وضع داكن
26-04-2024
Logo
الإيمان هو الخلق - مقومات التكليف - الندوة : 38 - الشهوة - تتمة شهوة المال - التمويه في عالم الحيوان 2
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

تقديم وترحيب :

أيها السادة المشاهدون ، سلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، وأهلاً ومرحباً بكم في هذه الحلقة من برنامجكم الإيمان هو الخلق .
كنا سيداتي وسادتي قد بدأنا موضوعاً في حلقات متعددة سابقة تناولناه بالبحث هو موضوع الشهوة كمقوم من مقومات التكليف ، نتابع هذا الموضوع مع الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين في دمشق .
أهلاً وسهلاً سيدي الكريم .
بكم أستاذ علاء جزاكم الله خيراً .
الأستاذ علاء :

مقدِّمة تذكيرية :

سيدي الكريم ، تحدثنا في الشهوة كثيرًا ، تحدثنا في شهوة الجنس ، ثم في شهوة المال ، وتبينا في الحلقة الماضية بأن المال حيادي ، يوظف في الخير ، ويوظف في الشر كما يشاء موظفه ، وكما يشاء من أمسك بمقوده ، إذاً : هو قوة كامنة ، لكن لا تستطيع من تلقاء ذاتها أن تنبري ، وأن تتصدر ، وأن تتصدى لجهة دون جهة أخرى باتجاه الخير أو باتجاه الشر ، وإنما الذي يوجه هذه القوة الكامنة هو الإنسان ، ذلك المكلف ، وأنهيت سيدي الكريم الحلقة الماضية قبل الفقرة العلمية بقضية أكدت عليها ؛ بأن الإنسان مخير لا مسير ، وإلا فلا معنى لهذا البرنامج ، ولا لحلقاته ، ولا معنى لمسألة العقاب والجنة والنار ، ولا معنى للتبليغ والرسالات والأمانة وكل شيء .
باعتبار أن كل الأشياء كما مر معنى في الحلقات الماضية ، كل الأشياء ، وكل الخصائص هي حيادية ، وأن الإنسان العاقل في هذه المعادلة هو الذي يتجه بها باتجاه الخير ، أو باتجاه الشر باتجاه ، نماء وعطاء ، أو باتجاه وضاعة ، كيف نكمل هذه المسألة التي لم نشبعها بحثًا في نهاية الحلقة الماضية .
الدكتور راتب :
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين .

الحظوظ الدنيوية حيادية تسير باختيار صاحبها :


أستاذ علاء ، جزاك الله خيراً ، نحن وصلنا إلى أن الإنسان مخير ، الآن ننتقل من جزء إلى كل ، لأن الإنسان مخير كل شيء في حياته حيادي ، مثلاً : الحظوظ ، الوسامة حظ ، قد تكون وسيلة لالتفاف الناس حول هذا الإنسان ليأخذ بيدهم إلى الله ، وقد تكون لإغوائه ، المال حظ كما تكلمن سابقاً ، طلاقة اللسان حظ قد تكون لتعزيز الحق ، وتدعيمه ، وقد تكون لترويج الباطل فيحب أن نعتقد أن كل حظ آتاه الله للإنسان من وسامة إلى ذكاء إلى غنىً ، إلى قوة إلى قدرات خاصة ، الخطابة قدرة ، والعلاقات الاجتماعية النامية قدرة ، الذكاء الاجتماعي قدرة ، فهناك قدرات عامة ، وهناك قدرات خاصة جداً ، هذه القدرات يجب أن نعلم علم اليقين أنها يمكن أن توظف في الحق كما يمكن أن توظف في الباطل عن طريق الأدب ، وهو التعبير المثير عن حقائق الحياة ، يمكن أن يكون الأدب إباحياً يسهم في تقويض دعائم أمة ، وقد يكون الأدب ملتزماً يرقى بالإنسان إلى أعلى عليين .
مرة قرأت لأديب كلمة أعجبتني ، من حق الفنان أن يصور الرذيلة على نحو تشمئز منها ، فإذا صورت على نحو يحبها فإن مجتمعاً بأكمله يسقط من هذا الفيلم ، العبرة أن تصور الرذيلة لا على نحو نعجب بها ، ولا على نحو نتأثر بها ، ولا على نحو نصبو أن نكون من أبطالها ، ينبغي أن تصور الرذيلة على نحو نشمئز منها ، ونحتقرها ، ونزدريها ، الفن أيضاً يوظف في الخير والشر ، تقرأ قصة تنتهي من قراءتها خلال أسبوعين أو ثلاثة ألف صفحة ، بعد أن تنتهي تتثاءب ، وتنام ، وقد تقرأ قصة بعد أن تنتهي منها تبدأ متاعبك مع نفسك ، تضعك أمام مسؤولياتك ، أمام الأهداف التي خلق الإنسان من أجلها ، فالأدب والفن كل شيء أستاذ علاء من خصائص الإنسان من حظوظه ، بدءًا من شكله ، قوة ، ذاكرته ، توظف في الخير وفي الشر ، طلاقة لسانه ، ذكاءه الاجتماعي ، ذكائه التحصيلي ، يحمل أعلى شهادة ، قد يبتز أموال الناس بها ، وقد تكون هذه الشهادة في بناء مجتمعه ، أي شيء تتصوره من حظوظ الإنسان المادية والمعنوية والاجتماعية والانفعالية والجمالية هذه حيادية ، توظف في الخير ، وتوظف في الشر ، قال تعالى : 

﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً ﴾

( سورة هود : 7)

هذه الحظوظ .
الأستاذ علاء :
عفواً سيدي ، قبل أن ننتقل ، هنا في قضية قد تخطر في البال ، هذه الحظوظ هي أيضاً عندما يُعطاها الإنسان هي للامتحان ، الإنسان خلقه الله وسيماً ، وخلق آخر بدمامة خلقه قبيحاً ، هل الوسامة هي امتحان لهذا الإنسان ؟
الدكتور راتب :

الوسامةُ والدمامةُ مادةُ امتحانٍ :


نعم سيدي ، كل شيء خصك الله به هو مادة من مواد امتحانك ، فإما أن تنجح ، وإما أن ترسب ، النبي عليه الصلاة والسلام نظر إلى المرآة فقال :

(( اللهمَّ كَمَا حسَّنْتَ خَلْقي فحَسِّن خُلُقِي ))

[ البيهقي عن عائشة ]

إذا كان الإنسان وسيمًا ، مقبول المنظر عند الناس ، فهذه نعمة كبيرة ، إن شكر الله عليها ، ولم يتكبر ، ولم يغوِ بها أحداً ، ولم يستخدم هذه الوسامة لإغواء فتاة مثلاً ، يرقى بهذه الوسامة ، استخدمها ليكون نجماً متألقاً في المجتمع ، فإذا خص الله إنسانا بالدمامة ، حينما يصبر ، وحينما يرى هذا من فعل الله عز وجل يرقى بها .
مرة كان أحد الرجال يطوف حول الكعبة ويقول : " اللهم ارزقني محبتك ورضاك ، كان وراءه الإمام الشافعي ، قال : يا هذا ، هل أنت راض عن الله حتى يرضى الله عنك ؟ قال : يا سبحان الله ! من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف أرضى عنه ، وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال الإمام الشافعي : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " .
الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، هذا الذي لم يكن وسيماً ألطف عبارة لما رأى هذا بحكمة أرادها الله ، فكان يتجمل بأخلاق رضية ، وقد كان أحنف بن قيس قصير القامة ، أسمر اللون ، صغير العينين ، غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، أحنف الرجل ، مائل الذقن ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذٌ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ، إذا غضبَ غضِبَ لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيمَ غضب ؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شربه ، وله موقف لطيف ، حينما أراد معاوية بن أبي سفيان أن يأخذ البيعة لابنه يزيد ، فكان في مجلس ضم علية القوم ، والكل أثنى على يزيد ، وبقي الأحنف ساكتاً ، فقال : تكلم يا أحنف ، قال : أخاف الله إن كذبت ، وأخافكم إن صدقت .
فهذا الأحنف بن قيس أوتي من كل أنواع الدمامة من صفات ، ومع ذلك كان سيد قومه ، لذلك الأمة التي تعتمد العلم والعمل ، ولا تعبأ بالمقاييس الأخرى التي يعتمدها الناس للترجيح بين بعضهم بعضاً ، هذه أمة سوف تكون في طليعة الأمم ، أما الأمة التي تعتمد مقياساً المال ، تعتمد مقياس النسب فقط بدون مضمون فهذه أمة تمشي في طريق الهاوية .
الأستاذ علاء :
هل نعتبر كما يقول كثير من الدعاة هذه قشور ، الآن من خلال حديثكم سيدي الكريم علينا ألا نتعلق بها كأساس كتقييم .
الدكتور راتب :
الجميل جميل ، والدميم دميم ، لا يمكن أن يكون الدميم أقل مرتبة عند الناس إذا كان أكثر عطاءً من الجميل .
الأستاذ علاء :

الوسامة والدمامة ليست معيارا تقييميًّا :

لكن هذه ليست من القشور وإنما هي درجات امتحان ، والامتحان ليس بالقشور الامتحان له ، قيمة إما أن ينهض به الإنسان ، وإما أن يفشل .
الدكتور راتب :
لو أخذنا الموضوع بشكل تفصيلي ، لو أن امرأة بارعة الجمال غوت ، وأغوت ، واستخدمت جمالها لإغواء من حولها ، ولم تكن ملتزمة لا بمبدأ ولا بقيمة ، ولا بشرع ، وكان من ضحيتها مئات ، وامرأة ليست جميلة ، كانت أماً وزوجة مخلصة ، ربت أبنائها ، واعتنت بهم ، قلامة ظفر الثانية بمئة ألف رجل وسيم ، أو بمئة ألف ملكة جمال ، الثانية التي ربت أولادها ، النبي عليه الصلاة والسلام يقول :

(( أول من يمسك بحِلق الجنة أنا ، فإذا امرأة تنازعني تريد أن تدخل الجنة قبلي ، قلت : من هذه يا جبريل ؟ قال : هي امرأة مات زوجها ، وترك لها أولاداً فأبت الزواج من أجلهن ))

[ورد في الأثر ]

أنا أخاطب الإخوة المشاهدين ، ولا سيما الأمهات ، الأم حينما تربي أولادها تربية أخلاقية إيمانية علمية نفسية اجتماعية شهاداتها العليا أولادها ، وقبل أيام كنت في زيارة لأحد الإخوة الكرام ، فوجئت أن كل إخوته يحملون أعلى الشهادات ، ويحتلون مناصب في الجامعة عالية جداً ، فأرادت الأم أن تسلم علي ، قالت : أنا أمية يا بني ، وزجي أميٌّ ، قلت لها : لست أمية ، شهاداتك أولادك ، فالأم التي تربي أبنائها هي في أعلى مقام عند الله عز وجل ، لكن نحن في مجتمع ظالم ، أحياناً يقيس المرأة فقط بجمالها ، وهذا خطأ كبير ، والله عز وجل لحكمة بالغة جعل هذا التفاوت .
أنا قلت قبل قليل : الحظوظ في الدنيا موزعة توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
السيد علاء ، مثلاً : الفرق بين إنسان يبيع الصحون في سوق ، وبين رئيس غرفة تجارة ، صفقاته بالمليارات ، مثلاً ، بين مجند ورئيس أركان ، بين ممرض وجراح قلب ، بين معلم بقرية وأستاذ جامعة ، بينهم تفاوت كبير جداً ، اقرأ قوله تعالى : 

﴿ انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً ﴾ 

( سورة الإسراء )

مراتب الدنيا مؤقتة ، لكن مراتب الآخرة أبدية ، مراتب الدنيا تعني شيئاً ، وقد لا تعني شيئاً .
الأستاذ علاء :
سيدي ، من هنا جاء التعبير القرآني يمتدح الآخرة دون التعرض للدنيا ، هذه إشارة .
الدكتور راتب :
أنا لي قاعدة ، أستاذ علاء ، إنني في أي مؤسستين ، أو أي شخصين ، أو أي كيانين أو أي تجارتين ، أو أي مشروعين ، لا أقبل أن أوازن بينهما إلا إذا أضفت الآخرة لكل منهما ، لو فرضنا مكانا فيه لهو ، وانحراف ، وانحلال ، وإباحية ، والدخل بالملايين ، ومكان آخر محل متواضع جداً ، يبيع بضاعة الناس بحاجة إليها بسعر معتدل ، بضاعة جيدة ، لا فيها كذب ، ولا تدليس ، فدخْلُ هذا واحد بالمليون من الدخل الأول ، أضف الآخرة إلى الجهة الفاسقة الماجنة ، وأضف الآخرة إلى الجهة المستقيمة من الرابح ؟ العبرة في النهاية ، ليست العبرة بمن الذي يضحك أولاً ، العبرة بالذي يضحك آخراً ، من ضحك أولاً ضحك قليلاً ، وبكى كثيراً .
الأستاذ علاء :
سيدي الكريم ، يتساءل المرء هذا الذي أوتي حظاً لم يفهم هذا الحظ بأنه مرقى من مراقي الامتحان ، إنما يستخدمه الاستخدام الفاسد نحو الشر ، هل لعدم فهم ، هل لقصور ، أم لتكبر ؟
الدكتور راتب :

الجهلُ والكِبرُ من أسباب استخدام الحظوظ في الأغراض الفاسدة :

الحقيقة إما أنه لجهل أو لكبر لكن أستاذ علاء معاصي الجهل ، قال تعالى :

 

﴿ وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾

( سورة الأنعام)

فرق كبير بين معصية آدم عليه السلام ، فنسي ، ولم نجد له عزماً على المعصية ، وبين معصية إبليس ، أبى واستكبر ، فرق كبير بين معصية الكبر معصية التأبي على الله وبين معصية الغلبة والجهل ، لذلك الجاهل يتعلم .
لي كلمة أقولها دائماً : ليس العار أن تكون جاهلاً ، العار أن تبقى جاهلاً ، ليس العار أن تكون مخطئاً ، العار أن تبقى مخطئاً ، فلذلك الحظوظ موزعة في الدنيا توزيع ابتلاء ، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء .
أرأيت إلى ما يلعب به الصغار ، القلابة ، الإنسان يكون في الدنيا في أعلى عليين ، في الآخرة قد يكون الإنسان في الأسفل ، الذي يبني مجده على تجارة المخدرات ، الآن ثبت أن أكبر تجارة في العالم تجارة المخدرات ، من مكان زراعة المخدرات إلى مكان تسويقها مئة ألف ضعف ، ومع ذلك هذا التاجر محتقر عند الله وعند الناس ، لذلك نحن عواطفنا لا ينبغي أن تكون مقتبسة من شبكية العين ، أن ترى بيتاً فخماً ، أن ترى بيتاً متواضعاً ضيقاً ، لكن صاحبه دخله مشروع ، ومنضبط ، ومعطاء للمجتمع ، فلا بد أن تُبدَّل موازين الترجيح عندنا بموازين قرآنية ، قال تعالى : 

﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾

( سورة الأنعام)

المقاييس القرآنيةُ أصلُ التقييمِ :


البطولة أن تأتي مقاييسك لتقيم من حولك وما حولك مقتبسة من مقاييس القرآن الكريم ، لذلك سيدنا عمر لما وجد إنسانا وضع سيفه على عاتقه ، وهو عمير بن وهب ، وجاء ليقتل محمداً ، فقال عمر : هذا عدو الله عمير ، جاء يريد شراً ، فكتّفه بحمالة سيفه ، وساقه إلى النبي الكريم ، قال : هذا عدو الله ، جاء يريد شراً ، قال : يا عمر ، أطلقه ، فأطلقه ، قال : ابتعد عنه ، فابتعد عنه ، قال : ادنُ مني يا عمير ، فدنا منه ، قال : سلم علينا ، قال : عِمْتَ صباحاً يا محمد ، بجفاء ، قال له : ما الذي جاء بك إلينا ؟ قال : لأفدي ابني ، قال : وهذه السيف التي على عاتقك ، عمير بن وهب كان قد خاطب صفوان بن أمية بمكة ، قال له : والله لولا ديون لزمتني ما أطيق سدادها ، ولولا أطفال صغار أخشى عليهم العنت من بعدي لذهبت وقتلت محمدا ، وأرحتكم منه ، فقال صفوان : امضِ لما أردت ، أما أولادك فهم أولادي ما امتد بهم العمر ، وأما ديونك فهي علي بلغت ما بلغت ، فلما قال له النبي عليه الصلاة والسلام : وهذه السيف التي على عاتقك ، قال : قاتلها الله من سيوف ، وهل نفعتنا يوم بدر ؟ قال له : ألم تقل لصفوان كذا وكذا ، فوقف ، وقال : أشهد أنك رسول الله .
الشاهد هنا : يقول سيدنا عمر : دخل عمير على رسول الله والخنزير أحب إلي منه ، وخرج من عنده وهو أحب إلي من بعض أولادي .
الأستاذ علاء :

انتقل من حال إلى حال ، عندما جاء ليقتل النبي عليه الصلاة والسلام ، ثم عندما وقع الإيمان في قلبه ، فاستحال إلى إنسان آخر .
الدكتور راتب :
بقي موضوع صغير ، الآن غير الحظوظ الخصائص الإنسان يغار ، أيام كتاب أو أدباء أو علماء نفس يتوهموا أن الشر مزروع في أصل النفس وهناك بيت من الشعر يقول :

الظُلمُ مِن شِيَمِ النُفوسِ فَإِن تَجِد ذا عِــفَّةٍ فَلِعِلَّـةٍ لا يَظلِــمُ

الأستاذ علاء :
سيدي ، هذا الموضوع لا نريد أن نأخذه في وقت قصير ، لأن الوقت أدركنا ، وصار وقت الفقرة العلمية ، هذا الموضوع نبتدئ به في الحلقة القادمة إن شاء الله تعالى .
ماذا اخترت لنا سيدي ؟
الدكتور راتب :

الموضوع العلمي : ظاهرة التمويه عند الحيوانات :

التمويه في أعماق البحار :

1 – الأخطبوط مَلِكُ المُمَوِّهين في البحر :

نتبع موضوع التمويه موضوع مهم جداً ، الحقيقة أنه لا يقتصر وجود المهارة بالتمويه على الغابات والثلوج ،كما رأينا في الحلقة السابقة ، بل يمكن أن نجدها في أعماق البحر في الوقت نفسه ،ولعل الأخطبوط أمهر مموه في البحار .

2 – صورٌ من تمويه الأخطبوط :

بعض الأنواع من الأخطبوط تحقق تناسقاً تاماً مع لون وشكل أرضية البحر التي تعيش فيه ،هذا الأخطبوط الذي نتابع رؤيته مقلّد ماهر إلى أقصى حد إلى جانب تقنية التمويه الفائقة لديه ، عندما يمر بأرضية بحر رملية يصعب عليه معها التمويه يبدأ باستخدام إمكانية تقليد الطحلب ،أحياناً يصل تغيير شكل الأخطبوط إلى درجة لا يمكن تمييزه من الصخرة التي يلتصق بها .
إنه شيء لا يكاد يصدق ، أستاذ علاء ، على هذه الصخرة أخطبوط آخر ، إلا أنه يستحيل التمييز بينه وبين الصخرة ، هذا سوف نراه بعد قليل ، يقف أخطبوط على صخرة في البحر لا يمكن أن نميزه عنها إلا إذا تحرك ، أمّا إذا جمد في مكانه كان كالصخرة تماماً ، هذا السبق لأول وهلة يقف ، وكأنه اختفى داخل الطحلب ، حيث تظهر الحقيقة إذا رجعنا إلى الوراء قليلاً ، فلم يكن أمامنا طحلب ،بل حصان بحر على شكل طحلب ، قد نجد حصان بحر على شكل نبات .

3 – تمويهات إسفنج البحر :

الذي يرى كأنه إسفنج بحر لأول وهلة هذا الكائن الحي هو في الحقيقة سمكةبفضل هذه الحاسة الخاصة لتحقيق وظيفة صنارة تستطيع اصطياد الأسماك الصغيرة ، الحقيقة في البحر عجائب ، البحر في تقريباً مليون نوع من الأسماك ،فرس البحر على شكل نبات تماماً ، الحقيقة في البحر مليون نوع من السمك ، والبحر من عجائب الدنيا ، والله عز وجل جعله أربعة أخماس الأرض ،لأن لولا هذه المساحات الواسعة لما كانت أمطار على سطح الأرض ، لا بد من مسطحات مائية كبيرة ،البحر أيضاً شيء دقيق جداً ، وهو أداة اتصال بين القارات ، لأنه طرق معبدة .
يرى أحياناً إسفنج البحر لأول وهلة هذا الكائن الحي هو في الحقيقة سمكة بفضل هذه الحاسة الخاصة كما قلت قبل قليل ، هنا سوف نرى على الغصن نتوءان ،لكن أحدهما في الحقيقة عنكبوت مموهة في وقت الخطر ، تموه نفسها مرة أخرى بنتوء الغصن الحقيقي ، ليس لهذه العنكبوت إمكانية التفكير ، فكيف تتمكن من التموه بنتوء الغصن ؟
انظر أستاذ علاء ، لملمت نفسها ، وسكنت ، وكأنها نتوء في غصن ، مَن علمها ؟ من أرشدها ؟ من هداها إلى مصالحها ؟ من هداها كي تتقي خطر أعداءها ؟ 

4 – تمويهات بعض الحشرات في البحر :

الحقيقة هناك أمثلة لا تنحصر ، في العناكب فقط ، فمثلاً هنا حشرة مختبئة بين هذه الأوراق ، إنها هنا تماماً ، فلنلاحظ أنه لا يوجد أي فرق بينهما ، فجسمها كالورقة تماماً ، هي حشرة وكأنها ورقة ، مِن شكل الورقة إلى عروقها خلقت بدون أي نقصان ، هي حشرة تبدو ورقة ، هنا حشرة بين هذه الأوراق الصفراء ، طبعاً قد تكون الأوراق يابسة وصفراء ، لنحاول الآن إيجادها ، هذه هي حشرة مموهة ببراعة ، ومن الصعب جداً رؤيتها على الورقة ، جناح الحشرة له تفصيلات دقيقة ، حتى البقع الفاسدة على الورق المصفر ، ولنفكر الآن قليلاً بتصميم هذا التمويه ليس لدى هذه الحشرة إمكانية التفكر ، ولا تعلم مدى احتياجها إلى التشبه بالأوراق لبقاء حياتها ، حتى لو علمت لا تستطيع رسم شكل ورقة عليها ، فإذاً : الرسم الموجود على جناح الحشرة المصممة بشكل واع أثر من ؟ إنها قدرة الله عز وجل ، لا شك هذا الرسم آية من آيات الله الدالة على عظمته .

 

إنه الله ربُّ وخالق العالمين :

والتفكر في خلق السماوات والأرض من أرقى العبادات ، بل هو العبادة الأولى ، لأن تفكر ساعة يعدل أن تعبد الله ثمانين عاماً ، لأن الله عز وجل يقول : 

﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾

( سورة الزمر : 67)

وهذا هو الفرق بين العلماء والعُبّاد ، العابد ينفع نفسه ، أما العالم فحينما يعرف الله ، ويعرِّف الناس بالله يرقى بهم ، ويرتقي هو أيضاً عند الله بهذه الدعوة .
الأستاذ علاء : 

﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً ﴾

( سورة آل عمران : 191)

الدكتور راتب :
هي حشرة وكأنها ورقة تماماً ، الحقيقة هذه المشاهد لا تكاد تصدق ، لكنها واقعية ، حشرات كالأوراق تماماً من أجل التمويه ، إذاً : هناك معارك أيضاً بين النباتات والحشرات ، لكن داروين يزعم بنظريته التي سقطت لا عندنا ، بل عند الغرب ، يزعم أن جميع الكائنات في الطبيعة وجدت نتيجة لمصادفة عمياء ، ولكن حتى التصميم الذي على أجنحة هذه الحشرة الصغيرة لم يكن مصادفة ، بل هو كاف لرؤية أثر الخالق العظيم ، لو شمر فنان لرسم الورقة لا يستطيع أن يرسمها لتبدو كالحقيقة إلا أنها هنا ليست مجرد صورة ، بل هي أنموذج مصغر لورقة منسقة بالأبعاد الثلاثة في جسم الحشرة ، خالق هذا الكائن بهذا الشكل هو الله عز وجل ، هذا التصميم الخارق يرينا فيه صنعته وقدرته ، إنه رب العوالم كلها ، الله جل جلاله وتعالى ذكره .
الحقيقة أن الصور لها قوة تعبيرية تفوق مئتي كلمة ، المئتا كلمة تساوي القوة التعبيرية ، هذا الجسم المتحرك على الغصن لأول وهلة يطابق ورقة جافة شكلاً ولوناً ، إلا أنه ليس كذلك ، بل هو شرنقة ، فراشة جافة ، وبفضل تقنية التمويه الفائقة التي وهبها إياها الله تعالى في أثناء وجودها دودة في الشرنقة ، حيث ليس لها أي دفاع ، يتم نموها وتطورها بشكل رائع جداً ، وهي في وقاية من أعدائها .
شيء آخر سوف نرى بعد قليل ، طبعاً هذه شرنقة كأنها ورقة يابسة تماماً ، لكن فيها دودة

الآن أمام نبات اسمه الأوركيدا ، هذا المنظر الذي ترونه أيها الإخوة المشاهدون ليس كله لها ، بل هناك كائن آخر منسجم مع شكل هذه الزهرة ، حتى مع درجات لونها ، إنها الحشرة المسماة فرس النبي ، بتمويه مدهش ، هذه حشرة ، ومع زهرة بألوان الزهرة ، وبأشكالها تماماً ، ويكمل الشبه من جهة اللون والشكل والنقش ، وهو قطعاً ليس من تصميمها ، إنه خالق كل شيء ، الله تعالى تتجلى لنا صنعته مرة أخرى بهذا المثال ، وقد قال الله في كتابه الكريم : 

﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

( سورة السجدة : 7)

﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ ﴾

( سورة النمل : 88)

الأستاذ علاء :

خاتمة وتوديع :

لا يسعنا أعزائي المشاهدين إلا أن نشكر الأستاذ الدكتور محمد راتب النابلسي ، أستاذ الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في كليات الشريعة وأصول الدين ، وإن شاء نكمل مسألة كنت قد وقفت عندها ، والحقيقة أردت أن لا تمر هكذا سراعا ، أردنا أن نقف عندها ، وهي مسألة الخصائص ، هل هي حيادية ، وبدأت بالغيرة الإنسان يغار من مسألة معينة ، وكيف يستخدم هذه الخصيصة وهذه القضية ، إن شاء الله نلتقي في الحلقة القادمة ، شكراً لك وسلام الله عليك ورحمته وبركاته . 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور