وضع داكن
26-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 056 - أحاديث شريفة تبدأ بحرف الألف
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

هذه الحقيقة؛ إما أن تعرفها في الوقت المناسب, وإما أن تعرفها بعد فوات الأوان :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((ازهد في الدنيا يحبك الله عز وجل, وازهد فيما في أيدي الناس يحبك الناس))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 الحقيقة، الإنسان أحياناً يحتاج إلى قواعد، والقواعد هي الحكم، والحكم خبرات مكثفة، لماذا ترى الرجل في الستين ممتلئاً حكمة؟ لأن هذه الحكم استنبطها من تجارب الحياة، وكل حكمة استقاها دفع ثمنها، وقد يكون دفع ثمنها باهظاً، فالإنسان إما أن يستنبط الحكم ويدفع ثمنها باهظاً، وإما أن يتبع الدين، فيأخذ توجيهات الله عز وجل؛ افعل ولا تفعل.
 الحقيقة: لا بد وأن تعرف، ولكن إما أن نعرفها في الوقت المناسب فنستفيد منها, وإما أن نعرفها بعد فوات الأوان، أكبر دليل: أن فرعون الذي قال:

﴿أنا ربكم الأعلى﴾

إليكم هذا المثل القرآني الذي ينوه إلى هذه الحقيقة :

 من قوله تعالى عن فرعون:

﴿أنا رِبُكُمُ الأعْلَى﴾

[سورة النازعات الآية: 24]

 والذي قال:

﴿مَا أرى لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي﴾

 هو نفسه الذي حينما أدركه الغرق قال: آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين.
 هذا مثل حاد، صارخ، يعني إنسان ادعى الإلوهية، وعند الموت قال: آمنت بالله. إذاً: لا بد من أن تعرف الحقيقة، لا بد أن يكشف لك الغطاء، والآية الكريمة:

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق الآية:22]

خيارك مع الإيمان خيار وقت :

 أيها الأخوة, خيارك مع الإيمان خيار وقت فقط، خيار وقت، اذكر لي أكفر كفار الأرض الآن؛ هؤلاء الملاحدة، هؤلاء الطغاة، عندما يأتيهم ملك الموت: يشهدون أنه لا إله إلا الله، فقضية المعرفة: قضية وقت؛ لا بد من أن تعرف، لا بد من أن تدرك، لا بد من أن توقن، لا بد من أن تكشف لك الحقائق، لا بد من أن ترى الحقيقة، ولكن فرق المؤمن عن غير المؤمن هو الوقت، المؤمن: عرف الحقيقة في الوقت المناسب، فانتفع بها، وغير المؤمن: عرف الحقيقة بعد فوات الأوان فلم يستفد منها.
 إذاً: الإنسان إما أن يستنبط بعض الحقائق من تجاربه، ولكن بعد فوات الأوان، يعني أنت لما ترى في الطريق شيئاً يشبه القنبلة؛ تقول: هل هذه قنبلة، أم ليست قنبلة؟ أنت أمام شيئين؛ إما أن تأتي بخبير فينبئك الحقيقة، قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[سورة فاطر الآية: 14]

 وإما أن تحاول أن تكتشف الحقيقة بنفسك، ولو حاولت أن تكتشف الحقيقة بنفسك وانفجرت القنبلة؛ عرفت الحقيقة ولكن انتهى الإنسان، فالحقيقة يمكن أن تعرف، ولكن الثمن باهظ جداً؛ الثمن الآخرة.

هذا الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن :

 الغربيون الآن ألم يعرفوا الحقيقة؟ الأسرة انتهت، الأخلاق انتهت، القيم انتهت، الأمن انتهى، في ازدهار اقتصادي كبير، في صناعة راقية، لا يوجد أمن، لا تستطيع أن تتجول بعد المغرب في أي مكان بأمريكا.
 حدثني صديق ركب طائرة أجنبية، من بلد غربي إلى الشام، قال: ألقي على الركاب -يعني توجيهاً باللغة الإنكليزية أو بلاغاً, قيل لهم: أنتم ذاهبون إلى أفضل بلد بالأمان في العالم: دمشق- بإمكانك أن تتجول أنت وزوجتك إلى ساعة متأخرة من الليل، دون أن تخشى شيئاً.
 فالنقطة الدقيقة في مطلع هذا الدرس: الحقيقة: لا بد من أن تعرف الفرق بين المؤمن وبين غير المؤمن؛ المؤمن عرفها في الوقت المناسب فانتفع بها, غير المؤمن عرفها عند الموت فلم ينتفع بها. والله عز وجل قال:

﴿فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ﴾

[سورة ق الآية:22]

ما وراء هذه الآيات :

 قال عن فرعون:

﴿آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ﴾

[سورة يونس الآية:90]

﴿يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ﴾

[سورة الزمر الآية: 56]

َ

﴿يَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَاناً خَلِيلا﴾

ً

[سورة الفرقان الآية: 27-28]

 هذه الآيات كلها تؤكد: أن الإنسان يعرف الحقيقة، لكن بعد فوات الأوان؛ أنت مكلف أن تعرفها قبل فوات الأوان.

متى ينبغي أن تدرك هذه الحقيقة؟ :

 أيها الأخوة, ما الفرق بين أوروبا حينما تأمر بمنع الخمر كما فعلت روسيا, الاتحاد السوفييتي السابق, قبل أن ينهار بسنوات منع الخمر، حرم الخمرة كلية، عرفوا الحقيقة وأصدروا هذا القرار لتحريم الخمر، لكن متى عرفوها؟ بعد أن أدمن نصف الشعب، بعد أن أصبح الشعب عضواً أشلاً.
 فالنقطة الدقيقة: لا بد من أن تعرف الحقيقة، ولكن إن عرفتها وأنت شاب صحيح، وأنت معافى، وأنت حي، وأنت في مقتبل الحياة؛ انتفعت بها، أما إن عرفتها بعد فوات الأوان، لم تنتفع بها.
 فأنا إما أن أستنبط هذه الحقيقة من تجاربي, -وقد أعرفها بعد فوات الأوان-, وإما أن أصغي للخبير وهو الله عز وجل. قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[سورة فاطر الآية: 14]

 إما أن أصغي إلى الأمر والنهي، وإما أن أبحث عن الحقيقة بنفسي؛ بنفسي قد أصل إليها وقد لا أصل، وإذا وصلت قد أصل إليها بعد فوات الأوان، بعد أن دمرت الحياة، وانتهت، وليس أمام الإنسان إلا الاستسلام لمصيره.
بربكم؛ الذي يساق ليشنق وهو في طريقه إلى المشنقة، ألم يعلم علم اليقين أنه كان مخطئاً بهذه الجريمة!؟ لكن بعد فوات الأوان، لا بد من أن ينفذ فيه الحكم، ندم أو لم يندم، بكى أم لم يبك، تألم أم لم يتألم، استرحم أم لم يسترحم، تجلد أم انهار، لا بد من تنفيذ الحكم، لذلك: أنا ألح لا أن تعرف الحقيقة، لا، ألح على أن تعرفها في الوقت المناسب، من هنا قال عليه الصلاة والسلام:

((اغتنم خمساً قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك, وصحتك قبل سقمك, وغناءك قبل فقرك, وفراغك قبل شغلك, وحياتك قبل موتك))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

خذ هذه القاعدة :

 هذه قاعدة:
 ازهد في الدنيا يحبك الله، وازهد فيما في أيدي الناس، يحبك الناس.

 

لا تسألن بني آدم حاجـــة  وسل الذي أبوابه لا تغلـق
الله يغضب إن تركت سؤالـه  وبني آدم حين يسأل يغضب

 الله يغضب إن لم تسأله، أما الإنسان يغضب إن سألته.

 

إن فعلت خيراً ينبغي أن تنس هذا الخير، وإن فعل معك خير ينبغي أن لا تنساه :

 القاعدة الثانية:
 إن فعلت خيراً ينبغي أن تنس هذا الخير، وإن فعل معك خير ينبغي أن لا تنساه.
 قاعدة ذهبية.
 إن فعلت خيراً؛ قدمت خدمة، أنفقت مالاً، كسوت عارياً، أطعمت جائعاً، دللت ضالاً، أنفقت من مالك، يجب أن تنسى، وهذا هو الكمال، أما من صنع إليه معروف، ينبغي أن لا ينساه مدى الدهر.
 لا تنس المعروف الذي صنع إليك، وانس كل معروف صنعته للناس، عندئذ تتألق.
 هذه قاعدة ثانية.

عامل الناس كما تحب أن يعاملوك :

 القاعدة الثالثة -ليس هناك أبسط منها-:
 عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
 في بالبيت زوجة ابنك، لو أن ابنتك في بيت عند أهل زوجها، وقسوا عليها: أترضى؟ لا ترضى، حملوها فوق طاقتها: أترضى؟ تركوا لها عبء البيت كله: أترضى؟ استخف بها وبأهلها: أترضى؟ عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
 لك شريك, ضع نفسك مكانه؛ أترضى أن تعامل هذه المعاملة؟ أنت موظف ووقف أمامك مواطن لو أنك مكانه: أترضى أن يسوفك؟ لا. أترضى أن يعقد الأمور عليك؟ لا.
 عندك صانع في المحل، لو أن ابنك مكانه عند إنسان؛ أترضى أن يظلمه؟ أترضى أن يسبه؟ أترضى أن يضربه؟ أترضى أن يحمله ما لا يطيق؟ أترضى أن تعطيه أقل الأجر, لأنه في حاجة شديدة؟ لا ترضى.
 أخواننا، الحياة بسيطة جداً.

ماذا نستنتج من هذه الواقعة التي حدثت في زمن النبي عليه الصلاة والسلام؟ :

 أوضح مقياس: أن تضع نفسك مكان الطرف الآخر.
 يعني: ببساطة مذهلة، جاء رجل شاب إلى النبي عليه الصلاة والسلام، قال: يا رسول الله, ائذن لي بالزنا -أعوذ بالله! ما عرف مقام النبي, يستأذنه أن يزني-, فقام أصحابه، قال:
 دعوه, تعال يا عبد الله، تعال، ادن مني, قال له: أتحبه لأمك؟؟ فاحتقن وجه الغلام، قال له: لا، قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، أتحبه لابنتك؟؟ قال: لا، قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، أتحبه لأختك؟؟ قال: لا، قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، لعمتك .. لخالتك ...؟؟ قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وليس شيء أحب إلى من الزنا، وخرجت من عنده وليس شيء أبغض إلي من الزنا.

((أن فتى من قريش أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! ائذن لي في الزنا، فأقبل القوم عليه وزجروه, فقالوا: مه مه، فقال: ادنه، فدنا منه قريباً, فقال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم, قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم, قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم, قال: أتحبه لعمتك؟ قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم, قال: أتحبه لخالتك؟ قال: لا والله يا رسول الله, جعلني الله فداك, قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم, قال: فوضع يده عليه, وقال: اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه, قال: فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء))

[أخرجه الطبراني في المعجم الكبير, والإمام أحمد في مسنده]

 عامل الناس كما تحب أن يعاملوك، هذه قاعدة.
 ازهد فيما عند الناس يحبك الناس، ارغب فيما عند الله يحبك الله.
 إن فعلت معروفاً انسه، إن فعل معك معروفاً لا تنسه أبداً.
 مهما كنت كريماً, لو قلت للآخر: لحمك من خيري، يمقتك ويرفض إحسانك.

شرح هذه القاعدة :

 قاعدة جديدة: لا توازن نفسك مع أهل الدنيا، وازن نفسك مع أهل الآخرة، في الدنيا انظر إلى من هو أدنى منك.
 ساكن في بيت 150 متر, هناك أناس يسكنون بغرفة واحدة 9 أشخاص، والمجاري مكشوفة، والبيت أجرة، عندك زوجة وأولاد, هناك أشخاص ما عندهم زوجة، عندك أولاد، عندك أولاد طائعين، فدائماً: وازن نفسك في الدنيا مع من هو أدنى منك، وفي الآخرة مع من هو فوقك، لكن أكثر الناس يوازن نفسه مع قطاع الطرق، مع شاربي الخمر، مع الزناة، أنت لست جيداً؛ حينما وازنت نفسك مع المجرمين, لست مجرماً، أما وازن نفسك مع الأتقياء، مع العلماء، مع المؤمنين، مع الصادقين، مع الطيبين، مع المتفوقين، وازن نفسك في الآخرة مع هؤلاء، ووازن نفسك في الدنيا مع من هو دونك، قال لها:

((يا عائشة، إن أردت اللحوق بي؛ فليكفك من الدنيا كزاد الراكب، لا تستخلقي ثوباً حتى ترقعيه، وإياك ومجالسة الأغنياء))

[أخرجه الحاكم في مستدركه]

 طبعاً: غير المؤمنين؛ ستصغر، هو يصغرك, كم يعطونك في الشهر؟ قال له: ثمانية آلاف, فقط ثمانية!؟ يصغرك, ادخل على مؤمن؛ يكبرك، ترتاح معه، من هنا قال سيدنا عمر:
 من دخل على الأغنياء, خرج من عندهم وهو على الله ساخط.

انظر لمن هو أدنى منك في الدنيا؛ فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك :

 هذه قاعدة خامسة:
 انظر لمن هو أدنى منك في الدنيا؛ فذلك أحرى ألا تحتقر نعمة الله عليك.
 آوى إلى فراشه، ليس مضطراً أن يغسل كليتيه في الأسبوع مرتين، ولا يغير دسام قلبه، ولا يزل ورماً خبيثاً في دماغه، ولا يذهب لأوروبا لإجراء عملية معقدة جداً، ليس معه ثمنها، فما دام معافى في جسمه، آمن في سربه، عنده قوت يومه؛ فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها.
 وكان عليه الصلاة والسلام تعظم عنده النعمة مهما دقت، يعني كأس الماء إن شربته و إن أخرجته؛ هاتان نعمتان لا يعرفهما إلا من فقدهما, الذين تفشل كلاهم ممنوع أن يشربوا الماء.

من نعم الله عليك :

 لي صديق, أصيب بفشل كلوي, فعنده كل أسبوع غسيل بابن النفيس، قال لي ابنه: في مرة الممرضة قست عليه ربما وخزته, قالت له: إياك أن تشرب الماء هذا الأسبوع؛ الآلة معطلة.
 أنت حينما تشرب كأس ماء، أنت حينما تشرب كأس ماء وترتوي به بغير حساب, هذه نعمة لا يعرفها إلا من فقدها.
 يعني من يومين, أحد الأخوة قال لي: والدي؛ ورم بالبنكرياس, أغلق طريق المعدة، أغلق طريق الصفراء، أغلق مصب البنكرياس، إقياء مستمر، آلام مستمرة، الطبيب قال: عملية خطيرة جداً, أغلق الطريق.
 فسيدنا علي كرم الله وجهه، من حكمه البالغة: أنه يرى أن أول نعمة ينبغي أن نحمد الله عليها: نعمة الهدى، وأن ثاني نعمة: نعمة الصحة، وأن ثالث نعمة: نعمة الكفاية، يعني:
 إذا كان عندك قوت يومك فقط, فكأنما حيزت لك الدنيا بحذافيرها.
 سيدنا عمر كان يقول إذا أصابته مصيبة:
 الحمد لله ثلاثاً؛ الحمد لله إذ لم تكن في ديني، والحمد لله إذ لم تكن أكبر منها، والحمد لله إذ ألهمت الصبر عليها.

درس اليوم :

 يعني درس اليوم قواعد ذهبية:
 ازهد فيما عند الناس يحبك الناس، وارغب فيما عند الله يحبك الله.
 إن فعلت معروفاً ينبغي أن تنساه، إن فعل معك معروفاً ينبغي ألا تنساه.
 القاعدة الثالثة: عامل الناس كما تحب أن يعاملوك.
 وازن نفسك في الدنيا مع من هو أدنى منك، وازن نفسك في الآخرة مع من هو أرقى منك.
 لذلك: بهذه الطريقة تتحمس للآخرة، وتشكر الله عز وجل على ما في يديك في الدنيا.

من هم أزهد الناس؟ :

 وفي حديث آخر: يقول عليه الصلاة والسلام:

((أزهد الناس: من لم ينسَ القبر والبلى))

 يعني هذا المصير الحتمي، المصير الذي لا بد منه، هذا المصير ينبغي أن يدخل في حساباتنا اليومية، المغادرة الكاملة؛ الإنسان مرتاح؛ أما حينما يلوح له أنه سيغادر بلا عودة؛ إذا كان عمله صالحاً؛ يطمئن:

﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي ﴾

[سورة الفجر الآية: 27-30]

أتريد أن تعرف قيمة العلم؟ إليك ذلك :

 أيها الأخوة, من أجل أن تعرف قيمة العلم؛ إنسان ساكن في بيت في أحد أحياء دمشق الراقية، وفي هذا البيت هاتف، دخله قليل، فما في حيلة بيده، أصيب بمرض؛ لا بد من أن يعمل عملاً بسيطاً، أراد أن يبيع البيت، وأن يشتري بيتاً في ضواحي المدينة، ويشتري بالفارق مركبة عمومية، يعيش منها؛ اتفق مع إنسان عنده بيت بقرية من قرى حول دمشق، والبيت فيه هاتف، واتفقا على أن يتبادلا البيتين, هاتف دمشق أفرغ مع البيت حسب النظام, أما هاتف الريف, فبما أن البيت غير مسجل بشكل نظامي؛ لم يفرغ معه الهاتف, كتب عقد أنه عقد شركة، على أساس حلت وصار الهاتف لفلان، بعد أسبوع أو أسبوعين جاء إلى البيت؛ الهاتف لا يوجد فيه حرارة، سأل, نقل الهاتف, الذي أعطاه نقله كهاتف ثانٍٍ، فاتصل بالمحامي الذي كتب العقد, قال له: ما في أمل, أقم دعوة عليه, أقام دعوة عليه, ادعى الطرف الآخر أن التوقيع غير صحيح, زج في السجن سنة.
 إذاً: هذا الذي أخذ الهاتف الثاني، وزج الأول البريء في السجن؛ كيف ينام!؟ كيف يلقى الله عز وجل؟ شيء لا يعقل، أنت اتفقت معه على تبادل البيتين والهاتفين؛ هاتفك سجل، هاتفه لم يسجل، عملتما عقداً، المحامي قال له: ما في طريق أقم دعوة عليه، أقام دعوة، التوقيع قال: غير صحيح، اللجنة قالت: مزور التوقيع، العقد مزور، سنة سجن، كيف يرتاح الإنسان أن يعتدي على حق إنسان؟ لأنه جاهل، لو عرف أن هنالك إلهاً عظيماً سيقتص منه؛ ما فعل هذا؛ العلم ضروري, من دون علم تأكل المال الحرام، ثم تستحق بطش الله عز وجل؛ الله يبطش، وإذا بطش:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية: 12]

 إذا الله بطش؛ شيء مخيف.

إن بطش ربك لشديد :

 قال لي أخ: أخت اشترت مع أخيها بيتاً بالتساوي، ودفع لها نصف المبلغ عداً ونقداً، ولأنها أخته لم يطلب منها إيصالاً، والبيت لجمعية تعاونية، سجل باسمه، بعد عشر سنوات، أو عشرين سنة، صار ثمن البيت عشرين مليوناً، بعد أن كان ثمنه خمسمئة ألف، قالت له: خذ هذا المليون, واخرج من البيت، ليس لك شيء, البيت باسمي، القصة طويلة جداً، ابن هذا الأخ يحضر عندنا، أنبأني بما فعلت عمته مع أبيه، وله أربعة عشر أخاً، ليس لهم مأوى، والأخت ليس لها زوج، تريد أن تؤجر البيت مفروشاً، وأن تعطي أخاها مليون ليرة، وبيته ثمنه عشرون مليوناً نصفه عشرة، لم يرضَ؛ أخرجته بقوة القانون، بطريقة أو بأخرى، أودع أولاده في بيتين أو ثلاثة، وأودع أثاث بيته في بعض المستودعات، وأسرة شردت، وجاءني ابن هذا الإنسان، وقال لي: عمتي مصابة بالسرطان في أمعائها -والله بعد شهر من تنفيذ الحكم- قلت: خير إن شاء الله. هذا المرض قد يطول سنتين, ثم جاءني بعد شهر ثان, قال: عمتي قد توفيت، ونرجوك أن تلقي كلمة في التعزية, وذهبت إلى البيت، وألقيت كلمة, ثم قال لي: إن أبي وريثها الوحيد, عاد الأخ وأولاده إلى البيت، بعد أن لعنها الله، ولعنتها الملائكة، ولعنها الناس أجمعون:

﴿إِنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ﴾

[سورة البروج الآية: 12]

 الله كبير, فالإنسان بالعلم يخاف منه، بالحمق لا يخاف منه.

رأس الحكمة مخافة الله :

 قال لي مرة طالب: أنا لا أخاف من الله, قلت له: أنت معك حق ألا تخاف منه, قال لي: كيف معي حق؟!.
 قلت له: يا بني؛ أيام يأتي الفلاح على الحصيدة، ويجلب معه ابنه الصغير, عمره سنتان، ثلاثة، يضعه بين القمح، يمر ثعبان لا يخاف منه الصغير؛ لأنه لا يوجد عنده إدراك, لا يوجد عنده خوف، إذا ما في إدراك, ما في خوف, فأنت ليس عندك إدراك إطلاقاً، لأن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:

((رأس الحكمة مخافة الله))

 كلما ازدادت حكمتك ازداد خوفك، كلما ازداد علمك ازداد خوفك، كلما اتضحت رؤيتك ازداد خوفك، هذا الخوف المقدس؛ تعرف أنه إله عظيم، وعادل، كل شيء بيده، ومصيرك إليه، لذلك تخافه، وتحسب حساب الحساب، وتتقي عذابه، وترجو رحمته.

من عد غداً من أجله فقد أساء صحبة الموت :

 قال:

((أزهد الناس: من لم ينس القبر والبلى، وترك زينة الحياة الدنيا، وآثر ما يبقى على ما يفنى, ولم يعد غداً من أيامه، وعد نفسه في الموت))

 من عد غداً من أجله؛ فقد أساء صحبة الموت.
 من عد غداً فقط؛ قال: غداً سأدفع إيصال الهاتف؛ لم يعرف الموت -الموت يأتي بغتة- و لم يعد غداً من أيامه، وعد نفسه في الموتى.

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل اللهم على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور