- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠18برنامج الدين والحياة - قناة الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
الإنفاق في الإسلام :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
من أنفق ماله تقرباً إلى الله عوضه الله عليه أضعافاً مضاعفة :
كصفة أساسية من صفات المؤمن الإنفاق ، يعطي ، يتقرب إلى الله بالعطاء
ولكن الله عز وجل في بعض الآيات نبه إلى حقيقتين الأولى في قوله تعالى :
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)﴾
أي الله عز وجل أراد أن يمتحننا ، فإذا أنفقنا من مالنا الحلال فالله وعدنا أن يعوض علينا أضعافاً مضاعفة ، الصدقة بعشرة أمثالها ، فلذلك ما الذي يجعل الإنسان يحجم عن الإنفاق ؟ خوفه من نقص المال ، فإذا وعده الله عز وجل أن يعوض عليه أضعافاً مضاعفة من الذي أنفق ، فهذه الآية ينبغي أن تكون باعثاً لكل مؤمن على الإنفاق ، لأن الله عز وجل في بعض الآثار القدسية ورد :
(( يا عبدي ، أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ ))
(( أنفق بلال ، ولا تخشَ من ذي العرش إقلالا ))
الإنفاق الذي ينفقه العبد في علم الله :
إذاً :
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (39)﴾
الآية الثانية :
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)﴾
نقطتان أساسيتان في الإنفاق أن الله يعلم ، الله عز وجل لا يطالبك بإيصال ، ولا ببيان ، ولا بسند ، ولا بيمين ، ولا بدليل ، لأنه يعلم :
﴿ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (273)﴾
﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ (39)﴾
هاتان الآيتان كافيتان كي تبعث المؤمن على إنفاق المال تقرباً إلى الله ، فهذا المال الذي أنفقه الله عز وجل سوف يعوضه أضعافاً مضاعفة ، وأن هذا المال الذي أنفقه العبد في علم الله .
من آداب الإنفاق :
1 ـ ألا تمن على من أنفقت عليه :
حقيقة ثانية من آداب الإنفاق أيها الأخوة أن الله عز وجل يقول :
﴿ قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ﴾
لا تؤذِ الناس إذا أنفقت عليهم من مالك ، لا تمن عليهم ، المن يفسد بركة الصدقة ، المن يفسد ثواب الصدقة ، المن يفسد قيمة الصدقة ، قال بعض الأدباء :
رقصت الفضيلة تيــهاً بفضلها فانكشفت عورتها
***
الصدقة ينبغي أن تكون صدقة إخلاص لله عز وجل ، لتنفق يمينك وينبغي ألا تعلم شمالك ماذا أنفقت ، لذلك أيها الأخوة من آداب الإنفاق ألا تمن على من أنفقت عليه .
2 ـ أن تكلم من أنفقت عليه كلاماً طيباً :
ومن آداب الإنفاق أن تكلمه كلاماً طيباً ، وأنا أضع بين أيدي الأخوة الكرام هذه القاعدة الذهبية : إن فعلت معروفاً ينبغي أن تنساه وإذا فعل أحد معك معروفاً ينبغي ألا تنساه بهذا ترقى عند الله وعند الناس .
نمو المال بأداء الزكاة :
شيء آخر أحياناً على الآلة الحاسبة إذا أقرضت قرضاً ربوياً يرجع إليك مع فائدته ، فالمال بحسب الآلة الحاسبة يزداد ، وأما إذا أقرضت قرضاً حسناً أو أديت زكاة مالك ، في أداء الزكاة ينقص المال ، وفي القرض الحسن من دون فائدة تقل قيمة المال حين رده إليك مع التضخم النقدي ، لكن القرآن الكريم يتكلم عكس ذلك الله عز وجل يقول :
﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ (276)﴾
نحن حينما تحدثنا عن آية الزكاة قلنا :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
التزكية هي النماء ، فقلنا الغني تنمو نفسه بأداء الزكاة ، والفقير تنمو نفسه بأخذ الزكاة ، بينما المال ينمو بأداء الزكاة ، ينمو بإحدى طريقتين ، ينمو بطريقة أولى هي أنك إذا أعطيت الفقير مالاً أعطيته قوة شرائية ، عاد فاشترى من الغني فازداد ربحه ، بهذه الطريقة ينمو مال الغني ، وبطريقة أخرى سماها العلماء العناية الإلهية فالله عز وجل بعنايته يصرف عنك الصفقات الخاسرة ويلهمك الصفقات الرابحة ، وهذا معنى قوله تعالى :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
تزكي نفس الغني ، تزكي نفس الفقير ، تزكي المال نفسه ، يزداد المال ، إما بآلية اقتصادية معروفة ، أو بآلية هي عند الله العناية الإلهية ، فذلك من آداب الإنفاق عدم المن ، ومن آداب الإنفاق ضبط اللسان فلا يتكلم المنفق كلمة تجرح هذا الفقير .
على المؤمن إنفاق المال وفق منهج الله و مرضاته :
شيء آخر ورد في بعض الآثار القدسية :
(( الأغنياء أوصيائي ، والفقراء عيالي ، فمن منع مالي عيالي أذقته عذابي ولا أُبالي))
هذا المال بيد الغني ، ويده عليه يد الأمانة ، ينبغي أن ينفقه وفق منهج الله ، أن ينفقه في مرضاة الله :
﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ ﴾
هو يقول ذلك ، هو يتوهم ذلك ، وكأن الله عز وجل يقول بعد قليل :
﴿ كَلَّا ﴾
كلا على ماذا ؟ قال تعالى :
﴿ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾
كأن الله عز وجل يقول :
﴿ كَلَّا ﴾
كلا أداة ردع ونفي يعني ليس عطائي إكراماً ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .
المال نعمة و نقمة :
بناءً على هذا الكلام هل يعد المال نعمة ؟ الجواب : لا ونعم ، نعم إذا كسب وفق منهج الله ، بشكل مشروع ، ونعمة إذا أنفقه في الوجوه المشروعة ، أما إذا اكتسبه بطرق غير مشروعة فهو نقمة وليس نعمة ، لأن هذا المال الحرام سيدمره أيضاً
فلذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام :
(( إنّما الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم ))
يعني مشكلة الفقر علاجها من عند الخالق ، من عند الخبير ، من عند المشرع ، علاجها أداء الزكاة ، وكأن النسب من عند عليم خبير .
(( إنّما الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا إلا بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإنَّ الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذّبهم عذاباً أليماً ))
هذا القول منسوب للإمام علي رضي الله عنه ،
(( إنّما الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم بالقدر الذي يسع فقراءهم ، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا إلا بما يصنع أغنياؤهم ، ألا وإنَّ الله يحاسبهم حساباً شديداً ويعذّبهم عذاباً أليماً ))
منع الزكاة سبب رئيسي لكثير من المصائب التي تصيب الإنسان :
أيها الأخوة تعاني البلاد الإسلامية من الجفاف الله عز وجل يقول :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ و الْأَرْضِ ﴾
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا لنفنتهم فيه ﴾
لذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام :
(( ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين))
أي الفقر والقحط والجفاف .
وفي حديث آخر :
(( ولم يمنعوا زكاة مالهم إلا مُنعوا القطر من السماء ، ولولا البهائم لم يُمطروا))
وفي حديث ثالث :
(( ما تلف مال في برٍ أو بحرٍ إلا بحبس الزكاة ))
والله عز وجل يقول :
﴿ لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ (7)﴾
يعني هناك عبادة الهوية ، أنت من ؟ أنت غني فضلاً عن صلاتك ، وصيامك ، وحجك ، وزكاتك ، وعن طاعتك لله ، عبادتك الأولى إنفاق المال ، لأنه أقامك غنياً فينبغي أن تكون عبادتك الأولى إنفاق المال ، أنت قوي العبادة الأولى إحقاق الحق ، وإنصاف المظلوم ، وإبطال الباطل ، أنت عالم العبادة الأولى تعليم الناس العلم دون أن تأخذك بالله لومة لائم ، أنت امرأة عبادتك الأولى رعاية الزوج والأولاد :
(( انصرفي أيتها المرأة ، وأعلمي من وراءك من النساء أن حسن تبعل إحداكن لزوجها وطلبها مرضاته واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ـ أي يعدل الجهاد في سبيل الله ))
من لم ينفق ماله في سبيل الله جاء يوم القيامة صفر اليدين :
وفي نهاية المطاف نقول من خلال هذه الآية الكريمة :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)﴾
فالإنسان إن لم ينفق ماله هلك لأنه سيأتي ربه يوم القيامة صفر اليدين ، ليس معه عمل صالح يتقرب به إلى الله ، وليس معه عمل صالح يكون سبباً لدخول الجنة ، لذلك :
﴿ وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ (195)﴾
أيها الأخوة الكرام ، هذه معاني الإنفاق سلوك عملي ، وما لم يلتزم الإنسان هذه الأوامر ، وما لم يتحرك نحو طاعة الله والتقرب إليه بإنفاق ماله ، فيبدو أن الطريق يصبح مسدوداً عند الله عز وجل ، فلابد أن يصحو من غفلته ، وأن ينفق بعض ماله تقرباً إلى ربه .
وإلى حلقات قادمة إن شاء الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .