- التربية الإسلامية
- /
- ٠9سبل الوصول وعلامات القبول
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
العلم :
أيها الأخوة الكرام، مع موضوعٍ جديد من موضوعات: "سبل الوصول وعلامات القبول"، والموضوع اليوم: "العلم".
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم، إذا أردت أن تصل إلى الله فعليك بالعلم، ومن أجل أن تُقبل عند الله فعليك بالعلم، والعلم لا يعطيك بعضه إلا إذا أعطيته كلك، فإذا أعطيته بعضك لم يعطك شيئاً، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم، فإذا ظن أنه قد علم فقد جهل.
أيها الأخوة، الإنسان هو المخلوق الأول رتبةً، والمخلوق المكرم، والمخلوق المكلف أن يعبد الله، ولأن الله كلفه أن يعبد الله:
﴿ وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ ﴾
ومنحه نعمة العقل، ومنحه فطرةً سليمة، ومنحه شهوةً تدفعه إلى الأعمال الصالحة، ومنحه اختياراً ليثمن عمله، وأعطاه وقتاً هو غلاف عمله.
إذاً أعطاه قوةً إدراكية، ميزه بها على سائر المخلوقات، لأنك من بني البشر أُعطيت قوةً إدراكية، الجماد شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن، النبات شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن لكنه ينمو، والحيوان شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات لكنه يتحرك، والإنسان شيء يشغل حيزاً، وله ثلاثة أبعاد، وله وزن وينمو كالنبات ويتحرك كبقية المخلوقات لكنه يفكر، إذاً أودع الله في الإنسان قوةً إدراكية ميزه بها على سائر مخلوقاته، لذلك أول كلمةٍ، في أول آيةٍ، في أول سورةٍ نزلت:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، والإنسان ما لم يطلب العلم ألغى إنسانيته.
أعظم شيءٍ يتفضل الله به على الإنسان أن يعلمه :
الشيء الآخر: إن أعظم شيءٍ يتفضل الله به على الإنسان أن يعلمه، والدليل:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
الفضل العظيم لا أن تشتري أرضاً فيرتفع سعرها مئة ضعف، ولا أن تحتل منصباً رفيعاً، ولا أن تجمع ثروةً طائلةً، ولا أن يكون لك أولاد نجباء، ولا أن تكون وسيم الصورة، الفضل العظيم بنص القرآن العظيم من كلام خالقنا العظيم:
﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ﴾
إذاً العلم أحد أكبر أسباب الوصول إلى الله، لأن طالب العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً، بينما الجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً، أخطر شيء بحياة الإنسان أن تنطبق عليه الآية الكريمة:
﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾
الإنسان لا يؤكد إنسانيته إلا إذا طلب العلم :
أيها الأخوة، الأخ التاجر يعلم حقيقة ما أقول، الخسارة مؤلمة جداً، جهود، وسفر، وأموال، وحركة كبيرة، ومصاريف عالية جداً، والنتيجة خسارة، إذا الإنسان خسر رأسماله كله مصيبة كبيرة فكيف إذا خسر الآخرة؟.
﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾
لذلك:
﴿ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾
وإن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال، للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدرٍ لأصفيائه المؤمنين، لذلك أول كلمةٍ، في أول آيةٍ، في أول سورةٍ نزلت:
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، لا تؤكد إنسانيتك إلا إذا طلبت العلم.
الحق واحد أما الباطل فمتعدد :
أيها الأخوة، ولكن هذا العلم واسع جداً، النبي عليه الصلاة و السلام رأى رجلاً تحلق الناس حوله، فسأل سؤال العارف من هذا؟ قالوا: هذا نسابة، قال: ذاك علمٌ لا ينتفع من تعلمه، ولا يضر من جهل به، لهذا من أدعيته:
(( اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ))
بالمناسبة: عمر الإنسان لا يحتمل إلا أن يستوعب الحق، أما الباطل لا تكفيه أعمار البشر، الباطل واسع والدليل:
﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ ﴾
الحق واحد، يمكن أن تستوعبه، أما الباطل فمتعدد.
﴿ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾
الحق واحد أما الباطل فمتعدد.
﴿ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ ﴾
جمع.
﴿ إِلَى النُّورِ ﴾
مفرد، فالحق واحد، فالبطولة أن تستوعب بهذا العمر القصير الحق، فإذا استوعبت الحق كان مقياساً لكل شيءٍ يصل إليك.
على كل إنسان أن يطلب العلم الذي يوصله إلى الله عز وجل :
لذلك
﴿ اقْرَأْ ﴾
أي اطلب العلم، العلم الذي يوصلك إلى الله.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
لذلك الإمام الغزالي يقول: "حيثما وردت كلمة العلم في القرآن والسنة فإنما تعني العلم بالله"،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
ما كل علمٍ ممتعٍ نافع، ما كل علمٍ ممتعٍ نافع مسعد، اطلب علماً، ممتعاً، نافعاً، مسعداً في الدنيا والآخرة.
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
أقرب شيء إليك جسمك الذي بين جنبيك، هناك آيات لا تنتهي، مثلاً: في شبكية العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط، مئة وثلاثون مليوناً بميلي وربع، بواقع أنه في الميل الواحد مئة مليون مستقبل ضوئي، بينما في أحدث آلة تصوير رقمية احترافية بالميليمتر عشرة آلاف مستقبل ضوئي، بالعين يوجد مئة مليون، العين أودع الله في مائها مادة مضادة للتجمد، فلو سافر إنسان إلى بلد الحرارة دون السبعين تحت الصفر تبقى عينه سليمة، الله عز وجل قال:
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
والله الذي لا إله إلا هو يمكن من خلال الآيات الباهرات التي أودعها الله في جسمك أن تصل إلى الله،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
باللقاء الزوجي يوجد ثلاثمئة إلى خمسمئة مليون نطفة، تحتاج البويضة إلى نطفة واحدة، هذه النطفة لا ترى بالعين، البويضة تساوي حجم ذرة الملح، فالإنسان إذا وضع على إصبعه شيء من لعابه، ووضعه على كمية ملح دون أن يضغط ليلتصق على يده بسبب لعابه طبقة واحدة من الملح، البويضة التي في المرأة تساوي حجم ذرة الملح، والحوين لا يرى بالعين، هذا الحوين وتلك البويضة بعد تسعة أشهر كائن، دماغ، أعصاب، عضلات، معدة، أمعاء، شرايين، أوردة، قلب، رئتين، كُليتان، أجهزة، الخلق الإنساني وحده من أعظم الآيات الدالة على عظمته.
أنواع القراءات :
1 ـ قراءة البحث و الإيمان :
لذلك القراءة الأولى اسمها القراءة الإيمانية، قراءة البحث والإيمان، اطلب العلم من أجل أن تؤمن بالحقيقة العظمى، لأن:
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
القراءة الأولى التي كلفك الله بها حينما أمرك أن تقرأ قراءة البحث والإيمان
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تؤمن،
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تعرف الله،
﴿ اقْرَأْ ﴾
أن لهذا الكون خالقاً عظيماً، أسماؤه حسنى وصفاته فضلى،
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تعرفه، إنك أن عرفته عرفت كل شيء، وإن فاتك معرفته فاتك كل شيء،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ﴾
باسم الرب الذي منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد،
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تعرف من إليه مصيرك.
﴿ إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ ﴾
﴿ اقْرَأْ ﴾
اطلب العلم، لا يوجد وقت تستثمره كالوقت الذي يصرف في طلب العلم، لأن كل أمراض الجسم تنتهي عند الموت، معه ورم خبيث مات فلابأس، لكن أمراض النفس تبدأ بعد الموت، وبطلب العلم تتلافى أمراض النفس،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ﴾
والآية الصارخة العظيمة التي بين جنبيك هي جسمك،
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ﴾
2 ـ قراءة الشكر والعرفان :
القراءة الثانية:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
قراءة الشكر والعرفان، منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد
﴿ اقْرَأْ ﴾
من أجل أن تشكر، الله عز وجل سخر هذا الكون لنا تسخيرين؛ تسخير تعريفٍ و تسخير تكريم، إنك إن عرفته، وإن وشكرته، ردك على تسخير التعريف أن تؤمن، وردك أيها الإنسان الموفق على تسخير التكريم أن تشكر، إنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وإذا حققت الهدف من وجودك توقفت المعالجات الإلهية، والدليل:
﴿ مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ ﴾
إنك إن آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك، وأكدت ذاتك، وعرفت ربك، وسلمت، وسعدت في الدنيا والآخرة.
فلذلك القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان،
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
اسم تفضيل منحك نعمة الإيجاد، ونعمة الإمداد، ونعمة الهدى والرشاد،
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان، والقراءة الأولى قراءة البحث والإيمان.
3 ـ قراءة الوحي والإذعان :
هناك قراءة ثالثة:
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَم* الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم*عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
أي أعطاك عقلاً، أعطاك كوناً، جعل الله مبادئ العقل متوافقةً مع مبادئ الكون، ففي الكون كل شيءٍ له سبب، وعقلك من مبادئه أنه لا يفهم شيئاً بلا سبب، الكون يحكمه نظام السببية، وأكبر مبدأ بعقلك مبدأ السببية، فأنت لا تفهم شيئاً بلا سبب، وهناك مبدأ آخر الغائية، وكما أنك لا تفهم شيئاً بلا سبب لا تفهم شيئاً بلا غاية، وعقلك لا يقبل التناقض، لا يقبل أن تكون في دمشق وفي حلب في وقتٍ واحد، هذا تناقض، فهذا العقل ـ بمبدأ السببية، والغائية، وعدم التناقض، وبتوافق هذه المبادئ مع خصائص الكون ـ أداة معرفة الله عز وجل.
لذلك هناك معرفة حسية أساسها الحواس الخمس، وهناك معرفة عقلية، لكن العقل مهمته محدودة، العقل يحتاج إلى شيء مادي أولاً يستنبط منه شيئاً آخر، أي هناك شيء ظهرت عينه وآثاره، أداة اليقين به الحواس الخمس، وهناك شيء غابت عينه وبقيت آثاره، أداة المعرفة به العقل، الماء يدل على الغدير، والأقدام تدل على المسير، أفسماءٌ ذات أبرج وأرضٌ ذات فجاج ألا تدلان على الحكيم الخبير؟ القراءة الثانية قراءة الشكر والعرفان.
القراءة الثالثة: وأي شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، هذه قراءة الوحي والإذعان، عقلك لا يعلم كيف بدأ الكون الله عز وجل قال:
﴿ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ﴾
فأي شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به، فالقراءة الثالثة قراءة الوحي والإذعان، إذاً أنت مكلفٌ أن تقرأ قراءة البحث والإيمان، ثم أن تقرأ قراءة الشكر والعرفان
﴿ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ﴾
ثم كلفك الله أن تقرأ قراءة الوحي والإذعان
﴿ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ﴾
صار هناك معرفة حسية، ومعرفة عقلية، ومعرفة إخبارية، ففي جزء من إيماننا إيمان حسي يقيني.
أي النار تشتعل، الضوء متألق، المروحة تدور، معرفة حسية، الكهرباء موجودة معرفة عقلية، ما يوجد هذه الخزانة معرفة إخبارية، لذلك الوحي أخبرك عن كل شيءٍ عجز عقلك عن إدراكه، أي العقل ميزان غال جداً، مثلاً ميزان إلكتروني فيه ذواكر كثيرة، مصمم لبقالية، حدود استعماله من خمس غرامات لخمسة كيلو غرام، ما دمت تستخدمه بين هذين الحدين يعطيك نتائج رائعة جداً، أما إذا خطر في بالك أن توزن به سيارة، وضعته على الأرض وسرت فوقه حطمته، ليس جيداً! هذا الميزان لم يصمم لوزن مركبتك، مركبتك صنعتها شركة محترمة جداً، وضعت لك لوحة صغيرة في مكان ما تخبرك عن وزن السيارة، فعندما تفكر أن تستخدم عقلك بأشياء مغيبة عنك من دون وحي تضل، فالعقل له مهمة محدودة.
لذلك القراءة الثالثة: قراءة الوحي والإذعان، قراءات ثلاثة؛ قراءة البحث والإيمان، قراءة الشكر والعرفان، قراءة الوحي والإذعان.
4 ـ قراءة العدوان والطغيان :
لكن هناك قراءة رابعة ونعوذ بالله من هذه القراءة، قراءة العدوان والطغيان، تفوق علمي، تفوق انتهى بقنبلة نووية، وقنبلة عنقودية، وقنبلة انشطارية، وقنبلة حارقة خارقة، وأسلحة فتاكة، وقنابل تلغي الاتصالات، وقنابل تبيد البشر ويبقى الحجر، ألقيت واحدة قبل سقوط بغداد، يفنى البشر ويبقى الحجر، فهذا العقل البشري حينما تحرك بحركةٍ لا ترضي الله وصل لنتائج كبيرة جداً ولكنها تقوم على تدمير البشر، قال تعالى:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ﴾
بعلمه، هنا الطغيان بالعلم، هذه الأسلحة الفتاكة، هذا الكيد، هذا السيناريو المتقن:
﴿ كَلَّا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى*أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى ﴾
قوم عاد مثال للأمة الطاغية التي تفوقت في شتى المجالات :
لذلك الله عز وجل ضرب مثلاً على الأمم الطاغية قوم عاد فقال:
﴿ أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
أي تفوقوا في شتى المجالات؛ تفوقوا في العمران، قال تعالى:
﴿ أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ * وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ ﴾
و كذلك تفوقوا صناعياً وعمرانياً وعسكرياً:
﴿ وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ﴾
تفوق عسكري وتفوق علمي.
﴿ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ ﴾
فقوم عاد
﴿ الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ ﴾
تفوقت عمرانياً، وتفوقت صناعياً، وتفوقت عسكرياً، وتفوقت علمياً.
قوم عاد نموذج للأقوام المستعلية التي دمرها الله عز وجل :
مع هذا التفوق والبعد عن الله كانوا متغطرسين، وقالوا:
﴿ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ﴾
لكن الله سبحانه وتعالى أكّد تفوقهم فقال: فما أهلك الله قوماً إلا ذكرهم أنه أهلك من هو أشد منهم قوةً، إلا قوم عادٍ حينما أهلكهم قال:
﴿ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً ﴾
أي وقتها ما كان فوق عادٍ إلا الله، ضرب الله لنا هذا المثل بقوم عاد:
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
أي بالأسلحة الفتاكة يقصفون، وبالأفلام الإباحية يفسدون،
﴿ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ ﴾
وذكرنا فقال:
﴿ وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى ﴾
معنى ذلك هناك عاد ثانية هي مناط البحث.
شيء آخر كيف أهلكهم؟ بالأعاصير:
﴿ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ * سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ * فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ ﴾
حاجة الحق إلى القوة :
إذاً في هذه السورة الأولى فيها أربع قراءات: قراءة البحث والإيمان، وقراءة الشكر والعرفان، وقراءة الوحي والإذعان، وقراءة العدوان والطغيان، نعوذ بالله من القراءة الرابعة، ينبغي أن نتفوق عسكرياً، لكن هذا التفوق في خدمة الحق، عندهم في الغرب أنت قوي إذاً أنت على حق، أما عندنا في وحي السماء القوة أن تكون على حق، والحق يحتاج إلى قوة.
فلذلك أيها الأخوة، مع الأسف الشديد المسلمون في عصور التخلف، في عصور البعد عن الله، في عصور التفلت، استبدلوا بكلمة
﴿ اقْرَأْ ﴾
كلمة ارقص، هذه المشكلة الكبيرة، نحن أمة
﴿ اقْرَأْ ﴾
فلما غفلنا عن الله أصبحنا أمة ارقص، فلعل الله سبحانه وتعالى يرحمنا بعودتنا إليه، واصطلاحنا معه، وإقبالنا عليه، وطاعتنا له، فالله سبحانه وتعالى ينتظرنا، وإذا اصطلح العبد مع الله عز وجل:
(( إذا رجع العبد إلى الله نادى منادٍ في السماوات والأرض أن هنئوا فلاناً فقد اصطلح مع الله))