وضع داكن
25-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 033 - أحاديث شريفة تبدأ بكلمة إذا
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

من علامات حب الله للعبد :

1- جعل حوائج الناس إليه :

 أيها الأخوة الكرام, من أشهر كتب الحديث الشريف, كتاب الجامع الصغير, وهو كتاب صنف فيه مؤلفه أحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وفق الحروف الأبجدية, فإذا طالعت هذا الكتاب, وجدت متعة من نوع خاص, قد تشترك الأحاديث كلها بحرف واحد في أولها, لكن موضوعاتها متنوعة جداً. فمثلاً:
 في باب إذا: يقول عليه الصلاة والسلام:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 هناك أناس يتأففون إذا كثر الطلب عليهم, إذا وقف الناس على بابهم, إذا أكثروا من اتصالاتهم الهاتفية, إذا رجوهم في شتى شؤون حياتهم, إذا حكَّموهم في خلافاتهم, إذا وسطوهم في زواجهم, إذا استقرضوهم, إذا استنصروهم, إن مدوا لهم يد العطاء؛ يتأففون, يضجرون.
 نقول لهؤلاء: لو علمت أن الله إذا أحب عبداً, جعل حوائج الناس إليه, إذا أحب الله عبداً, جعله مفتاحاً للخير, مغلاقاً للشر.

((عبادي الخير بيدي والشر بيدي, فطوبى لمن قدرت على يده مفاتيح الخير, والويل لمن قدرت على يده مفاتيح الشر))

ما دورك في هذه الحياة؟ :

 أيها الأخوة, نقف عند الحكمة الرائعة: إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيم استعملك؟.
 ما دورك في الحياة؟ تبث في الناس الأمن والطمأنينة, توفق بينهم, تجد لهم يد العون, تصلح ما فسد من علاقاتهم, تطمئنهم, تساعدهم, ترشدهم, تأمرهم بالمعروف, أم تبتز أموالهم؟ تخيفهم؟.
 ورد في بعض الأحاديث:

((أن الإنسان بنيان الله, وملعون من هدم بنيان الله))

 بمعنى أخافه, ابتز ماله, أوقع فيه الأذى, بنى مجده على أنقاضه, بنى أمنه على إخافته, بنى حياته على موته, بنى غناه على فقره.
 فأول نقطة في هذا الدرس:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

ما مركز الثقل في هذه النقطة؟ :

 مرة أحد المحسنين -توفاه الله, ورحمه الله-, عنده بيت في أحد أحياء دمشق الراقية, البيت من عشرة ملايين وأكثر, قدمه لجمعية خيرية في المهاجرين, هذه الجمعية جعلت من هذا البيت مركز تأهيل مهني للفتيات الفقيرات, أية فتاة فقيرة تنضوي في هذا المركز, تتعلم الخياطة وفق أحدث أساليب, ثم يُشترى لها مكنة, ثم تكلف أن تصنع ثياباً, وتؤخذ منها, وتباع؛ فهذه التي كانت متسولة, جعلناها منتجة, هذه التي كانت تأخذ الزكاة, جعلناها تدفع الزكاة, وأرقى زكاة تؤدى لإنسان فقير: أن تنقله من آخذ زكاة إلى دافع زكاة.
 وأنا أذكر شاب في مقتبل الحياة, طلب عشرين ألف ليرة, ليشتري دراجة نارية مع كمين, ويبيع أكياس النايلون في الغوطة, والله عز وجل مكنني أن أعطيه هذا المبلغ, غابني بعد سنة, فجاء بزكاة ماله, قال: ادفعها لفقراء المسجد, سبحان الله! جاءني بسداد الدين, ثم بزكاة ماله.
 الإمام الشافعي من اجتهاداته أنك: إذا أعطيت فاكف.
 مرة وقفت أمام جمعية خيرية, يعني تألمت ألماً لا حدود له, مئة امرأة أو أكثر تقف في طابور طويل, ومع كل امرأة هويتها, وعليها أن تبصم من أجل مئتي ليرة على العيد.
 الإمام الشافعي يرى: أنك إذا أعطيت, ينبغي أن تغنيه عاماً بأكمله.
 هذا العطاء الذي لا يسمن ولا يغني من جوع, هذا لا معنى له, أكمل عطاء: أن تحول آخذ الزكاة إلى دافع الزكاة, هذا أكمل عطاء.

كلمة لها أثرها :

 أيها الأخوة, فهذا الذي قدم بيته لجمعية خيرية, ويزين ثمنه عن عشرة ملايين, أعضاء الجمعية أقاموا له طعام غداء تكريماً لهذا العطاء, وهذا من باب: لا تنسوا الفضل بينكم, ومن الخطباء يتحدثون عن هذا المحسن الكبير, وعن عطائه الجزيل, ويثنون عليه, إلا واحداً من الأخوة المؤمنين الفطنين, قال له كلمة جعله يبكي, قال له: تذكر فضل الله عليك, إذ جعلك تعطي, وكان من الممكن أن تكون أحد المنتفعين من جمعيتنا, نعطيك في الشهر ألف ليرة, أنت أعطيت بيت بعشرة ملايين, وكان من الممكن أن نعطيك ما تأكل به.
 ف: إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيم استعملك؟.

هذا ما أقوله لإنسان يضحك :

 أيها الأخوة, أجد إنسان يضحك ملء فمه, أقل له: اشكر الله, يقول لي: على ماذا؟ أقول له: على أنك تضحك, لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾

[سورة النجم الآية:43]

 لو في تحليل, طلع ورم خبيث تضحك؟ لا تضحك, انتهى الضحك, انتهى كلياً, إنسان يضحك متى؟ ليس عنده مشكلة صحية, زوجته موجودة, أولاده أمامه, معه ثمن طعامه, غير ملاحق, ليس عنده مشكلة, يضحك, يكون مرحاً, من الذي سمح لك أن تضحك؟ الله جل جلاله:

﴿وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى﴾

[سورة النجم الآية:43]

 ويبكي.

لا تخالف تطبيق هذا الحديث :

 ف

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 لو وقفوا على بابك, لو أدمنوا القرع, لو اتصلوا بك في الليل قبيل الوقت المعتاد, الساعة السابعة أخبروك, لو طلبوا منك أن توصلهم إلى المستشفى, وقد خلدت إلى النوم, وهذا وقت راحتك, إياك أن تتأفف.

قصص وعبر :

 سمعت عن بيت في أحد أحياء دمشق, في هذا البيت امرأة صالحة متقدمة في السن, وعندهم شجرة ليمون, تحمل في العام أكثر من ثلاثمئة حبة, إلا أن هذه الشجرة وقف لكل أهل الحي, ما من إنسان احتاج إلى حبة ليمون, يطرق الباب, أعطونا ليمونة, فهذه الست الكبيرة تقدم لهم حاجاتهم, توفيت, جاءت زوجة الابن الشابة, أول طلب طردته, لا يوجد عندنا ليمون, الشجرة يبست, حسناً ........
 أعرف رجل في خان الشيح, عنده مزرعة, وفي حوله ثماني عشرة مزرعة, فالرعاة معهم الأغنام في أيام الصيف, يودون أن يسقوا أغنامهم, فكلما دخلوا إلى مزرعة, طردوهم, وعنفوهم بالكلام, إلا هذه المزرعة بدل أن يطردهم, وأن يعنفهم, بنى لهم مسقى, فيملؤه ماء, يقف مئات الأغنام على نسق واحد, يشربون منه, فصار كل الرعيان يأتون إلى هذه المزرعة, ليسقوا أغنامهم قبل عامين أو ثلاثة, ثماني عشرة مزرعة جفت آبارها, وكادت أشجارها أن تيبس, إلا هذه المزرعة, خمسة إنش, شيء صعب يصدق.

((أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))

((أَنفق أُنفق عليك))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي في سننه]

 عندي أخ في الجامع, عنده معمل في ...... الأحوال ليست كما يجب, كساد شديد, كلكم يعرف ذلك, لولا الكساد لما أمكنك أن تكلم التاجر, لكن ربنا عز وجل يأتي بالكساد, ليتواضع التاجر.
 له قريب أستاذ في الجامعة, توفي بمرض عضال, هو على طاولة التغسيل, سأل: أعليه دين؟ قالوا: نعم, قال: كم؟ قال: مبلغ ليس كثيراً, هكذا قال, قال: دينه علي, في اليوم التالي سأل: كم الدين؟ قال: مئة وثلاثون ألف, هو متصور عشرة آلاف, عشرون, ثلاثون, مئة وثلاثون, فدفع المبلغ بالتمام والكمال, وهو يقسم لي, وقد أبكاني: أنه في اليوم التالي, عدد الاتصالات الهاتفية التي تمت بها صفقات من معمله, هو معه شريكان, نصيب ربحه الصافي في يوم واحد مئة وثلاثون ألفاً, المبلغ الذي دفعه بالتمام والكمال.

((أنفق بلالاًً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))

 ف: إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيم استعملك؟.

خذ هذا الشعار لك في حياتك :

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 فأحدنا لا يتأفف من مسكين وقف على محله التجاري, ولا من قريب اتصل به هاتفياً, ولا من إنسان طلب منه قرض, ولا من إنسان طلب منه شهادة, ولا من إنسان طلب منه وساطة, ولا من إنسان طلب منه إصلاح ذات البين.
إذا أردت أن تعرف مقامك, فانظر فيم استعملك؟.
 و:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 هذه واحدة؛ فإذا اشتد عليك الطلب فأنت محبوب, أما إذا كنت لئيماً ينفض الناس من حولك, لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفه الله فقال:

﴿فَبِمَا﴾

 –والباء للسببية-:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

 -بسبب الرحمة التي استقرت في قلبك يا محمد, بسبب الرحمة التي استقرت في قلبك عن طريق اتصالك بالله, لنت لهم, كان قلبك رحيماً-:

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾

 -أتحب أن ينفض الناس من حولك؟ أتحب ألا يطرقوا بابك أبداً؟ ألا يتصلوا بك؟ ألا يقفوا على مجلك التجاري؟ كن معهم فظاً غليظ القلب-:

﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية:159]

 هذا الحديث إذاً: اجعله شعاراً لك:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

2-تعجيل عقوبته :

 في أحد الصحابة ضاقت زوجته به ذرعاً, فأرادت أن تشكوه إلى النبي عليه الصلاة والسلام, ما يصيبه شيء أبداً, هذا سمي عند بعض الناس: العفريت النفريت.
 فذهبت لتشكوه إلى النبي, في الطريق وقع فتعثر, ارجع, انتهت المشكلة, معناها: الله ابتلاك. ف:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 و:

((إذا أحب الله عبداً, عجل له بالعقوبة))

 في متابعة من الله.

هكذا يؤدب الله به عباده الذين دخلوا ضمن عنايته :

 جاءه زبون, أحد أخواننا عنده معمل ألبسة داخلية, جاءه زبون من المسجد, قال له: أريد ست قطع, هذا يبيع ثلاثمئة تزينة, هذا الطلب في إهانة له, قال له: أنا لا أبيع فرط, قال له: لا تؤاخذني, طلع, يقسم بالله خلال ثلاثين يوم, لم يدخل ولا إنسان لمعمله, ثلاثين يوم, قال لي: نشف دمي, يا رب أبيع قطعة واحدة الآن, قطعة أبيع ليس ست قطع.

((إذا أحب الله عبداً, عجل له بالعقوبة))

 فأنت من أجل أن تعرف, ما إذا كنت في العناية المشددة, أما إذا كنت خارج العناية المشددة, تعرف هذا من متابعة الله لك, فإذا تابعك, وأدبك دائماً, فهذا من عظيم عناية الله بك.
 سئل النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((يا رسول الله, ما هذا الأدب؟ قال: أدبني ربي فأحسن تأديبي))

 الله يؤدب تأديب محكم, أحياناً يحجبك, أحياناً يعمل ربنا عز وجل عقوبة من نوع الذنب, عليه أحد عشر ألف وثلاثمئة وخمسون زكاة, أقنعته زوجته: نريد أن ندهن البيت الآن, تار عليك دينك, ندهن البيت فيهم, دهن البيت, ضربت سيارته, كلفته أحد عشر ألف وثلاثمئة وخمسين, الله علمه, هذا حق الله, يجب أن يؤدى بادىء ذي بدء.

دليل أقوى من دليل :

 فأول حديث:

((إذا أحب الله عبداً, جعل حوائج الناس إليه))

 فإياك أن تغضب إذا اشتد عليك الغضب, إياك أن تغضب إذا تدافع الناس على بابك, إياك أن تغضب إذا تدافع الفقراء أمام محلك, لأن الله يحبك, ساق هؤلاء إليك, أتريدون دليلاً أقوى من هذا الدليل؟.
 ورد في الحديث القدسي:

((أن يا داود مرضت فلم تعدن, قال: فكيف أعودك وأنت رب العالمين؟ قال: مرض عبدي فلان فلم تعده, أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده؟ استطعمتك فلم تطعمن, قال: كيف أطعمك وأنت رب العالمين؟ قال: استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه, أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي, إلى آخر الحديث ........))

 لذلك: قال تعالى:

﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً﴾

[سورة البقرة الآية: 245]

 أي عمل صالح يؤدى إلى أي مخلوق, هو من باب القرض الحسن لله عز وجل.

انظر إلى أهمية هذا الحديث :

((بينما رجل اشتد به العطش, فنزل بئراً, فشرب منها فارتقى, فإذا كلب يأكل الثرى من العطش, فقال في نفسه: لقد بلغ هذا الكلب, بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي بلغ بي, ثم نزل البئر, فملأ خفه وأمسكه بفيه, وصعد المنبر, فسقى الكلب, فشكر الله له, فغفر له, قالوا: يا رسول الله, وهل لنا في البهائم من أجر؟ فقال: عليه في كل كبد رطبة أجر))

 فأي عمل صالح تقدمه إلى أي إنسان, أو إلى أي حيوان, أو إلى أية حشرة.
 نملة على المغسلة, تتوضأ, تغرق, وقفت إلى أن خرجت, هذا عمل صالح, هو إقراض لله عز وجل, وسيضاعفه الله لك أضعافاً كثيرة:

﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾

[سورة البقرة الآية:245]

كلمة :

 أنا أقول كلمة: لعلك تجبر إن تابعك الله عز وجل, ولعل أعداء الله عز وجل يعصونه جهاراً, ويأكلون, ويشربون, ويتمتعون, وكأنهم لا يعنيهم شيء, هؤلاء خارج العناية الإلهية المباشرة.
 أنت لاحظت طبيب قال لمريض معه سرطان خبيث بالدرجة الخامسة: كل ما شئت, لا يوجد مشكلة, لماذا أطلق له العنان في الطعام والشراب؟ لأنه ميئوس من شفائه, أما إذا معه التهاب معدة حاد, يعطيه تحذيرات إلى أقصى درجة؛ فالتشديد إذا كان في أمل بالشفاء, والتسييب إذا ما في أمل, فإذا كان الله عز وجل شدد عليك, لأنه ورد في الحديث:

((عبدي خلقت لك السموات والأرض ولم أعي بخلقهن, أفيعييني رغيف خبز أسوقه لك كل حين؟ لي عليك فريضة ولك علي رزق, فإذا خالفتني في فريضتي, لم أخالفك في رزقك, وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك –دقق الآن- وعزتي وجلالي إن لم ترض بما قسمته لك, فلأسلطن عليك الدنيا, تركض فيها ركض الوحش في البرية, ثم لا ينالك منها إلا ما قسمته لك ولا أبالي, وكنت عندي مذموماً, أنت تريد وأنا أريد, فإذا سلمتني فيما أريد, كفيتك ما تريد, وإن لم تسلملي فيما أريد, أتعبتك فيما تريد, ثم لا يكون إلا ما أريد))

نصيحة :

 أنا أنصح أخوتي الكرام: إذا الله عز وجل ساق للإنسان مشكلة, أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة, ولا تتعظ بها.
 من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة, فمصيبته في نفسه أكبر.
 صار الإنسان هو المصيبة, أما إذا جاءت مصيبة, وانتفعت بها, تركت بعض المعاصي والآثام, اتجهت إلى الله عز وجل, أقلعت عن الذنوب, فهذه أصبحت نعمة باطنة, لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾

[سورة لقمان الآية:20]

 المصائب التي يسوقها الله لعباده –نعم- باطنة, فيها اللطف, وفيها الخير نعم, لذلك:

((ما من عثرة, ولا اختلاج عود, ولا اختلاج عرق, ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم, وما يعفو الله أكثر))

 قال تعالى:

﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾

[سورة الشورى الآية:30]

﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾

[سورة هود الآية:117]

 المصائب على الإطلاق, لها أسباب من صنع البشر:

﴿فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ﴾

[سورة النساء الآية:160]

﴿وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:57]

حديث له مبتغاه :

((يا عبادي, إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته محرماً بينكم فلا تظالموا, يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم, يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم, يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وقفوا على صعيد واحد, لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد في ملكي شيئا, ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص في ملكي شيئا, ولو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم وقفوا على صعيد واحد, وسألني كل واحد منكم مسألته, ما نقص ذلك في ملكي, إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في مياه البحر, ذلك لأن عطائي كلام, وأخذي كلام -الآن دققوا- فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه))

هذا هو قانون التيسير والتعسير :

 لا تقل: ليس لي حظ, لا تقل: قلب لي الدهر ظهر المجن, لا تقل: حظي قليل, لا تقل: أضربها يمين, تأتي يسار, هذا كله كلام ليس له معنى, قل:

﴿فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى﴾

[سورة الليل الآية:5]

﴿وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية:6]

﴿ فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية:7]

﴿وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى﴾

[سورة الليل الآية:8]

﴿وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى﴾

[سورة الليل الآية:9]

﴿فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى﴾

[سورة الليل الآية:10]

 هذا قانون التيسير والتعسير؛ تؤمن بالله, تستقم على أمره, تحسن إلى خلقه, تيسُّر أعمالك, تتفلت من منهج الله, تسيء إلى خلقه, تعسر أعمالك, التيسير مريح جداً, والتعسير صعب جداً.

 

محور الدرس اليوم :

 أيها الأخوة, موضوع درسنا اليوم حديثان:

((إذا أحب الله عبده, جعل حوائج الناس إليه))

 و:

((إذا أحب الله عبداً, عجل له بالعقوبة))

 فأنت حينما تستشعر أن الله يتابعك, ويؤدبك, وبكل ذنب يسوق لك علاجاً له, فأنت مطموع في هدايتك, وأنت مرغوب عند الله عز وجل, أما إذا رأيت الله يتابع نعمه عليك وأنت تعصيه فاحذره, لأنه قد تأتي ضربة واحدة قاصمة, المؤمنون تأتيهم المعالجات اللطيفة, أما الكفار يُمد لهم مداً, ثم يأتيهم القصم:

﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾

[سورة البقرة الآية:155]

﴿الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:156]

﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾

[سورة البقرة الآية:157]

 والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور