وضع داكن
19-04-2024
Logo
مكارم الأخلاق - الدرس : 32 - الرفق .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه, واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه:

 أيها الأخوة الكرام, لا زلنا في مكارم الأخلاق, واليوم موضوع الدرس الرفق، وهو لين الجانب بالقول والفعل، والأخذ بالسهل، وهو ضد العنف، والنبي الكريم يقول:

((علموا ولا تعنفوا, فإن المعلم خير من المعنف))

 واحد قال لأمير: سأعظك، وأغلظ عليك قال: ولمَ الغلظة يا أخي، لقد أرسل الله من هو خير منك إلى من هو شر مني، أرسل موسى إلى فرعون، قال له:

﴿فقولا له قولاً لينا لعله يتذكر أو يخشى﴾

  هذا القول لمن قال: أنا ربكم الأعلى، ولمن قال: ما علمت لكم من إله غيري، مع كل هذا: قولا له قولاً ليناً، هذه أخلاق الدعوة، أما الغلظة في الحرب.
 لذلك: هناك أخلاق الدعوة، وأخلاق الجهاد في الجهاد:

﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ﴾

[سورة التوبة الآية: 73]

 أما في الدعوة:

﴿فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾

[سورة فصلت الآية: 34]

 آية الرفق:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ﴾

[سورة آل عمران الآية: 159]

 أنت لين لرحمة أودعت في قلبك بسبب اتصالك بالله.
 وصدق أيها الأخ, ما من مؤمن يتصل بالله اتصالاً حقيقياً, إلا ويمتلئ قلبه رحمة، والرحمة تنعكس ليناً، القضية قانون فيزيائي, تتصل فيمتلئ القلب رحمة تنعكس ليناً، تنقطع يفرغ القلب من الرحمة، بل يمتلئ قسوة فتنعكس غلظة، يوجد إنسان فيه غلظة، وقسوة، وجفاء، وعنف، لأن قلبه امتلأ قسوة من بعده عن الله، والدليل:

﴿فَوَيْلٌ لِلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ﴾

[سورة الزمر الآية: 22]

 أبعد قلب عن الله القلب القاسي، وهي علاقة ترابطية، تبتعد عن الله فيقسو قلبك، ويقسو قلبك فتبتعد عن الله.

ما جاء في الرفق:

 عَنْ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ, أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِي, فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ عِشْرِينَ لَيْلَةً, وَكَانَ رَحِيمًا رَفِيقًا, فَلَمَّا رَأَى شَوْقَنَا إِلَى أَهَالِينَا, قَالَ:

((ارْجِعُوا فَكُونُوا فِيهِمْ, وَعَلِّمُوهُمْ وَصَلُّوا, فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ, فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ))

 إنسان اشتاق لأهله, النبي الكريم رفيق ولطيف.
 عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ, وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ))

[أخرجه مسلم في الصحيح, وأبو داود في سننه]

 كن رفيقاً، ويدعو النبي.
 فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ:

((أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ, فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ, فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا, إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ, وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ, وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ, فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي, أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ, وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 هذا الكلام لأصحاب المناصب، ولمن يعمل في الضرائب والجمارك، ولمن له منصب حساس، وبإمكانه أن يوقع الأذى بالمسلمين، فإذا رفق بهم، ورحمهم، وقبل عذرهم, يرحمه الله يوم القيامة.
 أخ توفي -رحمه الله-, دخل بيتي مرة، وسألني: كم تقدر عمري؟ نظرت إليه فقدرته في الستين، نظرت إليه قلت له: ستون؟! قال: لا ست وسبعون! أقسم بالله أنه يشعر بنشاط الشباب، وقال لي بالحرف الواحد: بإمكاني أن أهد هذا الجدار! ماذا تعمل يا أخي؟ قال: أعمل في الجمارك أربعين سنة، أقسم بالله العظيم أنه ما ضر إنساناً، ولا أكل درهماً حراماً, -وأنا أصدقه, سمعته عالية جداً-.
 مرة أصابه المهربون برصاصات في صدره، وكاد يموت من نزف الدم، وناجى ربه، وقال: يا رب إن أوقعت الأذى بعبد من عبيدك طوال عمري فأمتني، وإلا فأنقذني، وأنقذه الله عز وجل.
 هذا كلام موجه لمن بيده فرض ضريبة أو عقوبة لا تحتمل.
 إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي.
 أعرف أخاً لم أعد أره الآن, يعمل في عمل ومخالفة ليس له فيها سبب إطلاقاً, اشترى بضاعة، ولم يأخذ فاتورة، والبضاعة غير نظامية، ثم بلغني بعد حين: أن الذي باعه إياها هو الذي دله عليه ليأخذ المكافأة، وعلى أثر العقاب الأليم الذي دمره, أصيب بالصرع طول حياته، فهذا الذي ينزل أشد العقاب بالإنسان هو بريء ألا يخشى الله عز وجل، إن الله شديد العقاب، هؤلاء كل الناس عباده، وهو يحبهم.
 الله عنده ورم خبيث، وورم في الدماغ، وفشل كلوي، وتشمع بالكبد، وعنده الله أمراض تجعل حياة الإنسان جحيماً لا يطاق، وهؤلاء عباده:

((إذا أردتم رحمتي فارحموا خلقي))

 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:

((أَنَّ امْرَأَةً بَغِيًّا رَأَتْ كَلْبًا فِي يَوْمٍ حَارٍّ يُطِيفُ بِبِئْرٍ, قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ, فَنَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا فَغُفِرَ لَهَا))

 لأنها رحمت مخلوقاً.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِي اللَّه عَنْه-, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((بَيْنَا رَجُلٌ بِطَرِيقٍ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ, فَوَجَدَ بِئْرًا فَنَزَلَ فِيهَا فَشَرِبَ, ثُمَّ خَرَجَ, فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ, فَقَالَ الرَّجُلُ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا الْكَلْبَ مِنَ الْعَطَشِ مِثْلُ الَّذِي كَانَ بَلَغَ مِنِّي, فَنَزَلَ الْبِئْرَ, فَمَلَأ خُفَّهُ مَاءً فَسَقَى الْكَلْبَ, فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ, فَغَفَرَ لَهُ, قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّه, وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ لَأَجْرًا؟ فَقَالَ: فِي كُلِّ ذَاتِ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ))

 عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِمَاسَةَ قَالَ:

((أَتَيْتُ عَائِشَةَ أَسْأَلُهَا عَنْ شَيْءٍ, فَقَالَتْ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ مِصْرَ, فَقَالَتْ: كَيْفَ كَانَ صَاحِبُكُمْ لَكُمْ فِي غَزَاتِكُمْ هَذِهِ؟ فَقَالَ: مَا نَقَمْنَا مِنْهُ شَيْئًا, إِنْ كَانَ لَيَمُوتُ لِلرَّجُلِ مِنَّا الْبَعِيرُ فَيُعْطِيهِ الْبَعِيرَ, وَالْعَبْدُ فَيُعْطِيهِ الْعَبْدَ, وَيَحْتَاجُ إِلَى النَّفَقَةِ فَيُعْطِيهِ النَّفَقَةَ, فَقَالَتْ: أَمَا إِنَّهُ لَا يَمْنَعُنِي الَّذِي فَعَلَ فِي مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ أَخِي, أَنْ أُخْبِرَكَ مَا سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي بَيْتِي هَذَا: اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ, وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِي شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ))

[أخرجه مسلم في الصحيح]

 وأنا أؤكد لكم: أنه يستطيع أي إنسان بمنصب أن يرحم الناس، ويأخذ الحد الأدنى، وينبههم، ويحذرهم قبل أن يوقع الأذى المدمر بهم.
 عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ:

((كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ لَهُ فَحَدَا الْحَادِي, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ارْفُقْ يَا أَنْجَشَةُ وَيْحَكَ بِالْقَوَارِيرِ))

 القوارير هم النساء.
 عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ, عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:

((مَنْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ أُعْطِيَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ, وَمَنْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الرِّفْقِ فَقَدْ حُرِمَ حَظَّهُ مِنَ الْخَيْرِ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 أحد أبرز الكمالات البشرية: أن تكون رفيقاً لطيفاً، كلمتك، ونظرتك لطيفة، ما تضرب أحداً بيدك.
 يقول أنس: خدمت رسول الله عشر سنين, فما قال لي لشيء فعلته: لمَ فعلته؟ ولا لشيء تركته: لمَ تركته؟.
 عَنْ عَائِشَةَ, أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهَا:

((يَا عَائِشَةُ ارْفُقِي, فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَرَادَ بِأَهْلِ بَيْتٍ خَيْرًا, دَلَّهُمْ عَلَى بَابِ الرِّفْقِ))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

 أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ, أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو قَالَ:

((بِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَقُولُ: اللَّهِ لَأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلَأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ, فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي, قَالَ: فَإِنَّكَ لَا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ, فَصُمْ وَأَفْطِرْ, وَقُمْ وَنَمْ, وَصُمْ مِنَ الشَّهْرِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ, فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا, وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ, قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ, قُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ, قَالَ: فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا, فَذَلِكَ صِيَامُ دَاوُدَ -عَلَيْهِ السَّلَام-, وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ, فَقُلْتُ: إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ, فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ))

 أيها الأخوة, النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل أن ينتقل للرفيق الأعلى, جمع الناس وقال: من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهري فليقتد منه، ومن كنت شتمت له عرضاً فهذا عرضي، ومن كنت أخذت له مالاً فهذا مالي، ولا يخشى الشحناء, فإنها ليست من شأني ولا من طبيعتي.
 عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:

((قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟ عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ))

[أخرجه الترمذي في سننه]

 الحياة مع اللطف, والمودة، والرفق، والمسامحة، والعفو، والصفح، الحياة حلوة وجميلة، وكأنها جنة، والحياة بالعنف والمشاكسة والبغضاء والقضاء, الكلمة الطيبة صدقة، الاعتذار رائع.
 أحياناً تقول لإنسان: سامحني أخطأت, لم يبق شيء، الشر انطفأ، الحقد زال، أما مشكلتنا فيمن يركب رأسه, يخطئ ويتبجح أنه على صواب.
 لذلك: فمن الناس من يدري، ويدري أنه يدري فهذا عالم فاتبعوه، ومنهم من يدري, ولا يدري أنه يدري فهذا غافل فنبهوه، ومنهم من لا يدري, ولا يدري أنه لا يدري فهذا شيطان فاحذروه، هذا جاهل مركب.
 الأعراب قساة، دخل أعرابي شعر بحاجة للتبول، بال بالمسجد أمام الناس، والصحابة بكل بساطة.
 -والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان إذا أكل التمر -دققوا في هذا, لو أنه أمسك تمرة وأكلها-, فلما انتهى من مضغها, أمسك بالنواة بإصبعيه، ووضعها على الطبق، ما الذي حصل؟ لعابه من خلال النواة وصل لإصبعيه-، فإذا أكل تمرة ثانية، ورآها قاسية، وتركها إلى ثالثة, ما الذي حصل؟ لعابه الشريف أين وصل؟ إلى تمرة في الطبق, هذا خلاف اللباقة واللطف والذوق-.
 فكان عليه الصلاة والسلام إذا أكل تمرة, وضع نواتها على ظهر إصبعيه لتبقى داخل إصبعيه جافةً لا توصل لعابه على تمرة أخرى!.
 على هذه الدرجة من الرقة والذوق، ويأتي أعرابي ويبول في المسجد-, فلما هبّ إليه الصحابة, قال: دعوه، -يوجد بها حكمة، البول محصور بمكان، دعوه لا تزرموا عليه بوله، يبدو أن الإنسان إذا بدأ بالبول، ثم قطعه إرادة, ففيه أذى كبير-، لذلك قال: دعوه وأهرقوا على بوله ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين.
 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ, أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَسْوَةَ قَلْبِهِ, فَقَالَ لَهُ:

((إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ, فَأَطْعِمِ الْمِسْكِينَ, وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ))

 عَنْ أَنَسٍ -رَضِي اللَّه عَنْه-, أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ, قَالَ:

((مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ, قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَنْ تَعْذِيبِ هَذَا نَفْسَهُ لَغَنِيٌّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ))

[أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح, وأبو داود والترمذي والنسائي في سننهم]

 أيها الأخوة الكرام, مرة ثانية: لا يكون الرفق في شيء إلا زانه, ولا ينزع من شيء إلا شانه، عليك أن تكون رفيقاً, لطيفاً, لين الجانب.
 والملخص لهذا كله: أنك إذا اتصلت بالله, امتلأ قلبك رحمة، انعكست الرحمة ليناً في تعاملك مع الناس، وإذا كنت منقطعاً عن الله, امتلأ قلبك بالقسوة، وانعكست القسوة غلظة وفظاظة في تعاملك مع الخلق، والدليل القوي على ذلك-:

﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾

[سورة آل عمران الآية: 159]

 وبهذا تنتهي الدروس التي تمحورت حول مكارم الأخلاق.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور