وضع داكن
23-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 028 - الإسراف
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

علام تشير هاتان الآيتان؟ وما الفرق بين الإسراف والتبذير؟ :

 أيها الأخوة الكرام, موضوع دقيق جداً, وردت فيه آية قرآنية وأحاديث شريفة؛ أما الآية: فهي قوله تعالى:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾

[سورة الأعراف الآية:31]

 الآية الثانية:

﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية:27]

 فالذي هو أخ للشيطان, والشيطان كافر فهو كافر, الفرق بين الإسراف والتبذير: أن الإسراف في المباحات, بينما التبذير في المعاصي والموبقات, أما النبي -عليه الصلاة والسلام- فله أحاديث كثيرة في الصحاح, متعلقة بالإسراف.

وقفة متأنية :

 أيها الأخوة, لا بد من وقفة متأنية, سأضرب لكم مثلاً دقيقاً:
 لو أن أباً جاء لأولاده بكيس كبير من البرتقال, فيه كيلو, ووضعه في إحدى الغرف؛ هذا أكل خمسة, أكل سبعة, ستة, هذا لم يأكل, العدد الكبير ضيع التصرف الصحيح, أما لو أن أباً عنده خمسة أولاد, وجاء مثلاً بعشر برتقالات, فالذي أكل ثلاث برتقالات, حرم أخاه من برتقالة, والذي أكل أربعة, حرم أخاه من كل شيء, فالعدد المدروس, ممكن يكشف نوايا وسلوك الإنسان, فنحن في دار ابتلاء, لحكمة بالغة أنه:
 ما أتخم بطن غني إلا بجوع فقير, ولا أترفت أمة إلا على حساب أمة.
 لأننا نحن في دار ابتلاء, وما دمنا في دار ابتلاء, فلا بد من أن تظهر نتائج أعمالنا, لأن ربنا عز وجل قال:

 

﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا﴾

 

[سورة الروم الآية:41]

 فالفساد إن لم تكن نتائج في الدنيا, لا نتقي الفساد, النتائج التي ترافق الفساد في الدنيا, هذه النتائج: تجعلنا نبتعد عن الفساد, فلذلك: الإسراف معصية كبيرة, إنك إن أسرفت, معنى ذلك: أنك تحرم إنساناً من حاجاته الأساسية, الإسراف يكشف سوء طوية الإنسان, لذلك: قال الله عز وجل في كتابه العزيز:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾

[سورة الأعراف الآية:31]

 لا تسرفوا: متعلقة لا بالطعام والشراب, بل هي متعلقة بكل شيء.

هذا اقتصاد المسلم :

 عن عبد الله, أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال:

((السمت الحسن, والتؤدة, والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة))

[أخرجه الترمذي في سننه]

((السمت الحسن -الهدوء- والتؤدة, والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 يعني: من أروع ما في حياة المسلم الاقتصاد؛ يأكل أكل معتدل, يلبس لبس معتدل, يستهلك المواد استهلاك معتدل, إنه إن استهلك الأمور استهلاكاً معتدلاً, أتاح لغيره أن يأكل, أتاح لغيره أن يشرب.

ماذا تستنتج من هذا المثل؟ :

 أيها الأخوة, مثل أضعه بين أيديكم: إذا كان عرس إنسان كلف ستين مليون, وإذا كان ممكن يزوج شاب بخمسمئة ألف بكل بساطة, فمعنى ذلك: أن هذا العرس كان من الممكن أن يزوج مئة وعشرين شاب, ومئة وعشرين شابة, يعني أسسنا مئة وعشرين أسرة إسلامية بعرس واحد:

﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا﴾

[سورة الأعراف الآية:31]

 إذاً: موضوع الإسراف مباح, إذا كان محرم تبذير.

ما مضمون هذه الدراسة؟ :

 المدخن, قالوا: إذا كان فقيراً فهو سفيه, وإن كان غنياً فهو مبذر.
 إذا فقير -عند الفقهاء سفيه-, وإذا كان غني مبذر.
 البارحة وقعت تحت يدي دراسة موضوعية حول الدخان, الدراسة غريبة, الدراسة لم تتناول المدخنين, مع أن ثمانين بالمئة من مرض القلب من المدخنين, ثمانين بالمئة من مرض القلب من المدخنين, الدراسة تتناول غير المدخنين, أول حقيقة في هذه الدراسة: أن غير المدخن يتأثر بدخان المدخن, أكثر مما يتأثر منه المدخن نفسه, لأن حساسيته أدق من حساسية المدخن.
 ثانياً: أية امرأة غير مدخنة, إذا عاشت مع زوج مدخن, والدخان أمامها ثلاث ساعات, هذا الدخان النيكوتين, ينتقل إلى الجنين, ومعنى انتقاله إلى جنينها: أن هناك آفات في الدماغ, وآفات في الأوعية, وآفات في الذكاء, والأغرب من ذلك: أن هذه الأضرار لا تنتقل إلى السلالة الثانية والثالثة.
 فتصور إنسان يدخن أمام زوجته ثلاث ساعات في اليوم, معنى ذلك: أن الزوجة غير المدخنة, سوف تتأثر تأثراً بالغاً, وسوف ينتقل هذا الأثر إلى جنينها, وسوف ينتقل هذا الأثر إلى السلالة الثانية والثالثة من هذا الجنين.
دراسة نشرت في اليوم الثالث عشر من الشهر العاشر في إحدى الصحف الدمشقية, فلذلك: إذا الفقير مدخن اسمه سفيه, وإذا غني اسمه مبذر:

﴿إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ﴾

[سورة الإسراء الآية:27]

ما شرح هذا الحديث؟ :

 فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

((السمت الحسن -يعني: هيئة مقبولة.
يقول عليه الصلاة والسلام:

((أصلحوا رحالكم, وحسنوا لباسكم, حتى تكونوا شامة بين الناس))

 المؤمن سفير الإسلام, كل سفير دولة يعتني بهندامه, يعتني بشعره, يعتني بمظهره, يعتني برائحة جلده, يكثر الاغتسال حتى يبدو في صورة بهية, المسلم الحقيقي سفير الإسلام, أنت على ثغرة من ثغر الإسلام, فلا يؤتين من قبلك-.
 والتؤدة -الهدوء.

((لا يكون الرفق في شيء إلا زانه, ولا يُنزع من شيء إلا شانه))

 الرفق, التؤدة:

((لا يكون في شيء إلا زانه, ولا يُنزع من شيء إلا شانه))

 أي عابه؛ فالسمت الحسن: المظهر المقبول, والتؤدة: الاعتدال, والتوازن: عدم التسرع, الهدوء.
 قال-:

(( والاقتصاد جزء من أربعة وعشرين جزءاً من النبوة))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 يعني: الأنبياء جميعاً سمتهم حسن, هادئون, مقتصدون.

ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام :

 يُروى: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ من قعب, –قعب يعني إناء-, ففضلت فضلة, فقال عليه الصلاة والسلام:

((ردوها في الماء, ردوها في النهر, ينفع الله بها قوماً آخرين))

 ممكن تتوضأ من إناء, ويبقى بالإناء بقدر كأس ماء, تعود إلى النهر فتردها, لأن الله ينفع بها قوماً آخرين, هكذا كان عليه الصلاة والسلام؛ السمت الحسن, التؤدة, الاقتصاد في المعيشة.
 يعني: أنا ألمح أناساً كثيرين, من أجل أن يستخدم, أن يكتب رقم هاتف, يأخذ ورقة بهذا الحجم, يكتب رقم هاتف عليها, ثم يرميها بالمهملات, هذه ورقة, أحياناً ثمنها نصف ورقة ثمنها, أو ليرة, هذا الشيء ثمين, استهلاك المواد بشكل غير مُرشَّد, هذا ليس من الدين.
 فالمؤمن ......

هل يوجد في هذا الحديث لغز؟ ما مراده؟ :

 يروى: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- جاءه سائل, فدله على أحد أصحابه, هذا السائل ذهب إلى هناك, رأى هذا الصحابي الجليل يجمع ما تناثر من حبات القمح, قال:

((هذا بهذا الحرص, أيعقل أن يعطيني شيئاً لم يسأله؟ عاد إلى النبي قال: اذهب إليه, وقال له: أعطني مما أعطاك الله, ذهب إليه ثانية, هذا الإنسان لا يعطي عطاء عريض, حريص جداً, يجمع حبات القمح المتناثرة, المرة الثالثة: ذكر له ما قاله النبي, قال: دله على قطيع من الإبل, قال: خذ أياً شئت, فأخذ إحدى الإبل, مشي وراءها عدد كبير, قال له: كله لك, هذا السائل اختل توازنه, كيف يعطي هذا العطاء, ويجمع هذا الجمع؟ فقال له الصحابي الجليل: نجمع هكذا, لينفق هكذا))

 إذا الإنسان أنفق باعتدال, إذا وجد معه مدخرات, وظفها في الحق, يبلغ بها أعلى درجات الجنة, ينفق باعتدال.

ما الموقف الحكيم الذي ينبغي أن يستخدمه صاحب الكتلة النقدية؟ :

 مرة دخلت إلى بيت, سألني صاحب البيت: هل في هذا إسراف؟ هذا البيت في مستوى رفيع جداً, كل باب كلف مئتي ألف ليرة, كل باب الداخلي ليس الخارجي.
 خطر في بالي مثل -أيها الأخوة, أرجو أن يكون واضحاً لديكم-, قلت له: إذا شخص معه مئة مليون افتراضاً, اشترى بيت بخمسة وسبعين مليون, وسيارة بخمسة وعشرين, وفتح فمه للهواء, يكون حكيم؟.
 لو فرضنا شركة استثمار, تعطي بالمئة مئة أرباح, إذا اشترى بيت بعشرة ملايين, مئة وخمسين متر, وأخذ سيارة بمليونين أو ثلاثة, وظف الباقي بهذه الشركة بالمئة مئة أرباح, لا يكون عاقل؟ هذا مثل تجاري.
 فكل إنسان في معه كتلة نقدية, لو أنفقها كلها استهلاكاً, لا يكون عاقل, لو استهلك منها حاجته, واستثمر الباقي عند الله عز وجل, يكون من أسعد الناس, استهلك منها حاجته, واستثمر الباقي عند الله, الله عز وجل كم يعطيه؟ على المئة عشرة أضعاف, أحياناً: سبعمئة ضعف, وفي آية:

﴿بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾

[سورة البقرة الآية:212]

 في عشرة, وسبعة, وأضعاف السبعة, وسبعمئة, وبغير حساب, فالذي معه كتلة نقدية, الموقف الأخلاقي مع بقية الناس؛ الموقف الشرعي, والموقف المعتدل والحكيم, أن تستهلك منها حاجتك المعتدلة, وأن توظف الباقي عند الله عز وجل للحق, لا تدري أن هذا المال, قد ينتفع به أناس كثيرون.
 إذاً: الإسراف يتناقض مع الدين, الإسراف في المباحات, والتبذير في المعاصي.

علام يرشدنا هذا الحديث؟ :

 وقد جاء أعرابي إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- يسأله عن الوضوء, فأراه الوضوء ثلاثاً ثلاثاً, ثم قال النبي -عليه الصلاة والسلام-:

((فمن زاد على هذا, فقد أساء وتعدى وظلم))

 استهلاك الماء يجب أن يرشَّد, استهلاك الكهرباء يجب أن يرشد, استهلاك الحاجات كلها يجب أن ترشد.

علام تتحدث هذه المادة من مواد التربية كما درسها صاحبها في جامعة أوروبية؟ :

 لي صديق, درس الماجستير في التربية في جامعة أوروبية, قال لي: مادة من المواد الأساسية اسمها: التربية والمستقبل, هذه المادة تتحدث: عن أن البشر لن يستطيعوا أن يعيشوا بسلام وطمأنينة, إلا إذا اقتصدوا, وإلا ما الذي يحصل؟ فئة قليلة تملك أموالاً كثيرة, هذا تبذير وتسرف؛ مظاهر صارخة, ولائم, احتفالات, أعراس في الفنادق, ثياب أجنبية, زهور مستوردة من هولندا, هذه المظاهر الصارخة, هذه تنعكس عند الفقراء حقداً وحرماناً وضيقاً, أكثر أعمال العنف في المستقبل, سوف تكون بسبب الفرق الطبقي.

هذا ما حصل في مصر :

 مرة بمصر, أفراد الشرطة هاجموا الفنادق, وكسروا الزجاج, وألقوا ...... لأنه فقير جداً, يعيش مع المترفين؛ سياراتهم, طعامهم, شرابهم, فسقهم, فجورهم, فإذا كان قلة قليلة تملك أموال كثيرة, وأسرفت, وبذرت في إنفاق المال, أنت لا تعلم هذا الذي يراقبك, ماذا يحصل في نفسه؟ يبدأ الحقد, يبدأ العداوة, يبدأ الشعور بالحرمان, هذا سيؤدي إلى سرقة, وإلى جريمة, وإلى أعمال عنف, فلذلك: متى يكون الناس بخير؟ إذا كانت هذه الكتلة النقدية التي بين أيدي الناس, موزعة بين كل الناس, هذا التبذير, لذلك:

((من أدى زكاة ماله, أذهب عن ماله شره))

((حصنوا أموالكم بالزكاة))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير والطبراني في المعجم الأوسط]

((ما تلف مال في بر أو بحر إلا بحبس الزكاة))

 فالآن استنبطنا: أنه يمكن أن تنفق من مالك الحاجات المعتدلة, وأن توظف الباقي عند الله يوم القيامة.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]

وقائع :

 أنا مرة حضرت عقد قران, المدعوون يزيدون عن ألف شخص, وقال لي رجل -أثق به-, قال لي: أنا حضرت دفعة, ثمن الطعام كم؟ مليون ليرة, كل رأس ألف ليرة, ألف ألف, قال لي: والله دُفعت بالتمام والكمال ثمن طعام لعقد قران.
 أنا كنت في هذا العقد, شعرت أن الأكل لم يؤكل منه إلا العشر, بقي في نفسي شيء: أن هذا الطعام أين سيذهب؟ أين سيلقى؟ مليون ليرة تدفع ثمن طعام, ثم في اليوم الثاني طمأنني أحد الأخوة الكرام, قال لي: هذا الطعام وضع بعلب أنيقة, وذهب به إلى بعض المياتم, وتناول أيتام هذا الطعام عشرة أيام, قال لي: أطمئنك: أن حبة رز واحدة لم تُهدر, حبة رز واحدة, وأن الذي دفع هذا المبلغ, دفع مثله في تزويج فقراء المسلمين, دفع مليون ليرة ثانية لتزويج فقراء المسلمين, والله سررت, وكنت مطمئناً جداً.
 مرة دعيت إلى وليمة, قلت له: ما هذا الطعام؟ يعني في إسراف, قال لي: لا نأكله هذا عشرين يوم, عندنا دقة بالغة, أراد أن يكرمنا, أما كل شيء يذهب إلى مكانه بالثلاجة, ويؤكل بالتدريج.

((كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]

 حينما أرى طعاماً يلقى في القمامة, أشعر أننا ننتظر من الله الغضب, لأن الناس جائعون, تلقي الطعام في القمامة؟ كل واشرب.

عادة أعجبتني :

 كنت في سفر هذا البلد, دعيت إلى طعام الفطور, وجدت شيء لطيف, مُدَّت على الأرض خوان, قماش ملون رائع جداً, مطرز, ثم وضع منصب على هذا القماش, وطبق كبير, هذا طعام الفطور, ووضعنا القماش على ركبنا, والخبز بين أيدينا, فإذا نزل من رغيف الخبز شيء بسيط, يجمع من هذا القماش ويؤكل.
 أعجبني هذه العادة, يعني ذرة خبز لا تذهب سدى.
 إذاً:

((كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]

توجيه نبوي :

((يا عائشة إذا أردت اللحوق بي, فليكفك من الدنيا كزاد الراكب, ولا تستخلقي ثوباً حتى تسترقعيه.

 -أحياناً: يعني في خطأ باللباس, يُلقى, صلحه, والبسه .......
 أحياناً: مسمار دخل ببدلة, ثمنها مثلاً خمسة آلاف, عشرة آلاف, لسبب بسيط يلقيها جانباً, لا ارثيها, وتابع لبسها-.

ولا تستخلقي ثوباً حتى تسترقعيه, وإياك الدخول على الأغنياء))

 أي أغنياء غير المؤمنين, أما المؤمن تشتهي الغنى منه؛ بتواضعه, وعفته, وسخائه, وإنفاقه, وتواضعه للآخرين.

ما المقصود الحقيقي من إطعام الطعام؟ :

((كلوا وتصدقوا والبسوا في غير إسراف ولا مخيلة))

[أخرجه البخاري في الصحيح, والنسائي في سننه]

 الإسراف -كما تعلمون-: أن تنفق أكثر مما تحتاج, والمخيلة: التباهي.
 أحياناً: الإنسان تنحرف نفسه, يقيم وليمة, ليرى الناس ما عنده من أذواق رفيعة, ليرى الناس غرفة الطعام, هذه ستيل ويكانز, ليرى الناس الألوان المنوعة من الطعام, هذه النوايا, هذه انحراف في النفس, الولائم؛ ممكن أن تقيم وليمة, لكن بنية إكرام أخوانك أم بنية أن تتعالى عليهم, لذلك: قال عليه الصلاة والسلام:

((المتباريان لا يُجابان))

 يعني: عزموا, ورد له بعزيمة كسر عينه.

((المتباريان لا يجابان))

 القصد: إطعام الطعام.
 وصدقوني -أيها الأخوة-: إطعام الطعام من السنة, إطعام الطعام يؤلف القلوب, إذا الإنسان عزم أخوته على غداء, عزم أقرباءه, هذه الولائم تقرب القلوب, تذيب الفوارق, تؤلف القلوب, تجبر الخواطر, فإطعام الطعام من السنة, لكن لا للتباهي, ولكن للإكرام.

((من أكرم أخاه فكأنما أكرم ربه))

ما يتعلق بمال اليتيم من حيث الناحية الشرعية :

 وقد ورد في بعض الأحاديث:

((أن رجلاً أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: إني فقير, ليس لي شيء, ولي يتيم, فقال: كل من مال يتيمك غير مسرف, ولا مباذر))

[أخرجه أبو داود والنسائي في سننهما]

 الآن موضوع دقيق: الإنسان إذا معه مال يتيم: فإذا كان غنياً فليستعفف أول شيء, وإذا كان فقيراً فليأكل منه بالمعروف.
 كيف فسر العلماء الأكل من مال اليتيم بالمعروف؟.
 عبارة دقيقة سأرويها لكم: أن يأخذ الفقير من مال اليتيم أجر المثل أو حاجته, أيهما أقل؟ أجر المثل أو حاجته, أيهما أقل؟.
 معك مئة ألف ليتيم, عقدت بها صفقة, ربحت خمسين ألف, لك النصف خمس وعشرون, يكفيك خمسة عشر, يجب أن تأخذ خمسة عشر, لشهر مثلاً, مئة ألف من يتيم, عقدت فيها صفقة, ربحت خمسة, أنت تحتاج إلى خمسة عشر, تأخذ خمسة أجر المثل, أجر المثل أو الربح, أيهما أقل تأخذه, هذا معنى فليأكل بالمعروف, وربنا عز وجل قال:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ﴾

[سورة الأنعام الآية:152]

 أحياناً الإنسان: يخلط ماله مع مال اليتيم, الحكم: ما هو الحكم ساعة إذ؟ بالحسابات بقي الحكم, إذا أخطأ بالحسابات, أكل مال يتيم, إذا في مال لليتيم, ينبغي ألا يختلط بماله, ليكون الحكم هو المال نفسه, لا الحسابات, إذا كان صندوق شخص كله داخل ببعضه, لا يوجد حكم غير الحسابات بقي, غلطة من المحاسب, ناقص صفر, زائد صفر, أكلت مال اليتيم, راح مال اليتيم, أما إذا كان المال مفروغ:

﴿وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ﴾

[سورة الأنعام الآية:152]

 بالمناسبة: الذي عنده يتيم يربيه, يضربه, قال:

((عندي يتيم أفأضربه؟ -النبي الكريم سئل-, قال: نعم, اضربه مما تضرب منه ولدك))

 بالضبط, هذا المقياس: إذا اقترف ابنك هذا الخطأ, أتضربه؟.

خاتمة القول :

 أنا مرة كنت بأحد أيام العطل, في بعض المحلات التجارية, فصاحب المحل أتى بابنه إلى المحل, ومن غرائب الصدف: أنه يوجد صانع في المحل من سن ابنه, وليس منتبهاً, الصانع حمل الثواب إلى مكان, حمله ثلاثة زيادة, لم يعد يستطيع, قال له: أنت شاب, حمل ابنه ثوب واحد, انتبه ظهرك بابا, وثوب واحد حمل, لم ينتبه لنفسه, هذا ابن الناس.
 مرة سمعت امرأة, قدمت زوجة ابنها, وابنتها من سفر طويل, قالت لابنتها: اذهبي وارتاحي, أنت متعبة, وقالت لزوجة ابنها: اعملي, نظفي البيت, دون أن تشعر.
 امرأة ثالثة: -كلها وقائع, هذه كلها من غرائب الصدف-, اشترى ابنها لزوجته غسالة أوتوماتيك, فعنفته, ووبخته, لا يوجد داع, وإسراف, وزوجتك شابة, تعودها على الكسل, مساء أُخبرت: أن زوج ابنتها اشترى لابنتها غسالة أوتوماتيك, الله يرضى عليك, في اليوم نفسه.
 الإنسان لو خلع ثيابه, وسار في الطريق بلا ثياب, وهو من أبشع المناظر, أهون من التناقض؛ أن تعامل ابنتك معاملة, وأن تعامل زوجة ابنتك معاملة أخرى.
 ابنتك للساعة العاشرة نائمة, متعبة, الله يعطيها العافية, أما زوجة ابنه, تشعر بقسوة تجاهها, إذا ما عندك إمكان تعامل الناس كما تعامل أقرب الناس لك, لست مؤمناً, الدليل:
 النبي -عليه الصلاة والسلام- تحدث عن الرحمة, قال:

((ولكنها رحمة عامة))

 رحمة الأب والأم بابنهما قضية بسيطة جداً, فطرية, ليس لك أجر فيها, محبتك لأولادك فطرية, هذه من الله ليست منك, من أجل أن تستمر الحياة.
 يروى: أن سيدنا موسى -قصة رمزية-, رأى أماً تخبز على التنور, وابنها على طرف التنور, فكلما وضعت رغيفاً في التنور, قبلت ابنها, وضمته, وشمته, فقال: يا ربي ما هذه الرحمة؟ قال: هذه مني يا موسى, سأنزعها أمامك, نزع الله الرحمة من قلب الأم, فبكى, فألقته في التنور.
 انتهى الأمر, قصة رمزية؛ فمحبة الأم لابنها, والأب لابنه, سأقول مبدئياً: ليس له أجر فطرية, لأن هذا طبع بالإنسان, أما حينما يأخذ بيد ابنه إلى الله له أجر هنا, أما إطعامه الطعام والشراب, وأمن له طعامه, وثيابه, وغرفته الخاصة, ليس لك أجر, كل أب في الأرض, كل أب, وكل أم, هدفه: أن يرفه أولاده, حتى الطغاة, حتى الكفار, حتى الفجار, حتى الملحدون, هذه رحمة أودعها الله في كل أب, أما الرحمة التي تؤجر عليها: أن ترحم غير أولادك, ترحم صانع عندك بالمحل, تعامله كابنك, تهتم بأخلاقه, تهتم بدارسته, ابنك يجب يكون طبيب.
 يقول لك: دفعت له دروس خاصة أربعمئة ألف, أما عندك صانع طلب يخرج قبل ساعة, يدخل دورة مسائية, يأخذ كفاءة, لا تسمح له, تقول: إذا تعلم يفقس, رأيت الحقد, ابنك تريده طبيباً, تدفع له في السنة ثلاثمئة ألف دروس ........

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور