وضع داكن
16-04-2024
Logo
أحاديث قدسية - الدرس : 18 - إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

الله تعالى حرك الصحة و الرزق ليكونا وسيلتين لتربيتنا :

أيها الأخوة المؤمنون، مما يلفت النظر في خلق السماوات والأرض أن هناك عدداً لا يحصى من القوانين الثابتة، واقعة في كل زمان ومكان، إلا أن الله سبحانه و تعالى حرك شيئين ليسا ثابتين، قضية الرزق و قضية الصحة، أما دورة الأفلاك فثابتة، يمكن أن تعلم بعد ألف و ثمانمئة عام في أية دقيقة تشرق الشمس، فدورة الأفلاك بشكل دقيق إلى درجة لا تصدق، بل إن هذه الساعة التي يتحدث الناس عنها -ساعة لندن- تضبط على نجم، فقط تقصر في العام ثانيتين أو أكثر، ما الذي يضبط تأخرها أو تقدمها؟ حركة نجم، فحركة الأفلاك في الكون ثباتها عجيب، ثبات القوانين عجيب، ثبات خصائص البذور عجيب، كل شيء مقنن و ثابت في هذه الحياة إلا أن الرزق يتبدل، قد تأتي أمطار و قد لا تأتي، و قد تكون صحة و قد لا تكون، فالذي ثبته الله عز وجل من أجل استقرار الحياة، و الذي حركه من أجل تربيتنا، فالله سبحانه و تعالى حرك الصحة و حرك الرزق من أجل أن تكونا وسيلتين لتربيتنا، فلما مرّ النبي عليه الصلاة و السلام على ابنته فاطمة و قد أصابتها حمى قال: "مالك يا بنيتي؟ قالت: حمى لعنها الله، قال: لا تلعنيها فو الذي نفس محمد بيده ما تدع المؤمن و عليه من ذنب".
يقول عليه الصلاة و السلام في الحديث الصحيح:

((أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا مِنْ مُصِيبَةٍ تُصِيبُ الْمُسْلِمَ إِلاَ كَفَّرَ اللَّهُ بِهَا عَنْهُ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا))

[متفق عليه عن عائشة ]

المصائب للمؤمن تكفير لخطاياه وتقريب من الله تعالى :

المؤمن بالذات جميع أنواع المصائب هي تكفير لخطاياه، وتقريب من الله عز وجل، الحديث القدسي أخرجه الإمام مالك في الموطأ:

((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟...))

[ مالك عن عطاء بن يسار]

عواده: زواره، عاد مريضاً فهو عائد جمعه عواد.

((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله عز وجل، وهو أعلم فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأكفر عنه سيئاته))

حدثني أخ طبيب بمستشفى قال: جاءهم مريض مصاب بورم خبيث في أمعائه، وآلام الورم الخبيث في الأمعاء لا تحتمل، قد يعطى أشد أنواع المسكنات، ومع ذلك يصيح صياحاً يسمعه من حوله لمئتي متر من شدة الألم، جاءهم مريض مصاب بورم خبيث في الأمعاء، لكن هذا المريض له حال عجيب أي كلما دخل عليه زائر، أو ممرض، أو طبيب، استقبله بوجه باش وقال: يا رب لك الحمد على قضائك وقدرك، اشهد أيها الأخ الكريم أنني راض عن الله، ما إن يقرع الجرس حتى يتدافع الممرضون لخدمته، والأطباء لا يتركونه أبداً، ومن دخل إلى هذه الغرفة شعر براحة عجيبة، وهذا المريض لا يفتأ أن يقول: يا ربي لك الحمد، أنا راض عنك، وإذا جاءه عائد يقول له: اشهد أنني راض عن الله، بعد أيام توفاه الله عز وجل لحكمة بالغة، ولأن الله يريد أن يُعلّم عباده جاء مريض آخر مصاب بالمرض نفسه، وجلس في الغرفة نفسها، ولم يدع نبياً إلا سبه، وكفره في الدقيقة عشرات المرات، وله رائحة لا تقابل، والموظفون في المستشفى يتهربون من خدمته إلى أن فطس.
سبحان الله! مرض واحد في مستشفى واحدة في غرفة واحدة في فريق عمل واحد، رأوا بوناً شاسعاً بين مرض المؤمن ومرض الكافر، المؤمن يرقى بالمرض: "لا تلعنيها فو الذي نفس محمد بيده لا تدع المؤمن وعليه من ذنب".

((إذا مرض العبد بعث الله تعالى إليه ملكين فقال: انظرا ماذا يقول لعواده؟ فإن هو إذا جاؤوه حمد الله، وأثنى عليه، رفعا ذلك إلى الله عز وجل، وهو أعلم فيقول: لعبدي علي إن توفيته أن أدخله الجنة، وإن أنا شفيته أن أبدل له لحماً خيراً من لحمه، ودماً خيراً من دمه، وأكفر عنه سيئاته))

الصبر عند الصدمة الأولى :

(( عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن. إن أصابته سراء شكر وكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له، وليس ذلك لغير المؤمن ))

[ أخرجه أحمد في مسنده عن صهيب ]

إن لم تصبر ماذا تفعل؟ الصبر أيها الأخوة عند الصدمة الأولى، الذي لم يصبر ويتكلم كلاماً فيه سوء أدب مع الله عز وجل، بعد حين يضطر أن يصبر، لأن هذا قدر الله عز وجل، لكن خسر الأجر، أما الذي يقول: الحمد لله على كل حال - وهذا شعار المؤمن- قد تأتيه المصيبة فيحمد الله عليها.
إذا أحبّ الله عبده ابتلاه فإن صبر اجتباه فإن شكر اقتناه.

 

من يؤمن بالله لا يقضي الله له إلا بالخير :

وقد أخرج ابن ماجه في سننه أن النبي صلى الله عليه وسلم:

((عَادَ مَرِيضًا وَمَعَهُ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ وَعْكٍ كَانَ بِهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْشِرْ فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ النَّارِ فِي الآخِرَةِ ))

[ابن ماجه عن أبي هريرة]

وعك: مرض كان به. الحمى خفيفة أمام جهنم خفيفة جداً، فإذا أصابته حمى وارتفعت حرارته إلى الأربعين هذا حظه من نار جهنم فإن الله يقول:

(( هِيَ نَارِي أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ فِي الدُّنْيَا لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنْ النَّارِ فِي الآخِرَةِ ))

أنت حينما تؤمن لا يقضي الله لك إلا بالخير، ليس في الإمكان أبدع مما كان، قال تعالى:

﴿ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾

[ سورة آل عمران: 26 ]

الآن أبلغ من المرض إنسان مرض ابنه وتوفي، فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه:

((أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ وَلَدُ الْعَبْدِ قَالَ اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ: قَبَضْتُمْ وَلَدَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: قَبَضْتُمْ ثَمَرَةَ فُؤَادِه؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيَقُولُ: مَاذَا قَالَ عَبْدِي؟ فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ))

[الترمذي عن أبي موسى الأشعري]

استرجع أي قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، استرجع هذا اشتقاق من نوع خاص كأن تقول: استرجع أي قال إنا لله وإنا إليه راجعون، كبر: قال: الله أكبر، هلل قال: لا إله إلا الله، حوقل قال: لا حول ولا قوة إلا بالله، دمعز قال: أدام الله عزك.

((... فَيَقُولُونَ حَمِدَكَ وَاسْتَرْجَعَ، فَيَقُولُ اللَّهُ: ابْنُوا لِعَبْدِي بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَسَمُّوهُ بَيْتَ الْحَمْدِ))

[الترمذي عن أبي موسى الأشعري]

شعار المؤمن الحمد لله رب العالمين :

لذلك شعار المؤمن: الحمد لله رب العالمين، الحمد لله على وجود الله، والحمد لله على قضاء الله وقدره، كلمة دقيقة جداً لا يمكن أن يقضي الله لعبد مؤمن إلا بالخير، قال تعالى:

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ*أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾

[ سورة البقرة: 155-157 ]

وليس من إنسان إلا ويبتليه الله عز وجل لكن أنواع الابتلاء كثيرة جداً.
أيها الأخوة، بين أن تنجح وتكبر في عين الله، وبين أن تسقط فتسقط من عين الله، أن تقول: الحمد لله، وهناك من لا يقول الحمد لله، يقول: ماذا فعلنا؟ يعترض على قضاء الله وقدره.
إنسان عنده زوجة توفيت لها أخت معمرة وبلا زوج قال لو أخذت هذه.
هناك من يعترض على قضاء الله وقدره.

 

المؤمن راض عن الله في كل الأحوال :

أيها الأخوة، المؤمن راض عن الله، قال: يا رب هل أنت راض عني؟ كان وراءه الإمام الشافعي، إنسان يطوف حول البيت قال: يا ربي هل أنت راض عني؟ فقال له الإمام الشافعي: يا هذا هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله من أنت؟ قال: أنا محمد بن إدريس، قال: كيف أرضى عنه وأنا أتمنى رضاه؟ هذا الكلام غير معقول، قال له: إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله.
أنا أصدقكم أن بعض الصحابة الكرام كان إذا مات ابنه يتزين ليشعر من حوله أنه راض عن الله، والبطولة أن ترضى بمكروه القضاء، لكن كل الناس إذا جاءهم المال وفيراً يقولون: الله فضّل عليّ، أقل الناس إيماناً أبعدهم عن الله إذا جاءتهم النعم يشكرون، لكن المؤمن وحده إذا جاءته المكاره يشكر بالمكاره، يقول الإمام علي كرم الله وجهه: "الرضا بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين".

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور