وضع داكن
18-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 031 - خواطر إيمانية حول آيات سورة الفرقان.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هل يوجد إنسان في الحياة من دون عمل؟ :

 أيها الأخوة الكرام, في ذهني حديث شريف, هيأته لكم محوراً لهذا الدرس, ولكن الآيات الكريمة التي قرئت في صلاة المغرب, تأثرت بها تأثراً كبيراً, أرجو الله سبحانه وتعالى أن ينفعنا بها.
 ربنا عز وجل في سورة الفرقان يقول:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 كل إنسان له عمل؛ في عمل تجاري, عمل صناعي, عمل زراعي, عمل دعوي, في عمل نفعي, عمل أساسه المتعة, لا يوجد إنسان مخلوق إلا ويتحرك, الحركة من لوازم الحياة, ولأنك تتحرك لك عمل, أنت مخلوق متحرك؛ لأنه في شهوات, وفي دوافع, وفي حاجات, فالشهوات, والدوافع, والحاجات تدفعك إلى الحركة, والحركة عمل, وكل إنسان حجمه عند الله بحجم عمله.
 فلان بالتجارة؛ تاجر صدوق أمين هذا عمل, تاجر خائن كذاب هذا عمل, متقن نصوح هذا عمل, صانع يغش ويكذب هذا عمل, إنسان يدعو إلى الله بإخلاص هذا عمل, إنسان يتخذ الدين حرفة هذا عمل, إنسان يبني زواجه على ظلم الزوجة هذا عمل, إنسان يبني زواجه على الإنصاف مع الزوجة هذا عمل, إنسان ينجب أولاد ولا يربيهم هذا عمل, إنسان ينجب أولاد ويربيهم هذا عمل, لأنك إنسان تتحرك لك عمل.
 الآن: الأعمال كبيرة وصغيرة, سامية وقذرة, يعني في ألف عمل مبني على الاحتيال, ألف عمل مبني على أنقاض الآخرين؛ يمكن أن تبني ثروتك على أنقاض الآخرين, يمكن أن تبني ثروتك على إفقار الآخرين, يمكن أن تبني مجدك على إذلال الآخرين, يمكن أن تبني أمنك على إخافة الآخرين, يمكن أن تتاجر, وأن تربح, وأن تسعد, وأن ترقى عند الله, ويمكن أن تتاجر بمواد محرمة, تفسد فيها أخلاق المسلمين, يمكن أن تتاجر بأشياء حرمها الله عز وجل, ويمكن أن تتاجر بأشياء أحلها الله, ولكن بطريقة حرمها الله.
 يعني: أنت كائن متحرك, والحركة من لوازمها العمل, والعمل قد يكون كبير, وقد يكون صغير, قد تدير أكبر شركة في العالم, وقد تبيع حاجات على بسطة, هذا عمل صغير, وهذا عمل كبير, وقد يكون لك عمل يفوق حد الخيال.

ماذا تستنبط من هذه النقطة؟ :

 ماذا فعل النبي عليه الصلاة والسلام؟ جاء إلى الدنيا, وعاش ثلاثة وستين عاماً, ثم خرج منها, ماذا فعل؟.
 ترك هداية عمت الأرض, وكل المؤمنين إلى يوم القيامة في صحيفته.
 الله جل جلاله أقسم بعمره. قال له:

﴿لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾

[سورة الحجر الآية:72]

 لم يخاطبه باسمه, قال له: يا أيها النبي, ويا أيها الرسول, قال: يا عيسى بن مريم, قال: يا يحيى فقط, لم يقل يا محمد, قال: محمد خبراً لا مخاطبة.
 والنبي فعل عمل, وسيدنا الصديق فعل عمل, ومحمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية, وخمسة وثمانون مليون مسلم بصحيفته هذا عمل, وسيدنا أبو حنيفة له عمل عظيم, أسس الفقه, سيدنا الشافعي, ومالك, وأحمد بن حنبل, وسيدنا صلاح الدين: رد أوروبا بأكملها هذا عمل, وسيدنا عمر كان من أعدل الحكام المسلمين, جاع, اشتهى اللحم, خاطب بطنه قال له: قرقر أيها البطن أو لا تقرقر, فو الله لن تذوق اللحم حتى يشبع منه صبية المسلمين.

كلمة :

 أريد أن أقول لكم أيها الأخوة: ما منا واحد إلا وله عمل في بيته, علاقته بزوجته, بأولاده, بأمه, بأبيه, بجيرانه, بأخواته, بأخوته, بأعمامه, بأخواله, بقرابته, بزبائنه, بمن هم فوقه, بمن هم دونه, في علاقة, العلاقة عمل, الأعمال العظيمة بنظر الناس ......
 الذي وصل إلى القمر, أربعة وعشرون ألف مليون دولار كلفونه, علم الأرض مسخر لهذه المركبة, ماذا فعل؟ الذين أطلقوها اكتسبوا مجداً, ولكن الشعوب تئن من الجوع.

هل هذه الأعمال المادية التي تقوم في الدنيا لها قيمة عند الله؟:

 فيا أيها الأخوة, الآية الكريمة:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا﴾

 -الكفار-:

﴿مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 يعني: تصور في تحت المنش طريق, تحت بحر المنش, طوله ستة وخمسون كيلو متر, تمر به السيارات, والشاحنات, والقاطرات, و ........ تحت البحر, هذا عمل عظيم.
 تصور في بحر الشمال في بئر نفط في البحر, منصة في البحر, حسناً: كيف حفروا قاع البحر؟ وكيف ربطوا الأنابيب؟ وكيف صبوا الإسمنت وسط الماء؟ وكيف استخرجوا النفط ؟ هذا عمل.
 في أعمال عظيمة, في أبنية شاهقة, الأهرامات قليلة؟ الأهرامات كلها حجر, قدر نصف الجامع, جيء به من أسوان, حسناً: كيف نقلوه؟ في هندسة راقية جداً, هذا الهرم قبر لفرعون, تدخله الشمس في السنة يوماً واحداً.
 تستطيع أن تساوي أنت نافذة, زاوية معينة, بحيث أن الشمس لا تدخل لهذا الأهرام إلا يوم في العام؟ هذا فوق طاقة البشر, هذا عمل.
 اسمع القرآن الكريم ماذا يقول؟:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 جسر في استانبول فوق البوسفور, تمشي تحته أكبر باخرة في العالم, ارتفاعه خمسة وستون متر عن سطح البحر, طوله ألف متر, وأربعة وستون, وارتفاع أعمدته التي على اليابسة مئة وخمسة وستون متر, مُعلق بحبال أربعة مسارات بأربعة مسارات, مسارين بالنص, هذا عمل عظيم, ربط قارتين بأكملهما. الله عز وجل قال:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 ممكن تتصل بالأقمار الصناعية بهاتف فضائي, ممكن أن ترى الشخص بالهاتف, هاتف تلفاز, ممكن أن تنقل الأخبار عبر الفاكس, هذا ليس عمل؟ في إنجازات علمية هائلة, أما الإنسان شقي, الإنسان مسحوق, الإنسان في ظلم شديد. قال تعالى:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 في أبنية بأمريكا, مئة وأربعة وعشرون طابق الآن, يعني رقم أولندي, هذه الأعمال المادية التي هي للدنيا لا قيمة لها, أما الأعمال العظيمة هي التي تبقى بعد الموت, تبقى بعد الموت.

شخص وافته المنية ولم يتمتع من عمله الذي حققه :

 إنسان اشترى بلاطة بشارع برلين, بلاطة, ليس بيتاً واحداً, بيتين, مكسيين, كسر البلاطة, قلع السيراميك, قلع النوافذ, أرجع البيتين على العظم, وكساهم كسوة بأعلى مستوى, يعني تفوق حد الخيال؛ يعني الرخام الأونيكس, البلاط, الرخام الإيطالي المستورد, النوافذ, الأقواس, البللور المزدوج, الحمامات, بقي يكسو هذين البيتين سنتين بأكملهما, فلما انتهى من كسوتهما, وافته المنية بعد أسبوع واحد:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 العمل الذي ينتهي عند الموت لا قيمة له إطلاقاً.

لا تكن بليد المشاعر, هذه هي الحقيقة :

 ما مرة حضرت تعزية, بيت فخم جداً, ثمنه ستون مليون, ثمانون كيلو متر؟.
 قال: في مئة وعشرين .........
 قال لي شخص البارحة: في مئتين وأربعين مليون بيت في الشام, حسناً: صاحبه إذا مات, أين يجلس؟ في باب صغير, كم متر؟ هذا عمل, اشترى البيت, أسسه, زينه.
 في شخص قال لي: يوجد عنده خمسة طون جبصين في بيته, طابقين, بالمالكي, مات بخمس دقائق, من أكبر التجار, ترك ألفي مليون, هذا عمل.

من هم المفلحون, ومن هم الخاسرون؟ :

 أخواننا الكرام, آية خطيرة جداً:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 لا قيمة له, أما أصحاب الجنة. قال:

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:24]

 هؤلاء الأذكياء, هؤلاء المتفوقون, هؤلاء المفلحون, هؤلاء الناجحون, هؤلاء العقلاء, هؤلاء الذين عرفوا الله, هؤلاء الذين عرفوا سر وجودهم, عرفوا غاية وجودهم, عرفوا ربهم, أطاعوا ربهم, أنفقوا مالهم:

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:24]

 فكل إنسان -أيها الأخوة- يعمل للدنيا خاسر, لأن الله سبحانه وتعالى يقول:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر الآية:1]

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر الآية:2]

 خاسر, أية خسارة تلك؟ الزمن يمضي؛ سبت, أحد, اثنين, ثلاثاء, أربعاء, خميس, يقول: انتهى درس السبت أين؟ للسبت القادم, يغمض يفتح يوم السبت, عندك درس بالأحمدية, تنزل أول جمعة, الثانية, الثالثة, انتهى الشهر, أول شهر, ثاني, ثالث, انتهى العام.
 كلكم عاصرتم سنة سبع وستين, ثمان وستين, تسع وستين, سبعين, سبعين صار, واحد وسبعين, للأخير ....... ثمان وسبعين, تسع وسبعين, ثمانين, الآن تسعين, ست وتسعين, سبع وتسعين بعد شهر, بعد ذلك ألفين, بعد ذلك رحمة الله عليك, كلنا على هذا الطريق:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

﴿هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

 ما الذي ينفعنا؟ أن تؤمن بالله, وهذه جلسة إيمان, وأن تعمل صالحاً استقامة, وتضحية, وأن تتواصى بالحق, وأن تتواصى بالصبر, هذا الذي لا يخسر, وما سوى ذلك كلنا في خسارة.

من أمثلة الخسارة بالمفهوم القرآني وليس بالمفهوم المادي :

 أيها الأخوة, افتح الدرج, والله جيد, الغلة جيدة اليوم, باع بثلاثة ملايين؛ لكن علمك بالله ما ازداد, وصلاتك ما ازدادت, وما دعيت لله, وما نصحت إنسان, وما خسرت خسارة, ثلاثة ملايين خسارة, الله صادق لأنه. الله قال:

﴿وَالْعَصْرِ﴾

[سورة العصر الآية:1]

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ﴾

[سورة العصر الآية:2]

 بثلاثة ملايين خاسر.
 حسناً: أنا في عندي أرض تنظمت, صار ثمنها اثنا عشر مليون, أخذتها بثمانية آلاف مثلاً, خاسر.
 أنا وكيل شركة حصري, والبيع حتمي, مادة غذائية أساسية, خاسر.
 حسناً: أنا في عندي ثمانية أولاد, ثلاثة أطباء, وخمسة مهندسين, نعم, لكن لم يعرفوا الله, خاسر.
 أنا في عندي زوجة من أندر الزوجات, يقول لك: لا يوجد أفضل منها, ولا يتواجد مثلها بمليون امرأة واحدة فقط؛ إما أن تتركها, وإما أن تتركك خاسر:

﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

[سورة العصر الآية:3]

 وقفت عند هذه الآية في صلاة المغرب:

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:23]

﴿أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً﴾

[سورة الفرقان الآية:24]

ماذا نستنتج من هذا المثل؟ :

 البارحة ضربت مثل في درس الجمعة: أن شريكين يعملان في تجارة, أحد الشريكين اقترح أن يتاجر بمواد ممنوعة, فالثاني رفض, فلما رفض فسخت الشراكة, فالأول بقي على المواد الأساسية, النظامية, الشرعية, المسموح بها, والثاني غامر بمواد ممنوعة ومحرمة أيضاً, الثاني اكتشف أمره, وألقي عليه القبض, وأودع في السجن, وسيواجه محكمة, وقد يسجن عشرين عام, الأول ذهب وزاره بعدرا.
 ما هو شعور الأول الذي رفض؟ شعور الثاني الذي تورط؟ الأول ازداد ألمه برؤية شريكه الذي نجا, أليس كذلك؟.
 الله عز وجل قال:

﴿يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ﴾

[سورة التغابن الآية:9]

 ما هو الغبن؟ أن تشعر بالخسارة الكبيرة, فلما الإنسان يؤسس عمل عظيم في نظر الناس, أما عند الله ليس بعظيم, ويأتيه الموت, هذا يقع في خسارة كبيرة, أما أصحاب الجنة الذين عرفوا الله في الدنيا, وطبقوا منهجه في الدنيا, وتقربوا إليه في الدنيا, هؤلاء:

﴿خَيْرٌ مُسْتَقَرّاً وَأَحْسَنُ مَقِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:24]

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:27]

حسرة :

 في أشخاص لا يتفاعلون مع الدين إطلاقاً؛ لا يصلون, ولا يصومون, ولا يدخلون المساجد إطلاقاً, ولا يصغون إلى القرآن في التعازي إطلاقاً. قال:

﴿يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:27]

﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:28]

﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

[سورة الفرقان الآية:29]

 هذه حالة الندم التي تصيب الإنسان يوم القيامة, حالة صعبة جداً, لأن أي خسارة في الدنيا تعوض.
 تجار كثيرون فلسوا, ثم وقفوا بعد أن فلسوا, وقفوا على أقدامهم وربحوا, وعادوا أغنياء مرة ثانية, إلا أن الغلط يوم القيامة لا يصحح, الغلط لا يصحح, فلذلك: الإنسان قبل أن يعض على يديه, ويقول:

﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:28]

 تاجر من حلب, من كبار التجار, مدمن خمر, فذهب ليحج, وتاب إلى الله, عاد, جالس بجلسة مع أصدقائه القدامى, وأداروا المشروب, هو طبعاً امتنع امتناع, قال له شخص: الحجة كم كلفتك؟ قال له: خمسون ألف, قال له: هذه خمسون ألف, اشرب, دفع له قيمتها وشرب:

﴿لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:28]

 مطعم بدمشق يبيع خمر, أيضاً حج, وتاب صاحبه, عاد, وجد الزبائن خفوا كثيراً, له صديق استشاره, قال له: أرجع البيرا, أرجع الخمر, بعد اثني عشر يوماً وافته المنية, وهو يبيع الخمر.
 فيا أيها الأخوة:

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:27]

﴿يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلاً﴾

[سورة الفرقان الآية:28]

لا تغفل بما أوصاك به نبيك وقرآنك :

 أخواننا الكرام, لا تنس حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((لا تُصَاحِبْ إِلا مُؤْمِناً، ولا يأكُلْ طَعَامَكَ إِلا تَقِيّ))

[أخرجه أبو داود والترمذي في سننهما]

 لا تصاحب إنسان غافل, إن الله عز وجل يقول:

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

﴿وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً﴾

[سورة الكهف الآية:28]

قضية بحث :

 وقال:

﴿وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ﴾

[سورة لقمان الآية:15]

 يجب أن تبحث عن الأصدقاء بعناية فائقة, يجب أن تبحث عن صديق ينهض بك إلى الله حاله, ويدلك على الله مقاله, إذا تكلم دلك على الله, وإن أحببته نهض بك إلى الله, هذا الصديق الذي ينبغي أن تصاحبه, لذلك قال تعالى:

﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾

[سورة الحجرات الآية:10]

 وقال تعالى:

﴿وَالْمُؤْمِنُونَ﴾

[سورة التوبة الآية:71]

﴿بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾

[سورة التوبة الآية:71]

 يتعاونون, يتناصحون, يتبادلون, يتجالسون, يتزاورون.
 ورد في الحديث القدسي أن:

((وجبت محبتي للمتحابين في, والمتجالسين في, والمتباذلين في, والمتحابون في, حلالي على منابر من نور, يغبطهم عليها النبيون يوم القيامة))

لا تبث همك إلا لمؤمن :

 قال تعالى:

﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

[سورة الفرقان الآية:29]

 بالمناسبة: يعني قال:

((من اشتكى إلى مؤمن فكأنما اشتكى إلى الله, ومن اشتكى إلى كافر فكأنما اشتكى على الله))

 لا تحاول أبداً تبث همومك لكافر, لو كان قريب, لا تحاول تبث همومك لإنسان شارد عن الله, أولاً: يشمت بك, وثانياً: يدلك على طريق المعصية, يدلك على الدنيا لا على الآخرة, أما المؤمن يشكو همه أحياناً لمن؟ للمؤمن؛ إن اشتكى إلى مؤمن, فكأنما اشتكى إلى الله, أما إذا اشتكى إلى كافر, فكأنما اشتكى على الله.

هذا حال المؤمن بين الاستشارة والاستخارة :

 وفي حديث صحيح: يقول عليه الصلاة والسلام:

((ما ندم من استشار, ولا خاب من استخار))

 الاستشارة لمن؟ للمؤمنين, والاستخارة لمن؟ لله رب العالمين. قال:

﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ﴾

[سورة الفرقان الآية:29]

لا تبن علاقتك على أساس دنيوي وإنما على أساس إيماني :

 في آية أخرى:

﴿الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة الزخرف الآية:67]

 لا تبن علاقاتك على أساس دنيوي, ولا على أساس مصلحي, ابن علاقاتك على أساس إيمان, ليكن أحبابك, وأصدقاءك من المؤمنين؛ لأنهم إن نسيت ذكروك, وإن ذكرت أعانوك, وإن غفلت نبهوك, وإن خرجت عن منهج الله أعادوك, وإن ضاقت بك الدنيا صبروك, وإن أقبلت على الله شجعوك, لذلك:

((الجماعة رحمة والفرقة عذاب))

هؤلاء هم الخلطاء :

 قال تعالى:

﴿لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً﴾

[سورة الفرقان الآية:29]

 معنى: هذا الخليل شيطان.
 الآية الكريمة:

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[سورة ص الآية:23]

﴿وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنْ الْخُلَطَاء لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ﴾

[سورة ص الآية:23]

 فإذا الإنسان خليله ليس مؤمناً, سيبغي عليه بإخبار الله له, لا تفرح بصداقة عابرة, كل صداقة لها شهر عسل, بعد حين: ستتكشف العلاقات عن أنياب مفترسة.

لا تكن مثل هؤلاء الذين اتخذوا القرآن مهجوراً فوصفهم الله بما وصفهم :

 قال تعالى:

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:30]

 مطبوع, ومجلد أحلى تجليد, وقد وضعناه في غرف النوم, في بيت حرير مزركش, وفي محلات تجارية؛ إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً, وبسم الله الرحمن الرحيم, وآيات جميلة في المساجد, وفي المحلات, وفي البيوت, وآية الكرسي بلوحة بأكملها, طبعاً مزركشة, مزينة, مذهبة, وأحياناً القرآن كله في لوحة, ومع ذلك:

﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية:30]

 هذا إذا ما طبق مهجور, لا ينفعنا, لأن بني إسرائيل وصفهم الله عز وجل وصفاً شنيعاً. قال:

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾

[سورة الجمعة الآية:5]

 إذا الإنسان سمع قرآن, وقرأ قرآن, وعلق قرآن في الحائط, وضع قرآن في جيبه, وضعه في تابلو السيارة, واعتنى فيه, وزينه, ولم يطبقه, هذا اتخذ القرآن مهجورا, هذا عند الله كبني إسرائيل:

﴿حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً﴾

[سورة الجمعة الآية:5]

ما دمت مؤمناً فلك خصوم :

 قال تعالى:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[سورة الفرقان الآية:31]

 يعني: اطمئن, ما دمت مؤمناً فلك خصوم, هكذا طبيعة الحياة.

((الناس رجلان؛ بر تقي كريم على الله عز وجل, وفاجر شقي هين على الله عز وجل))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 فلا بد من أن تكون واعياً, وأن تكون صاحياً.

نهاية المطاف :

 يا أيها الأخوة, يعني في مجلس علم, وأنتم في بيت من بيوت الله, دائماً تذكر هذا الحديث:

((إن بيوتي في الأرض المساجد, وإن زوارها هم عمارها, فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني, وحق على المزور أن يكرم الزائر))

 أحياناً: يكرمك بسكينة:

﴿فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الفتح الآية:26]

 إنزال السكينة على قلب المؤمن شيء لا يصدق؛ شعور بالراحة, شعور بالأمن, شعور بالرضا, شعور بالأمل, هذه السكينة أحد الضيافات التي تقدم لك في المسجد, تخرج مرتاح, تصلي في المسجد, تسمع درس علم, تخرج مرتاح, لأنك تطلب العلم, ولأنك تتأدب مع الله عز وجل. إذاً:

﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً﴾

[سورة الفرقان الآية:31]

 أيها الأخوة:

((من أصبح وأكبر همه الدنيا, جعل الله فقره بين عينيه, وشتت عليه شمله, ولم يؤته من الدنيا إلا ما قدر له, ومن أصبح وأكبر همه الآخرة, جعل الله غناه في قلبه , وجمع عليه شمله, وأتته الدنيا وهي راغمة))

 والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور