظه، برعايته، لأن توقع المصيبة مصيبةٌ أكبر منها، أنت من خوف الفقر في فقر، من خوف المرض في مرض
﴿ أَلَّا تَخَافُوا ﴾
هذه الكلمة غطت المستقبل
﴿ وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
لا تندم على ما فات وهذه الكلمة غطت الماضي، فالمستقيم يمنحه الله حالة عجيبة لا يخشى من المستقبل، ولا يندم على الماضي
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
لذلك ليس في قاموس المؤمن لو، لا تقل لو أني فعلت كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن كلمة لو تفتح عمل الشيطان
﴿ تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
الآن:
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ ﴾
لكرامة المؤمن عند الله يجعل الله له نعم الدنيا متصلة بنعم الآخرة، في الدنيا
﴿ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا ﴾
فإذا وافته المنية
﴿ وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾
من آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً :
الآية الكريمة:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ﴾
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( شَيَّبَتْني هودٌ ))
هذه الآية في سورة هود، الآية التي شيبته:
﴿ فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ﴾
رأى على السرير تمرة، فقال: "يا عائشة لولا أنني أخشى أن تكون من تمر الصدقة لأكلتها"، اشتهى أن يأكل هذه التمرة، لكنه خاف أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، هذا وضع المؤمن.
(( ركعتان من ورع خيرٌ من ألف ركعة من مخلط))
((من لم يكن له ورعٌ يصده عن معصية الله إذا خلا لم يعبأ الله بسائر عمله شيئاً))
أخ كريم توفي ـ رحمه الله ـ درس إدارة أعمال في أمريكا ذكرت له هذه الآية، أقسم بالله أن اختصاصه كله ملخصٌ في هذه الآية.
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
الذي يمشي سوياً هكذا يرى الأهداف البعيدة، أما الذي يمشي مكباً يرى الجزئيات، الآن معظم الناس غارقون في الجزئيات، مشكلات لا تنتهي، يفاجأ بالموت، نسي هذا اليوم، ينتقل من كل شيء إلى قبر.
أحياناً أنا أضطر أن أعزي أحد أقربائي، أو أحد معارفي، أدخل إلى بيت أربعمئة متر، أقول في نفسي: من اختار هذا البلاط؟ المرحوم، من اختار هذا المنظر الرائع جداً؟ المرحوم، من اختار هذه التزيينات؟ المرحوم، من اشترى هذا السجاد؟ المرحوم، من اشترى هذه الثريات؟ المرحوم، أين المرحوم؟ في القبر، نقطة دقيقة جداً.
معاقبة الله عز وجل الإنسان أحياناً بالدنيا :
لذلك:
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ ﴾
بجزئيات حياته، بالبيع والشراء والمماحكة، وهناك دعوى أقامها على إنسان، المبلغ كان خمسين مليوناً، وكَّل محامي و اثنين و هو غارق في هموم الدنيا، لذلك ورد في بعض الآثار القدسية:
(( عبدي خلقت لك ما في السماوات والأرض ولم أعيَ بخلقهن أفيعييني رغيفٌ أسوقه لك في كل حين، لي عليك فريضة ولك عليَّ رزق، فإذا خالفتني في فريضتي لم أخالفك في رزقك، وعزتي وجلالي إن لم ترضَ بما قسمته لك فلأسلطن عليك الدنيا، تركض فيها ركض الوحش في البرية ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي، وكنت عندي مذموماً ))
أي الله عز وجل أحياناً يعاقب بالدنيا، يعاقب بدنيا عريضة، غارق باللقاءات، والاجتماعات، والهموم، ونسي ربه، ونسي آخرته، فجأة أزمة قلبية، فجأة في العناية المشددة، ثم نعوة، انتهى
﴿ أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
هدفه واضح.
آثار الاستقامة لا تعد ولا تحصى :
الآن آثار الاستقامة لا تعد ولا تحصى.
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً ﴾
أي كان بردى قبل عشرات السنين شيء مخيف، بالربيع هناك حوادث عديدة من الغرق:
﴿ وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقاً * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً﴾
أيها الأخوة، يمكن أن يضغط الدين كله بكلمة واحدة إنها الاستقامة، وما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً، عندئذٍ أصبح الدين ثقافة، له خلفية إسلامية، أرضية إسلامية، نزعة إسلامية، مشاعر إسلامية، اهتمامات إسلامية، أقواس إسلامية، فسيفساء إسلامية، زخرفة إسلامية، أي قيم روحية، ومشروبات روحية، صار الدين فلكلوراً، صدقوا ذهب قراءٌ إلى باريس وقرؤوا القرآن على أنه فلكلور شرقي، والله قُرئ القرآن في باريس على أنه فلكلور شرقي.
أيها الأخوة، هذا القرآن هو الصراط المستقيم، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام، أنت في سلام ببيتك، سلام مع أولادك، سلام مع شركائك، سلام في عملك، سلام مع أسرتك الواسعة، سلام مع مجتمعك، سلام مع صحتك، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام.
﴿ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
تعدد الباطل و الحق واحد :
الآن الصراط المستقيم واحد، كما أنك لن تستطيع أن ترسم بين نقطتين إلا خطاً مستقيماً واحداً، ليس في الأرض إلا حقٌ واحد.
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
ضمير مفرد.
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
الباطل متعدد، لذلك العمر لا يستوعب إلا الحق، أما الباطل لا تستوعبه أعمار أهل الأرض، الباطل متعدد، ومتنوع، وكثير، إذاً الحرب بين حقين لا تكون، لأن الحق واحد، وبين حقٍ وباطل لا تطول، لأن الله مع الحق، وبين باطلين لا تنتهي، الباطل لا ينتهي.
الطريق إلى الله و الافتقار إليه محمي من الشيطان :
الآن الإنسان حينما يصطلح مع الله، ويبدأ بالاستقامة، يتعرض للشيطان.
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ ﴾
أي شيء طبيعي جداً أن الإنسان وهو متفلت يتركه الشيطان، أما حينما يستقيم على أمر الله تماماً تأتيه الوساوس، قال:
﴿ ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ﴾
أزين لهم العصر، والعصرنة، والتقدم، عصر الفضائيات، عصر الكومبيوتر، عصر التواصل الإعلامي، الثورة الثقافية.
﴿ وَمِنْ خَلْفِهِمْ ﴾
الآراميين والفراعنة، يلغي الإسلام نعود إلى مسافات كبيرة جداً.
﴿وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ ﴾
أي يدخل في وسواس في وضوءه، أحياناً في صلاته، أنت صليت لكن في بالفاتحة أربع عشرة شدة ما جئت بها فالصلاة باطلة مثلاً، يدخله في متاهات الوسوسة.
﴿ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ ﴾
المعاصي.
﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
شكوى مستمرة، هذا فعل الشيطان، أما الطريق إلى الله محمي من الشيطان، هي ست جهات؛ يمين يسار، شمال جنوب، يمين يسار، أما فوق تحت لا يوجد شيطان، الافتقار إلى الله الطريق محمي، والوصول إلى الله الطريق محمي، قال:
﴿ قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ * ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
تجلس مع إنسان، بيوت، وسيارات، ودخل فلكي، يقول لك: السوق مسموم، لا يعاش بهذا البلد،
﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
تلتقي بمؤمن دخله ستة آلاف في الشهر يقول لك: الحمد لله،
﴿ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ ﴾
الأدب مع الطرف الآخر :
أيها الأخوة، الطرف الآخر الله عز وجل أعطانا توجيهاً قال:
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾
إنسان غير مسلم عاملك بدقة، بعدل، بلطف،
﴿ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ ﴾
لمَ الغلظة؟
أكبر دافع إلى الاستقامة هو الإيمان بالآخرة :
أيها الأخوة، لكن الشيء الدقيق.
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
تبين أنه أكبر دافع إلى أن تستقيم أن تؤمن بالآخرة، هناك حساب دقيق
﴿ وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ ﴾
أيها الأخوة الكرام، موضوع الاستقامة هو الدين كله، الشيء الذي يميز المسلم أنه مستقيم، مضبوط لسانه، مضبوطة جوارحه، مضبوط دخله، إنفاقه بيته، عمله، بيته، وعمله، وجوارحه، ودخله، وإنفاقه، ما لم تستقم على أمر الله لن تقطف من ثمار الدين شيئاً.