الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.

ممن يخشى النبي على أمته؟ :

 في بعض الأحاديث التي وردت عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يذكر: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يخاف على أمته, لا من مؤمن ولا من مشرك, لماذا؟ لأن المؤمن يحجزه إيمانه, والمشرك يقمعه كفره.
 إذا الإنسان أعلن كفره, لا أحد يتبعه, لا أحد يعبأ به, لا أحد يصدقه, يسقط من نظر الناس, والمؤمن منضبط, ممن يخشى النبي على أمته؟ من المنافق, الذي يقول بما تعلمون, ويفعل ما تنكرون, من هنا قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح, الذي رواه الشيخان؛ البخاري ومسلم, وهو متفق عليه, وهو من أعلى درجات الحديث:

((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً, ومن كانت فيه خصلة منهن, كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر))

من صفات المؤمن :

 أخواننا الكرام, المؤمن لا يكذب, وحينما يكذب, لا يعد عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مؤمن, قد تغلبه شهوة, ولكنه لا يكذب, لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول:

((يُطبع المؤمن على الخلال كلها.

 -تجد مؤمن مرح مقبول, مؤمن جدي, مؤمن منفتح, مؤمن منغلق, مؤمن انعزالي, مؤمن اجتماعي, مؤمن كثير الإنفاق, مؤمن مقتصد في إنفاقه, هذه طباع, مؤمن عصبي المزاج, مؤمن هادىء المزاج, مؤمن حاد الطبع, مؤمن بارد الطبع, كل هذا على العين والرأس, مؤمنون؛ بأنواع متنوعة, بنماذج متعددة, مقبول, هذا شأن البشر, كل واحد نسيج وحده, هكذا قال عليه الصلاة السلام-:

يُطبع المؤمن على الخلال كلها –دققوا- إلا الكذب والخيانة))

[أخرجه الإمام أحمد في مسنده]

 فإذا كذب أو خان فليس مؤمناً, هناك أخطاء كبيرة يرتكبها المؤمن, ولكنه لا يكذب, ولكنه لا يخون.
 الآن: أصحاب المحلات التجارية, الذي عنده مشروع, عنده موظفون, صاحب المحل التجاري, أو مدير مشروع, يحتمل من موظفيه آلاف الأخطاء, لكنه لا يحتمل كذباً ولا خيانة , أبداً, شيء لا يحتمل هذا, إذا كذب ليس مؤمناً, صار منافقاً.

من صفات المنافق :

1-ﺇذا حدث كذب :

 يقول عليه الصلاة والسلام:

((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً -منافق صرف- ومن كانت فيه خصلة منهن, كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعه: إذا حدث كذب.

 -المؤمن لا يكذب.
 الصدق منجاة, والكذب مهواة.
 أخواننا الكرام, الكاذب محتقر عند نفسه.
 الآن: لو أنك قلت لابنك, قل له: ليس في البيت والدي, والله سقطت من عين نفسك, وسقطت من عين ابنك, وسقطت من عين زوجتك, وهي بهذا القدر .......
 إذا قلت لابنك, قل له: ليس في البيت والدي, لا تكذب.
 هؤلاء الذين يحلفون أيماناً مغلظة, ليبيعوا سلعة, يحلفون وهم كاذبون اليمين الكاذبة, كما قال عليه الصلاة والسلام:

((منفقة للسلعة ممحقة للبركة))

 تبيعها, خجل هذا الزبون, الزبون دين, الزبون حلفت له بالله, وبصحتك, وبأمانتك, أن رأس مالها أكثر, فاشترى.

((منفقة للسلعة))

 يأتيك ضبط تمويني, تعطيه ثمانمئة ليرة, أنت كاذب عليه ب ....... دفعت أربعة أمثال, ...... أبداً.

((اليمين الكاذبة: منفقة للسلعة ممحقة للبركة))

 المؤمن لا يكذب.

هل تصدق؟ :

 هل تصدقون: أن أحد التابعين سافر من المدينة إلى البصرة, ليأخذ حديثاً عن رجل محدث, يروي حديث رسول الله, رأى الرجل يجعل ثوبه هكذا ...... أمام فرسه, يُوهم فرسه أن في ثوبه شعيراً, فلما اقترب منه, لم يجد شعيراً, فعاد إلى المدينة ولم يكلمه, لأنه كذب على فرسه, والذي يكذب على فرسه, ليس أهلاً أن يروي حديث رسول الله, المؤمن لا يكذب, دقق: حينما تكذب, اكتسبت خصلة من خصال المنافقين, أنت أكبر من أن تكذب, الذي يكذب لا يعرف الله, الذي يكذب مشرك, الذي يكذب منافق, أما المؤمن لا يكذب.
 قال له: أتحبني؟ -شخص لسيدنا عمر- قال له: والله لا أحبك, قال له: وهل يمنعك بغضك لي من أن تعطيني حقي؟ فال: لا والله, قال: إذاً: إنما يأسف على الحب النساء-.
 إذا حدث كذب.

الحالات التي أجازها الشرع في الكذب :

 -أيها الأخوة, لكن مسموح بكذبة واحدة, إن سألتك زوجتك: أتحبني؟ فقلت لها: أحبك, هذا جبر لخاطرها, ما كل زوجة كاملة, قد تجد فيها عيوباً كثيرة, لكن المرأة زوجها كل عالمها, فإن لم يحبها سقطت, فإن جبرت كسرها, أعلمتها أنك تحبها, ولو لم تكن كذلك, فهذا رخص فيه النبي عليه الصلاة والسلام.
 ولو أن زوجاً في عشرات العيوب, سأل امرأته: أتحبينني؟ فإن قالت له: نعم, أنت زوجي وسيدي, ومن لي في الدنيا إلا أنت, هذه كذبة أيضاً من الزوجة فيها جبر لزوجها, ليس بالأسعار الكذب, كل شيء أربعة أضعاف تصدقك, تتحدث لأخواتها, تصغر, يضحك عليك, الكذب ليس بالأشعار, بالمحبة فقط, إن سألتك: أتحبها؟ قل لها: أحبك جبراً لخاطرها, وتأليفاً لقلبها, ودعماً لهذه العلاقة, وتيسيراً لتربية الأولاد, ولك أن تكذب بالحرب, فالحرب خدعة, لك أن تكذب في الإصلاح بين اثنين.
 يعني: إذا قلت له: والله فلان لك مكانة عنده, هكذا أفهم منه, أكد لي أنه يحبك, أنك تحتل مكانة في قلبه, هذا ليس كذباً, إن كذبت في إصلاح بين إنسانين, أو كذبت في الحرب, أو كذبت على زوجتك في موضوع واحد, هو حسن العلاقة بينك وبينها, وما سوى ذلك كذب.

انتبه :

 دخل النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى بيت أحد أصحابه, فسمع امرأة تقول لابنها:

((تعال هاك, فانتبه النبي, قال: وماذا أردت أن تعطيه؟ قالت: تمرة, قال عليه الصلاة والسلام: أما إنك لو لم تفعلي, لكتبت عليك كذيبة))

 يعني: إذا كذبت المرأة على ابنها الصغير, هذا كذب.

واقعة :

 لي قريب مقيم بأمريكا, جاء مع أولاده قبل سنتين, عنده ابن صغير جداً, يبدو أنه كثير الحركة, قالت له جدته: اجلس, وسآخذك مساء إلى نزهة, فجلس, جاء المساء, لم تنفذ وعدها, هو عمره سنتان, قال لها: أنت كذابة, هذه جدته, ظن أنه مثل العادة, اجلس مساء نأخذك مشوار, وهذا طفل, رآها تكذب عليه, لذلك دققوا مع أولادكم: قبل ما تنطق الكلمة, عد للمليون؛ هل فيها كذب؟.
 أحياناً الأب: يقف أمام أولاده واعظاً, محاضراً, متكلماً, ينصحهم بالصدق, فيدق الباب: بابا قل له ليس هنا, لأسقطت كل هذه المحاضرات, علمته الكذب عملياً, فهذا الذي حدثته به نظرياً لا قيمة له.

ما سبب تخلف المسلمين, وبماذا جاء الأنبياء؟ :

 قرأت كلمة أعجبتني كثيراً: حال رجل, حال رجل, حال, في ألف رجل أبلغ لا يؤثرون في واحد, ورجل واحد يتكلم صدقاً, يؤثر في ألف حال رجل, في ألف رجل خير من قول ألف رجل, في رجل.
 وما تخلف المسلمون, إلا عندما كفروا بالكلمة.
 الأنبياء بماذا جاؤوا؟ هل جاؤوا مع الصواريخ؟ مع الأقمار الصناعية؟ مع المركبات الفضائية؟ مع الغواصات؟ مع البوارج؟ مع الحوامات؟ مع الكمبيوتر؟ أبداً.
 بماذا جاء الأنبياء؟ بالكلمة, بالكلمة الصادقة, وحينما تكون صادقاً, في بيع بالتعبير العامي: مجأجأ, كله إيمان, أخي سعر هذه البضاعة لا يكفي, سعر مدروس, أنت لك مصلحة, ابحث بالسوق, إن وجدت أرخص لا يوجد مانع, لكن لا تحلف؛ لا بالأمانة, ولا بحياتك, ولا بأغلى ما عندك, ولا بأولادك, أن رأس مالها أكثر, لا, لا, لا تحلف.

هكذا كان يفعل أبو حنيفة النعمان :

 كان سيدنا أبو حنيفة, يدفع ديناراً ذهباً عن كل يمين يحلفه صادقاً, أبو حنيفة النعمان: كان يتصدق بدينار ذهبي عن كل يمين يحلفه صادقاً, لماذا؟ لأن الله عز وجل قال:

﴿وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ﴾

[سورة المائدة الآية:89]

 هذا اليمين احفظه, دعه للملمات-.

2-وﺇذا وعد أخلف, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر :

 إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف.
 -وعد الحر دين.
 المؤمن قبل أن يعد يفكر كثيراً, قبل أن يعد يحسب كثيراً, أما المنافق الوعد سهل عنده, يعد ولا ينفذ, لذلك يقول لك: كلام بكلام.
 أنا أقول: إن أبشع صفة في الرجل, أن يقال عنه كلام فاضي, كلام فاضي, بمصر يسمونه كلمندي, لا يطلع منه شيء أبداً, كله كلام-.
 وإذا عاهد غدر: -يعاهده كي يستضعفه, فإن استضعفه غدر به, ليس هذا من شأن المؤمن أبداً-.

وإذا خاصم فجر))

 إذا خاصم لا يبقي ولا يذر. يعني:

أحبب حبيبـــك هوناً ما  عسى أن يكون بغيضك يوماً ما
وأبغض بغيضـك هوناً ما  عسى أن يكون حبيبـك يوماً ما

 يعني دع.

ما محور هذه القصة التاريخية؟ :

 يزيد بن معاوية كان خليفة المسلمين, جاءه كتاب من مواطن اسمه: عبد الله بن الزبير, يقول له: أما بعد, فيا ..... عفواً: معاوية بن أبي سفيان, جاءه كتاب من عبد الله بن الزبير, يقول في الكتاب: أما بعد فيا معاوية, –معقول خليفة المسلمين, أمير المؤمنين, ولي أمر المسلمين-, أما بعد فيا معاوية, إن رجالك قد دخلوا أرضي, فانههم عن ذلك, وإلا كان لي ولك شأن والسلام.
 إلى جانبه ابنه يزيد, قال له: خذ يا بني, ماذا نفعل؟ -الآن: صار يرجف-, أرى أن ترسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك, يأتوك برأسه, هكذا قرارك؟.
 فقال معاوية: يا بني, غير ذلك أفضل من ذلك, جاء بالكاتب, قال له: اكتب:
 أما بعد, فقد وقفت على كتاب ولدي حواري رسول الله, قال له: فيا معاوية, قال له: وقفت على كتاب ولدي حواري رسول الله, عبد الله بن الزبير, الزبير بن العوام حواري رسول الله.
 أما بعد, فقد وقفت على كتاب ولدي حواري رسول الله, ولقد ساءني ما ساءكم, والدنيا كلها رهينة جنب رضاه, لقد نزلت له عن الأرض ومن فيها.
 يأتي الجواب -اسمعوا الجواب-: أما بعد فيا أمير المؤمنين, أطال الله بقاءك, ولا أعدمك الرأي, الذي أحلك من قومك هذا المحل.
 -أول كتاب: أما بعد, فيا معاوية, إن رجالك قد دخلوا أرضي, فانههم عن ذلك, وإلا كان لي ولك شأن والسلام.
 ثاني كتاب: أما بعد فيا أمير المؤمنين! أطال الله بقاءك, ولا أعدمك الرأي, الذي أحلك من قومك هذا المحل-, جاء بابنه يزيد -تعال إلى هنا, انظر-, ماذا رأيت أنت؟ أن يرسل له جيشاً أوله عنده وآخره عندك, يأتوك برأسه, -اقرأ بماذا أجاب؟-:
 قال: يا بني من عفا ساد, ومن حلم عظم, ومن تجاوز استمال إليه القلوب.

ماذا تفهم من هذه الفكرة؟ :

 سيدنا رسول الله -عليه الصلاة والسلام-: لما قال له أعرابي:

((اعدل يا محمد -بغلظة وجفوة- تبسم النبي الكريم, قال: ويحك يا أعرابي, من يعدل إن لم أعدل؟))

 أعرابي آخر قال:

((يا محمد, هذا المال ليس مالك ولا مال أبيك, قال: صدق, إنه مال الله))

 ألا يستطيع النبي بطرفة عين: أن يضع رأسه على الأرض؟ نعم؛ ولكن:
 يا بني! من عفا ساد, ومن حلم عظم, ومن تجاوز استمال إليه القلوب.

هذا ما صنعه النبي مع صهره :

 أيها الأخوة:

((أربع من كن فيه, كان منافقاً خالصاً, ومن كانت فيه خصلة منهن, كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر))

 يعني: إذا خاصمني بالاعتدال.
 النبي رأى صهره بين الأسرى في معركة بدر, صهره طبعاً: خلص فيه ابنته, طلق ابنته, ودخل مع الكفار في معركة بدر, رآه النبي: لم لم ينكل به؟ قال:

((والله ما ذممناه صهراً))

 صهر ممتاز كان, هو مشرك, وجاء يقاتل النبي, قال:

((والله ما ذممناه صهراً))

((وإذا خاصم فجر))

 أما المؤمن: إذا خاصم يعتدل, مهما كنت غضوباً, ينبغي ألا يحملك غضبك على أن تظلم الناس.

هذه أخلاق المؤمن :

 قال عليه الصلاة والسلام:

((أمرني ربي بتسع؛ خشية الله في السر والعلانية, وكلمة العدل في الغضب والرضا, والقصد في الفقر والغنى, وأن أصل من قطعني, وأن أعفو عمن ظلمني, وأن أعطي من حرمني, أن يكون صمتي فكراً, ونطقي ذكراً, ونظري عبرة))

 أخواننا الكرام, هذه أخلاق المؤمن؛ المؤمن لا يكذب, والمؤمن لا يخلف وعده, والمؤمن لا يغدر بعهده, ولا يفجر بخصومته, خصومته شريفة, خصومته الفرسان, خصومته الشرفاء, يخاصم؛ لكن باعتدال, بالوقائع, بالأدلة, بالطرق القانونية, لا يتخذ أساليب ملتوية في خصوماته, لأن سمعة المؤمن غالية عليه, إنها رأس ماله في الحياة, والمؤمن يعيش بمكانته.
 و: المؤمن على ثغرة من ثغر الإسلام, فلا ينبغي أن يؤتى الإسلام من قبله.
 والمؤمن سفير الإسلام, كل واحد منكم سفير من دون سيارة طبعاً, سفير, يمثل هذا الدين, كل من حولك؛ إن لك اتجاه ديني, أو ارتياد إلى مجلس علم, أو مسحة دينية, أصغر الأخطاء تكبر, هكذا تفعل وأنت من طلاب العلم؟ هكذا تفعل وأنت تحضر مجالس العلم؟ هكذا.

قراءة سريعة لحديث اليوم :

 أيها الأخوة, ننهي درسنا بقراءة الحديث مرة أخيرة:

((أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً, ومن كانت فيه خصلة منهن, كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها؛ إذا حدث كذب, وإذا وعد أخلف, وإذا عاهد غدر, وإذا خاصم فجر))

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم, الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
 اللهم أعطنا ولا تحرمنا, أكرمنا ولا تهنا, آثرنا ولا تؤثر علينا, أرضنا وارض عنا, وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم. الفاتحة.