- ندوات تلفزيونية
- /
- ٠18برنامج الدين والحياة - قناة الدنيا
بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
العبادات والطقوس :
أعزائي المشاهدين ... أخوتي المؤمنين ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
العبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق :
كما تعلمون الصيام ثاني أكبر عبادة في الإسلام ، والعبادات في الإسلام معللة بمصالح الخلق ، وفرق كبير بين العبادة وبين الطقس ، الديانات الوثنية الأرضية التي هي من صنع البشر فيها طقوس وليس فيها عبادات ، معنى الطقوس أي حركات وسكنات وتمتمات وإيماءات ، هذه الحركات والسكنات والتمتمات لا معنى لها ، تؤدى أداءً شكلياً فارغاً ، أما في الدين الذي جاءنا من عند الله فيه عبادات ، العبادات معللة بمصالح الخلق ، مثلاً :
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
إذاً علة الصلاة أنها تنهى عن الفحشاء والمنكر ، وعلة الصلاة أن أكبر ما فيها ذكر الله ، وأن ذكر الله عز وجل يهب الإنسان الحكمة ، ويهب الإنسان الأمن والرضا والسعادة .
الزكاة :
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ ﴾
فالزكاة معللة بمصالح الخلق ، والصلاة معللة بمصالح الخلق ، والصيام معلل بمصالح الخلق :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
والحج معلل بمصالح الخلق :
﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ (97)﴾
ومتى علم العبد أن الله يعلم استقام على أمره ، وسعد بقربه وسلم في الدنيا ، ودخل جنة ربه في الآخرة .
التقوى ليست طريقاً محفوفاً بالورود ولكن التقوى تحتاج إلى جهد وصبر :
أيها الأخوة ، حينما يقول الله عز وجل :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
هناك بعض الملامح في آيات الله التي أدرجت فيها كلمة التقوى ، قال تعالى :
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾
ليست التقوى طريقاً محفوفاً بالورود ، ولكن التقوى تحتاج إلى صبر ، حفت الجنة بالمكاره ، وحفت الجنة بالشهوات .
(( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ ))
فلابدّ من بذل جهد ، لابدّ من الضبط ، لابدّ من أن توقع حركتك أيها الإنسان وفق منهج الله ، لابدّ أن تكتفي بما سمح الله لك به ، لابدّ أن تتحرك في شهوتك في المجال الذي سمح الله به :
﴿ فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى ﴾
﴿ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ ﴾
المعنى المخالف ، الذي يتبع هواه وفق هدى الله لا شيء عليه ، ما من شهوة أودعها الله في الإنسان إلا جعل قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان ولكن في الإسلام تنظيم .
الله عز وجل يدعو كل إنسان إلى مستوى رفيع من التقوى :
إذاً التقوى تحتاج إلى صبر ، ما الصبر ؟ أن تكون بين التهور والجبن ، أن تكون بين الإسراف والتقتير ، الصبر أن توقع حركتك وفق منهج الله ، الصبر يشبه من يقود مركبة فيها محرك هي الشهوات ، فيها مِقود هو العقل ، فيها الشرع هو الطريق ، فبطولة قائد المركبة أن يمسك بالمقود ليبقي هذه المركبة وهي مندفعة بقوة المحرك على الطريق ، إذاً التقوى تحتاج إلى صبر :
﴿ إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (90)﴾
ولكن لابدّ من بذل كل الجهد من أجل التقوى ، يقول الله عز وجل :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16)﴾
وهذه العبارة تفهم فهمين ، تفهم فهماً ما أراده الله أن تبذل بعض الجهد ،
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16)﴾
لكن المعنى الذي أراده الله أن تبذل كل الجهد ،
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ (16)﴾
الله عز وجل يدعونا إلى مستوى رفيع من التقوى ، أن تشكره فلا تكفره ، وأن تذكره فلا تنساه ، أن تطيعه فلا تعصيه .
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ﴾
أي اتقوه في أعلى مستوى من التقوى .
التقوى طريق لمغفرة الذنوب
و فتح صفحة جديدة مع الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام ، شيء آخر :
(( كُلُّ بَني آدمَ خطَّاءٌ وخيرُ الخَطَّائينَ التَّوابونَ ))
﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً ﴾
وكأن الله عز وجل جعل التقوى طريقاً لمغفرة الذنوب ، حينما تتجه إلى الله ، وتصطلح معه ، وتوقع حركتك في الدنيا وفق منهجه ، يغفر لك ما تقدم من ذنبك ، الله عز وجل يقول :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)﴾
كل واحد منا يتمنى أن يفتح مع الله صفحة جديدة حينما يعقد العزم على أن يتقي الله ، وعلى أن يستقيم على منهج الله ، وعلى أن يصطلح مع الله ، وعلى أن يخطب ود الله ، كأنه ألغى الماضي ، وفتح مع الله صفحة جديدة ، هذا المعنى تؤكده الآية الكريمة :
﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا (5)﴾
من يتقِ الله في علاقته بربه يجعل الله له مخرجاً من عقوبات التأديب :
ولكن الآية الأساسية أن التقوى تحل بها أكبر المشكلات ، ويا أيها الأخوة والله الذي لا إله إلا هو عندي يقين أن زوال الكون أهون على الله من ألا يحقق الله وعوده للمؤمنين بهذه الآية ، الآية تقول :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
نزلت فلما استحكمت حلقاتها فرجت و كان يظن أنها لا تفرج
* * *
حينما تغلق الأبواب ، حينما تسد الطرق ، حينما يقع الإنسان في اليأس ، حينما لا يجد مخرجاً ، حينما تسلط عليه الهموم ، حينما يتلقى الرفض من كل جهة في هذه الحالة يقرأ قوله تعالى :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
وللآية سباق ولحاق وسياق ، الآية في سياق سورة الطلاق من يتق الله في تطليق زوجته يجعل الله له مخرجاً إلى إرجاعها ، أما إذا نزعت الآية من سياقها من يتق الله في اختيار زوجته يجعل الله له مخرجاً من الشقاء الزوجي ، من يتق الله في تربية أولاده يجعل الله له مخرجاً من عقوقهم ، من يتق الله في كسب ماله يجعل الله له مخرجاً من إتلاف المال ، من يتق الله في علاقته بربه يجعل الله له مخرجاً من عقوبات التأديب ، فلذلك هذه الآية تحل بها جميع المشكلات :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾
وكلمة مخرجاً تعني أن المنافذ كلها مغلقة ، أبواب الأرض أغلقت جميعها والله عز وجل لحكمة بالغة يغلق أمام الإنسان المتردد أبواب الأرض ليطرق أبواب السماء .
وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا :
هناك آية أخرى تقترب منها :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
تيسر أموره ، ييسر عمله ، ييسر زواجه ، ييسر رزقه :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا ﴾
التقوى طريق النجاح في الدنيا والآخرة :
أيها الأخوة ، شيء آخر التقوى طريق النجاح في الدنيا والآخرة :
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ (28)﴾
يعني كفالة لكم في الدنيا وكفالة لكم في الآخرة ، إنكم إن اتقيتم ربكم حققتم نجاح الدنيا والآخرة ، نجاح الدنيا والآخرة معاً ، فلذلك النجاح كل النجاح ، والفوز كل الفوز ، والتفوق كل التفوق ، والفلاح كل الفلاح ، بتقوى الله عز وجل ، وتقوى الله تعلي قدر الإنسان:
﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾
بل إن الله يحب المتقين ، وإذا أحب المتقين حفظهم ، ورزقهم ، ونصرهم ، ودعمهم .
من نتائج التقوى :
1 ـ أن الله عز وجل ولي الإنسان المؤمن :
من نتائج هذه التقوى أن يكون خالق السماوات والأرض وليك قال تعالى :
﴿ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19)﴾
2 ـ أن يكون الله معك :
من نتائج التقوى أن يكون الله معك ، إذا كان الله معك فمن عليك ، وإذا كان عليك فمن معك .
3 ـ أن تكون في قمة النجاح والفلاح والتفوق والفوز :
من نتائج التقوى أن تكون في قمة النجاح والفلاح والتفوق والفوز ، قال تعالى:
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130)﴾
﴿ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً ﴾
من آمن بالله وشكره حقق الهدف من وجوده :
الله عز وجل حينما خلق الكون سخره لك تسخيرين ، تسخير تعريف وتسخير تكريم ، ردّ فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم أن تشكر
فإذا آمنت وشكرت حققت الهدف من وجودك ، لذلك أنت حينما تتقي الله تكون ماشياً في طريق الشكر قال تعالى :
﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123)﴾
أيها الأخوة الكرام ، التقوى وردت في ثلاثمئة آية في القرآن الكريم ، وتعني أن تتقي غضب الله بطاعته ، أن تتقي عقابه بالإنابة إليه ، أن تتقي سخطه بمحبته ، وهكذا و نحن في شهر التقوى :
﴿ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183)﴾
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .