وضع داكن
23-04-2024
Logo
العقيدة والإعجاز - مقومات التكليف - الدرس : 21 - الشهوة -7- شهوة المال -1- فلسفة المال في الإسلام من حيث اكتسابه وإنفاقه
رابط إضافي لمشاهدة الفيديو اضغط هنا
×
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

شهوة المال:


أيها الإخوة الأكارم، مع الدرس الواحد و العشرين من دروس العقيدة والإعجاز، وقد وصلنا في الدرس الماضي من مقومات التكليف إلى موضوع الشهوة، وبينت لكم في دروس عدة أن الشهوة حيادية يمكن أن تكون سلماً نرقى بها أو دركات نهوي بها، وأنه لولا الشهوات لما ارتقينا على رب الأرض والسماوات، ودخلنا في موضوعات فرعية كثيرة حول الشهوة.
والآن ننتقل إلى أحد أكبر شهوات الحياة، إنه المال، قال تعالى:

﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾

( سورة آل عمران الآية: 14 )

1 ـ المال مِن مقوِّمات الحياة:

فالمال أحد أكبر الشهوات التي أودعها الله فينا، والمال أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل.

لكن بادئ ذي بدء المال قوام الحياة، فحينما تعمل تكسب مالاً حلالاً تشتري به بيتاً، وتتزوج، تنجب أولاداً، وتسعد بأهلك وبأولادك، هذا المشروع الكبير أساسه أن لك عملاً ترتزق منه، فالمال قوام الحياة.
أيها الإخوة الكرام، لا بد من إيضاح دقيق لدور المال في حياة المؤمن.
أولاً: النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ـ لكن النبي عليه الصلاة والسلام رفيق قال: وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ))

[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ]

المال قوام الحياة، فينبغي أن تكون ذا مال إذا كان طريق كسبه وفق منهج الله، المال قوة، ومعنى قوة أن الخيارات المتاحة للغني في العمل الصالح لا تعد ولا تحصى، بماله يزوج شاباً، بماله يعالج مريضاً، بمال يرعى أرملة، بماله يطعم يتيماً، بماله ينشئ معهداً، بماله يؤسس ميتماً، بماله يفعل الخير، الخيارات المتاحة لصاحب المال لا تعد ولا تحصى، بل إن النبي عليه الصلاة والسلام جعل الغني المؤمن قريباً من درجة العالم العامل.

(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ: رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ و آنَاءَ النّهَارِ، وَرَجُلٌ آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَ آنَاءَ النّهَار ))

[ متفق عليه ]

فلسفة المال في الإسلام أن هذا المال أحد أكبر أسباب دخول الجنة، أن هذا المال أحد أكبر أسباب التقرب على الله، أن هذا المال يمكن أن ترقى به إلى أعلى عليين، ويمكن أن تهوي به إلى أسفل سافلين المال نفسه.
لكن أيها الإخوة، الآية الدقيقة جداً التي تبين قيمة المال:

﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا (5) ﴾

( سورة النساء: 14 )

موطن الشاهد:

﴿ وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا ﴾

تقوم حياتك على دخل تشتري طعاماً لأهلك وأولادك، تشتري كساءً تستأجر بيتاً، يعني المال قوام الحياة، إذاً هذا الذي يدعي أنه لا يحب المال أنا لا أصدقه.
لقد أودع الله في الإنسان حب المال، وهذا شيء متغلغل في أعماق النفس، لكن هناك من يعترف، وهناك من لا يعترف، ولكن شهوة المال مودعة في كل إنسان اعترف أو لم يعترف، صرح أو لم يصرح، الحقيقة الأولى أن المال قوام الحياة، فلا تحتقر المال، المال مِن نعمِ الله الكبرى إذا كان كسبه مشروعاً، وكان إنفاقه في وجوه الخير.

 

2 ـ المال حياديٌّ:

أيها الإخوة، شيء آخر في موضوع المال، هو أن المال حيادي، الغنى خير ؟ نعم ولا، إذا أنفق المال في طاعة الله فهو خير، وإذا أنفق في معصية الله فهو شر، المال ليس نعمة وليس نقمة، ولكنه موقوف على طريقة إنفاقه، بل على طريقة كسبه أيضاً، لذلك الإنسان يوم القيامة يُسأَل عن ماله من أين اكتسبه، وفيم أنفقه ؟ يسأل عن عمره، وعن شبابه، وعن علمه، أما عن ماله فيسأل سؤالان: من أين اكتسبه، و فيمَ أنفقه ؟

أيها الإخوة، الحقيقة الأولى: المال قوام الحياة، وإذا أحرزت النفس قوتها اطمأنت، ولأن الله سبحانه وتعالى من حِكَمه البالغة أنه أودع فينا حاجات، حاجة إلى الطعام والشراب، وحاجة إلى الجنس، وحاجة إلى تأكيد الذات، وهذه الحاجات الثلاث تحتاج إلى المال، فكأنه دفعنا إلى كسب المال، والفكرة الدقيقة أن الله عز وجل حينما وصف بشرية الأنبياء قال:

﴿ وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ ﴾

( سور الفرقان: 20 )

هم مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون في ثمن الطعام إلى المشي في الأسواق، لذلك هذا الذي لا يعمل لا مكان له في مجتمع المسلمين، سيدنا عمر يقول: << إني أرى الرجل لا عمل له يسقط من عيني >>.

 

العمل والحرفة من العبادات والطاعات:

لكن بادئ ذي بدء، أحب أن أطمئنكم أن كل واحد منا في عمله الذي يكسب منه رزقه، في حرفته التي يحترفها، في مهنته التي يمتهنها، في حركته التي يتحركها، في مشيه في الأسواق، أن كل واحد منا بإمكانه وبيسر أن يجعل من عمله المهني الحرفي عبادة إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلكت بها الطرق المشروعة، لا كذب فيها، ولا غش، ولا احتيال، ولا إيهام، ولا احتكار، ولا تدليس، ولا بيع على بيع، ولا تلقي الركبان، ولا كتم عيب، إذا نجا المؤمن من معاصي البيع والشراء كلها، وكانت حرفته في الأصل مشروعة، يبيع قماشاً، يبيع طعاماً وشراباً، يبيع خشباً، يبيع حديداً، إذا كانت الحرفة في الأصل مشروعة، وسلك بها المسلم الطرق المشروعة، وابتغى منها كفاية نفسه وأهله وخدمة المسلمين كانت عبادة.

والله أيها الإخوة، كان السلف الصالح حينما يفتح محله التجاري يقول: نويت خدمة المسلمين، إنسان يمضي ثماني ساعات في محله التجاري وهو في عبادة ؟ لأنه نوى في هذا العمل كفاية نفسه، وكفاية أهله، وحبذا المال أصون به عرضي، وأتقرب به إلى ربي، نوى كفاية نفسه وأهله، ونوى خدمة المسلمين، هذه الحرفة، وتلك المهنة، وهذه الوظيفة، وهذا الطب، وهذه المحاماة، وهذه الهندسة، وهذا التدريس عبادة، طبعاً ولم تشغله عن فريضة، ولا عن واجب، ولا عن عمل صالح، ما قولك أن تقول: عادات المؤمن عبادات.
هل هناك واحد في الأرض لا يعمل ؟ إلا حالات نادرة، انظر إلى الطرقات صباحاً المؤمن وغير المؤمن، والمنافق والعاصي والمستقيم يتحرك، هذا إلى مدرسته مدرسًا، وهذا إلى معمله عاملا، وهذا إلى مكتبه محاميًا، هذا إلى عيادته طبيبا، كلهم يتحركون، فبيْنَ أن تكون هذه الحركة عند الله عبادة ترقى بها إلى أعلى عليين، وأن تكون هذه الحرفة سبباً كافياً لدخول الجنة.
أيها الإخوة، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، من دكانك، من وظيفتك، من مكتبك الهندسي، من عيادتك كطبيب، من حقلك من معملك، من أي مكان، إذا كان العمل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، لا غش فيه، ولا كذب، ولا احتيال، ولا تدليس، ولا احتكار، ولا مديحًا كاذبًا ولا إيهام، ولا استغلال، ولا تلقي الركبان، ولا بيع على بيع، إذا كانت الحركة في هذه المهنة مشروعة، والحرفة في أصلها مشروعة، ونويت بها كفاية نفسك وأهلك وخدمة المسلمين، ولم تشغلك عن فريضة ولا عن واجب ولا عن عمل صالح انقلبت إلى عبادة، لذلك عادات المؤمن عبادات، وعبادات المنافق سيئات.
أيها الإخوة، المال حيادي، أركز على هذا، قيمته موقوفة على طريقة كسبه وإنفاقه، هو نعمة ونقمة، هو سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، الدليل:

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾

( سورة الفجر)

أكرمه بدخل واسع.
على ذكر كلمة نعمة تذكرت موقفا لصاحبي، أحد الصحابة اسمه خبيب قبض عليه المشركون، وأرادوا قتله أو صلبه، جاءه أبو سفيان، دققوا، قال له: أتحب أن يكون محمد مكانك، وأنت معافى في أهلك ؟ والله سمعت هذه الكلمة منه بحسب ما قرأت طبعاً قال: << والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي ـ في بيته مع زوجته الشابة، وأولاده ـ وعندي عافية الدنيا ونعيمها ـ العافية الصحة جيدة، وطعام، ونعيمها تكييف مثلاً، وباقة ورد، وألوان منوعة من الأطعمة والفواكه ـ والله ما أحب أن أكون في أهلي وفي ولدي، وعندي عافية الدنيا ونعيمها، ويصاب رسول الله بشوكة >>، فقال أبو سفيان: << ما رأيت أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمد محمداً >>.
هذا الإسلام، الإسلام حب، قال تعالى:

 

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ (15)﴾

( سورة الفجر)

3 ـ ليس كسبُ المال دليلَ حبِّ الله للعبد:

هناك أشياء ثانوية وأشياء تسمى رفاهاً وزيادة، فإذا لم يأكل الإنسان بعض أنواع الفواكه الغالية والنادرة هل يموت من جوعه ؟ لا، لكنه يأتي بهذه الفواكه.

﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

( سورة الفجر )

فيقول، وهذه مقولته، كأن الله عز وجل ما قبِل هذا الجواب: 

﴿ كَلَّا ﴾

( سورة الفجر الآية: 17 )

إذا آتى الله الإنسان المال، وما كان مستقيما، وكان منحرفا، يقول لك: الله يحبني، لأنه أعطاني المال، مَن قال لك ذلك ؟ قارون أغنى منك: 

﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لَا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ (76) ﴾

(سورة القصص)

﴿ فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ ﴾

( سورة القصص الآية: 79 )

﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾

( سورة القصص الآية: 81 )

الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب، ما دام الله عز وجل يعطي المال لمن يحب ولمن لا يحب إذاً لا يمكن أن يكون المال مقياساً لمحبة الله، ولا يمكن أن يكون نقص المال مقياساً لبغض الله عز وجل، أعطى الدنيا لمن يحب ولمن لا يحب، وزويت عمّن يحب وعمّن لا يحب، إذاً: ليست مقياساً. 

﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَن * وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾

( سورة الفجر )

الجواب الإلهي:

﴿ كَلَّا ﴾

(سورة الفجر الآية: 17 )

كلا أداة ردع، فضلاً عن أنها أداة نفي، قال لك رجل جائع: هل أنت جائع ؟ تقول له: لا، لا سمح الله ولا قدر لو قال لك هل: أنت سارق ؟ هل يكفي أن تقول له: لا ؟ تقول له: كلاّ، فكلمة كلاّ تنفي الرغبة والإقرار والموافقة إطلاقاً، كأن الله عز وجل يقول: ليس عطائي إكراماً، ولا منعي حرماناً، عطائي ابتلاء، وحرماني دواء، الدليل:

 

﴿ فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15)﴾

( سورة الفجر)

4 ـ إنفاق المال أحد أسباب التقرُّب إلى الله:


أيها الإخوة، يجب أن تعلم علم اليقين يقيناً قطعياً أن أحد أكبر أسباب التقرب إلى الله إنفاق المال، الدليل قال تعالى:

﴿ لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾

( سورة البقرة)

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾ 

 

معنى: وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ

 

قال علماء التفسير: " تحتمل هذه الكلمة: ﴿ عَلَى حُبِّهِ ﴾ معنيين: إما آتى المال وهو يحبه، أو آتى المال حباً في الله.
على كلٍّ:

﴿ لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ (92) ﴾

( سورة آل عمران)

المعنى الأول صحيح، والمعنى الثاني صحيح:

 

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ (177) ﴾

( سورة البقرة)

دققوا الآن: 

﴿ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾

( سورة البقرة)

آتى المال على حبه شيء، وإيتاء الزكاة شيء آخر، إيتاء الزكاة فرض، أما آتى المال على حبه فهو تطوع، وعلامة محبتك لله أن تنفق من مالك فضلاً عن أموال الزكاة صدقةً.

 

﴿ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ (177) ﴾

( سورة البقرة)

إذاً: أيها الإخوة، أحد أكبر أسباب التقرب من الله عز وجل إنفاق المال، وورد في بعض الآثار:

(( أن عبدي أعطيتك مال فماذا صنعت فيه ؟ يقول: يا رب لم أنفق منه شيئاً مخافة الفقر على أولادي من بعدي ـ شر الناس من عاش فقيراً ليموت غنياً ـ فيقول الله له: ألم تعلم بأني الرزاق ذو القوة المتين ؟ إن الذي خشيته على أولادك من بعدك قد أنزلته بهم ـ يسأل عبد آخر ـ أعطيتك مالاً فماذا صنعت في ؟ يقول: يا رب أنفقته على كل محتاج ومسكين، لثقتي بأنك خير حافظاً، وأنت أرحم الراحمين، فيقول الله له: أنا الحافظ لأولادك من بعدك))

[ ورد في الأثر ]

﴿ آتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ﴾

5 ـ المال قوّةٌ:

فإنفاق المال أحد أكبر أسباب القرب من الله، والمال قوة:

(( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ))

[ رواه مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ]

أقول لكم هذه الحقيقة، دققوا: إذا كان طريق كسب المال الحلال سالكاً وفق منهج الله فالأرجح أنه ينبغي أن تكون غنياً، لأن الغنى قوة، ولأن فرص العمل الصالح التي تتاح أمام الغني كثيرة جداً، وليست متاحة أمام الفقير.
أحيانا يكون الشاب بأعلى درجات الاستقامة لكن ما عنده بيت، وشابة مؤمنة حافظة لكتاب الله ما أحد يخطبها، أنت هيئت بيتا، فهذا الشاب تزوج هذه الفتاة، أنت أسست أسرة مؤمنة صالحة، وهذا عمل عظيم، وأنا رأي الآن أن ما مِن عمل أعظم منه أن تسهم بحل مشكلات الشباب، أن تهيئ بيتا لشاب، وبهذا البيت يتزوج شابة تحصنه ويحصنها، وتستره ويسترها، وتسعده ويسعدها، المال قوة، لك أن تنشئ مشروعا خيريا، أن تعمل تنشئ ميتما، أن تبني معهدا شرعيا، أن تبني مستوصفا، وهذا المال إذا كان طريق كسبه سالكاً وفق منهج الله بعمل مشروع، بتجارة مشروعة فهو شيء وفق منهج الله، أما إذا كان طريق الغنى على حساب دينك وقيمك ومبادئك فالفقر وسام شرف لك، هذا منهج الله.
إذا كان طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فالأرجح والأكمل أن تسلك هذا الطريق، لأنك إذا كنت غنياً فالغنى قوة، وفرص العمل الصالح المتاحة أمامك لا تعد ولا تحصى، كيف أن القوي بتوقيع يحل مشكلة، بتوقيع يقر معروفاً، ويزيل منكراً، بتوقيع يقرب مخلصاً ناصحاً، ويبعد فاجراً منافقاً، والمال يمكن أن تملأ قلب الناس محبة لك بإنفاقه.
" يا داود، ذكر عبادي بإحساني إليهم، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها وبغض من أساء إليها ".

 

6 ـ المال مسؤولية كبيرة:

أيها الإخوة، كما أن المال أعظم قربة إلى الله عز وجل، المال نفسه مسؤولية كبيرة.

بالمناسبة الممكَّن في الأرض كلمة عامة، فإذا كنت غنياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت قوياً فأنت ممكَّن في الأرض، وإذا كنت عالماً فأنت ممكَّن في الأرض، الممكَّن في الأرض له حساب خاص، إذا أحسن له أجران، وإذا أساء فعليه وِزران.
سيدنا عمر كان إذا أراد إنفاذ أمر جمع أهله وخاصته، وقال: << إني قد أمرت الناس بكذا، ونهيتهم عن كذا، والناس كالطير، إن رأوكم وقعتم وقعوا، وايم الله لا أوتين بواحد واقع فيما نهيت الناس عنه إلا ضاعفت له العقوبة لمكانه مني >>، فصارت القرابة من عمر مصيبة.
فالذي يحسن له أجران، أجر نفسه ومَن قلده، لأنه غني، الأغنياء يقلَّدون دائماً، الأغنياء يحتلون مرتبة عالية في أي مجتمع، فالناس ينظرون إليهم هكذا، فإذا قلد فقير غنياً في معصية فعليه إثمه وإثم مَن قلّده، وإذا قلّد فقير غنياً في طاعة لله فله أجره وأجرُ مَن قلّده، لذلك من أروع ما سمعت أن " العدل حسن، لكن في الأمراء أحسن، أروع شيء أمير عادل، والسخاء حسن، لكن الأغنياء أحسن، والتوبة حسن، لكن في الشباب أحسن، والصبر حسن، لكن في الفقراء أحسن، والحياء حسن، لكن في النساء أحسن ".
أيها الإخوة، الإنسان مسؤول مسؤولية كبيرة عن كسب المال، ما قولكم أن إنساناً ضحى في حياته فكان شهيداً، قدّم أثمن ما يملكه الإنسان، قال الشاعر:

والجود بالنفس أقصى غاية الجود
***

(( يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلَّا الدَّيْنَ ))

[ أخرجه أحمد و مسلم عن ابن عمرو ]

حقوق العباد مبنية على المشاححة، بينما حقوق الله مبنية على المسامحة.
عَنْ أَبِي بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:

(( لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أَفْنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ ؟ ))

[ الترمذي ]

والله زرت مرة صديقي، وكان والده حاضراً، قال لي: أنا عمري ستٌّ وتسعون سنة، وأجريت فحصا كاملا شاملا للدم فكانت النتائج كلها طبيعية، ثم عقّب فقال: والله في كل حياتي تلك ما أكلت حراماً، ولا عرفت حراماً، يقصد ما أكل حراماً مالاً، ولا عرف حراماً في النساء، من عاش تقياً عاش قوياً.

(( يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة ))

[ الترغيب والترهيب عن ابن عباس ]

اشتريت طعامك بمال حلال كسبته من طريق مشروع، هذا الطعام الذي اشتري بمال حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
والله أيها الإخوة، يمكن بدخل معقول محدود أن يكفي إذا بارك الله عز وجل فيه، ودخل غير محدود مع المعاصي والآثام لا يكفي، كلمة بركة ما أحد يضعها في حساباته، مع أنه ليس في الآلات الحاسبة مكان مكتوب فيه بركة، فيها جمع طرح ضرب تقسيم نسب جذر، لكن ما فيها بركة، أما البركة فشيء حقيقي، بدخل حلال الله عز وجل يبارك لك فيه.
وعند الله عز وجل شيء يسمى الرزق السلبي، الله عز وجل حفظ لك صحتك وصحة أولادك، فأيّ مرض يحتاج إلى ألوف مؤلفة، وهناك أمراض الإبرة ثمنها مئة ألف، الأورام الخبيثة الجرعة قيمتها مئة ألف ليرة، يحتاج كل شهر إلى جرعة، فحينما يكون الإنسان مستقيما، ودخله حلالا، واشترى به طعاما طيبا بثمن الحلال، فالله عز وجل يكافئه برزق سلبي، فيحفظ له صحته وصحة أهله وأولاده، وصحة مَن يلوذ به، ينجو من احتراق المحل التجاري، أو احتراق البيت، ينجو من أن يخضع لظالم يأخذ كل ما عنده.
أساساً:

(( وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، مَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ))

[ ابن ماجه عن ابن عمر ]

ترون أنتم كيف أن الغرب يأخذ أموالاً طائلة بشكل أو بآخر، وبأسلوب أو بآخر.
أيها الإخوة، إذاً: المال الإنسان محاسب عنه محاسبة شديدة، وقد مرّ معي أن النبي عليه الصلاة والسلام رأى على السرير تمرة قال: يا عائشة لولا أني أخشى أنها من تمر الصدقة لأكلتها، اشتهى أن يأكلها، لكنه خشي أن تكون هذه التمرة من تمر الصدقة، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ نَائِمًا فَوَجَدَ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِهِ فَأَخَذَهَا فَأَكَلَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَتَضَوَّرُ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ، وَفَزِعَ لِذَلِكَ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ فَقَالَ:

(( إِنِّي وَجَدْتُ تَمْرَةً تَحْتَ جَنْبِي فَأَكَلْتُهَا فَخَشِيتُ أَنْ تَكُونَ مِنْ تَمْرِ الصَّدَقَةِ ))

[ مسند أحمد ]

من هنا قيل:

(( وركعتان من رجل ورع أفضل من ألف ركعة من مخلط ))

[ أخرجه الشيرازي والبيهقي عن أنس ]

المخلط خلط عملاً صالحاً بعمل سيئ.
أيها الإخوة الكرام، قضية المال تحتاج إلى فهم عميق، قضية المال تحتاج أن تفهم فلسفة المال في الإسلام، المال قوام الحياة، والمال محبب للنفس، والمال حيادي سلم ترقى به أو دركات تهوي بها، والمال وراءه مسؤولية كبيرة جداً، والمال أحد أكبر القرب إلى الله عز وجل، هذه فلسفة المال في الإسلام.

 

7 ـ ليس المال للزهو والافتخار والاستعلاء على الناس:

لكن لما يتصور الإنسان أن المال من أجل متعته، الآن أضع بين أيديكم تصورا آخر، المال من أجل الرفاه، المال من أجل الزهو، المال من أجل البذخ، من أجل الاستعلاء، هذه كلها أمراض نفسية، ورد في بعض الآثار:

(( يحشر الناس أربع فرق يوم القيامة، وفريق جمع المال من حلال تجارة مشروعة، وأنفقه على الموائد الخضراء في الليالي الحمراء، فيقال: خذوه إلى النار، المجتمع المخملي حسابه سهل، وفريق جمع المال من حرام، عنده ملهى، عنده راقصات ومغنون وخمر، لكن تزوج واشترى بيتا وعاش حياة، شراء البيت حلال، وأنفقه في حلال، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، والثالث والعياذ بالله جمع المال من حرام، وأنفقه في حرام، أيضاً حسابه سهل جداً، خذوه إلى النار، بقي الأخير الفريق الرابع جمع المال من حلال، وأنفقه في حلال، قال: هذا قفوه واسألوه ))

[ ورد في الأثر ]

الأول والثاني والثالث الحساب سريع جداً، أما الرابع فقفوه واسألوه، هل تاه بماله على مَن حوله ؟
قد تقول لغيرك: أين تسكن ؟ هو ساكن بحي راق جداً، بيت ثمنه ثمانون مليونًا، فترى المسؤول يخجل، مرة قال لي أحدُهم: أنا ساكن بمنطقة برزة، جلست مع جماعة ساكنين بأرقى أحياء دمشق غربي المالكي، قال له: أنت أين ساكن ؟ قال شرقي المالكي، وأحدهم يسكن في منطقة الحجر الأسود، قال: أنا ساكن في البلاك ستون، فيصغرك بمكان سكنك، ومساحة بيتك، وبراتبك، كم تأخذ راتبا، يصغّرك، هذا الذي يستعلي بماله هذا شيطان يتكلم.
والله أيها الإخوة، بإمكانك أن تطيب قلب أيّ إنسان، وأنا أذكر أني دخلت إلى بيت أحد إخواننا الكرام غرفة الضيوف صدق أنه يجلس فيها أربعة أشخاص بصعوبة بالغة، فهو خجل، قلت له: يا بني النبي عليه الصلاة والسلام سيد الخلق وحبيب الحق كانت غرفته لا تكفي لصلاته ونوم زوجته، فإن أراد أن يصلي انزاحت جانباً، مَن هو ؟ سيد الخلق.
قائد القوات الإسلامية في الشام أمين هذه الأمة عبيدة بن الجراح رضي الله عنه دخلوا إلى بيته فوجدوه غرفة فيها جلد غزال وقدرا مغطى برغيف خبز، وسيفا معلَّقا، قالوا: ما هذا يا أمين الأمة ؟ قال: هو للدنيا، وعلى الدنيا كثير، ألا يبلغنا المقيل ؟
هناك إنسان يستعلي بالمال ويفتخر، يزهو، يصغر الآخرين، الله كبير.
جاء صهر إلى رجلٍ من أرقى الناس، ويعيش في الخليج، ودخله جيد، لكن هو عنده تجارة واسعة جداً، فقال: كم دخلك في الشهر ؟ قال له فرضاً: خمسون ألفا، قال: لا يكفي هذا المبلغ ابني يومًا، الله كبير، دارت الأيام وصودرت أملاكه، واضطر أن يتوسط بهذا الذي خطب ابنته أن يقبل العمل عنده، فلما قبِل عمل عنده محاسباً، الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
تروى قصة رمزية عن إنسانٍ جلس مع زوجته يأكلان الدجاج، فطرق الباب سائلٌ، همت الزوجة أن تعطيه قطعة من الطعام، فنهرها زوجها، ومنعها، وقال: اطرديه، بعد حين ساءت العلاقة بين الزوجين، فطلقها، ثم جاء مَن يخطبها، وجلست معه وفي وقت من الأوقات كان يأكلان الدجاج، طرق الباب، فذهبت لتفتحه، فرجعت مضطربة، قال: مَن الطارق ؟ قالت: السائل، قال: مَن هو، ارتبكت، قالت: زوجي الأول، قال: هل تعلمين من أنا ؟ أنا السائل الأول.
الله كبير، إياك أن تزهو بمالك.
والله حدثني أخ قال: أنا عندي معمل، وعندي سيارة كبيرة للسفر، وسيارة أخرى، وسيارة للمعمل، قال: ما دخلت الحلويات بيتي إلا بأكبر كمية كبيرة والفواكه بأكبر كمية، حدَّث عن حياته الناعمة، أقسم لي بالله الآن أنه ينقّب في القمامة ليأكل، قصة طويلة وواقعية، إياك أن تزهو بمالك، المؤمن إذا أغناه الله يزداد تواضعاً لله، يزداد تواضعاً للفقراء، ما أعظم سخاء الأغنياء على الفقراء، وأعظم منه عفة الفقراء عن مال الأغنياء.

 

الملخَص:

 

أيها الإخوة، لهذا الموضوع تتمة إن شاء الله كبيرة على كلٍّ أنا أخاطب الشباب، إذا كان طريق كسب المال وفق منهج الله فاكسبوا المال الحلال، وحلوا به مشكلات المسلمين، وإذا كان طريق كسب المال على حساب دينكم وقيمكم فالفقر وسام شرف لكم، هذا ملخص الملخص.

من الإعجاز العلمي: القمح:

1 ـ أنواع القمح:

أيها الإخوة، ننتقل إلى موضوع الإعجاز العلمي، الله عز وجل جعل القمح لبني البشر غذاءً كاملاً، لكن كم هي أنواع القمح ؟ هناك خمسة وأربعون ألف نوع، أحد إخواننا الكرام أستاذ في الجامعة، وذكر لي هذا الرقم.

2 ـ القمح غذاء كامل:

لكن القمح غذاء كامل، ينبت في كل بقاع الأرض، في السهول والجبال، وفي الأغوار، في الأجواء الباردة والأجواء الحارة، في المعتدلة، وفي كل لحظة من لحظات الزمن، هناك قمح على وجه الأرض ينبت، والغريب أن ساق القمح غذاء كامل للأنعام الغذاء الأول يسمى في الاقتصاد الغذاء الاستراتيجي، التبن له سعر عالمي، كما أن القمح غذاء كامل للإنسان، وساق القمح غذاء كامل للحيوان.

﴿ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ (33) ﴾

( سورة النازعات )

مرة أحب رجلٌ أن ينال من موضوع ديني، وفي محاضرة ذكرت عن البعوضة أشياء رائعة جداً، هو يبدو أنه علماني، وفهمكم كفاية، قال لي: كأن في الدين الإسلامي أن الذباب إذا وقعت في إناء أحدكم فليغمس جناحيها معاً، فإن في الأول داءً، وفي الثاني دواءً، قالها من باب الاستهزاء، قال لي: هل ينسحب هذا على البعوضة ؟ أيضاً البعوضة نغمسها ؟ قلت له: إذا أقنعك طبيب أن تأكل التفاح بقشره هل ينسحب هذا على البطيخ الأخضر ؟

 

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) ﴾

( سورة الشورى)

3 ـ مكوِّنات القمح:


أيها الإخوة، الآن دققوا هذه الحبوب الكاملة، فيها غلاف خارجي، القمحة لها غلاف خارجي يزن تسعاً في المئة من مجموع وزنها، يسمى عند الناس نخالة، فيها قشرة رقيقة تنطوي على مادة آزوتية لا تزيد على ثلاثة بالمئة من وزنها، وفيها الرشيم الكائن الحي في القمحة الذي ينبت إذا توافرت له شروط الإنبات، هذا يحيا آلاف السنين.
القمح الذي استخرج من أهرامات مصر قبل ستة آلاف سنة زرع فنبت، لأن فيه كائنا حيًّا لا يموت، الرشيم كائن حي، إن أصابت القمحة رطوبة نبت، وزنه لا يزيد على أربعة بالمئة من وزن الحبة، والأربعة وثمانون في المئة من القمح نشاء خالص، ماذا نفعل نحن ؟ ننزع عن القمحة غلافها وغشاءها، ولا يبقى من القمح إلا النشاء الخالص، أما الغلاف الذي يسميه الناس نخالة فاسمعوا ماذا فيه:

4 ـ فوائد نخالة القمح:

النخالة التي يطعمها بعض الناس للدواب، ويأكل هو النشاء فقط، فيها ستة فيتامينات، فيتامين ب1، ب2، ب6، وفيتامينات أخرى، وفي هذا الغلاف مادة فسفورية هي غذاء للدماغ والأعصاب، وفي هذا الغلاف حديد يهب الدم قوة وحيوية، ويعين على اكتساب الأكسجين من الرئتين، وفي هذا الغلاف الكالسيوم الذي يبني العظام، ويقوي الأسنان

وفي هذا الغلاف السيلكون الذي يقوي الشعر، ويزيده قوة ولمعاناً، وفي هذا الغلاف اليود الذي ينشط الغدة الدرقية، ويضفي على آكله السكينة والهدوء، فيه البوتاسيوم والصوديوم و المغنزيوم، هذا كله نطعمه للدواء، ونأكل نحن الخبز الأبيض، وهذا هو الحمق بعينه، هذه المعادن تدخل في تكون الأنسجة والعصارات الهاضمة، أما نحن فننزع عن حبة القمح قشرها، ونرميه للبهائم، ونأكل النشاء الصافي، لذلك قالوا: احذروا السموم البيضاء الثلاثة، الطحين الأبيض، والسكر الأبيض، والملح الأبيض.
أيها الإخوة الكرام، غلاف القمحة الغشاء القشرة النخالة أعلى مادة في الأرض لتيسير عملية الهضم، كل أدوية معالجة الإمساك عن طريق مواد مشتقة من النخالة، والإمساك يسبب خمسين مرضا، ودواء الإمساك الأول أن تأكل الخبز بقشره، الخبز الأسمر، فإذا سافر الرجل كثيراً ونزل في أرقى الفنادق فإنه يأكل الخبز الأسمر الأول، لأنه هو الصحة، وأقلّ شيء أنه يحميك من الإمساك الذي يسبب خمسين مرضا.
كم معدنا فيه ؟ فيه ستة فيتامينات، فسفور للدماغ والأعصاب، حديد للدم، ويعطي الحيوية، كالسيوم للعظام والأسنان، سيلكون للشعر، يود للغدة الدرقية، بوتاسيوم وصوديوم و مغنيزيوم .

5 ـ بدعةُ العصر: نخلُ وتصفيةُ القمح والشعير:

والله أنا العبد الفقير من عشرين سنة لا آكل إلا الخبز الأسمر، هو الصحة، هو المفيد

لذلك هذه القشور إذا غليت فهي دواء مهدئ للسعال والزكام، وإذا شرب هذا المغلي كان قابضاً للأمعاء، ودواء لتقرحات المعدة وللزحال، وهو غذاء للجلد، ووقاية له، أما حينما نأكل الخبز المنخول نكون قد خالفنا سنة النبي عليه الصلاة والسلام، لأن أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق، وفي الحديث الصحيح عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: سَأَلْتُ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ فَقُلْتُ:

(( هَلْ أَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ ؟ فَقَالَ سَهْلٌ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّقِيَّ مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: فَقُلْتُ: هَلْ كَانَتْ لَكُمْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنَاخِلُ ؟ قَالَ: مَا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْخُلًا مِنْ حِينَ ابْتَعَثَهُ اللَّهُ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ، قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَأْكُلُونَ الشَّعِيرَ غَيْرَ مَنْخُولٍ ؟ قَالَ: كُنَّا نَطْحَنُهُ، وَنَنْفُخُهُ فَيَطِيرُ مَا طَارَ، وَمَا بَقِيَ ثَرَّيْنَاهُ فَأَكَلْنَاهُ ))

[ البخاري ]

أيها الإخوة، أول بدعة ابتدعها المسلمون بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل الدقيق.
هذه نصيحة لوجه الله: كلوا الخبز الأسمر، كلوا الخبز الذي هو دقيق قمح مطحون من دون نزع القشرة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور