وضع داكن
25-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 020 - ما هي علامات حلاوة الإيمان؟ وما لوازمه؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هل فكرت في هذا السؤال؟ :

 أيها الأخوة الكرام, في طائفة كثيرة من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم, تتحدث عن شيء اسمه: طعم الإيمان.
 كلكم وأنا معكم: ذقنا طعم الطعام, وذقنا طعم الشراب, ومعظم الحاضرين متزوج, ذاق طعم الزواج, وهناك من يسافر, ويرى بلاد الله الواسعة, هناك من يستمتع بالمناظر الجميلة, هناك من يتسلم أرقى المناصب, هناك من يملك أكبر الأرصدة؛ المال له طعم, والسفر له طعم, والزواج له طعم, والطعام له طعم, والشراب له طعم, بقي: هل ذاق طعم الإيمان؟.

متى يذوق العبد حلاوة أو طعم الإيمان؟ :

 عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:

((قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: لا يجد أحد حلاوة الإيمان, -الإيمان له طعم حلو, الإيمان له حلاوة-, حتى يحب المرء لا يحبه إلا لله))

 أن تحب إنساناً, ليس هناك بينك وبينه قرابة, ولا شراكة, ولا جوار, ولا مصلحة, ولا تعامل, ولا منفعة, ولا طمع, ولا خوف, لا تحبه إلا لله, فإذا أحببت إنساناً لوجه الله, لإيمانه, ولقربه من الله عز وجل, فقد ذقت طعم الإيمان.

من لوازم طعم الإيمان :

 من لوازم هذا الطعم: أن الإنسان يكره أن يعود في الكفر, كما يكره أن يقذف في النار.
 أحياناً: تجد إنسان على الحرف؛ لسبب تافه تافه يدع الصلاة, لسبب تافه لا يقيم شعائر الله, لسبب تافه لا يؤدي زكاة ماله, مثل هذا الإنسان على حرف, لذلك: لا يجد حلاوة الإيمان, إلا من كان في الأعماق. ما معنى في الأعماق؟

((يكره أن يعود إلى الكفر, كما يكره أن يلقى في النار))

 يعني: ممكن إنسان –للتقريب-, ساكن في بيت ستين متر تحت الأرض, شمالي بدويلعة, وسياقات مكشوفة, انتقل إلى بيت أربعمئة متر بالمالكي؛ تدفئة مركزية, وتكييف مركزي, وأثاث بخمسة ملايين, نقول له: ارجع إلى البيت الأول مثلاً؟.
 مثل قريب: راكب شبح, ارجع على الدراجة مثلاً؟ مستحيل.

((يكره أن يعود في الكفر, كما يكره أن يلقى في النار))

 هذا الذي ذاق حلاوة الإيمان.

بماذا سمع العباس بن عبد المطلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ :

 حديث آخر: عن العباس بن عبد المطلب, أنه سمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:

((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه عن العباس بن عبد المطلب]

 يعني: أنت قنعان بالإسلام, (رضيت بالله رباً): هل أنت راض عن قضائه وقدره؟.
 يعني: واحد يطوف حول الكعبة, يقول:

((يا رب, هل أنت راض عني؟ يمشي خلفه الإمام الشافعي, قال: ما هذا؟ هل أنت راض عن الله حتى يرضى عنك؟ قال: يا سبحان الله, من أنت يرحمك الله!؟ قال: أنا محمد بن إدريس, قال: كيف أرضى عن الله, وأنا أتمنى رضاه ؟ -ما هذا الكلام؟- قال: إذا سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة, فقد رضيت عن الله))

 أخواننا الكرام, لا يوجد إنسان على الرخاء لا يشكر, ولو .......
 يقول لك: مفوضها, لكن إيمانك لا يظهر في الرخاء, يظهر في الشدة, يظهر حينما تأتي الأمر على خلاف ما تريد, فتقول: الحمد لله رب العالمين, يظهر حينما يفقد الإنسان عزيزاً, يقول: حسبي الله ونعم الوكيل, هنا البطولة.

((الصبر عند الصدمة الأولى))

[أخرجه البخاري ومسلم في صحيحهما, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]

 لذلك:

((ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد -صلى الله عليه وسلم - رسولاً))

[أخرجه مسلم في الصحيح, والترمذي في سننه عن العباس بن عبد المطلب]

حقيقة ينبغي أن تضمها إلى عقيدتك :

 الحقيقة: اسمحوا لي هذا المثل:
 إذا أنت لم تأكل فواكه من شهرين, ولا ذقتها؛ البطيخ, المشمش, التفاح, الكمثرى مثلاً, الدراق, هذه الفواكه الطيبة, ذات الطعم الرائع, إذا نظرت إلى لوحة فواكه رسم, تأملت بها جيداً, هل ذقت طعم الفاكهة؟ مهما تأملت في هذه اللوحة الزيتية, مهما أمعنت النظر, أن تنظر إلى شيء شيء, وأن تذوقه شيء آخر.
 الإسلام على كل لسان, نحن مسلمون والحمد لله, لكن هل ذقت طعم الإيمان؟ الذي يشدك إلى الدين, ليست الأفكار المنطقية, طعم الإيمان الذي تذوقه.
 أحياناً الإنسان: يجد محل متر ونصف, يعني قميء المحل, لا يوجد فيه أي شيء مريح, تجد صاحبه يجلس فيه من الساعة الثامنة للساعة الثامنة في الليل, معناها في غلة بمئة ألف, معناها ذقت طعم الغلة, لحتى ساكن في هذا المحل, المحل لا يعجب, أما الغلة الكبيرة تزخ التعب, نقول: هذا ذاق طعم الإيمان.
 أنا رأيت مرة إنساناً, في أيام الشتاء القارسة, والمطر ينهمر, يركض في العدوي؛ هذا ذاق طعم الرياضة, ذاق طعم النشاط, طعم الخفة, الرشاقة, طعم شعوره أنه هو شاب, يحتاج إلى جري باستمرار.

إليكم هذا الجواب لهذا السؤال :

 فنحن قلنا أول الدرس: شخص ذاق طعم الطعام, والشراب, والزواج, والسفر, والولائم, والمناصب, هل ذاق طعم الإيمان؟.
 عن أنس بن مالك قال:

((قال عليه الصلاة والسلام: ثلاث من كن فيه, وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه -حلاوته وطعمه-: أن يكون الله عز وجل ورسوله أحب إليه مما سواهما))

 كيف؟:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية:24]

 ساكن في بيت فخم, أجرته مئة وخمس وعشرون ليرة, ثمنه عشرون مليون, أجار قبل السبعين, شيء مريح جداً, لكن ليس لك هذا البيت, وهذه الأجرة فيها ظلم شديد جداً لصاحب البيت, فلأنك تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, تركت هذا البيت, وسكنت خارج دمشق, أنت ماذا فعلت الآن؟ آثرت الله ورسوله صلى الله عليه وسلم على مساكن ترضونها.
 أنت بتجارة رائجة جداً, لكن البضاعة حرام بيعها, لم تكن تعرف, فلما عرفت, انسحبت من هذه الشركة, لا لأنها لا تربح, لأن أرباحها طائلة, ولكن فيها تعامل لا يرضي الله عز وجل, انسحبت وفتحت محلاً في آخر الدنيا, والدخل للعشر .........
 إذا كنت تحب الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, وآثرت الجنة على النار, تنسحب من هذا العمل الحرام, فلما الإنسان يؤاثر الدنيا على طاعة الله, يكون ........:

﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ﴾

[سورة التوبة الآية:24]

 له زوجة يحبها حباً جماً, لكن لا يوجد فيها جنس الدين, متفلتة, متبرجة, متعجرفة, لأنه يحبها, رضي بها على علاتها, آثر القرب منها على طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم.

أمثلة :

 أضرب لكم أمثلة:

((أن يكون الله عز وجل ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب في الله))

 الآن: إذا شخص -لا سمح الله-, صار في عنده خلل بجسمه, مرض عضال, يحتاج إلى زرع كلية, تكلف مليونين ونصف, وبيته ثمنه اثنان ونصف مليون, ماذا يفعل؟ يبيع البيت, ويذهب ليجري هذه العملية, ما معنى ذلك؟ أن حياته أغلى عليه من بيته, لذلك: باع البيت.
 أكثركم يعمل في التجارة, لما الإنسان يدفع ثمن قميص سبعمئة ليرة, لماذا اشترى هذا القميص؟ لانهراء القميص أغلى من سبعمئة ليرة, لم يدفع السبعمئة ليرة, إلا حينما أيقن أن البضاعة أغلى, والبائع كيف يبيع القميص؟ رأى السبعمئة أغلى من القميص فباعه, فلذلك: الإنسان لما يبيع ويشتري, دائماً يأخذ الأثمن, إذاً: ذاق طعم الإيمان.

من علامات حلاوة الإيمان :

((وثلاث من كن فيه, وجد بهن حلاوة الإيمان وطعمه: أن يكون الله عز وجل ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن يحب في الله, وأن يبغض في الله, وأن توقد نار عظيمة فيقع فيها, أحب إليه من أن يعود في الكفر))

((أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما, وأن لا يحب المرء إلا في الله, وأن لا يبغض إلا في الله, وأن يكره أن يعود في الكفر, كما يكره أن يلقى في النار))

 هذه من علامات الذي ينبغي أن يذوق طعم الإيمان.

ما هما الثلاثة الذين إذا فعلهم العبد يذوق طعم الإيمان؟ :

 قال عليه الصلاة والسلام:

((ثلاث من فعلهن فقد طَعِم طعم الإيمان؛ من عبد الله وحده , وعلم أنه لا إله إلا الله, وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه))

[أخرجه أبو داود في سننه]

 عبد الله وحده, وأيقن أنه لا إله إلا الله, وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه, فقد طَعِم طعم الإيمان.

ماذا تستنتج من هذه القصة؟ :

 في صحابي جليل, اسمه: أبو طلحة -الآن سأوريكم طعم الإيمان-: تزوج أبو طلحة أم سليم, وهي أم أنس والبراء, فولدت له ابناً, كان يحبه حباً شديداً, قال:

((فمرض الصبي مرضاً شديداً, فكان أبو طلحة يقوم صلاة الغداة, يتوضأ ويأتي النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي معه, ويكون معه إلى قريب من نصف النهار, ويجيء يقيل –ينام بعد الظهر- ويأكل, فإذا صلى الظهر تهيأ وذهب, فلم يجىء إلا إلى صلاة العتمة –العشاء-, قال: فراح عشية –ذهب عشية-, ومات الصبي.

 -في رجل في هذه البلدة, عنده معمل, له ابن يحبه حباً جماً, لما توفي ترك الصلاة, ونقم على الله عز وجل.

 الآن: اسمعوا ماذا فعلت أم سليم, حينما مات ابنها؟-.

 

جاء أبو طلحة, قال: نسجت عليه ثوباً, –غطته بثوب وتركته-, قال, فقال لها أبو طلحة: يا أم سليم, كيف بات ابننا الليلة؟ قالت: يا أبا طلحة, ما كان ابنك منذ اشتكى أسكن منه الليلة,

 

 –الحمد لله ولا حركة, يعني: مات, هي لم تكذب-,

قال: ثم جاءته بالطعام فأكل, وطابت نفسه –يظهر جائع, الأكل طيب, سر-, فقام إلى فراشه, فوضع رأسه, قالت: وقمت أنا, فمسست شيئاً من طيب –تعطرت-, ثم جئت حتى دخلت معه الفراش, فما هو إلا أن وجد ريح الطيب, كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله,

 –انظر الأدب في التعبير: هل رأيت أدباً كهذا الأدب؟-.

قال: ثم كان منه ما يكون من الرجل إلى أهله, ثم أصبح أبو طلحة يتهيأ, كما كان يتهيأ كل يوم, قالت, فقالت له: يا أبا طلحة, أرأيت لو أن رجلاً استودعك وديعة, فاستمتعت بها, ثم طلبها منك فأخذها, أتجزع من ذلك؟ قال: لا, قالت: فإن ابنك قد مات, –بعد ما تعشى ونام, وتزينت له, وكان منه ما يكون بين الرجل وامرأته, واستيقظ وصلى الفجر, وقالت: يا أبا طلحة, لو أن أحداً أعارك عارية استمتعت بها, ثم طلبها منك, أتجزع؟ قال: لا, قالت: فإن ابنك مات,

 ما هذا العقل؟-.

قال أنس: فجزع عليه جزعاً شديداً, يبدو أنه يحبه حباً شديداً, وحدث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, بما كان من أمر أم طلحة في الطعام والطيب, وما كان منه إليها.

 -يعني: معقول يا رسول الله, امرأة ابنها ميت, تعد لي أطيب الطعام, تتزين, تتعطر, يكون مني ما يكون بين المرء وزوجه, ثم تخبرني صباحاً: أنه مات!!-.

 

فقال عليه الصلاة والسلام: فبتما عروسين وهو إلى جنبكما؟ قال: نعم, -انظر أيضاً النبي الأدب, بتما عروسين وهو إلى جنبكما؟-, قال: نعم يا رسول الله, فقال عليه الصلاة والسلام: بارك الله لكما في ليلتكما.

 

قال: فحملت أم سليم تلك الليلة, قال: فولدت غلاماً, فحين أصبحنا, قال لي أبو طلحة: أحمله في خرقة حتى آتي به النبي -صلى الله عليه وسلم-, وأحمل معه تمر عجوة, قال: فحملته في خرقة, قال: ولم يحنَّك, ولم يذق طعاماً, ولا شيئاً, فقلت: يا رسول الله! ولدت أم سليم, قال: الله أكبر, ما ولدت؟ قلت: غلاماً, قال: الحمد لله, قال: هاته لي, فدفعته إليه, فحنكه النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم قال له: معك تمر عجوة؟ قلت: نعم, فأخرجت تمرات, فأخذ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تمرة, وألقاها في فيه, فما زال النبي -عليه الصلاة والسلام- يلوكها, حتى اختلطت بريقه الشريف, ثم دفع النبي, فما هو إلا أن وجد الصبي حلاوة التمر, جعل يمص بعض حلاوة التمر, وريق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-, فكان أول من فتح أمعاء ذلك الصبي على ريق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 يروي المؤرخون: أن هذا الغلام الذي ولد لأبي طلحة وأم سليم, أنجب عشرة حفاظ قرآن))

 

((بارك الله لكما في ليلتكما))

 هذه حلاوة الإيمان, يعني: لا تعتقد في مصيبة تفوق, أن يموت للأب ابن يحبه, ومع ذلك: مع حلاوة الإيمان, كانت هذه المصيبة مقبولة عند هذا الأب وتلك الأم.

هذا حال الناس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهذا حال الناس اليوم :

 أيها الأخوة الكرام, الموضوع: أننا إذا اكتفينا من الدين, لأداء العبادات أداء شكلياً, ولم نلتزم أمر الله, ولم ننتبه عما عنه نهانا, نذوق طعم الإيمان, وإن لم نذق طعم الإيمان, عندئذ نتفلت من الدين شيئاً فشيئاً.
 كيف الناس في عهد النبي دخلوا في دين الله أفواجا؟ والله اليوم حينما يخرجون من دين الله أفواجا؛ بسبب تفلتهم, وانغماسهم في المعاصي, وأكلهم المال الحرام, وانغماسهم في الملذات التي أرادها لنا الأجانب, أرادوها لنا, بحيث تفكك الأسرة, وتنهار الأخلاق, ونبتعد عن الله عز وجل, ويغدو ديننا اسماً بلا مسمى, وقرآننا وشعاراتنا جوفاء فارغة, عندئذ نحتاج أشد الحاجة إلى حلاوة الإيمان.
 هذه حلاوة الإيمان جنب أحاديث, وأيدتها بقصة تبين عظم هذا الموضوع في السنة النبوية.

لماذا ينساق العبد وراء شهواته؟ :

 أخواننا الكرام, أحياناً: أفكار الدين مقنعة, وقوية, وعميقة, ومعها أدلة, لكن صدقني: الطبيب أحياناً يدخن, الطبيب كيف يدخن؟ أيجهل مضار التدخين؟ لا والله, والله هو أعلم الناس بمضار التدخين, يحدثك ساعات طويلة عن أن الدخان يضيق الشرايين, ويملؤها بالكوليسترول, والدخان يسبب سرطان الرئة, والحنجرة, وقد يسبب النواة, وقد يعرض صاحبه لأزمة قلبية, يحدث ملياً عن مضار التدخين, والطبيب يدخن, لماذا؟ هل منعته قناعاته من الدخان؟ لا, لماذا انساق وراء شهوته؟ لأنه ما ذاق طعم الإيمان؛ لو ذاق طعم الإيمان لترك الدخان, لو ذاق طعم الإيمان لترك النظر إلى النساء, لو ذاق طعم الإيمان لترك المال الحرام.

قصة تكاد غريبة عن العقول لكنها مكررة ولكن لا نشعر :

 حدثني أخ قصة, -نرويها بخمس دقائق-, كان في صعوبات بشراء الحديد, الخشب قديماً, -الآن الحمد لله, الأمور كلها فرجت-, فكان في مؤسسة اسمها مؤسسة عمران, هي تبيع الحديد, يبدو أن وجبة حديد كبيرة جاءت, والناس علموا ذلك, فانهالوا على المؤسسة ليشتروا الحديد, والطابور -إن صح التعبير- خمسون, ستون شخص يقفون, وكل واحد معه المبلغ المرسوم خمسمئة ألف, سبعمئة ألف, مئة وخمسون ألف, والكوِّة صغيرة, والناس مزدحمون, يخرج إنسان من هذه الغرفة, ويندفع نحو أحد الأشخاص, كم تريد من الحديد؟ قال له: مثلاً كذا طون, ثمنهم, قال له: هذا ثمنهم, أعطن هويتك, أعطاه, دخل للداخل, أعطن, رأى نفسه انتهى من الأزمة, انتظر, لم يخرج أحد؛ ربع ساعة, نصف ساعة, الخمسون كلهم دفعوا, وأخذوا إيصالات, هو لا يوجد, لا يوجد حركة, فوصل للكوة: أين فلان؟ من فلان؟ لا نعرف أحداً يا أخي, قال: أنا دفعت مئة وخمسين ألف, لمن دفعت؟ هذه الموظفون, هذه السجلات, اجمعهم لا يوجد مشكلة, لا يوجد هذا الاسم عندنا, حسناً: هذا المكان له باب ثان؟ طبعاً يوجد باب ثان.
 شخص نصاب, ليس له علاقة بالدائرة إطلاقاً, بذكاء, طلع أخذ من شخص لهفان, محتار, أمامه خمسون شخص, أخذ منه مئة وخمسين ألف, وهويته, وهرب, يبدو أن الإنسان الفقير, قابل مدير العام, أكد له: ما عندنا هذا الاسم نحن, وما عندنا هذا الشخص, وهذه الملامح, ليس لنا علاقة فيها, قابل ثاني يوم, ثالث يوم, رابع يوم, بقي في الشام, -هو من إدلب-, بقي في الشام خمسة أيام, بعد ذلك: وجد ما في أمل, يعني كل شيء يملكه راحوا عليه, قال: حسبي الله ونعم الوكيل, ركب السيارة وتوجه إلى إدلب, ما إن طرق البيت, حتى صعق أهل البيت: ما الخبر؟ قال له: أنت!! ألست ميتاً!؟ اليوم ثالث يوم تعزية, لم يفهم ما القصة, لماذا أموت؟ نزلت للشام ورجعت الآن, وجد النعوة, ثالث يوم التعزية منتهية ودفنوه, أخذوا جثته, هذا الذي أخذهم, عمل حادث أليم, والله شوه له وجهه, وجدوا جثة يوجد معها هوية, ومئة وخمسين ألف, هوية, في إدلب, ذهبوا إلى إدلب سلموه لأهله, عملوا تعزية, وأقاموه.
 هذا لو عرف في رب سيحاسبه, كان فعل هذا الشيء, أبداً, لا تحب أحد, حب ذاتك, في إله كبير, يحاسب حساب عسير؛ فأنت كلما كبر عقلك تستقيم, كلما كبر عقلك تصدق, كلما كبر عقلك تكون أمين.
 قال عليه الصلاة والسلام:

((أرجحكم عقلاً أشدكم لله حباً))

 ففي ألف قصة مثل هذه القصة, فلما الله عز وجل عاقبه عقاباً شديداً, لم يكن هو معه هوية, لم يكن معه هوية, معه هوية, المئة وخمسون ألف, والله شوه له وجهه تشويه كامل, حتى لم يعرفوا أن هذا الوجه ليس لهذه الهوية, سلموا أهله الجثة, والمئة وخمسين ألف, والهوية, والله عز وجل دمر هذا السارق, وهذه القصة هذه, هذه غريبة, لكنها تتكرر آلاف المرات دون أن نشعر.
 فنحن نريد أن نذوق طعم الإيمان, كي نرضى بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبياً ورسولاً, والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور