وضع داكن
26-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 014 - ما هي الصفات التي تتناقض مع الإيمان؟ وما أنواع العلاقات التي تفسد ذات البين؟ وكيف تتم ﺇصلاحها؟
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ماذا تعني كلمة (رجل) في القرآن الكريم؟ :

 أيها الأخوة الكرام, يقول سيدنا سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه:

((ثلاثة أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس))

 وكلمة رجل: لا تعني أنه ذكر, تعني أنه بطل:

﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ﴾

[سورة النور الآية:36]

﴿رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْع عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾

[سورة النور الآية:37]

﴿مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً﴾

[سورة الأحزاب الآية:23]

 فكلمة رجل في القرآن والسنة: لا تعني أنه ذكر, تعني أنه بطل, والعوام يستخدمون هذا المعنى: فلان أصبح رجالاً: يعني بطل.

ماذا نفهم من مقولة هذا الصحابي الجليل؟ :

 يقول هذا الصحابي الجليل:

((ثلاثة أنا فيهن رجل, وفيما سوى ذلك فأنا واحد من الناس, -من هذه الثلاثة:- ما سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم, إلا علمت أنه حق من الله تعالى))

 يعني: في البشر جميعاً رجل واحد, كلامه من عند الله مئة في المئة:

﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى﴾

[سورة النجم الآية:3]

﴿إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى﴾

[سورة النجم الآية:4]

 فأنت قد تقرأ آلاف القصص, وآلاف الكتب, وقد تستمع إلى آلاف العبارات, هذا كله كلام البشر, فيه الصواب والخطأ, أما إذا قرأت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذا كلام حق, خالص من عند الله, لذلك علماء الأصول قالوا:

((هناك وحي متلو, ووحي غير متلو؛ الوحي المتلو: هو القرآن الكريم, والوحي غير المتلو: هو كلام النبي عليه أتم الصلاة والتسليم))

ما محور أحاديث هذا الدرس؟ :

 أيها الأخوة, محور هذه الأحاديث اليوم: متعلق بالفساد في الأرض, يقول عليه الصلاة والسلام, فيما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه:

((لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل))

((لا يدخل الجنة خب –الخب: المخادع- ولا منان ولا بخيل))

ماذا تعني مقولة سيدنا عمر: لست بالخب ....؟:

 سيدنا عمر يقول -وهذا القول دقيق جداً-:

((لست بالخب, ولا الخب يخدعني))

 يعني: لست من الخبث بحيث أًخدع, ولا من السذاجة بحيث أُخدع, هكذا المؤمن, المؤمن كيس فطن حذر.

((لست بالخب, ولا الخب يخدعني))

 يعني: لا يوجد عندنا مؤمن درويش, بسيط, ساذج, لا, المؤمن يقظ, كيس فطن حذر:

﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾

[سورة النساء الآية:71]

﴿وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ﴾

[سورة الروم الآية: 60]

﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ﴾

[سورة الشورى الآية:39]

﴿وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾

[سورة الشورى الآية:40]

من هو المنان كما ورد في الحديث؟ :

((لا يدخل الجنة خب ولا منان))

 من هو المنان؟ الذي يمن بعطائه, لماذا يمن بعطائه؟ لأنه لا يبتغي وجه الله بهذا العطاء, لو أنه ابتغى وجه الله, لما من على أحد:

﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾

[سورة الحجرات الآية:17]

﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾

[سورة الحجرات الآية:17]

 فالذي يمن على الناس بعطائه, دليل عدم إخلاصه.

هذا حال غالبية الناس اليوم :

 أيها الأخوة, معظم الناس: إذا فعل خيراً, ولم ير استجابة, لم ير تقديراً, لم ير مدحاً, ولا ثناء, ولا امتناناً, لم يعظم, لم يبجل, يقول لك: لم أفعل الخير, ما بين يا أخي, ما بين.
 يقول عليه الصلاة والسلام:

((اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله, إن أصبت أهله أصبت أهله, وﺇن لم تصب أهله فأنت أهله, ومن عرف نفسه, ما ضرته مقالة الناس به))

 فيقول عليه الصلاة والسلام:

((لا يدخل الجنة خب ولا منان -خبيث, مخادع, مراوغ, أفّاك, فتّال.
يعني: هذا الإنسان, الإيمان أرقى من ذلك.

((تركتكم على بيضاء نقية, ليلها كنهارها))

((يا أمير المؤمنين, أتحبني؟ -رجل سأل سيدنا عمر-, قال له: والله لا أحبك, قال له: ولم؟ وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ قال: لا والله, قال: إذاً: إنما يأسف على الحب النساء))

 ولا بخيل))

 

قال تعالى:

﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً﴾

[سورة المعارج الآية:19]

﴿إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً﴾

[سورة المعارج الآية:20]

﴿وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً﴾

[سورة المعارج الآية:21]

﴿إِلَّا الْمُصَلِّينَ﴾

[سورة المعارج الآية:22]

 لو كان متصلاً بالله, لما بخل بماله, لو كان يرى فضل عليه, لما بخل بماله, لو كان يرى خزائن الله, لما بخل بماله.

((أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))

قصة لها هدف :

 لي صديق, أستاذ في الجامعة, أصابه مرض في كبده, توفاه الله عز وجل, لهذا الصديق قريب, -من أخواننا الكرام من رواد المسجد- هذا القريب ذهب إلى بيت ابن عمه, بعد أن توفاه الله, كان على المغتسل, فقال المغسل: أعليه دين؟ -كما هي العادة- فقال أهله: نعم, فقال هذا القريب, الأخ الكريم, قال: أنا علي دينه.
 قال لي: يعني ظننت خمسة آلاف, عشرة آلاف, ليست مشكلة, في اليوم التالي مبلغ كبير, مئة وثلاثون ألفاً, دفعهم بالتمام والكمال, دون تأفف, دون حرج, دون ندم, طبعاً: استخدم أصحاب الحقوق, وأخذ إيصالات, وأعطاهم.
 رجل حدثني هذا الحديث قبل أسبوع بصحن جامع النابلسي, قال لي: والله يا أستاذ, في اليوم التالي اتصالات هاتفية إلى المعمل بشكل غير معقول, من سنوات لا أعرف هذه الكثافة, وبعنا بيعاً, أنا وشركائي الاثنين -هم ثلاثة- صافي أرباح الثلاثة, أو صافي ربحه وحده مئة وثلاثون ألف في اليوم الثاني, أقسم بالله العظيم, وأنا أصدق هذا الكلام, لأن الله عز وجل يقول:

((أنفق بلالاً ولا تخش من ذي العرش إقلالاً))

((عبدي أنفق أُنفق عليك))

 إذاً:

((لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل))

 هذا الحديث عن سيدنا الصديق, قاله عليه الصلاة والسلام؛ مخادع, مخاتل, غشاش, غدار, أفاك, مراوغ, هذا خب, لحمك من خيري, لي فضل عليك, لو تموت لا تؤدي فضلي, هذا كلام فارغ, إن الفضل لله.

((إذا أراد ربك إظهار فضله عليك, خلق الفضل ونسبه إليك))

انتهى.

 

عمل خيري :

 في أحد الأخوة الكرام, توفاه الله, عنده بيت بالعفيف, بيت فخم جداً, أصابه مرض, ليس له وريث, فأراد أن يقدم هذا البيت لجمعية خيرية, فقدمه لإحدى الجمعيات في المهاجرين, بيت ثمنه حوالي ثمانية ملايين, هذه الجمعية كست هذا البيت, جددته, وجعلته مقراً لمركز تدريب مهني للفتيات الفقيرات, هذه بادرة طيبة, لأن أفضل أنواع الزكاة: أن تحول آخذ الزكاة إلى دافع الزكاة, فالفتاة الفقيرة تتعلم الخياطة, بدورة تدريبية من أعلى مستوى ستة أشهر, ثم تعطى ما في الخياطة, تعطى أقمشة, يُؤخذ إنتاجها, ويباع في الأسواق, تصبح منتجة, تقبع في بيتها, لا تكسد, ولا تُكسد, ولها دخلها, نحن بحاجة إلى أعمال من هذا النوع.

كلمة ثناء وشكر :

 أنا أثني على غرفة التجارة, حينما فتحت في خورشيد مركز طبي, والله من أعماقي ممنون, فقير, إنسان فقير, يجد في معالجة تحليل, هذا عمل, هذا عمل جماعي, في مركز بالأكرم أيضاً, مركز طبي بالكويت, مركز ثالث, ما أجمل الدين والدنيا إذا اجتمعا!:

﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾

[سورة المائدة الآية:2]

 البر صلاح الدنيا؛ إذا شخص ساهم بمشروع, ميتم, دار أيتام, مؤسسة خيرية, معهد شرعي, تعليم طلاب العلم, شيء عمل عظيم.
 فالشاهد الذي ذكرته: أن الإنسان حينما يفعل الخير, يشعر براحة في نفسه كبيرة جداً.
 أنا خرجت من أي فكرة ......

ما الذي يلفت النظر في هذا الكلام؟ :

 أيها الأخوة, فهذا الذي قدم هذا البيت هبة, الجمعية أقامت حفلة غداء تكريماً له على هذا العطاء, لفت, كل الناس أثنوا عليه, على المحسن الكبير, الرجل الكريم, التقي النقي, إلا أن واحداً قال كلاماً عجيباً, أما هذا الكلام حقيقي ومؤثر, قال له: أيها الأخ الكريم, لقد دفعت هذا البيت هدية لهذه الجمعية, وكان من الممكن أن تكون أحد المستفيدين من هذه الجمعية, نعطيك في الشهر ثلاثة آلاف ليرة, ممكن الله من عليك, وجعلك تدفع, فهذا الذي يدفع يمكن أن يأخذ, يمكن أن يفقره الله, ويمد يده.
 ألم تروا إنساناً ينقب في الحاوية؟ أنا رأيت كثيراً, ممكن أي واحد منا من شدة الجوع, يدفعه الجوع إلى التنقيب في الحاوية, فإذا الله أعطاك مأوى؛ معك ثمن طعامك, وجهك مصون, ماء وجهك مصون, هذا من نعم الله الكبرى, فإذا الإنسان أعطى لا ينسى, الله قادر يجعله يأخذ, يمد يده, الله قادر أن يجعل الإنسان يتضعضع أمام غني.
 وقد قال عليه الصلاة والسلام:

((من تضعضع لغني, ذهب ثلثا دينه))

 اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
 إذاً:

((لا يدخل الجنة خب ولا منان ولا بخيل))

 هذه صفات تتناقض مع الإيمان.

ما أنواع العلاقات التي تفسد ذات البين, والتي ينبغي أن تبادر إلى إصلاحها؟

1-علاقتك مع الله:

 وعن أبي هريرة رضي الله عنه, أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

((إِيَّاكُمْ وسُوءَ ذَاتِ البَيْن، فَإِنَّهَا الحَالِقَةِ))

[أخرجه الترمذي عن أبي هريرة في سننه]

 ما رأيت حديثاً, المسلمون في أمس الحاجة إليه كهذا الحديث:

((فساد ذات البين))

 العلاقة بين الناس أول شيء, أول نوع من أنواع هذه العلاقة: علاقتك مع الله, إياك أن تفسد بمعصية؛ لا تقطع هذه الصلة بذنب, ولا بقبح, ولا بموقف قذر, ولا بدناءة, ولا بتطاول, ولا بطمع.

((إياكم وفساد ذات البين))

 يعني:

 

ليتـك تحــلو والحياة مريرة  وليتك ترضـى والأنام غضاب
وليت الذي بيــني وبينك عامر  وبينــي وبين العالمين خراب
إذا صح منك الوصل فالكل هين وكل الذي فــوق التراب تراب

 أخواننا الكرام, إذا صحت علاقتك بالله, صح كل شيء, إذا اتصلت بالله, وصلت إلى كل شيء, إن عرفت الله, عرفت كل شيء, إن وجدت الله, وجدت كل شيء, وﺇن لم تجد الله, لم تجد شيئاً, إن لم تعرف الله, لم تعرف شيئاً, إن لم تصل إلى الله, لم تصل إلى شيء.
 ف

 

((إياكم وفساد ذات البين))

 المعنى الأول: احرص على علاقتك بالله.

((ألا يا رب شهوة ساعة, أورثت حزناً طويلاً))

 إطلاق البصر ساعة زمان, نصف ساعة زمان, يحجبك عن الله أياماً.

((من جلس إلى ساحر فلم يصدقه, أو من أتى ساحراً فلم يصدقه, لم تقبل له صلاة أربعين يوماً, ولا دعاء أربعين صباحاً))

 الإنسان أحياناً تجر غفلته ثلاثون يوماً, أسبوعان, أسبوع, شهر, شهران, يصلي, لكن صلاة شكلية, ما دام في تفلت, في تطلع, في إطلاق بصر, في عدم ضبط لسان, في عدم ضبط علاقات اجتماعية, البيت ما هو إسلامي, البيع ما في صحة, في أيمان غير صحيحة, في مبالغة, في إيهام, في تدليس, في حجاب انتهى؛ وكلما الإنسان كان شديد الصلة بالله عز وجل, يحن إلى اتصاله بالله, وكلما النفس تراجعت, حرّكها بالعمل الصالح.
 أنت فيك تقابل ملك؟ لا يسمحون لك, لو أكثرت من تقديم الطلبات, أما ملك الملوك: ممكن تقابله في كل لحظة بالعمل الصالح:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

[سورة الكهف الآية:110]

 احفظوا هذه الآية؛ يمكن ولا بشهرين يسمحون لك, ولا بخمسة أشهر يسمحون لك, تقابل إنساناً ذا شأن, فكيف إذا أردت أن تقابل ملك الملوك!؟ قال:

﴿فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً﴾

[سورة الكهف الآية:110]

ما وراء هذه القصص؟ :

 سمعت من عشرات الأخوان, إنسان خدم إنساناً خدمة راقية, يقول لك: أنا انغمرت بسعادة, ما هذه السعادة؟ هي قربك من الله, اتصالك به, اتصلت بالله, لأن هؤلاء الناس كلهم خلق الله, هم عيال الله.

((أحبهم إلى الله أنفعهم لعياله))

 مرة قال لي أخ, يعمل في التبريد, قال لي: هذا البراد, إذا إنسان اشتراه, وضعه في الشاحنة هكذا ...... وصل للبيت, أوقفه ووضع الفيش, من فرحه يحرقه رأساً.
 كنت أمشي مرة في الحريقة, هذه الاستهلاكية سابقاً, آخر الحريقة, هكذا أخ مبين فقير, اشترى براداً, وأتى بهوندا, وحمله مسطح, وفرحان فيه, يمكن لم ينبهوه, والله خفت أن يوقفه, ويضع الفيش بالكهرباء, ذهبت له, قلت له: انتبه, تأخذه إلى البيت ثماني ساعات, تبقيه واقفاً, بعد ذلك تشعله, خمسة آلاف ثمن المحرك.
 فالإنسان لما يخدم عباد الله, الله يحبه, جرب؛ جرب اخدم إنسان, جرب قدم لله عمل صالح, لا تبتغي به: لا سمعة ولا جاهاً.
 قال لي أخ: أخذ سيارته من الزبداني, أحد الأيام, من خمس, ست سنوات, بالثمانينات, الساعة الثانية عشرة, وجد امرأة تقف, وتحمل طفلاً, وتبكي, وجانبها شاب, وقف: خير, أحداث لبنان المريرة, هم قادمون نازحون من لبنان, ابنهم حرارته واحدة وأربعون, وغربة, والأخ معه سيارة, ركبهم.
 قال لي: والله للساعة الرابعة صباحاً, من مستشفى لمستشفى, لصيدلي مناوب, حتى الساعة الرابعة كله تمام؛ معالجة, وأدوية, وأبر.
 أقسم بالله, اثنا عشر يوماً مغموس بسعادة لا توصف, جرب, جرب اعمل عملاً لله.
 حدثني طبيب أسنان, طبيب من أعلى مستوى, قال لي: جاءتني إنسانة معلمة ابتدائية, دخلها قليل جداً, في خطأ بأسنانها الأمامية, وإذا ابتسمت أمام طالباتها, ومبين دخلها قليل جداً, قالت له: ماذا تقويم الأسنان؟ والتقويم بخمسين, ستين ألف, قال لي: أنا هذا ليس اختصاصي, لكن أنا فيني أفعله بشكل جيد, قال لها: ليس بيننا, قال لي: شهران لحتى العملية تمت, تفضل يا أخي, قال لها: دعوة صالحة فقط.
 أقسم بالله, داخل إلى عنده ألف زبون, مثل هذه السعادة التي ذاقها من هذا المرأة لا يعرف, أنت تعامل خالق الكون, تخدم عبد فقير, تعاون إنسان.
 أنا مرة قلت لكم, لنا صديق في حمص, مرة زرته, بيته, أراني قطعة مسكة, شكلة, ما هذه؟ قال لي: هذه لا أبيعها بالمالكي تبعكم كله, ما هذا الكلام؟ كلها ثمنها ليرتان, ثلاثة يمكن, ما هذا الكلام؟.
 قال لي: في طفل أصيب بحادث, حادث سير, كاد أن يموت, وحوضه تكسر, عملت له سبع عشرة عملية جراحية, خلال خمس, ست سنوات, حتى مشي؛ بعضها بألمانيا, بعضها ببريطانيا, وبعضها بالشام, وبعضها بحلب, حتى مشي, فهذا الطفل بشر, أن هذا الإنسان يخدمه, لما أصبحت صحته طيبة, ويجب أن يسافر إلى عند أهل .......
 طبعاً الحادث: موت والده ووالدته, ليس له أحد, فقط أقرباء والدته بحلب, فيجب أن يغادر, لا يغادر حتى يودع عمه الذي عمل العملية, انتظر ساعة أحرجهم, الباص واقف, أبداً.
 قال لي: وصلت إلى عنده, هجم علي هجمة, وأعطاني الباكيت, لا يملك غيره, هذا تعبيره عن شكره لسبع عشرة عملية؛ بعضها بألمانيا, بعضها ببريطانيا.
 يقول لي: هذا الطفل -الآن: جعله من طلاب العلم الشرعي-, كان ميتاً كان, صار في حادث, كله محطم تحطيم, عمليات كلفته ملايين.
 فقال لي: هذا الباكيت, لا أبيع فيه المالكي تبعكم كله, هذا عمل صالح, هذا ترقى به إلى أبد الآبدين.
 فالإنسان إذا ليس له عمل صالح, كل واحد منا؛ الطبيب بعيادته, والمهندس, والمدرس, والتاجر.
 مرة كنا في الحج, امرأة دخلت إلى عند بائع أقمشة, أخذت منه قماشة, قالت له: راعينا, قال لها: تكرمي يا أختي, قالت له: من أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم راعينا, قال لها: والله قرش لا آخذ ثمنها, ما دام من أجل رسول الله عليه الصلاة والسلام, أنا أيضاً بشر.
 يعني: أنا أقول: محل لا يوجد عمل صالح, والله مشكلته كبيرة؛ كله مادي, كله ثمنه مصاري, في أعمال صالحة ترقى بها إلى الله عز وجل, فلذلك:

((إياكم وفساد ذات البين, فإنها الحالقة))

 أول فساد ذات البين: فيما بينك وبين الله.

 

2-علاقتك فيما بينك وبين الناس :

 ثاني فساد ذات بين: فيما بينك وبين الخلق, خط مع زوجتك, يمكن دائماً يتهكم على أهلها, أمك لا أحبها, والله كلام لا يوجد فيه ذوق أبداً, والدتها, أمك غليظة, أمك حشرية, كنت أريدك مقطوعة من حيط مثلاً, هذا كلام فارغ؛ دائماً علاقته مع زوجته سيئة, علاقته مع أولاده سيئة, مع أخواته سيئة, مع جيرانه سيئة, المؤمن علاقته مع زوجته, مع أولاده, مع جيرانه, مع أخوانه, مع عماله.
 يعني: إذا شخص دخل, وجد الصانع في المحل, أو الموظف, كيف حالك يا بني؟ صحتك طيبة؟ أهلك بخير إن شاء الله؟ يلزمك شيء, هذه ماذا تكلفك؟ اتركه يطير طيران.
 فالحديث الثاني: العلاقة بينك وبين الناس, أول علاقة: بينك وبين الله, إن صحت صح كل شيء.
 الآن: أنت تعيش بين مجتمع؛ لك زوجة, لك أولاد, لك أخوات, لك أولاد عم, لك زبون, يوجد إنسان فظ, غليظ, قاس, متكبر, متعجرف, متغطرس, فوقي, يوجد إنسان متواضع.

قصتان واقعيتان :

 قال: الشيخ رحمه الله, والده للشيخ عطا الكسم, هذا كان مفتي دمشق, وكان من العلماء الكبار, وكان قاضياً, جاءت إلى عنده امرأة من دوما, صحتها سمينة قليلاً, ويوجد درجة أمام المحكمة, صعدت على الدرجة, يظهر خرج منها صوت قبيح, أصبح وجهها مثل التوت, سمعنا -قالت لأختها-, وصلت إلى عنده: ما اسمك يا أختي؟ قالت له: فلانة, قال لها: لم أسمع, ارفعي صوتك, رفعت, قال لها: لم أسمع, أنا سمعي ضعيف يا أختي, ارفعي أيضاً, قالت لها: لاحظت, معناها لم يسمع, معناها, رأيت الكمال, في كمال كبير.
 حدثني عن قاض, قاض في محكمتنا, إنسان موقوف, لم يقتنع بإطلاق سراحه, فقدم المحامي خمسة طلبات استرحام, لم يرد عليه, ثم بدا للقاضي: أنه يجب أنه يطلق سراحه, لكن الموكلين لما رأوا خمسة طلبات, لم يستجب القاضي, فعزلوا المحامي, فلما بدا للقاضي أن يطلق سراحه, طلب الموكلين, قال لهم: ائتوني بالمحامي الأول يقدم طلب, لو أنه استجاب للمحامي الثاني, ماذا يُفهم؟ أن أول محام فشل, لا, ليس له علاقة أول محام, لا يطلق سراحه إلا بالمحامي الأول, ائتوا به يقدم طلب بطلق سراحه, حفظ الحق لأهله؛ فلذلك: العلاقة الثانية: علاقتك مع الناس.

 

3-أن تصلح أي علاقة بين اثنين :

 العلاقة الثالثة: أن تصلح أي علاقة بين اثنين.
 أيها الأخوة, والله إذا الله وفقني للتوفيق بين زوجين على وشك الطلاق, لهم أولاد, والله مكنني: أن أقنع الزوجة, وأقنع الزوج, رجعا إلى ما كانا عليه من ود, ومن وئام, أشعر بسعادة لا توصف, لأنه:
 قال عليه الصلاة والسلام:

((أفضل شفاعة: أن تشفع بين اثنين في نكاح))

 مرة صهر شكا لأخ زوجته عن أخته, أختك هكذا تعاملني, هكذا ..... قال له: طلقها وارتاح, وحش, قال له: طلقها أفضل لك, طلقها, اخلص منها؛ فالمؤمن يوفق بين أخته وصهره.
 يعني: إذا كان صهره دخله محدود, يا أختي والله زوجك لا يوجد مثل زوجك, والله كريم يغنيه, ماذا قدم لك على الولادة؟ لم يقدم لك شيء؟ معقول!!, اختلف الوضع.

نهاية المطاف :

 أيها الأخوة,

((إياكم وفساد ذات البين فإنها الحالقة, لا أقول حالقة الشعر, ولكن أقول: حالقة الدين))

 هذا الحديث مهم جداً, الله عز وجل قال:

﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ﴾

[سورة الأنفال الآية:1]

 كم معنى يوجد؟ ثلاثة؛ أول علاقة مع الله: هذه العلاقة تفسد بالمعاصي والعيوب.
 العلاقة الثانية: مع من حولك.

((يا داود, ذكر عبادي بإحساني إليهم, فإن النفوس جبلت على حب من أحسن إليها, وبغض من أساء إليها))

 العلاقة الثالثة: بين أي شخصين, أنت مهمتك أن تصلح بين أخوين, بين شريكين, بين زوجين, بين جارين, بين أخوين مسلمين, لا يوجد أرقى, ولا أروع: من أن تكون أداة وصل , لا ليس أداة فصل, والنبي قال:

((ليس منا من فرق))

 من فرق أماً عن ابنها, أخاً عن أخيه, جاراً عن جاره, شريكاً عن شريكه.
 عن أبي الدرداء قال:

((قال عليه الصلاة والسلام: ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى, قال: صلاح ذات البين, فإن فساد ذات البين هي الحالقة))

 ويروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:

((هي الحالقة, لا أقول: هي تحلق الشعر, ولكنها تحلق الدين))

[أخرجه أبو داود والترمذي عن أبي الدرداء في سننهما]

 والحمد لله رب العالمين.
 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم, الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور