وضع داكن
27-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 021 - ماذا عن التمني؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هل يوجد إنسان في الأرض لا يتمنى؟ :

 أيها الأخوة, مجموعة من الأحاديث الصحيحة, التي وردت في الكتب الصحاح حول موضوع التمني.
 ما منا واحد على الإطلاق, إلا ويتمنى, وقد أقول لكم: قل لي ماذا تتمنى, أقل لك من أنت؟.
 لما خرج قارون على قومه بزينته:

﴿قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾

[سورة القصص الآية:79]

 أما الذين أوتوا العلم, قالوا:

﴿وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً﴾

[سورة القصص الآية:80]

 فقل لي ماذا تتمنى, أقل لك من أنت؟.

ما الذي يتمناه الإنسان؟ وهل ﺇذا تمنى خير الآخرة ولم يعمل لها تتحقق أمنيته؟ :

 أيها الأخوة, الإنسان يتمنى الشيء الذي يعيشه, الشيء الذي يعظمه, فمن عظم الدنيا, تمنى الدنيا, من عظم الأقوياء, تمنى أن يكون مثلهم, من عظم الأغنياء, تمنى أن يكون مثلهم, من عظم المنغمسين في الملذات, تمنى أن يكون مثلهم.
 فقل لي ماذا تتمنى, أقل لك من أنت؟.
 والإنسان حينما يتمنى معصية, أو توسعة, أو انحرافاً, فهو في حالة لا ترضي إطلاقاً.
 أيها الأخوة؛ هذا إذا تمنينا الدنيا, هذا إذا تمنينا المال, تمنينا السلطان, تمنينا الوجاهة, تمنينا الملذات, تمنينا البدع, أما إذا تمنينا الجنة في مشكلة, إلا أن الله عز وجل يقول:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

[سورة النساء الآية:123]

 بالمناسبة: حتى لو تمنيت الجنة, لو تمنيت العلم, لو تمنيت التقوى, لو تمنيت خيرات الآخرة ولم تعمل لها, نقول: التمني بضاعة الحمقى, بضاعة الكسالى, اجلس في البيت, وتمنى أن تكون أكبر تاجر, لا تملك ثمن رغيف, اجلس في البيت, وتمنى أن تكون أكبر عالم, لا تصل إلى هذه المرتبة إطلاقاً:
 وما نيل المطالب بالتمني
 لذلك:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

[سورة النساء الآية:123]

 لو أن الإنسان تمنى الدنيا, لسقط من عين الله, أما إذا تمنى الآخرة, تمنى التقوى, تمنى خير الآخرة, ولم يعمل لها, لا قيمة لتمنياته إطلاقاً.

ما المراد بالسعي في هذه الآية؟ :

 أيها الأخوة, قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

 السعي حركة, حركة.
 الآن: أنت اسمع درس علم, والله شيء جميل, الله يجعلنا مؤمنين, الله يرزقنا عمل صالح, الله يتوب علينا, هذه كلها تمنيات, أما إذا ذهبت إلى البيت, وأمرت بمعروف, ونهيت عن منكر, هذه حرام لا أفعلها, حركت, أخذت موقف, ما لم تأخذ موقفاً, لا ترقى عند الله:

﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجِرُوا﴾

[سورة الأنفال الآية:72]

 لم يتحرك, بقي مع مصالحه؛ مع البيت, مع المكتب, مع التجارة, مع الزبائن, أراد الدنيا:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ﴾

 -انظر-:

﴿وَسَعَى لَهَا﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

 إن أردت شيئاً, وكنت صادقاً في هذه الإرادة, تسعى إليه.

ما هو الدليل من الكتاب على أن الأمنيات باتجاه الآخرة لا قيمة لها من دون سعي لها؟

 أيها الأخوة, لن نصعبها عليكم, حتى السعي غير مقبول, إلا أن يكون سعياً خاصاً:

 

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

 لها سعي خاص, أراد أن يكون طبيباً, للطب علاماته, ليس أي علامة, 105 ما في طب, 230 فما فوق في طب, يعني أولي, فلذلك: إذا تمنى الإنسان الدنيا, سقط من عين الله, أما إذا تمنى الآخرة ولم يسع لها, الطريق مسدود, تمنياته لا قيمة لها إطلاقاً, ولا ترفعه عند الله شعرة, والدليل:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

[سورة النساء الآية:123]

 لكن:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

 لها سعي خاص.

هذا سبب تأخر المسلمين في هذا العصر :

 في إنسان يقول لك: هذه الركعتان نصليهم, ندفع هذا الدرهمين, وهذه هي الشغلة, لا تعقدها؛ وبيته غير إسلامي, عمله غير إسلامي, في تفلت, الإسلام منهج كامل, وأساساً المسلمون: ما تأخروا, وما أصبحوا في مؤخرة الركب, إلا عندما مسخ دينهم إلى العبادات الخمسة؛ يصلي, ويصوم, ويحج, ويزكي, وما سوى ذلك: قاعد بحمام ساونة مع فتيات, بوضع مشين, وفي معصية كبيرة, لكن ما نسي يصلي, فصلى ورجع, فهم الابن يعني صلاة فقط؛ أما غرقان بالمعصية, غرقان بربا, غرقان بدخل حرام, غرقان بغش, بتدليس, صلينا, في علينا شيء بقي؟ ما صار شيء إطلاقاً, لأن هذه العبادات -أخواننا, صدقوني: تماماً هذه العبادات-, تمثل ثلاث ساعات امتحان, ومعاملات العام الدراسي, فإذا واحد أثناء العام الدراسي؛ ما قرأ ولا كلمة, ولا فتح كتاب, ثلاث ساعات امتحان لا قيمة لها, قعد, أقلام ....... معه, كأس ماء موجود, أسبرين موجود, معه سندويشة, السائق على الباب, لكنه لم يقرأ ولا كلمة, ماذا يفعل؟ ثلاث ساعات امتحان لا قيمة لها, إذا ما سبقها إعداد تسعة أشهر, تسعة أشهر دراسة, من أجل أن تجلس على طاولة, أعطوك ورقة بيضاء, ويوجد كم سؤال كتبت, فهذه العبادات؛ صوم, صلاة, حج, هذه عبادات شعائرية, لا تصح, ولا تقبل, ولا ترفع, إلا إذا صحت العبادات التعاملية.

هذه هي رسالة الإسلام :

((كنا قوماً أهل جاهلية؛ نعبد الأصنام, ونأكل الميتة, ونأتي الفواحش, ونقطع الرحم, ونسيء الجوار, ونشرب الخمر, حتى بعث الله فينا رجلاً, نعرف أمانته وصدقه, وعفافه ونسبه, فدعانا إلى الله لنعبده ونوحده, ونخلع ما كان يعبد آباؤنا من الحجارة والأوثان, وأمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وصلة الرحم, وحسن الجوار, والكف عن المحارم والدماء))

 هذا تعريف الإسلام لسيدنا جعفر, يمكن أبلغ تعريف الإسلام:

((أمرنا بصدق الحديث, وأداء الأمانة, وحسن الجوار, وصلة الرحم, والكف عن المحارم والدماء))

 هذا الإسلام, الإسلام إذاً: بناء أخلاق.

((بني الإسلام على خمس))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, والترمذي والنسائي في سننهما]

 الخمس أركان الإسلام, والإسلام البناء, فهل تعتقدون: أن الإسلام هو هذه .....؟ لا, هذه دعائم الإسلام, الإسلام بناء آخر, بناء أخلاقي, لحتى الواحد ما يضيع وقته, وما يتوهم أنه هو مؤمن, أنه هو ليس كذلك, ما يظن أنه يمشي بطريق الجنة, هو بطريق النار يمشي, حتى ما يصعق عند الموت.

احذر أن تخسر آخرتك :

 قال:

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾

[سورة الزخرف الآية:83]

 يعني: إذا واحد باع بيته بالمالكي, وسيارته الشبح, ومعمله, وبيته بحالية, وقبضت ثمنهم عملة صعبة, طلعوا مزورين, ماذا يفعل بنفسه, حينما يعلم أن العملة كلها مزورة, وفي أمامه سجن أيضاً؟ روح البيت, والسيارة, والمصيف, والفيلة, وكل شيء, والمعمل, قبض ثمنهم عملة أجنبية مزورة, ما انتبه, قبضها كاش, لأنه هو يريدها كاش, ما ......... أخذ كاش كله, طلع مزور, والذي أعطاه له اختفى, مسافر, ماذا يفعل بنفسه؟:

﴿فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ﴾

[سورة الزخرف الآية:83]

 لما الإنسان يكتشف أنه خسر الآخرة.
 يعني: أحياناً الواحد يكون بيت, لسبب تافه لم يشتره, كان معروض عليه بستة آلاف, صار ثمنه اثنا عشر مليوناً, الآن: هو بلا بيت, وساكن بأجرة, وعليه دعوى إخلاء, يقول: احترق قلبي على هذا البيت الذي روحته من يدي, أليس كذلك؟.
 إذا كان عنده زوجة ممتازة جداً, لسبب غير منطقي, لسبب طارئ, طلقها طلاق تعسفي, وتركت, وعنده خمسة أولاد, يجلسون في وجهه؛ يحتاجون إلى طبخ, يحتاجون إلى تنظيف, يحتاجون إلى رعاية, لا يوجد, أمهم طلقها, ولم تقبل أن تعود إليهم, وزوجة ممتازة كانت, الإنسان يتألم أشد الألم, يندم أشد الندم, يتعذب أشد العذاب, هذا إذا ضيع زوجة, أو ضيع بيت, أو ضيع مركبة, أما إذا كان ضيع الآخرة بكاملها:

﴿قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾

[سورة الزمر الآية:15]

 هذه الخسارة, إذا إنسان فلس, كم من إنسان فلس, رجع بنى حياته من جديد, ورجع غنياً؟ أما بالآخرة لا يوجد, بالآخرة الطريق مسدود:

﴿يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي﴾

[سورة الفجر الآية:24]

﴿رَبِّ ارْجِعُونِ﴾

[سورة المؤمنون الآية:99]

﴿لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحاً فِيمَا تَرَكْتُ﴾

[سورة المؤمنون الآية:100]

هذا ما قاله النبي عليه الصلاة والسلام :

 أخواننا الكرام, في أحاديث النبي قالها, والنبي لا ينطق عن الوحي.
 مرة النبي مر أمام قبر, قال:

((صاحب هذا القبر إلى ركعتين –ركعتين- مما تحقرون من صلاتكم, خير له من كل دنياكم))

 الذي عنده وكالة حصرية ......
 يوجد أناس أرباحه في اليوم مليون ليرة, مادة غذائية أساسية, وكيل حصري, في عليها طلب, له أرباح طائلة, الذي عنده معامل ضخمة, في معامل.
 قرأت بالصحيفة, معمل عنده فائض نقدي ألف مليار, مليار دولار, ألف مليون, محتار أين يريد أن يوصل؟ فإذا كان الفائض النقدي ألف مليون دولار, فكم أرباحه؟.
 قال:

((ركعتان مما تحقرون من صلاتكم, خير لك من كل دنياكم))

هذه هي علامة النجاح والتفوق :

 أيها الأخوة, حتى في بعض الأحاديث: أن ملك الموت حينما يأتي الإنسان, ويقول له:

((انتهى أجلك))

 لو أن الدنيا كلها بيده, يعطيه إياها, مقابل أن يضيف إلى عمره ساعة واحدة, يستغفر الله فيها, انتهى, نحن الآن أحياء؛ فلذلك موضوع التمني: إذا تمنينا الدنيا, سقطنا من عين الله, أما إذا تمنينا الآخرة ولم نسع لها, فالطريق مسدود, والدليل:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

[سورة النساء الآية:123]

 أما علامة النجاح, والفلاح, والذكاء, والتفوق: أن تسعى, لا أن تسعى سعياً محدوداً, أن تسعى السعي الكافي:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

حديث خطير :

 الأحاديث كلها في التمني.
 عن أنس بن مالك, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

((يؤتى برجل يوم القيامة من أهل الجنة, فيقول الله عز وجل: يا بن آدم! كيف وجدت منزلك في الجنة؟ فيقول: أي ربي خير منزل, فيقول له: سل وتمنى, فيقول: يا ربي, ما أسأل وأتمنى, إلا أن تردني إلى الدنيا فأقتل, لما أرى من فضل الشهادة, قال: ثم يؤتى برجل من أهل النار -يعني تمنى, يتمنى أن يعود إلى الدنيا, وأن يدفع حياته ثمناً للجنة مرة ثانية, لعظم ما يلقى الذي ضحى بحياته.

قصة مؤثرة :

 هؤلاء الصحابة الكرام, الذين استشهدوا في المعارك, هؤلاء: لو يعلم الإنسان ما عند الله لهم من نعيم مقيم ......
 الله قال:

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾

[سورة آل عمران الآية:169]

 في صحابي جليل أسلم, وغزا مع النبي غزوة, فأعطوه غنائم, قال:

((ما هذا؟ قال: هذه غنائم, قال: أنا ما على هذا أسلمت, أنا أسلمت على أن يدخل السهم من هنا, ويخرج من هنا, -أنا هذا شرطي في الإسلام-, فلما بلغ النبي هذا الكلام, تأثر وقال: إن صدق هذا, فسينال ما تمنى في المعركة الثانية, تفقده النبي, فإذا هو بين القتلى, وقد دخل السهم من هنا, فخرج من هنا, فبكى النبي, ودعا له, وشهد لله أنه على حق))

هذا الفرق بين الإنسان الذي عرف الله, وبين أهل الدنيا :

 الإنسان إذا عرف الله, يتمنى أن ينفق ماله, يتمنى أن يبذل وقته, يتمنى أن يربي أولاده, يتمنى أن ينفع الناس, يتمنى أن يمسح الدمعة من وجوه الفقراء, يصبح يعيش للناس, لا يعيش على أكتاف الناس, في فرق كبير جداً, يعيش للناش, يعيش لخدمتهم, لأنه يرقى عند الله بخدمتهم, أما أهل الدنيا؛ يعيشون على أنقاض الناس, يعيشون على أنقاضهم, يبنون ثرواتهم على أنقاضهم, يبنون أمجادهم على أنقاضهم, يبنون أمنهم على إخافتهم, أما المؤمن يعيش للناس:

يا من جــئت الحــياة  فأعـطيت ولم تأخذ
يا من قدست الوجود كله  ورعيت قضية الإنسان
يا من زكيت سعادة العقل  ونهنهت غريزة القطيع
يا من هيأك تفــوقك لتكون  واحداً فوق الجميع
فعشــــت واحــــــداً  بيـــن الجميع

هذا هو المقياس الذي تعرف به إذا كنت من أهل الآخرة أم من أهل الدنيا :

 استخدموا كلمات اسمها: استراتيجية.
 الإنسان أحياناً: يكون في عنده مبادىء كبرى, بالحياة المؤمن استراتيجته العطاء, باني حياته, وأوقاته, وطاقاته, وقدراته, وماله, وذكاؤه, وطلاقة لسانه, وعلمه, وجاهه على العطاء, هو حينما يعطي, يتقرب من الله عز وجل, ويسعد عنده أعظم السعادة, أهل الدنيا باني حياته على الأخذ, على الأخذ.
 الآن: أحياناً الإنسان يقول لك: أنا معي قطعة ورق, أعرف ما الذي معي؟ السكر أحسن من التحاليل, بدلها بالبول, يعرف نسبة السكر, يعرف من لونها, حسناً: ألا تريد أنت مقياس دقيق؟.
قال:

((إذا أفرحك العطاء, فأنت من أهل الآخرة, وإذا أفرحك الأخذ, فأنت من أهل الدنيا))

 ما الذي يفرحك؛ تأخذ رزمة خمسمئات, تضعها في جيبك, أم تدفعها؟ امتحن نفسك, أهل الآخرة يفرحهم أن يعطوا, وأهل الدنيا يفرحهم أن يأخذوا, فإذا شعر بنشوة, وانطلقت أساريره, وأصبحت عيناه نقيتين, يلمعان, وابتسامته هكذا, ويمشي مشي, يعني في شعور بالفرح, لأنه قبض مشكلة, وفي إنسان آخر: لما يدفع, لما يحل مشكلة, لما يوفق بين زوجين, لما يمسح دمعة من وجه يتيم, لما يزوج شاب مؤمن مع شابة مؤمنة, لما يؤمن بيت لواحد, لما يخدم الناس, لما يؤثر بإنسان يتوب يتوبون, يقول لك: لم أنم من فرحي, ولم تسأل نفسك السؤال: ما الذي يفرحك؛ أن تعطي أم أن تأخذ؟.
 أهل الآخرة يفرحهم أن يعطوا, وأهل الدنيا يفرحهم أن يأخذوا-.

تتمة الحديث الذي أورده أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم :

 فقال له: ماذا تتمنى؟ قال له: أتمنى أن تردني إلى الدنيا فأقتل, لما أرى من فضل الشهادة, ثم يؤتى رجل من أهل النار, فيقول: يا بن آدم! كيف وجدت منزلك؟ فيقول: أي ربي شر منزل, فيقول: أتفتدي منه بملء الأرض ذهباً؟ فيقول: نعم أي ربي, فيقول: كذبت, قد سألتك ما هو أقل من ذلك في الدنيا, فلم تفعل, هو في النار))

 

لو أن الأرض, الأرض, قال: ألف مليون مليون كيلو متر مكعب, ألف مليون مليون كيلو متر مكعب, لو كان الحجم كله ذهب, أربع وعشرون سبائك كلها, وتملكها.
 وقال:

((إذا كان ....... ودخل النار, إن دفعتها أنجو -يدفعها رأساً-, قال له: كذبت, لقد سألتك ما هو أقل من ذلك))

 سألناك الزكاة فقط في الدنيا, سألناك اثنين ونصف بالمئة, لكن هكذا .....
 أخواننا الكرام صدقوا: لو أن التجار جميعاً دفعوا زكاة أموالهم, لا يبقى فقير, أنا أؤكد لكم, وأعني ما أقول, ومعي إحصاءات دقيقة: خمس التجار الذين يدفعون زكاة أموالهم, خمس فقط, أما لو دفع كل التجار زكاة أموالهم, معي رقم عام ثمانية وأربعين, كيف كان الدخل القومي؟ الدخل القومي عام ثمانية وأربعين, زكاته تحل مشاكل فقراء الشرق الأوسط, زكاته, هذا الزكاة نظام إسلامي, تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم.

ضرتان لا تتفقان ما هما؟ وكيف حل النبي صلى الله عليه وسلم قصتهما؟ :

 وعن أبي موسى الأشعري, أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:

((من أحب دنيا أضرَّ بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه))

 يعني: لا تتوهم أنه ممكن تصل إلى الدنيا إلى قمة المجد, وبالآخرة إلى قمة المجد, لا تصور الآخرة والدنيا, إذا الإنسان قرب من الآخرة, ابتعد عن الدنيا, لما الإنسان يريد مال فقط, عشرون ساعة من أربع وعشرين في كسب المال؛ لا صلاة, ولا صوم, ولا مجلس علم, ولا جامع, ولا دعوة إلى الله, ولا تربية أولاد, ولا تربية زوجة, من صفقة لصفقة, من مشكلة لمشكلة, طبعاً: الإنسان يصير غني, لكن على حساب آخرته.
 إذا الإنسان لحق العلم وتقوى الله عز وجل.

((من آثر الآخرة على الدنيا ربحهما معاً))

 لكن طبعاً أحياناً: الله عز وجل يفوت عليك شيء من الدنيا, من أجل أن ترقى عنده, يعني: أنت دفعت ثمن الآخرة, دفعت ثمنها.
 قال عليه الصلاة والسلام:

((من أحب دنياه أضر بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه, -بعضهم قال: هذه صيغة استفهامية, أضر بدنياه, لا يضر دنياه.
ثم يقول النبي الكريم-: فآثروا ما يبقى على ما يفنى))

نقطة مهمة في هذا الموضوع, ما هي؟ :

 يروون: يوجد هذا شاعر جاهلي, اسمه: زهير بن أبي سلمى, له معلقات شهيرة جداً, أخواننا الطلاب درسوه في العاشر, فهذا كان في حرب حروب طويلة, يعني: أذهبت بأرواح الآلاف في الجاهلية, الجاهليون كانوا ......
واحد مد رجله, قال:
 من كان أشرف مني فليضربها
 فرجل ضربها, بقيت الحرب عشر سنوات بين قبيلتين؛ داحس وغبراء, وحرب البسوس, فكان في رجل اسمه: هرم بن سنان, هذا الرجل دخل وسيطاً بين القبيلتين, ودفع من ماله الخاص ديات القتلى, حتى عم السلام بين القبائل.
 فالشاعر زهير بن أبي سلمى شاعر جاهلي, مدحه مديح طويل في أكثر معلقاته, ومات زهير بن أبي سلمى, ومات هرم بن سنان.
 سيدنا عمر في مجلسه, دخل عليه ابن هرم بن سنان, قال له:

((هل تذكر شيئاً مما قاله زهير في أبيك؟ قال له: أذكر, فذكر, أسمعه قصيدة, سيدنا عمر طرب لها, قال له: والله هذا مديح, والله لقد أحسن المديح فيكم, فهو ابن هرم قال له: والله ونحن يا أمير المؤمنين, أحسنا العطاء, –أعطيناه أيضاً, يعني: ما نظم قصيدة, إلا أخذ مقابلها-, فقال له: لكن عطاءه لكم باق, وعطاءكم له زائل))

 أنتم أعطيتموه ناقة, الناقة انتهت, أما هذه القصائد لألف سنة تبقى.
 فالإنسان أحياناً: يكون له عمل يزول مع الموت, انتبه لهذه النقطة, اعمل, الموت هو علامة, كل عمل ينتهي عند الموت ليس له قيمة.

قصص وعبر :

 شخص عنده بيت, فساواه جبصين كله, شيء جميل جداً.
 قال لي أخ مهندس, قال لي: وضعنا له اثني طون جبصين في السقوفة, اثني طون, أصبح شيء جميل جداً, حسناً: هذا مات, أخذوه على باب صغير, وضعوه بقبر, أين بقي الجبصين؟ انتهى.
 كل شيء تفعله في البيت, إذا يدخل معك في القبر, عينك عليه, ممتاز, وسام شرف, إذا ينتهي عند الموت, يزيدك حسرة, النقلة لأنه من بيت فخم جداً لباب صغير صعب جداً, جداً صعبة, من بيت أربعمئة متر بلاط إيطالي, جبصين لمتر ونصف, لباب صغير فيه جرذان, والله مشكلة, العاقل يعد لهذه الساعة التي لا بد منها, عدة لا بد منها.
 أعرف رجل له بيت بأضخم بناية بالمالكي, ابنه صديقي, يعني صعب توصف له بيته, هو رجل تاجر تحف, دار العالم بأكمله, أجملها في العالم في بيته, وتوفي في أحد أيام الشتاء المطيرة, من حوالي عشر سنوات, جاءت أمطار ثمانية أيام وراء بعض, القبر الذي اشتروه, ابنه مهندس, اشتروا قبر, الجنازة وصلت للمقبرة, فتحوا القبر, فلتت فيه سياقات, ماء أسود, صار فيضان, سياقات فلتت, في فتحة ضعيفة خرقت, دخل الماء, ماشية ماء سودة, سألوا ابنه: ماذا نفعل؟ قال لهم: ضعوه, ماذا نفعل؟.
 مدير معمله, ويصلي عندي, قال لي: والله يا أستاذ, أسبوعان لم أذق لقمة في البيت, هذا معلمي هنا وضعوه!؟ يأتي بحرامات الموهير بالبريد الجوي, لم يستعمل لحاف بحياته, لحاف ثقيل, حرام موهير, هذا خفيف جداً, ثلاثة فوق بعضهم بلا وزن, يضخون ناراً, عنده أناقة تفوق حد الخيال, نظايفي, موسوس, مزوق, أصبح مصيره بقبر في سياقات.
 يقول لي: أنا أسبوعان لم أذق الطعام.
 فإذا واحد موضوع القبر دخله بحساباته أخواننا, والله من السعادة, اذهبوا إلى المقابر, اطلعوا جنائز, من العبادة والله, لكن مستحيل واحد منا يقف أمام قبر مفتوح, فتحوا هذا النعش, طالعوا الميت, ملفوف, مرصوص, مشدود, نزلوه.
 أنا أعرف شخص, يمكن بقي فرجة, يوجد هكذا مئة سانتي, وضعوا بلاطة, لكن البلاطة قصيرة, جاء الحفار بالمجرفة, جر التراب, يمكن نزل فوقه حوالي خمسة كيلو تراب فوق رأسه, خلص, انتهت ....... ذهبوا إلى البيت, أكلوا الأوزي, والترتيبات .......
 قال له: أين ذاهب؟ قال له: ذاهب لأسكر على روح أبي.

((يا أهلي, يا ولدي, لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي, جمعت المال مما حل وحرم, فأنفقته في حله وفي غير حله, فالهناء لكم والتبعة علي))

 قال لي شخص: والله يا أستاذ, من ثلاثين سنة لم أذهب للاذقية لمرة واحدة, أخذت منها البيجو, وأنا من معملي لبيتي.
 قال لي: أعمل مثل الحمير الطرابة, حتى النسوان يسعدون, ويلبسون أحدث اللبس, وأحدث ......
 والله عقله صغير, هو يعمل ليلاً نهاراً, بلا كلل ولا ملل, لم ير شيئاً من الدنيا, حتى يعيشوا أهله فسق وفجور, فكروا يا أخوان.

((يا أهلي, يا ولدي, لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي, جمعت المال مما حل وحرم, فأنفقته في حله وفي غير حله, فالهناء لكم والتبعة علي))

ملخص الدرس :

 نحن ممكن نلخص اللقاء: أنه إذا الإنسان تمنى الدنيا, سقط من عين الله, إذا تمنى الآخرة, ولم يعمل لها, الطريق مسدود:

﴿لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ﴾

[سورة النساء الآية:123]

 الآن: إذا سعى للآخرة, لا يُقبل إلا سعي خاص:

﴿وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً﴾

[سورة الإسراء الآية:19]

 ما لم تتحرك, ما لم تتحرك, ما لم تقف موقف, ما لم تعط, ما لم تمنع, ما لم تغضب, ما لم ترضى, يجب أن تغضب لله, وأن ترضى لله, وأن تعطي لله, وأن تمنع لله, وأن تبتسم لله, وأن تقطب لله, وأن تفعل خيراً لله, وأن تمتنع عن شيء لله.
 لما ربنا عز وجل يراك تتحرك حركة في اتجاه مرضاته, لعله يقبلك, لذلك: يوجد مليار ومئتا مليون مسلم, جالسون مرتاحون, أولاً: ليس أمرهم بيدهم, في مؤخرة الركب؛ مصيرهم بيد أعدائهم, لأنهم تمنوا الجنة, الله يرزقنا الجنة, حركة لا يوجد, جالسون مرتاحون, تمنوا الجنة, أما لو تحركوا إلى طاعة الله:

﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾

[سورة النساء الآية:141]

﴿وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الروم الآية:47]

﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ﴾

[سورة محمد الآية:7]

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي﴾

[سورة النور الآية:55]

﴿فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً﴾

[سورة مريم الآية:59]

 وقد لقينا ذلك الغي.
 تدخل دولة بجيشها لدولة ثانية, تلاحق حزب معين, لا يوجد مشكلة, ولا في عتاب, تتحرك دولة ضمن أراضيها, يضربونها, أليس كذلك؟ معناها: أين الاستخلاف يا رب؟ أين التمكين؟ أين التطمين؟ لأنكم أنتم لم تعبدوني.

((إذا عصاني من يعرفني, سلطت عليه من لا يعرفني))

 فنحن نرجو الله سبحانه وتعالى, ألا يجعلنا فتنة للذين كفروا, والحمد لله رب العالمين.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور