وضع داكن
24-11-2024
Logo
الدين والحياة - الحلقة : 2 - التقوى علة الصيام
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .

قانون التقوى :

أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، هذا الدين العظيم عقائد وعبادات ومعاملات وآداب ، فالصيام يعد ثاني أكبر عبادة في الإسلام ، فالله سبحانه وتعالى يقول :

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

( سورة البقرة)

ما التقوى ؟ لابدّ من مقدمة .

 

التقوى طاعة الله عز وجل و اتقاء غضبه :

الله عز وجل يقول :

﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾

( سورة طه )

لا يضل عقله ، ولا تشقى نفسه . والله عز وجل يقول :

﴿ فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾

( سورة البقرة )

فالذي يتبع هدى الله هو المتقي ، التقوى أن تخضع لمنهج الله ، التقوى أن تطيع الله ، التقوى أن تتقي غضب الله ، التقوى ألا تتعرض لسخط الله ، التقوى ألا تتعرض لعقاب الله ، فلذلك التقوى بشكل واسع هي طاعة الله عز وجل أو بالمعنى الضيق أن تتقي غضب الله عز وجل .

 

من لم يتبع رضوان الله عز وجل فهو معرض لكثير من المخاطر :

أيها الأخوة الأحباب ، الإنسان في حياته الدنيا إن لم يتبع هدى ربه مُعَرض لكثير من المخاطر ، فالدنيا خضرة نضرة سمها في دسمها ، فيها منزلقات ومتاهات ، مالها يغري ، نساؤها تفتن ، نساؤها حبائل الشيطان ، الأهل والولد مشغلة مجبنة مبخلة ، الشهوات فيها مستعرة بأبهى حللها ، الفتن فيها يقظى في أجمل أثوابها ، الآن كيف يتقي الإنسان الضياع في تلك المتاهات والضلالات ؟ كيف يتقي الإنسان الانجذاب إلى هذه الفتن المهلكات ؟ كيف يتقي الإنسان خطر الانغماس في تلك الشهوات ؟ كيف يتقي الإنسان صعوبة المزاحمة في جمع الدراهم والثروات ؟ كيف يتقي الإنسان شقاء الدنيا والآخرة ؟ التقوى هي علة الصيام ، التقوى هي الحكمة التي أرادها الله من الصيام .

الله عز وجل أهل للتقوى لأن مصيرنا بيده و أمره نافذ فينا :

أيها الأخوة الأحباب ، بادئ ذي بدء الله جلّ جلاله هو الخالق ولا إله غيره ، وهو أهل للتقوى ، لذلك يقول الله عز وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (21)﴾

( سورة البقرة )

لماذا الذي خلقكم ؟ هل هناك من جهة تستحق العبادة إلا الخالق ؟ هل هناك من جهة خبيرة في حقيقة النفس ، في وسائل سلامتها ، في أسباب سعادتها ، إلا الله عز وجل ؟ لذلك تأتي الآية الكريمة :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ (21)﴾

( سورة البقرة )

أيعقل أن تطيع مخلوقاً وتعصي الخالق ؟ أيعقل أن تخشى الناس ولا تخشى الله ؟ أيعقل أن تهتدي بتصورات البشرية الخاطئة ولا تهتدي بهدى الله عز وجل ؟ لذلك يقول الله عز وجل :

﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)﴾

( سورة النحل )

إنه استفهام تعجبي :

﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)﴾

( سورة النحل )

ولكن نحن نعبد الله لأن مصيرنا بيده ، ولأننا في قبضته ، ولأن أمره نافذ فينا ، كن فيكون زل فيزول ، ولكن هناك معنى دقيق جداً هو بذاته العلية أهل للتقوى ، يعني أهل أن تفني شبابك من أجله ، أهل أن تتجه إليه ، أهل أن تخطب وده ، أهل أن تضحي من أجله بالغالي والرخيص والنفس والنفيس .

 

الإيمان بالله عز وجل طريق الإنسان إلى التقوى :

لذلك :

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾

( سورة البقرة )

﴿ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ (52)﴾

( سورة النحل ) 

﴿ هُوَ أَهْلُ التَّقْوَى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ(56)﴾

 

( سورة المدثر)

ولكن أيها الأخوة ما طريق التقوى ؟ نحن في علة الصيام ، ما طريق التقوى ؟ قال تعالى :

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(57)﴾

( سورة المائدة )

اتقوا غضبه ، اتقوا معصيته إن كنتم مؤمنين ، ينبغي أن تؤمنوا به أولاً ، ينبغي أن تؤمنوا بالله الواحد القهار ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد ، الذي لم يلد ولم يولد ، ينبغي أن تؤمنوا بالذي بيده ملكوت كل شيء ، أن تؤمن بمن أمره إذا أراد شيئاً أن يقول له كن فيكون ، ينبغي أن تؤمن لمن إليه يرجع الأمر كله ، فلذلك الآية الكريمة :

﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(57)﴾

( سورة المائدة )

ينبغي أن تؤمنوا به أولاً حتى تعلموا المضار الجسيمة التي تأتي من معصيته والإكرامات التي لا حدود لها التي تأتي من طاعته .

 

التفكر في آيات الله الدالة على عظمته طريق معرفة الله و البعد عن غضبه :

أيها الأخوة الكرام لازلنا في التقوى ، الآن كيف نعرفه ؟ قال تعالى :

﴿ إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ(6)﴾

( سورة يونس )

إذا تفكرنا في خلق السماوات والأرض ، تفكرنا في المجرات ، تفكرنا في النجوم ، في الكواكب ، في الليل ، في النهار ، في الشمس ، في القمر ، في البحار ، في الأنهار ، في البحيرات ، في الأطيار ، في الأسماك ، في خلق الإنسان ، في النباتات ، إذا تفكرنا في هذه الآيات الدالة على عظمته نعرف قدرته ، ونعرف غناه ، عندئذ نتقي أن نقع تحت غضبه.

 

أسباب بلوغ التقوى :

1 ـ القول السديد الصادق :

أيها الأخوة الأحباب ، الكون آياته الكونية ، وأفعاله آياته التكوينية ، قال تعالى :

﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾

( سورة الأنعام )

الكون آياته الكونية ، خلقه وأفعاله آياته التكوينية ، والقرآن آياته القرآنية ، فنحن نتفكر في آياته الكونية ، وننظر في آياته التكوينية ، ونتدبر آياته القرآنية ، أيها الأخوة ، أحد أسباب التقوى أن نقول قولاً سديداً أي لا نكذب ، أن نكون صادقين مع أنفسنا ، أن نقول الحقيقة ولو كانت مرة ، لذلك قال تعالى :

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

(سورة الأحزاب)

أحد الصحابة سأل النبي عليه الصلاة والسلام :

(( وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم ))

[ أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم عن معاذ ]

(( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ))

[ أحمد عن أنس بن مالك]

وقد عدّ الإمام الغزالي أكثر من عشرين معصية يقترفها الإنسان ، فإن الرجل يتكلم بكلمة لا يلقي لها بالاً يهوي بها في جهنم سبعين خريفاً .

2 ـ العيش مع المؤمنين و الاختلاط بهم و الاستقامة على أمر الله :

أيها الأخوة ، قال تعالى :

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا(71)﴾

(سورة الأحزاب)

أحد الأسباب أن تقول قولاً سديداً ، وأحد الأسباب أن تعيش مع المؤمنين ، أن تختلط معهم :

(( لا تصاحب إلا مؤمنا ، ولا يأكل طعامك إلا تقي ))

[ أخرجه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وابن حبان ، والحاكم ، عن أبي سعيد ]

لا تصاحب إلا من ينهض بك إلى الله حاله ، ويدلك على الله مقاله ، صاحب من هم أقوى منك إيماناً تستطيع أن تنافسهم ، وأن تقتدي بهم ، وأن يكونوا أسوة لك ، لذلك أيها الأخوة هناك آية واضحة يقول الله عز وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة )

الوسيلة وكونوا مع الصادقين ، إن كنتم في أجواء إيمانية ، مع أناس مؤمنين ، ورعين ، يحبون الله ورسوله ، وقافين عند حدود الله ، ينصحونكم بالطاعة ، ينفرونكم من المعصية ، يحببون إليكم الآخرة ، ينفرونكم من الدنيا ، أحد وسائل بلوغ التقوى ونحن في شهر علته التقوى أن تكون مع الصادقين .

3 ـ الأعمال الصالحة :

في آية أخرى يقول الله عز وجل :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35)﴾

( سورة المائدة)

لابدّ من وسيلة تنقلك إلى الله ، قال علماء التفسير من هذه الوسائل الأعمال الصالحة :

﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10)﴾

(سورة فاطر)

4 ـ صحبة الصالحين :

من هذه الوسائل صحبة الصالحين :

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً (28)﴾

( سورة الكهف)

فلابدّ من بيئة صالحة ، فلابدّ من مجتمع مؤمن ، تسوده المحبة ، يسوده الإخاء ، يسوده التناصح ، يسوده الود ، لابدّ من مجتمع مؤمن يحضك على طاعة الله ، يقربك إلى الله ، ينفرك من المعصية .

 

إكرام الله عز وجل الإنسان بشهر رمضان :

لذلك :

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

( سورة التوبة )

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ (35)﴾

( سورة المائدة)

فالوسيلة صحبة الصالحين ، الوسيلة العمل الصالح ، الوسيلة الاستقامة التامة على أمر الله .
أيها الأخوة الكرام ، هذا موضوع دقيق نحن في شهر أكرمنا الله بقيام ليلته ، وكرم الله عز وجل يقتضي أن يأمرك بأمر وأن يعطيك علته ، الآية الكريمة :

﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾

( سورة البقرة)

وإلى لقاء آخر إن شاء الله تعالى . 

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

إخفاء الصور