وضع داكن
27-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 057 - أحاديث شريفة تبدأ بـ أفضل.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ما أفضل درجات الإيمان؟ :

 أيها الأخوة الكرام، ورد عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قال:

((إن أفضل الإيمان: أن تعلم أن الله معك حيثما كنت))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط]

 ما من ثلاثة إلا هو رابعهم، ولا خمسة إلا هو سادسهم، ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا وهو معهم أينما كان.
 أيها الأخوة الكرام، أساس الاستقامة: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك.

﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً﴾

[سورة الطلاق الآية:12]

 وهو معكم أينما كنتم بعلمه، أنت حينما تعلم أن الله معك بعلمه، وأن مصيرك إليه وأنت في قبضته، لا بد من أن تستقيم على أمره.
 فالإنسان يستحيي من رجل كبير في أسرته؛ يجلس أمامه جلسة مؤدبة، يرتدي أمامه ثياباً جيدة، يضبط لسانه أمامه، يضبط حركاته، وسكناته؛ هذا تفعله أمام رجل كبير في قومك، فكيف إذا آمنت أن الله معك حيثما كنت؟.
 رجل عمل عند النبي -صلى الله عليه وسلم, كبيراً- قال له:

((خذ أجارتك لا حاجة لنا بها, فإني أراك لا تستحيي من الله))

 اغتسل عرياناً.

 

ما هو الإيمان الذي ينجي صاحبه, وما هو الإيمان الذي لا قيمة له؟ :

 أيها الأخوة؛ أن تصل إلى هذا الإيمان, أن تشعر أنك مراقب. قال تعالى:

﴿إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً﴾

[سورة النساء الآية: 1]

 أن تشعر قبل أن تفعل شيئاً أن الله معك؛ مطلع عليك، ناظر إليك، لذلك قالوا: لا تجعل الله أهون الناظرين إليك، أيعقل أن تستحيي من إنسان، ولا تستحيي من الله عز وجل؟ الإنسان حينما يشعر أنه وحده؛ قد يرتكب المعاصي والآثام، أما حينما يشعر أن الله معه يستحيي من الله، وقد مر بنا من قبل:

((اسْتحْيُوا مَنَ اللَّهِ حَقَّ الْحَياءِ، قالوا: وما حق الحياء؟ قال: أنْ تَحْفَظ الرَّأْسَ ومَا وَعى، والْبَطْنَ ومَا حَوى، وأن تذْكْرَ المَوتَ والبلى؛ فإن فعلتم ذلك, فقد اسْتَحْييتم من اللَّه حقَّ الحياءِ))

 أن تشعر أن الله معك حيثما كنت، شعورك أن الله معك يراقبك، كل شيء مسجل عنده؛ هذا الشعور هو أعلى درجة بالإيمان, يعني: ما الإيمان الذي ينجي صاحبه؟ الإيمان الذي ينجي صاحبه: هو الإيمان الذي يحملك على طاعة الله، أما الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله: لا قيمة له إطلاقاً.

 

إليكم هذا الدليل من الكتاب: على أن الإيمان الذي لا يحمل صاحبه على طاعة الله لا قيمة له؟ :

 الدليل: أن إبليس قال ربي:

﴿قال فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ﴾

[سورة ص الآية:81]

 هذا إيمان إبليسي؛ الذي يقول: أنا مؤمن بالله، ويقترف المعاصي والآثام, هذا الإيمان لا يقدم ولا يؤخر، أما الإيمان المنجّي: هو الذي يحملك على طاعة الله، وكل واحد من الأخوة الحاضرين، وأنا معكم؛ حينما تشعر أنه يمكن أن ترتكب معصية, معنى ذلك: أن هنالك خللاً في إيمانك؛ خللاً خطيراً, لأنك لن تستطيع أن تخالف أنظمة السير, إن رأيت الشرطي أمام الإشارة، وإن رأيت شرطياً آخر على عجلات، وإن رأيت مركبة فيها ضابط في الشرطة كبير, والإشارة حمراء، وأنت مواطن عادي، لا تستطيع أن تخترق الأنظمة، لأنك موقن أن علمه يطولك، وأن قدرته تطولك, إذاً: أنت مستقيم، طبقوا هذا المثل، ولله المثل الأعلى، أنت في علمه, وفي قبضته، فكيف تعصيه؟! إذاً: أنتقل إلى شعور مستمر أن الله معك, هذا الإيمان جيد, هذا الإيمان يحملك على طاعة الله, هذا الإيمان يجعلك تنضبط؛ تضبط أعضاءك، تضبط جوارحك، تضبط لسانك، تضبط دخلك وإنفاقك.

هذا ما فرقه العلماء بين هاتين الآيتين :

﴿وهو معكم أينما كنتم﴾

 إلا أن العلماء فرقوا بين:

﴿وهو معكم أينما كنتم﴾

 وبين:

﴿وإن الله مع المؤمنين﴾

 المعية الأولى معية عامة؛ هو مع كل عباده؛ مؤمنهم وكافرهم، لكن:

﴿إن الله مع المؤمنين﴾

 فهذه معية خاصة، هذه معية التوفيق والحفظ والنصر والتأييد:

﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة التوبة الآية: 123]

 المعية العامة؛ الله مع الكافر، مع الملحد، مع العاصي، مع الفاجر، معهم بعلمه، لكن المعية الثانية:

﴿وأَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ﴾

[سورة الأنفال الآية: 19]

﴿أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾

[سورة البقرة الآية: 194]

 هذه معية خاصة: هو معهم؛ ينصرهم، ويحفظهم، ويؤيدهم، ويوفقهم، ومعية الله أثمن شيء على الإطلاق، أن يكون الله معك، كن مع الله ترى الله معك.

ما هو الثمن الذي ينبغي أن يدفعه المسلم حتى ينال معية الله الخاصة؟ :

 أيها الأخوة, لكن هذه المعية الخاصة التي نطمح إليها جميعاً؛ لها ثمن، هل هناك آية تؤكد هذا الثمن؟:

﴿وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

[سورة المائدة الآية: 12]

 إن دفعت الثمن نلت المعية؛ المعية الخاصة، يعني أحياناً تجد التوفيق صارخ؛ تجد أن الله سبحانه وتعالى صرف عنك مصيبة كبيرة جداً بلطفه العميم، وجلب لك منفعة كبيرة بتوفيقه العظيم، أحياناً: تشعر أنك أقوى من كل المحن، أحياناً تشعر أنك في حصن حصين، وفي حرز حريز، أحياناً تشعر أن هناك من يلهمك الصواب، أن هناك من يحفظك من كل الجهات، أن هناك من يصرف عنك الأذى والضر، هذا الشعور بالقرب من الله، وبتوفيق الله ونصره؛ شعور لا يقدر بثمن، ثمنه أن تقدم الطاعة:

﴿لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾

[سورة المائدة الآية: 12]

 هذا السبيل.

 

لاحظ الفرق بين المعية العامة وبين المعية الخاصة :

 فهناك معية عامة؛ هذه تشمل كل المخلوقات -حتى الكفار-, وهناك معية خاصة بالمؤمنين، المعية العامة: معية علم، أما المعية الخاصة: معية إكرام، معية الله العامة مع الناس كلهم؛ أنه يعلم سرهم وجهرهم، معية الله الخاصة -للمؤمنين-: أنه يحفظهم، ويوفقهم، وينصرهم، ويؤيدهم، ويسعدهم, هذه ثمنها؛ أن تقيم الصلاة, وأن تؤتي الزكاة، وأن تستقيم على أمره، وأن تحسن إلى خلقه، والباب مفتوح لكل الناس.

مشكلة ونصيحة في آن واحد :

 أيها الأخوة, المشكلة: أن الناس ليسوا راضين عن أرزاقهم؛ كل إنسان يتمنى أن يزداد رزقه، وكل إنسان يعتقد أنه مظلوم، لكن الناس راضون عن عقولهم، وعن إيمانهم، كل يدعي أنه عالم، أو أنه مؤمن، أو أنه عاقل، أو أنه متفوق بالإيمان والمعاصي التي يرتكبها, دليل ضعف إيمانه، فالإنسان لا يتملق نفسه.
 أنا أنصح هذه النصيحة:
 ابتعد عن أن تحسن الظن بنفسك؛ مهما أسأت الظن بنفسك فأنت على صواب، ومهما أحسنت الظن بها فأنت على خطأ، بالغ في سوء الظن بنفسك، وبالغ في حسن الظن بأخيك، بالغ في سوء الظن بنفسك، وبحسن الظن بأخيك.
ومن أساء الظن بأخيه, فقد أساء الظن بربه.
 حاول أن تلتمس لأخيك عذراً، حاول أن تبحث له عن مبرر، حاول أن تبحث له عن مسوغ، أما حينما تخطئ, لا تقل: أنا أرتقي، أو هذه مصيبة ترقية؛ لا، لا تجامل نفسك؛ كن قاسياً معها، من أجل أن تنجو.
 لذلك: من حاسب نفسه حساباً عسيراً؛ كان حسابه يوم القيامة يسيراً، ومن حاسب نفسه في الدنيا حساباً يسيراً .....
 كلمة لا تدقق، كلمة نحن عبيد إحسان، لسنا عبيد امتحان، كلمة لا يسعنا إلا عفوه، كلمة من منا لا يخطئ، كلمة نحن فقراء إلى فضل الله، أمرتنا فارتكبنا، أمرتنا فلم نأتمر، نهيتنا فلم ننتهِِِِ، ولا يسعنا إلا فضلك, هذا كلام غير مقبول أبداً، هذه كلمة حق أريد بها باطل، هذه يقولها الإنسان في حالات خاصة، وهو في أعلى درجات القرب من الله.

كيف نوفق بين هذه الآية

﴿ادخلوا الجنة ..... تعملون﴾

 وبين هذا الحديث: (لن يدخل أحد الجنة .....)؟

 

 في بعض الأحاديث أنه:

((لا يدخل أحدكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنتَ!؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته))

((لن يدخل أحد الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله!؟ قال: ولا أنا, إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل))

((لن يدخل أحدا الجنة عمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله!؟ قال: ولا أنا, إلا أن يتغمدني الله برحمته))

 هذا الحديث: يسبب إشكالاً كبيراً للناس؛ يتوهمون أن الجنة ليست بالعمل، مع أن الله جل جلاله يقول:

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 32]

 يقول النبي الكريم:

((لن يدخل أحدكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنتَ!؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته))

 فكيف نوفق بين الآية والحديث؟! الآية قطعية الدلالة:

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 32]

 أحد الصحابة الكرام (سيدنا جعفر) اقترب من المعنى الدقيق لهذه الآية؛ قال: ادخلوا الجنة برحمتي, واقتسموها بأعمالكم.

إليكم هذين المثلين لتوضيح ما سبق ذكره في علاقة التوفيق بين الآية والحديث :

 أنا أضرب مثلين لتوضيح هذا الحديث: لو أنت أباً توفي، وترك ولداً فهيماً فطناً؛ لكن لم يترك له شيئاً, فجاء عمه، وقال: يا بن أخي؛ إذا أردت أن تتابع دراستك، فأنا معك إلى آخر سنة في الجامعة، إن أبديت نشاطاً واجتهاداً, فأنا معك وإلا لن أنفق عليك, فدخل أول صف؛ نجح, تفوق، الصف الثاني، الثالث، الرابع، دخل الجامعة؛ أول سنة، الثانية، الثالثة، الرابعة، أكمل ماجستير، أكمل دكتوراه، ونال شهادة عليا، تمتع بدخل كبير، ومرة جالس مع عمه؛ فقال ابن الأخ لعمه: قال له: والله يا عماه؛ لولا فضلك ما كنت بهذا الحال, فقال له: يا بن أخي، لولا اجتهادك لما أعطيتك. هل هناك تناقض بين الكلمتين؟ لو أن ابن الأخ ما اجتهد؛ لما تابع دراسته، ولو أنه كان مجتهداً, لكن العم ما استفاد بشيء.
 أضرب مثلاً آخر يوضح هذه الحقيقة: لو أن أباً قال لابنه: إن نلت الدرجة الأولى, اشتريت لك أغلى دراجة في البلد؛ مكافأة لك، فهذا الابن عندما نال الدرجة الأولى, وحمل الجلاء بيده؛ توجه مباشرة إلى بائع الدراجات، وقال له: هذا الجلاء، أعطني الدراجة، هل يعطيه شيئاً؟ ها هو نجح؛ الأولي, لا بد أن يدفع الأب ثمن الدراجة، هذا اتفاق بين الأب وبين الابن، لا بين الابن وبائع الدراجات. يعني عملك كله يساوي ثمن مفتاح بيت؛ ثمنه مئة وخمسون مليوناً، المفتاح ثمنه ثلاث عشرة ليرة، لكن لا بد من هذا العمل، أما البيت لا يقدر بثمن، البيت لا يساوي العمل، يعني عملك يساوي ثمن مفتاح بيت، أما البيت ثمنه مئة وخمسون مليوناً، أما عملك ثمنه ثلاث عشرة ليرة سورية، فهذا التوفيق بين الآية وبين الحديث:

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 32]

 العمل سبب وليس ثمناً، في فرق؛ ليس عملك ثمناً للجنة، ولكنه سبب للجنة، أما الثمن هو فضل الله عز وجل؛ لولا أن الله خلق الجنة، ووعدنا بها، وتفضل بها علينا؛ لما دخلناها، إذاً: الجنة فضل، والعمل سبب، وليس ثمناً.
 أوضح مثال: عملك يساوي مفتاح بيت، البيت ثمنه مئة وخمسون مليوناً، فإذا دخلت البيت، فالذي قدم لك البيت؛ أنا داخل بالمفتاح. يقول لك: المفتاح لا يساوي شيئاً، أنا قدمت لك المفتاح؛ تكرماً مني إليك، فإذا توهمت أن هذا المفتاح هو ثمن هذا البيت, هذا وهم كبير جداً.
 بعض الأدعية الرائعة:
 اللهم رحمتك أرجى لي من عملي.
 لا بد من عمل؛ لكن هذا العمل سبب وليس ثمناً، لذلك العلماء قالوا: الجنة محض فضل, والنار محض عدل.
 الجنة فضل، والنار عدل، لذلك: رحمة الله وسعت كل شيء.

((إن أفضل الإيمان: أن تعلم أن الله معك حيثما كنت))

((أفضل الدعاء: أن تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة))

 اللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.

 

نعمة قد يغفل عنها كثير من الناس :

 أخواننا الكرام، الذي يتمتع بصحة جيدة؛ هذا غني جداً، وثمن هذه الصحة لا يقدر إطلاقاً، لأن المال كله لا معنى له أمام فقد الصحة.
 سيدنا علي -رضي الله عنه-، ذكر ثلاث نعم على التسلسل: نعمة الهدى، ونعمة الصحة، ونعمة الكفاية؛ فإذا كنت مهتدياً، صحيحاً، مكتفياً, ما فاتك من الدنيا شيء.

نقاش جرى بين ملك ووزيره :

 قال ملك لوزيره: من الملك؟ -الوزير خاف، الملك جبار-, قال له: أنت. قال له: لا؛ الملك رجل لا نعرفه ولا يعرفنا، له بيت يؤويه، وزوجة ترضيه، ورزق يكفيه، إنه إن عرفنا جهد في استرضائنا، وإن عرفناه جهدنا في إذلاله.
فإذا واحد من أخواننا الحاضرين, اهتدى إلى الله، واستقام على أمره، وتمتع بصحة جيدة، وعنده قوت يومه؛ عنده ثمن وجبة طعام واحدة، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها، لا يقل: لا يوجد بيع، السوق ضعيف، عندنا بضاعة كاسدة, الإنسان حينما لا يحتاج أن يغسل كليتيه كل أسبوع, هو غني جداً، حينما لا يحتاج أن يضع دسام لقلبه, هو غني جداً, حين لا يحتاج أن يذهب إلى بلد بعيد, ليجري عملية جراحية, نجاحها بالمئة خمسين, تساوي ثمن بيته؛ هو غني جداً.
 فاللهم ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
 أكبر الدعاء: أن تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة؛ فإنك إن أعطيتهما في الدنيا, ثم أعطيتهما في الآخرة؛ فقد أفلحت.

((أفضل الدعاء: أن تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، فإنك إذا أعطيتهما في الدنيا، ثم أعطيتهما في الآخرة، فقد أفلحت))

 هذا هو الملك الحقيقي الذي وصل إلى عفو الله في الدنيا وعافيته، وإلى عفو الله في الآخرة وعافيته، ارزقنا العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
 وكان هذا الدعاء: من أحب الأدعية إلى النبي صلى الله عليه وسلم، من أحب الأدعية إلى النبي هذا الدعاء.

 

أفضل الصدقة: أن تشبع كبداً جائعاً :

 الحديث الثالث:

((أفضل الصدقة أن تشبع كبداً جائعاً))

 لذلك: سئل عليه الصلاة والسلام:

((أي الإسلام أفضل؟ قال: أن تطعم الطعام))

 لكن الولائم التي يقيمها بعض الناس؛ هذه ولائم بعضهم لا يبتغون بها وجه الله عز وجل, هذه يتبارون فيها مع أندادهم, والمتباريان -كما قال عليه الصلاة والسلام- لا يجابان، ليس هدفه أن يطعم جائعاً، هدفه أن يعرض عليك مستواه الرفيع الذي يعيش به، هذه ولائم يدعى إليها الأغنياء، ويحرم منها الفقراء، تجد الغني مشمئزاً, لا أريد لحماً، الفقير جائعاً, ما أكل لحماً منذ شهر.

 

تطبيق عملي للحديث الذي ذكر آنفاً :

 كان في عالم جليل في الشام -الشيخ عطا الكسم- كان مفتياً، وكان عالماً جليلاً, له عادة محرجة جداً, إذا عزم كبراء البلد؛ صنع لهم طعاماً عجيباً خشناً -يعني مجدرة، كشكة, فأولاده: يا بابا؛ اسود وجهنا, هذا الطعام لا يأكلونه أبداً-, وإذا دعا الفقراء, ذبح لهم الذبائح, هذا الطعام يشتهونه.
 الآن أكثر الولائم تجد: لا أريد لحماً، لا أريد هذه, شيء ملاحظ؛ كلهم أغنياء؛ ادع واحداً، جائعاً، فقيراً, يشتهي أن يأكل اللحم، هذا: أطعم كبداً جائعة.

 أنا سمعت عن رجل صالح، كان سفيراً في بلدنا، لكنه صالح جداً، أكثر همه: أن يدعو طلاب العلم، طلاباً من أطراف الدنيا جاؤوا إلى هنا ليتعلموا، هؤلاء ليسوا أغنياء، فكان يدعوهم إلى مأدبته، كان رجلاً طالب علم هو أساساً؛ فأفضل الصدقة: أن تطعم كبداً جائعة.

نقطة هامة :

 بلغني بعض الأخوان: صدقة الفطر؛ يعني عندنا مبلغ ندفعه؛ خمسون ليرة على الرأس، في بعض الأخوة يجلب بكيلين لحمة -رأس العصفور- وعلبة بازلاء، وكيلين رز، وعلبة سمنة؛ هذا طعام لخمسة أشخاص لأربعة أيام، يقدمون على العيد صدقة الفطر, هذه العلبة؛ علبة بازلاء، كيلين رز، كيلين لحمة، يطبخ طبخة درجة أولى، يأكلها مع أولاده، كثير من الأشخاص الأغنياء يعمل وليمة؛ يدعو الفقراء، ويحسبها من الزكاة، العلماء قالوا: إباحة الطعام ليست من الزكاة.
 أعط هذا الفقير قطعة لحم كبيرة, أعطه أكلة لذيذة بعلبة, يأكلها هو وأولاده وزوجته, الأب أب, لو أطعمته وحده، وتركت أولاده وزوجته يتضورون جوعاً، ماذا فعلت؟! ما فعلت شيئاً، لا بد من أن تقدم هذا الطعام للأهل، أكثر إخواننا إذا كان أحبوا أن يتصدقوا على روح والدهم؛ أقول له: اعمل لي مئة علبة صفيحة، كل علبة فيها كيلين ووزعها -بدون ولائم في البيت-, وزعها على فقراء جائعين، هؤلاء يدعون لك وللمتوفى, إذاً: هنا أفضل الصدقة: أن تشبع كبداً جائعا, والجائعون كثيرون جداً.

 

الأحاديث التي وردت في درسنا اليوم :

 ثلاثة أحاديث:

((إن أفضل الإيمان: أن تعلم أن الله معك حيثما كنت))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والطبراني في المعجم الأوسط]

((أفضل الدعاء: أن تسأل ربك العفو والعافية في الدنيا والآخرة))

((أفضل الصدقة: أن تشبع كبداً جائعاً))

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا،أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور