وضع داكن
24-12-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 32 - الوقت -2- العمل الصالح
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس الثاني والثلاثين من دروس العقيدة والإعجاز.

كل إنسان مكلف أن يعبد ربه عز وجل:

كنا في الدرس الماضي في موضوع الوقت كأحد مقومات التكليف، وقد كلف الإنسان أن يعبد ربه، و العبادة طاعة طوعية، ممزوجة بمحبة قلبية، أساسها معرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية.
وحينما كلف الله الإنسان أن يعبده أعطاه مقومات التكليف، أعطاه كوناً ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله، أعطاه عقلاً يتعرف به إلى الله عز وجل، أعطاه فطرة يكشف خطأه، أعطاه شهوة تحركه، أعطاه اختياراً يقيّم عمله، ثم أعطاه وقتاً هو وعاء عمله.

العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان:

أيها الأخوة الكرام، الإيمان له ثمرة، آمنت بالله وبرسله وكتبه واليوم الآخر، آمنت بالله خالقاً ومربياً ومسيراً، آمنت بالله موجوداً وواحداً وكاملاً، آمنت بأسمائه الحسنى وصفاته الفضلى، ماذا بعد الإيمان ؟ إذا اكتفيت بالإيمان هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، ولا يرفعك عند الله درجة لأن إبليس اللعين آمن:

﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾

( سورة ص الآية: 82 )

وقال:

﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾

( سورة الأعراف )

وقال:

﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 12 )

﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ ﴾

( سورة الأعراف الآية: 12 )

الإيمان له ثمرة، إن لم تكن ليس هناك إيمان، الإيمان يترجم إلى عمل صالح، العمل الصالح هو الثمرة الطبيعية للإيمان، أو ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة، المؤمن متحرك، يقف موقفاً، يعطي لله، يمنع لله، يصل لله، يقطع لله، يرضى لله، يغضب لله، يوجد حركة، إيمان سكوني سلبي إعجاب، تعظيم، لا يقدم ولا يؤخر، ولا يتحرك، ولا ينصر، ولا يأخذ موقفاً، ولا يعارض، ولا يسالم، سلبي، وهذا شأن المسلمين موقف سلبي، إما أن ترى مؤمناً متقوقعاً لا يشارك بشيء، أو أن ترى مؤمناً سلبياً لا يفعل شيئاً.

من أراد لقاء الله عز وجل فليعمل عملاً صالحاً يُدخله الجنة:

لذلك ما إن تستقر حقيقة الإيمان في قلب المؤمن حتى تعبر عن ذاتها بحركة، يعني عاد مريضاً، نصح أخاً، أطعم جائعاً، حضر درس علم، نصح شارداً، وفق بين اثنين، رعى يتيماً في حركة، من دون حركة لا يوجد شيء، لو صحّ إيمانك.
لو أن إنساناً معه مرض جلدي، شفاؤه الوحيد التعرض لأشعة الشمس، قامع في غرفة قميئة ومظلمة ورطبة قوله: يا لها من شمع ساطعة، يا لها من شمس شافية، كل هذا الكلام لا يقدم ولا يؤخر، لو تحدثت عن الشمس إلى يوم القيامة لا يمكن أن تشفى إلا إذا تحركت، من هنا قال الله عز وجل:

﴿ قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ (6) ﴾

( سورة فصلت)

الآن سيأتي تلخيص القرآن الكريم كله:

﴿ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا (110) ﴾

( سورة الكهف)

تريد لقاء الله عز وجل اعمل عملاً صالحاً، والإنسان على شفير القبر على أي شيء يندم ؟

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 100 )

أنت كائن متحرك، والحركة يعني عمل صالح، والوقت غلاف هذه الحركة، وعاء عملك وقت.

 

العمل الصالح ينبعث عن دوافع ويتجه إلى أهداف ويتعاون عليه المؤمنون:

أيها الأخوة الكرام، العمل الصالح ليس فلتة عارضة، ولا نزوة طارئة، ولا حادثة منقطعة، إنما ينبعث عن دوافع ويتجه إلى أهداف ويتعاون عليه المؤمنون، العمل الصالح أعظم ما في الحياة، أنت خلقت في الدنيا من أجل أن تعمل عملاً صالحاً يكون سبباً لدخول الجنة، بعد الإيمان بالله لا شيء يعلو على العمل الصالح، يعني الإيمان كما ترون أحياناً ليس انكماشاً ما له علاقة بشيء، لا يعمل شيئاً، لا يقدم شيئاً، لا يتدخل إطلاقاً، لك أخت على خلاف مع زوجها لا علاقة لي، لك مكانة عند زوجها ولك مكانة عندها، ادخل بينهما، وإن كان مثل بعيد عن موضوعنا التدخل من دولة خليجية لحلّ مشكلة لبنان أليس جميع الناس مرتاحون لهذا ؟ لو أننا اتفقنا من زمن طويل لكان موقف العالم منا موقفاً آخر.
العمل ليس انكماشاً، الإيمان ليس انكماشاً ولا سلبية ولا انزواءً ولا تقوقعاً، الإيمان حركة خيرة نظيفة، عمل إيجابي هادف، عمارة للأرض متوازنة، بناء شامخ كالجبال يتجه إلى الله ويليق بمنهج الله، ورحم الله سيدنا عمر بن عبد العزيز حينما قال: " الليل والنهار يعملان فيك ".
بصراحة مؤمن بلا عمل لا وزن له عند الله إطلاقاً، أكلنا وشربنا وسهرنا وتابعنا مسلسلات وضحكنا وصار في سرور بهذه الجلسة وعملنا سيران، إلى أن يشعر الإنسان بشيء في جسمه غير طبيعي يقول لك وغزة ألم في اليد اليسرى، إلى المستشفى عناية مشددة، الآن يقول:

﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا ﴾

( سورة المؤمنون الآية: 100 )

العمل الصالح يرقى بالإنسان يوم القيامة:

أيها الأخوة الكرام، إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما عملاً صالحاً، أريد أن أكون صريحاً مع نفسي ومعكم، آلاف الأعمال يفعلها معظم الناس تصب في النهاية في مصالحك، اشتريت ثياباً، اشتريت طعاماً، سكنت في بيت، رتبت البيت، تزوجت فرضاً، أنجبت أولاداً، هذه كلها أشياء مألوفة، أي عمل فعلته من أجل الله ؟ ابتغاء مرضاة الله، تبتغي به وجه الله، تدخره عند الله، هذا العمل الصالح هو الذي يرقى بك يوم القيامة، والوقت الذي نحن بصدده كإحدى مقومات التكليف هو وعاء عملك، اسأل نفسك أنا ماذا فعلت ؟ استطعت أن تأخذ بيد إنسان إلى الله ؟ لك صديقك هل اهتممت فيه ؟ زرته، أقنعته يحضر درس علم ؟ قدمت له شريطاً يسمعه ؟ حللت له مشكلة ؟ لك حركة بإقناع الناس بالتوبة ؟ لك أب وأم كنت باراً بهما ؟ لك أخوة أصغر منك رعيت هؤلاء الأخوة ؟ ما عملك ؟
والله أيها الأخوة الكرام، أحياناً الإنسان يبحث عن عمل صالح يجد نفسه فقيراً، كل حركته لمصلحته أما شيء لله لا يوجد.

من تقييمات العمل الصالح اتساع رقعته و امتداد أمده:

أيها الأخوة الكرام، الآن عملك يا ترى إطعام ؟ يا ترى دعوة ؟ يا ترى تأليف كتب ؟ يا ترى إصلاح بين الناس ؟ ما نوع عملك ؟ هذا العمل سنقيّمه، أول تقييم كلما اتسعت رقعة العمل، سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام إنسان واحد جاء إلى الدنيا وغادرها ومكث يدعو قومه سنوات معدودة وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تذهب للصين ترى خمسين مليون مسلم، تذهب إلى إفريقيا إلى أي دولة في إفريقيا في دول بالمئة تسعين، ثمانين، بجنوب إفريقيا، بأي مكان في العالم يوجد مسلمون والإسلام ينمو، فهذا العمل الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم رقعته واسعة جداً تقريباً تغطي ربع مساحة الأرض، المسلمون يحتلون نسبة ربع سكان العالم في ستة آلاف مليون، المسلمون مليار وخمسمئة مليون، إنسان واحد جاء بهذا الدين فاتسعت رقعة هذا الدين من المغرب إلى الأطلسي إلى الصين، إذاً أحد تقييمات العمل الصالح اتساع رقعته، أحد تقييمات العمل الصالح امتداد أمده، في عمل ينتهي بعد ساعة أطعمت إنساناً وجبة طعام أكلها وشكرك وانتهى، العشاء جوعان انتهت وجبته، إنسان علّم إنساناً شيئاً كلما فعل شيئاً يدعو لك.
مرة أحد أخوانا الكرام توفي رحمه الله عنده معمل حلويات دخل إلى دكانه رجل من أقصى البلاد وغير مسلم، قال له تعلمني صناعة الكاتو ؟ قال له تكرم، أدخله ورحّب به وصنع أمامه طبخة كاملة، ما اكتفى، طبعاً كتب، قال له افعل طبخة ثانية أمامي، يقسم بالله لثلاثين عاماً يأتيه من طرف سوريا الشمالي الشرقي من الحسكة إلى الشام ليشكره، عمل عملاً دلّ شخص على حرفة عاش منها وما سأله أنت من أين، عبد لله عز وجل:

﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى (8) ﴾

( سورة المائدة )

حدثني طبيب أسنان جاءته مريضة تحتاج إلى تقويم لأسنانها، وهي معلمة، ودخْلها محدود جداً، كلما ابتسمت تبسم من أمامها، في تشوه، والمبلغ فوق طاقتها، فبعد أن اعتذرت عن متابعة المعالجة للرقم الكبير ناداها، قال: هل تقبلين هذا التقويم هدية مني ؟ قالت له الله يجزيك الخير، يقسم لي بالله العظيم أنه أمضى ستة أشهر وكأنه في الجنة لأني قدمت عملاً بلا أجر لوجه الله عز وجل.

 

من خدم الآخرين ادخر هذا العمل عند الله ليوم القيامة:

لك عمل من دون مقابل لا شكر ولا حمد ولا أبيض ولا أسود ولا أصفر ولا أخضر لوجه الله، هل خدمت إنساناً لوجه الله ؟ هذا العمل تدخره عند الله.
أعظم عمل ما كان متسع الرقعة وما كان طويل الأمد، زارنا إنسان من الصين فالمرافق له كان أحد إخواني وجد الوضع غير طبيعي قال له، كأن في عطلة عندكم، قال نعم، قال ما المناسبة ؟ قال له في لنا نبي كريم هذا اليوم عيد مولده، قال له منذ كم سنة ؟ قال منذ ألف وخمسمئة سنة، صعق منذ ألف وخمسمئة سنة ومازلتم تذكرونه ؟ طبعاً، العمل الصالح امتداده مديد.
الآن اتساع الرقعة، الامتداد، التغلغل بأعماق النفس، تجد إنساناً يحضر درس علم لكن ليس ملتزماً، سمع مئة مرة أن لعب النرد حرام يقول لك: الآن ضاق خلقنا حتى الساعة الثانية ليلاً يلعب طاولة وهذه حرام ما سأل، الأثر ما كان عميقاً، أحياناً تنصح إنساناً يصل تأثيرك إلى أقصى أعماق نفسه، أبداً ورع، نريد عملاً صالحاً يمتد أمده، وتتسع رقعته، ويتعمق تأثيره، إذا عندك مثل هذا العمل هنيئاً لك، أمده طويل رقعته واسعة تأثيره عميق.

في آخر الزمان يزداد الأجر حينما تفسد المجتمعات:

الآن صفات العصر، ما علاقة هذا العصر بالأعمال الصالحة ؟ في صوارف وفي عقبات، نحن بالخمسينات لا يوجد شيء، لا يوجد إلا مدرسة وبيت، والطريق محشوم، الآن هناك مدرسة، و هناك بيت، و هناك طريق ممتلئ بالكاسيات العاريات، و هناك انترنت، و هناك مواقع إباحية، و هناك فضائيات، و هناك مجلات ساقطة، كل شيء يوجد، هذه كلها صوارف، ويوجد عقبات، أحياناً العقبة الأهل، أحياناً العقبة العمل، هناك عقبات تحول بينك وبين طاعة الله، وهناك صوارف تصرفك عن طاعة الله، لذلك الأجر الآن كبير جداً.
اشتقت لأحبابي، قالوا: لسنا أحبابك ؟ قال: لا، أنتم أصحابي، أحبابي أناس يأتون في آخر الزمان القابض منهم على دينه كالقابض على الجمر، أجرهم كأجر سبعين، قالوا: منا أم منهم ؟ قال: بل منكم، لأنكم تجدون على الخير معواناً ولا يجدون.

العمل الصالح أعظم شيء بعد الإيمان بالله:

والآن بصراحة أيها الأخوة:

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ (16) ﴾

(سورة الكهف)

الكهف بيتك، والكهف جامعك، فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ، ادخل إلى بيتك، بيتك متحكم فيه، ليس فيه منظر قبيح، ليس فيه استثارة للشهوة، وادخل إلى جامعك.
أيها الأخوة، العوائق كثيرة والصوارف كثيرة، الأجر كبير جداً العوائق كثيرة والصوارف كثيرة، الآن يزداد الأجر حينما تفسد المجتمعات، وتضطرب الأحوال، ويجور الأمراء، ويتجبر الأقوياء، ويترف الأغنياء، ويداهن العلماء، وتشيع الفاحشة، ويظهر المنكر، ويختفي المعروف.

(( عبادة في الهرج كهجرة إلي ))

[ مسلم عن معقل بن يسار ]

في زمن الفتنة، أيها الأخوة أنا أريد أن أبقي إن أمكنني الأمر أن أبقي أثراً كبيراً للعمل الصالح، أنت بعد أن آمنت بالله لا يوجد شيء أعظم في حياتك من عمل صالح تلقى الله به وعمل صالح أن يكون بعيداً عن مصالحك، قال تعالى: 

﴿ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ ﴾

( سورة النمل الآية: 19 ).

ما العمل الصالح الذي يرضاه ؟ قال إذا كان خالصاً وصواباً، خالصاً ما ابتغي به وجه الله وصواباً ما وافق السنة، دائماً اسأل نفسك مساء كل يوم ماذا فعلت اليوم ؟ هل أطعمت جائعاً ؟ هل كسوت عارياً ؟ هل عدت مريضاً ؟ هل زرت صديقاً لله ؟ هل أنفقت مالاً ؟ هل عملت عملاً صالحاً ؟ هل وصلت رحماً ؟ هل كتبت مقالة تنشرها تدعو إلى معرفة الله ؟ هذا عمل.

 

بطولة الإنسان أن يكون له عمل صالح يستمر بعد موته:

أيها الأخوة، يجب أن أنتقل إلى حقيقة خطيرة، أعظم الأعمال الصالحة هي التي تبقى بعد موتك، في علماء كثر توفاهم الله عز وجل محاضراتهم تذاع كل يوم وكأنهم أحياء، وأنا أعتقد أنهم قد فنيت أجسامهم ومحاضراتهم تبث كل يوم في معظم وسائل الإعلام، وبالمقابل هناك مغنون ماتوا وأصبحوا تحت أطباق الثرى وأغانيهم تذاع كل يوم، الأولون دروسهم التي تبث صدقة جارية والآخرون أغانيهم التي تبث معصية جارية مستمرة، فالبطولة أن يكون لك عمل صالح يستمر بعد موتك من هنا قال النبي عليه الصلاة والسلام:

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

معظم الناس ينجبون الأولاد، يا ترى خطر في بالك يا ترى هذا الطفل اجعله عالماً ؟ داعية ؟ تعتني به كثيراً ؟ تعتني بعقيدته ؟ بإيمانه ؟ بخلقه ؟ بدينه ؟ بدراسته ؟ هل تبذل جهداً كبيراً من أجله ؟ شعور الأب أن له ولد صالح يدعو الناس إلى الله من بعده هذا شعور لا يوازن.

(( إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ))

[ مسلم عن أبي هريرة ]

أشقى الأشقياء من انقطع عمله بعد موته:

إذا إنسان له عمل العمل انقطع عند الموت، من هو أشقى الأشقياء ؟ الذي له عمل ينقطع عند الموت يتألم، والبطولة أن يكون لك عمل مستمر بعد الموت، مرة ألقيت خطبة كانت ناجحة جداً أخذتها من تفسير القرطبي، هذا التفسير مؤلف قبل ألف عام، بعد أن انتهت الخطبة أخوة أثنوا عليها ثناءً كبيراً وتأثروا بها، قلت سبحان الله في صحيفة القرطبي، الذي ألف تفسيراً وأنا اعتمدت على هذا التفسير في هذه الخطبة.
معنى تركت مؤلفاً، تركت دعوة، تركت مؤسسة، تركت معهد شرعي، تركت ميتماً، تركت مستوصفاً، تركت عملاً صالحاً ؟ أيها الأخوة العمل الصالح هو سر وجودك في الأرض، في حديث آخر يفصل:

(( إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علماً علمه ونشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً كراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته، تلحقه من بعد موته.))

[صحيح ابن خزيمة عن أبي هريرة ]

على كل إنسان أن يفكر بعمل صالح يستمر بعد موته:

أي عمل صالح يستمر بعد موتك هذا من أعظم الأعمال الصالحة، وأنا أتمنى بشكل جاد كل أخ كريم يفكر بعمل صالح يستمر، يستمر من بعد الموت، طبعاً هذه الأعمال المستمرة في الأعمّ الأغلب أعمالاً دعوية، يعني ساهمت بهداية أشخاص أعمالهم الصالحة في صحيفتك، وأعمال ذريتك في صحيفتك، وأعمال من تبعهم في صحيفتك، لذلك أيها الأخوة:

(( مَن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة حَسَنَة فله أجرُها وأجرُ من عمل بها من بعده، من غير أن يَنْقُصَ من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإِسلام سُنَّة سيِّئة كان عليه وِزْرُها وَوِزْرُ مَنْ عمل بها من بعده، من غير أن ينقُصَ من أوزارهم شيء ))

[أخرجه مسلم عن جرير بن عبد الله البجلي]

فكر إذا استيقظت:

(( مَنْ كانَتِ الآخرةُ هَمَّهُ، جعل الله غِناه في قلبه، وجمع عليه شَمْلَهُ، وأتَتْهُ الدنيا وهي راغِمَة، وَمَنْ كانت الدنيا هَمَّه، جعل الله فَقْرَه بين عينيه، وفَرَّق عليه شَمْلَهُ، ولم يأتهِ من الدنيا إلا ما قُدِّر له ))

( أخرجه الترمذي عن أنس بن مالك ].

حينما تستيقظ أول خاطر ماذا سنأكل صباحاً ؟ مثلاً، يا ترى أذن الفجر عندك هاجس، سيدنا عمر حينما طعن وكان على وشك الموت سأل سؤالاً هل صلى المسلمون الفجر وهو في الأفق الأعلى، في إنسان أفقه عالي، همه طاعة الله عز وجل، همه نشر الحق، همه تأكيد القيم الإسلامية.

 

العبرة ليست بالوقت العبرة بالعمل الصالح:

أيها الأخوة، ويـلٌ ثُمَّ ويـلٌ ثُـمَّ ويـلٌ لمن انقضت آجالهم وضلالاتهم وآثامهم باقية من بعدهم، أنت تؤلف كتاباً كله ضلالات ويموت الإنسان كل واحد قرأه وتأثر بأفكاره الضالة وانحرف في صحيفة المؤلف، لذلك أن تكون أو أن تملك دار نشر وأن تنشر أي كتاب لو ارتكبت الكبائر بإمكانك أن تتوب منها، لكن إذا نشرت كتباً ضالة مضلة هذه الكتب توزعت ما في حل.
قال هنيئاً لمن كان تحت الثرى والناس مهتدون بهديه، سعداء بأعماله، ابن عطاء الله السكندري له قول رائع قال: رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده، ورب عمر قليلة آماده كثيرة أمداده، ومن بورك له في عمره أدرك في يسير من الزمن من المنن ما لا يدخل تحت دائرة العبارة ولا تلحقه ومضة الإشارة.
بصراحة سنعد العمر الزمني فقط ستين سنة، سبعين، ثمانين، أربعين، سنشبه العمر الزمني بفتح محل تجاري يوم بكامله، إذا شخص فتح اثني عشر ساعة والغلة خمسمئة ليرة، وشخص فتح ساعة الغلة خمسة آلاف، أيهما أربح ؟ الوقت ماله قيمة، العبرة الغلة كم بعت ؟ أحياناً صفقة تتم بربع ساعة ربحها ثمان ملايين، وأحياناً دوام كامل عشر ساعات صياح ما في خمسمئة ليرة في اليوم، عشر ساعات صياح، العبرة ليس بالوقت العبرة بالعمل، لذلك كل الكلمات أمدّ الله بعمرك، العمر لا يزيد لكن قد يمتلئ بالعمل الصالح وقد لا يمتلئ، يعني أحد علماء الجزائر ابن باديس عاش أقل من خمسين سنة، والشافعي عاش أقل من خمسين سنة، وكان معتدلاً في الطعام إلى درجة غير معقولة، ينام ساعتين كل يوم استطاع أن يوقظ الجزائر كلها، وأن تقاوم الاستعمار بمنطوق ديني، بقيم دينية وأن تنتصر، أينما ذهبت في الجزائر كلمة ابن باديس على كل لسان، بثّ فيها الإيمان، كان قدوة واجه أوربا، عالم، فالإنسان أحياناً له بداية لكن ليس له نهاية.
رب عمر اتسعت آماده وقلت أمداده.
يقول لك عاش ثمانية وتسعين سنة ما فعل شيئاً، النووي عاش أقل من خمسين سنة ترك كتباً لا يعلمها إلا الله، رياض الصالحين، شرح صحيح مسلم، كتاب فقه كبير جداً بغية المحتاج.

أعلى الأعمال الصالحة أن يهدي الله على يديك إنساناً:

أيها الأخوة، العمل الصالح هو سر وجودنا وغاية وجودنا، أعلى الأعمال الصالحة أن يهدي الله على يديك إنساناً.
النبي عليه الصلاة والسلام يقول: يا علي:

(( فَوَ اللَّهِ لَأَنْ يُهْدَى بِكَ رَجُلٌ وَاحِدٌ خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ ))

[ متفق عليه عن سهل بن سعد].

(( خير له مما طلعت عليه الشمس ))

[ أخرجه الطبراني عن أبي رافع ].

(( خير لك من الدنيا وما فيها ))

[ تخريج أحاديث الإحياء للعراقي ].

لكن الهداية تحتاج إلى جهد، إلى إحسان، ينبغي أن تفتح قلب من تدعوه إلى الله بإحسانك حتى يفتح لك عقله لبيانك، افتح قلبه بإحسانك يفتح عقله لبيانك، الإحسان قبل البيان، القدوة قبل الدعوة، أكبر قوة تأثير تملكها أن تكون أنت قدوة، القدوة قبل الدعوة، اسلك السلوك الكامل ترى أن الناس يتأثرون بك ولو لم تنطق بكلمة، أبداً عندي شواهد كثيرة لو لم تنطق بكلمة أمانتك قدوة، صدقك قدوة، إتقان عملك قدوة، عفتك قدوة، ورعك قدوة، إذاً القدوة قبل الدعوة، والإحسان قبل البيان، والأصول قبل الفروع، والمبادئ لا الأشخاص والمضامين لا العناوين، والتربية لا التعرية، هذه كلها قواعد، أنت حينما ترى إنساناً مشى في الحق بسببك، تحس بسعادة لا توصف، وهذه الأعمال الصالحة الدعوية هي التي تبقى بعد الموت، طبعاً ما معنى قول الله عز وجل: 

﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً (120) ﴾

( سورة النحل )

كان أمة بأعماله الصالحة، يعني ينبغي أن يكون لك أثر في كل النفوس.

 

الدنيا دار تكليف و الآخرة دار تشريف:

أيها الأخوة، الحياة دار عمل وليست دار أمل، الحياة دار تكليف، الحياة دار تكليف وليست دار تشريف، الحياة دار بذل جهد:

﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾

( سورة الانشقاق )

الحياة بذل جهد، فلذلك يجب أن نستنتج من هذا اللقاء أن لا شيء يعلو بعد الإيمان بالله على عمل صالح يمتد أمده وتتسع رقعته ويتعمق أثره، وأن هذا العمل الصالح كلما كان أقرب إلى الدعوة إلى الله كان أقرب إلى أن يستمر بعد الموت، وأنه هنيئاً لمن كانوا تحت أطباق الثرى والناس يهتدون بدعوتهم، ويتأثرون بأعمالهم السابقة، وهذا من نعمة الله الكبرى.
أيها الأخوة، في درس قادم إن شاء الله نتابع موضوع العمل الصالح ونتصل بموضوعات تزيده وضوحاً وترسيخاً إن شاء الله.

 

الموضوع العلمي:

جسم الإنسان من الآيات الدالة على عظمة الله عز وجل:

ننتقل إلى الموضوع العلمي أيها الأخوة أقرب شيء لنا الجسم الدليل:

﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) ﴾

( سورة العلق )

يعني كل واحد يعلم علم اليقين أنه كان بويضة في مبيض أمه وحوين من أبيه، لقح الحوين البويضة ثم انقسمت وبعد تسعة أشهر صار طفلاً جنيناً له رأس، دماغ، شعر، عينان، أذنان، أنف، فم، لسان، مري، قصبة هوائية، معدة، أمعاء، رئتان، بنكرياس، كبد، صفراء، عضلات، عظام، جلد، متى صنع هذا ؟ في آية أبلغ من أن البويضة بحجم ذرة الملح التي قد لا ترى بالعين وبعد تسعة أشهر إذا هي طفل كامل يبكي، ويضحك، ويرى، ويسمع، ويأكل، ويجوع.

1 ـ الشحوم التي أودعها الله في جهاز الجنين الهضمي من الآيات الدالة على عظمته:

مثلاً جهاز الهضم عبارة عن أنبوب، المري أنبوب، ثم المعدة، ثم الأمعاء الدقيقة، فالأمعاء الغليظة كلها أنابيب، لو أن هذه الأنابيب التصقت فأصبحت شريطاً الطفل لا يعيش إطلاقاً، ما الذي يضمن أن تكون أنبوباً وليست شريطاً ؟ الله عز وجل أودع فيها مادة شحمية سوداء اللون لئلا تلتصق الأنابيب ببعضها، في مادة شحمية، الآن الطفل ولد يلتقم ثدي أمه، ماذا يعطيه ثدي أمه في الثمانية والأربعين ساعة الأولى ؟ مادة لا علاقة لها بالحليب إطلاقاً، هذه المادة تذيب الشحم الذي في جهازه الهضمي لذلك الطفل الصغير بدءاً من ولادته إلى عدة أيام يخرج منه مادة سوداء هي الشحوم التي أودعها الله في جهازه الهضمي، ما هذه الحكمة ؟ لئلا تلتصق هذه الأنابيب ينبغي أن تمتلئ بالشحم ثم بعد الولادة لابد من أن يذوب الشحم ثم ثدي الأم يفرز مادة مذيبة لهذه الشحوم حتى يصبح الطريق سالكاً بين الفم وبين الخروج عندئذ يلتقم ثدي أمه.

 

2 ـ قدرة الله عز وجل على تزويد الطفل بمنعكس المص:

آية ثانية التقام ثدي الأم عملية بالغة التعقيد ولا يمكن أن تعلم، وحينما يبين ربنا جلّ جلاله في بعض الحالات أن هذا الطفل لا يحسن المص لا بد من أن يموت، كل واحد منا الله زوده عند الولادة بما يسميه العلماء منعكس المص، طفل الآن خرج من بطن أمه أثناء تنظيفه قد تمر أصبع الممرضة أمام شفتيه يمصها رأساً، معنى يمصها يعني يحكم إغلاق شفتيه ويسحب الهواء، ما في قوة في الأرض تُعلّم هذا الطفل الذي ولد لتوه مص ثدي أمه، يا بابا الله يرضى عليك من أجل أن تأكل من أجل أن لا تموت، يفهم عليك ؟ في قوة تعلمه في الأرض من أودع في الإنسان هذه القدرة المعقدة الآلية على مص ثدي أمه، لا بد من إحكام الشفتين حول حلمة الثدي ثم لا بد من سحب الهواء ليأتي مع الهواء الحليب، سماه العلماء منعكس المص.
أول شيء ثدي الأم يفرز مادة ليس لها علاقة بالحليب إطلاقاً، مادة مذيبة للشحم، حتى يكون جهاز الهضم أنبوباً مفتوحاً وسالكاً، ثم زود الله هذا الطفل بمنعكس المص لمجرد أن يلتقم ثدي أمه يحكم شفتيه على حلمة الثدي ويسحب الهواء ليأتيه الحليب.

3 ـ إغلاق ثقب بوتال بين الأذنين بعد ولادة الإنسان بقدرة الله عز وجل:

في رحم الأم ما في هواء والرئتان معطلتان من أجل الدورة الدموية الله فتح بين الأذينين ثقباً ينتقل الدم من أذين إلى أذين عند الولادة تأتي جلطة تغلق هذا الثقب، يد من ؟ يد الله عز وجل، لو هذا الثقب ما أغلق ما كان في هذا الدرس أي إنسان، وكل إنسان ثقب بوتال لم يغلق عنده يعيش عدة سنوات ويموت بداء الزرق، لأن الدم لا ينتقل عندئذ للرئتين، الطريق أسهل هنا، ينتقل من مكان إلى مكان أما يد من تغلق هذا الثقب ؟ في آيات دالة على عظمة الله عز وجل. 

4 ـ تقلص الرحم أثناء الولادة تقلصاً لطيفاً ومتزامناً:

لذلك أيها الأخوة، أقرب شيء إليك جسمك الذي بين يديك، ثقب بوتال، منعكس المص، المادة التي تذيب الشحوم في الجهاز الهضمي، الله عز وجل زود الإنسان بهذه الحقائق، في أشياء كثيرة لولاها لما عاش الإنسان.
أثناء الولادة الرحم يتقلص لكن تقلصاً لطيفاً وتقلصاً متزامناً، يعني أول الأمر كل ساعة في طلقة، بعد ذلك كل خمسين دقيقة، كل أربعين، كل عشر دقائق، كل خمس دقائق، كل دقيقة، حتى الطفل يخرج، بعدئذ ينقبض الرحم انقباضاً وكأنه الصخر لأنها تقطعت عشرات الألوف من الأوعية بهذا الانقباض الشديد تغلق كل هذه الأوعية، قال لو عكست تقلصات الرحم قبل الولادة وبعدها لمات الجنين اختناقاً ولماتت الأم نزيفاً: 

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ﴾

( سورة عبس )

الرحم تقلص متزامن متسارع لطيف، تقلص دفع فقط، لكن بعد الولادة تقلص سدّ آلاف الأوعية المتمزقة فالطبيب أو الطبيبة أو المولدة حينما ترى أن الرحم كأنه كتلة صخرية تقول الولادة سليمة، إذا في رخاوة هناك خطر موت الأم بالنزيف، يد من ؟ 

﴿ ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ (21) ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ (22) كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ (23) ﴾

( سورة عبس )

الاستماع للدرس

00:00/00:00

نص الزوار

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور