وضع داكن
16-04-2024
Logo
دروس جامع الأحمدي - الدرس : 045 - العمل الصالح.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد؛ الصادق الوعد الأمين.

 

الجنة محض فضل من الله, وأن الإنسان يدخلها بعمله الصالح, كيف يكون ذلك؟ :

 أيها الأخوة الكرام، في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام مسلم، يقول عليه الصلاة والسلام:

 

((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له))

 أيها الأخوة الكرام، الجنة محض فضل من الله عز وجل، ولكن الله سبحانه وتعالى: جعل الأعمال الصالحة سبباً لها، لا ثمناً لها، وفرق كبير بين الثمن والسبب، فقد تمسك بمفتاح, وتدخل به بيتاً ثمنه مئة مليوناً، هل هذا المفتاح ثمن هذا البيت؟! لا, هذا المفتاح سبب دخول هذا البيت، وليس ثمنه، فالجنة محض فضل من الله عز وجل، ولكن شاءت حكمة الله أن يجعل الأعمال الصالحة سبباً لدخول الجنة:

﴿ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل الآية: 32]

((لا يدخل أحدكم الجنة بعمله, قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا؛ إلا أن يتغمدني الله عز وجل برحمته))

 فالجنة رحمة؛ لكن الدخول إليها بالعمل الصالح، وهذا لا يتناقضان، لو أن إنساناً توفي، وترك شاباً في مقتبل الحياة, قال له عمه: إن اجتهدت في دراستك, فسأنفق عليك إلى آخر سنة في دراستك، فهذا الشاب جاء بالدرجة الأولى، فعمه أنفق عليه، وفي العام الثاني توفق، وهكذا ... حتى أصبح طبيباً، فإذا قال هذا الشاب لعمه: لولا إنفاقك علي، ولولا فضلك علي ما كنت بهذه المرتبة الاجتماعية، فأجابه العم: ولولا اجتهادك لما أعطيتك، فهذان لا يتناقضان، لولا أن هذا الشاب أبدى من أسباب النجاح ما يقنع عمه بالإنفاق عليه, لما أنفق عليه، ولو أن هذا الشاب كان في أعلى درجة من الذكاء والاجتهاد، ولم يشأ عمه أن ينفق عليه، لما صار طبيباً، فأردت من هذا المثل أن أوضح لكم: أنه لا يتناقض أن الجنة برحمة الله، وأن الجنة بعمل الإنسان، هذان المعنيان تكاملان؛ فالله جل جلاله: جعل الجنة محض فضل منه، لكن دخولها بحسب الأعمال الصالحة.
 ورد عن الإمام جعفر -رضي الله عنه-، أنه قال فيما يرويه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:

((ادخلوا الجنة برحمتي واقتسموها بأعمالكم))

 الآن: نحن أمام جنة؛ هي محض فضل، واقتسام درجاتها بسبب العمل الصالح، فأي عمل صالح يؤهلك لدخول الجنة.

 

حجمك عند الله بحجم عملك الصالح :

 أيها الأخوة الكرام, حجمك عند الله بحجم عملك الصالح، بل إن الله سبحانه وتعالى ناظر إلى قلبك؛ فبقدر إخلاصك وصدقك, يجري على يديك الأعمال الصالحة، فالأعمال الصالحة فضل من الله عز وجل, ولكنها ممنوحة بالعدل، هي فضل ممنوحة بالعدل, فكلما علا إيمانك, أجرى الله على يديك الخير، وكلما زاد عملك زاد حجمك عند الله, والدليل:

 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأنعام الآية:132]

هكذا يقيم الشرع الأعمال :

 أخواننا الكرام الحاضرون, كل واحد له عمل, كلمة له عمل واسعة جداً, يعني هو في بيته له عمل, قد يكون زوجاً ناجحاً أو زوجاً غير ناجحاً، قد يكون أباً ناجحاً أو أباً غير ناجحاً، هو في عمله له عمل, قد يكون تاجراً صدوقاً مع النبيين والصديقين والشهداء يوم القيامة، وقد يكون تاجراً كذوباً، وقد يكون تاجراً نصوحاً، وقد يكون تاجراً غشاشاً، قد يكون تاجراً رحيماً، وقد يكون تاجراً قاسي القلب, فلك عمل في بيتك، لك عمل كزوج، لك عمل كأب، لك عمل كجار, في جار رحيم، في جار ما إن يرى حركة في البناء, إلا اتصل وأخبر وجاءت لجنة الهدم لتهدم، وقد يكون الجار مضطراً لتزويج ابنه، يحل مشكلة دون أن يؤذي أحداً، لا يؤذي جاراً لا في منظر ولا في تيار هواء, الصبغة العدوانية مركبة في نفسيته، فأنت لك عمل كأب، لك عمل كزوج، لك عمل كجار، لك عمل كتاجر، لك عمل, نمط سلوكك بحسب تقييم الشرع يعطى درجة, فلان صالح، فلان صالح جداً، فلان كريم، فلان منصف، فلان يحب الخير, يعني: حجمك عند الله بحجم عملك. ف:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأنعام الآية:132]

هذا ما عند البشر وهذا ما عند الله :

 كلكم يعرف: أن الدولة لديها عشر مراتب، وكل مرتبة ثلاث درجات؛ ففي أولى ثالثة، أولى ثانية، أولى أولى، في ثانية ثالثة، ثانية ثانية، ثانية أولى، هؤلاء المليون موظف موزعون في ثلاثين درجة فقط، هذه هي إمكانيات البشر، ما في إمكان أن تعطي لكل موظف ... فيستوي الذي معه دكتوراه من السوربون، أكثر موضوع؛ معه دكتوراه فنون من دولة شرقية, معه دكتوراه انتهى, جاء بالدرجة الرابعة أولى، فالبشر ما عندهم إمكانية أن يكون التصنيف دقيق جداً، أما خالق البشر قال تعالى:

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأنعام الآية:132]

 يعني: إذا كان في الأرض خمسة آلاف مليون إنساناً؛ ففي خمسة آلاف مليون درجة عند الله, كل واحد درجة، العمل بحسب حجمه، بحسب إخلاصه، بحسب الصعوبات التي تعترضه، بحسب الصوارف التي تصرف عنه، بحسب العقبات التي توضع أمامه، بحسب الصعوبات التي يتحملها من يعمله، بحسب المعاكسات، بحسب التقييم، بحسب التضحية، بحسب البذل.

 

إليكم قصة هذا المسجد في إحدى أحياء دمشق في القسم الجنوبي الغربي :

 أخ كريم من أهل اليسار -ليس اليسار يعني عكس اليمين, من أهل اليسار يعني من أهل الغنى-, أراد أن ينشأ مسجداً في إحدى أحياء دمشق، في القسم الجنوبي الغربي، فعن طريق مهندس صديق, بحثوا عن أرض أشهراً طويلاً، وجدوا أرضاً مناسبة، بحثوا عن صاحبها، صاحبها تملكها إرثاً قبل شهر، يعمل مستخدماً في مدرسة، مستخدماً لا يملك إلا ثلاثة آلاف ليرة، راتبه يعيش به مع خمسة أولاد، أيكفونه؟! مستحيل، فصاحب مشروع بناء المسجد، التقى به ليفاوضه على السعر، بعد جلسة مفاوضات طويلة؛ استقر سعر هذه الأرض على ثلاثة ونصف مليون، واتفق الطرفان، البائع والمشتري، على بيع الأرض وعلى شرائها، وقرئت الفاتحة، ووقع المشتري شيكاً بمليوني ليرة كدفعة أولى، ريثما يتم إنجاز معاملات الفراغ، إلا أن المشتري قال كلمة؛ قال له: غداً إن شاء الله في الأوقاف، قال له: ما الأوقاف؟! قال له: هذه الأرض أريد أن أجعلها مسجداً، قال له: مسجداً!! هذه الأرض تحب أن تجعلها مسجداً؟ قال له: نعم.  قال له: هات الشيك، أخذ الشيك ومزقه، قال له: أنا أقدمها لله لا أنت، يقول هذا الرجل الميسور: شعرت أني كذبابة أمام هذا الإنسان، هو معه مئة مليون سيدفع ثلاثة ونصف منهم، أما هذا المستخدم الذي معاشه ثلاثة آلاف وعنده خمسة أولاد, لا يملك من الدنيا إلا هذه الأرض؛ فقدمه، والآن مسجد بنهر عائشة موجود، ومكلف أحد عشر مليوناً مع ثمن الأرض, انظروا -أخواننا- هذا المستخدم له عند الله عمل يوم القيامة, يغدو ملكاً به، ليس مستخدماً:

 

﴿وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا﴾

[سورة الأنعام الآية:132]

سؤال موجه إليك :

 سؤالي بهذا الدرس؛ سؤال محرج, أسأل نفسي إياه، وليسأل كل منكم نفسه إياه هذا السؤال: ماذا قدمت من عمل في سبيل الله؟ اشترينا بيتاً, هذا لك البيت، لك ولأولادك, الله وفقني, أتيت بمهندس ديكور, عمل لي جبصيناً نادراً, لكن هذا الشيء لك، ليس لله، تمتعت بالجبصين, عندنا سطح كراج ضممناه للبيت, هذا ليس لله، توسعت، عملت غرفة زائدة، والله وفقنا ببيت في المصيف, هذا ليس لله، أيضاً لك، وعملنا مسبحاً مفلتراً, هذا ليس لله، لك هذا، أريد عند الموت؛ إذا جاءك الملكان وسألاك عن عملك الصالح، ماذا قدمت:

((يا بشر, لا صدقة ولا جهاد, فبم تلقى الله إذاً؟))

موعظة :

 أيها الأخوة، قصة لعلي رويتها لكم: رجل صالح زار مسجدنا من عشرين سنة تقريباً، وهو له صوت رخيم كان يؤذن، عنده معمل ضخم, وله حياة كريمة في مستوى رفيع جداً، له بيت بخورشيد، وله معمل وله سيارتان ثلاثة، عنده كل سنة سفرة لأوروبا؛ يعني شخص من أهل اليسار، وأذواقه عالية جداً، فتوفي, أنا حضرت الجنازة, صديق كان, أنا أثني عليه، لا أنتقده، ولكن أحد مشايخ الشام الكبار, أراد أن يؤبّنه، ماذا قال؟ قال: أخوكم أبو فلان كان مؤذناً ترحموا عليه! يعني ما استطاع أن يتكلم كلمة أخرى، ماذا سيحكي عن بيته, عن سيارته، عن رحلاته، عن أناقته، عن ألوان الطعام التي كان يأكلها، عن أنواع الثياب التي كان يرتديها؟ هذه ساعة نزول القبر، ماذا يمكن أن يقول الناس عنك؟.

 

نقطة مهمة :

 امتحنت طلاباً امتحاناً لطيفاً، قلت لهم: من يذكر اسم تاجر، عاش في الشام عام ألف وثمانمئة وثلاثة وستين، وله علامة تامة؟ هؤلاء الطلاب فكروا, فكروا, فكروا، قالوا: والله ما نذكر أبداً، قلت: وأنا معكم لا أذكر.
 من منا ينسى سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا صلاح الدين, سيدنا عمر بن عبد العزيز، الإمام الشافعي، الإمام أحمد، الإمام مالك، الإمام أبو حنيفة، هؤلاء القادة العظام؛ من منا ينساهم؟ لهم أعمال جليلة؛ الذي تأكله، الذي تشربه، الذي تلبسه، البيت الذي تسكنه، المصيف الذي تتمتع به, هذا عند الموت لا يذكر إطلاقاً, إطلاقاً:

 

﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾

[سورة الفرقان الآية: 23]

 أما فلان عمر مسجداً، أي والله شيء جميل، فلان أسس دار أيتام، فلان ساهم بجمعية خيرية، فلان ترك مؤلفاً ضخماً، فلان أمر بالمعروف، نهى عن المنكر، له أعمال جليلة، فأنا حينما أقول لكل إنسان عمل, أقصد الذي يقبل عند الله: العمل الصالح الذي يصلح للعرض على الله.

 

قارن :

 إذا مات الإنسان, انقطع عمله إلا من ثلاثة؛ انتهى العمل، أما في أعمال جليلة, كل الذكاء وكل النجاح في الذي يفعلها، هذا العمل عند الموت يستمر.
 لا أنسى مرة, دعينا إلى افتتاح مسجد, في الصبورة، في يعفور, أنا ما وجدت إنساناً وجهه متألقاً، وواثقاً من نفسه، وسعيداً بشكل غير معقول، كالذي أسس هذا المسجد, أنشأه بكامل نفقاته, وتأسيسه, وفرشه على حسابه، ودعا علماء الشام إلى افتتاحه, أنا حضرت هذا الحفل، وألقيت كلمات، وألقيت أنا كلمة في عداد الذين ألقوا كلمات الافتتاح، خرجنا من المسجد باتجاه الشام؛ فإذا أمامنا ملهى على الضفة الثانية, سمعت أن صاحبه مات بعد افتتاحه بأسبوع، وكان غارقاً في المنكرات والمعاصي إلى قمة رأسه، وكان في هذا الملهى كل أنواع المعاصي والفجور، مات, فهذا الملهى صدقة جارية له؛ أليس كذلك؟ إلى جهنم.

 

 

هل تركت لك صدقة الجارية تستمر لما بعد الموت؟ :

 

((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية

 -هل ساهمت ببناء مسجد؟ هل ساهمت بتأسيس جمعية خيرية؟ بدار أيتام؟ بثانوية شرعية؟ هل تبنيت طلاب العلم؟ هل تعتني بطالب علم؟ ضيف أتى إلينا ليتعلم أمر دينه وسيعود إلى بلاده داعية، هل أعنته؟ هل أسكنته في بيت؟ هل أمنت له حاجاته؟ هل ربيت أولادك؟ هل دعوت إلى الله؟ هل أمرت بالمعروف؟ هل نهيت عن المنكر؟.
 سؤال محرج: ما العمل الذي أضعه بين يدي يوم القيامة؟ إذا الله قال لك: ماذا فعلت؟ ماذا فعلت من أجلي يا عبدي؟ منحتك الكون كله، سخرت لك ما في السموات وما في الأرض جميعاً، أنه عاش لذاته، عاش لمصالحه, عاش لبيته، عاش لأولاده، عاش لدخل كبير، لا يعنيه أحد-.

صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به ، أو ولد صالح يدعو له))

 هذه الثلاثة هي التي تبقى بعد الموت, وما سواها ينتهي عند الموت.

 

دقق :

 و:

 

((وليس لك مِنْ مَالِكَ إلا ما أكلتَ فأفْنَيتَ، أو لَبِستَ فأبْلَيْتَ، أو تصَدَّقْتَ فأبقيْتَ))

 هذه مستهلكات معنى ذلك، لك بعض المستهلكات، ما سوى ذلك: هو مالك؛ لكن يعد كسباً لا رزقاً, في كسب وفي رزق, الكسب محاسبٌ عنه دون أن تنتفع به، دقيق كلامي، انتبه! الكسب: المال الذي يفيض عن استهلاكك, أنت تصرف في الشهر عشرة آلاف إلى عشرين ألفاً, هذا رزقك, الذي أكلته، الذي لبسته، السرير الذي نمت عليه، البيت الذي تسكنه، الطعام الذي تأكله، الزوجة التي تحيا معها, هذا هو رزقك, ما انتفعت به فقط، الآن رزقك ثلثاه ليس لك؛ أكلت فأفنيت، لبست فأبليت. بعض رزقك يكتب لك يوم القيامة، أما ما سوى ذلك: ليس رزقاً لكنه كسب, هذا الكسب محاسب عليه دون أن تنتفع به، لا يوجد انتفاع، لكن في حساب.

 

إليك هذا الحديث:

 

((إذا مات ابن آدم ...... ))

 شعاراً لك في حياتك :

 

أيها الأخوة الأكارم، هذا الحديث ينبغي أن يكون شعاراً لنا، في إنسان ليس عنده أولاد؟ ألا تستطيع أن تنشأ هذا الابن تنشئة إسلامية؟ طبعاً: إذا أتيت له بكل الملهيات والصحون، لن ينشّأ تنشئة إسلامية، سينشّأ تنشئة إباحية، علمانية، إلحادية؛ وأنت لا تشعر، حينما تسلم ابنك لمن يخطط لإفساد المجتمعات الإسلامية، هم في الغرب يخططون لإفساد المجتمعات في الشرق، حينما تسلم ابنك لهذه الأجهزة، وهذه الصحون, أنت لا تربيه تربية إسلامية، لا تجعله ولداً صالحاً ينفع الناس من بعدك.
 سألوا شاباً، فقالوا له: إلى أين أنت ذاهب، أبوك منذ ثلاثة أيام قد مات؟ قال لهم: ذاهب لأسكر على روح أبي! هكذا.
 فالإنسان أهم شيء الولد الصالح، هذا الولد يحتاج إلى جهد، جهد، جهد كبير, يجب أن تعتني بأخلاقه، بدينه، بصلاته، باستقامته، بعمله، بزواجه، فالأب الذي يقدم أولاداً صالحين للمجتمع؛ هؤلاء صدقة جارية, الأجر يستمر من بعد وفاته.

تطبيق عملي لحديث:

((إذا مات ابن آدم .....))

 :

 

أيها الأخوة, مؤلف هذا الكتاب، هذا الكتاب: أحاديث مختارة, مؤلفه رجل من مصر، اسمه: أحمد الهاشمي, أعتقد أن الكتاب مطبوع في سنة ألف وتسعمئة وسبع وخمسين، والمؤلف متوفى قبل عشر سنوات تقريباً، أين هو الآن؟  جسمه فانٍ، لكن ترى هذا الخير بهذا الدرس, له منه أجر، هذا الدرس عملي أمامكم، مؤلف هذا الكتاب: أحاديث مختارة, أخذها من الكتب الصحيحة، وانتقاها أروع انتقاء، هذا الكتاب؛ كل درس ينعقد في هذا المسجد، كل خير يستفاد من هذا الدرس, في صحيفة مؤلف هذا الكتاب، ها هو ترك صدقة جارية من بعده.

قصة عالم قد رحل إلى الله :

 مرة توفي أحد علماء الشام -خطيب الأموي- فكنا في التعزية، في الأموي نفسه، يعني ألقيت كلمات رائعة جداً، تؤبن هذا الفقيد، الخطيب الجريء الشجاع، المستقيم النزيه, ثم فوجئ الحضور: بأن ابنه سيلقي كلمة, ألقى كلمة من العلم والأدب والفهم, أنا دمعت عيناي، قلت: إذاً لم يمت الوالد؛ ما دام هذا ابنه, إذاً لما يمت، فكان في الجلسة وزير الأوقاف، فبشر الحاضرين أن ابنه سيغدو خطيباً من بعده، في هذا المسجد, معنى ذلك: ما مات الأب، غابت عينه فقط.
 إذا استطاع الشخص أن يربي ولداًُ ليكون داعية, أو عالم، أو ولد صالح؛ فمعنى ذلك: أن الأب ما مات, كل أعمال الابن في صحيفة الأب إلى يوم القيامة، وإذا هذا الولد أنجب ولداً صالحاً، فصار ابنه وابن ابنه، وإذا ابن الابن أنجب ولداً صالحاً؛ فصار ابنه وابن ابنه وابن ابنه، وإذا كان من هذا الولد خرج بحدود ثمانمئة ولد صالح, كل أعمالهم في صحيفة الأب الذي ربى ابنه، هذا درس اليوم يا أخوان:

((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم يُنْتَفَعُ به، أو ولد صالح يدعو له))

 عندك أولاد؛ ممكن تنفق من مالك فتعمل عملاً صالحاً، ممكن أن تعمل صدقة جارية، أي مشروع حيوي ينفع المسلمين، هذا صدقة جارية.

 

دعاء الختام :

 بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تهنا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أرضنا وارض عنا، وصل الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين، الفاتحة.

 

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور