وضع داكن
28-03-2024
Logo
موضوعات إسلامية - متفرقة : 098 - خطط قبل أن يخطط لك .
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.

القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقده الأيام:

معظم الناس يعيشون بلا هدف
أيها الأخوة الكرام، سأنطلق في هذا اللقاء الطيب من مقولة أنا أراها خطيرة جداً، هذه المقولة: إما أن تخطط وإما أن يخطط لك، إما أن تضع خطة في حياتك، تفحصها من حين لآخر، تعدلها، إما أن ترسم هدفاً وتتخذ له وسائل فأنت في حالة راقية جداً، وأما أن تدع الآخر يخطط لك، إن خططت، إن رسمت الهدف، إن انتقيت الوسائل، كنت رقماً صعباً، أما إذا خُطط لك تكون رقماً سهلاً، أي كما ترون هناك كيانات في الأرض تعيش المستقبل، تخطط للمستقبل، وهناك كيانات أخرى تعيش الحاضر، أفعالها ردود فعل، وهناك كيانات أخرى تعيش الماضي، الكيان الذي يعيش الماضي كيان غبي، والكيان الذي يعيش الحاضر كيان أقل غباءً، أما الكيان الذي يعيش المستقبل هو الكيان الذكي العاقل، أجريت استبيانات على ألف شاب النتيجة مؤلمة جداً، ومؤسفة جداً، ثلاثة بالمئة من شبابنا يخططون، وسبعة وتسعون بالمئة من شبابنا يُخطط لهم، يعيش ليس عنده خطة، وليس عنده هدف واضح، يعيش وقته يستمتع، يا ترى له عدو يسخره لمآربه؟ ممكن، هناك عدو ينهب الثروات، وهذا حصل، بلد نفطي كالذي وقع العدوان عليه له دخل فلكي بالمليارات، كان من الممكن أن يعيش كل إنسان بهذا البلد في أعلى مستوى، لكن خطط له، دمرت ثرواته، نهبت أرضه، شرد أهله، خمسة ملايين مشرد، مليون قتيل، مليون معاق، الحديث مؤلم جداً، أنا أخاطب الشباب خطط لمستقبلك، ماذا تريد أن تكون حينما تضع هدفاً واضحاً؟ هناك مقولة أتأثر بها كثيراً، إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقده الأيام.

﴿ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ﴾

[ سورة العنكبوت الآية: 69 ]

العاقل من بحث عن الحقيقة و وصل إليها:

ماذا أعددت للقاء الله
والله أيها الأخوة، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تبحث عن الحقيقة ولا تصل إليها، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تبحث عن هدف نبيل ولا تصل إليه، خطط، حياة يومية، أكلنا، شربنا، عملنا، تعبنا، سهرنا، نمنا، استيقظنا، أنجبنا، زوجنا، ثم تأتي النعوة، هذا شأن معظم البشر، مليارات ممليرة لم يدرِ بها أحد، و قلة قليلة ممن خططوا لمستقبلهم صاروا أعلام الأمة، أنا أذكر هذا كثيراً، مرة سألت طلابي من يأتيني باسم تاجر عاش في الشام عام ألف وستمئة وسبعة وتسعين وله علامة تامة، لم يتمكن أي طالب أن يعطيني أي اسم، قلت لهم: وأنا أيضاً لا أعرف، أما سيدنا صلاح الدين الذي خطط، وانتصر على سبعة وعشرين بلداً غربياً، سيدنا الصديق، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، الإمام الشافعي، أبو حنيفة، أقطاب العلم، أقطاب القيادة، أقطاب الإصلاح، أعلام الأمة، خططوا، هل تظن أن هذه إمكاناتك فقط؟ لا والله، كل إنسان عنده طاقات إذا فجرت كان إنساناً كبيراً، خطط، هذه الحياة تمضي سريعاً، كل واحد منكم وأنا معكم له عمر يسأل نفسه هذا السؤال المحرج، كيف مضت هذه السنوات الأربعون؟ والله مضت كلمح البصر، صدق ولا أبالغ سوف تمضي السنوات المتبقية من أعمارنا أيضاً كلمح البصر، فجأة كنت رجلاً فأصبحت خبراً، نعوة، بالشام مئة وخمسون وفاة يومياً، خمسون نعوة مطبوعة تقريباً، اقرأ هذه النعوات أصحابها كانوا رجالاً، كانوا عمداء، كانوا تجاراً، أصبحوا خبراً على الجدران، أليس كذلك؟ ماذا أعددنا لهذه اللحظة؟ ماذا أعددنا لرحلة الانتقال من بيت إلى قبر؟ هل هناك من حدث في حياة البشر أكثر واقعية من مغادرة الدنيا؟ هل يجرؤ إنسان أن يقول أنا لا أموت؟ أبداً، هناك فنان بمصر، وهو مغنٍّ مشهور جداً، قرأت مرة عنه؛ في كل حياته ما أكل طعاماً في المساء، من أجل صحته لم يأكل إلا لحماً أبيضاً، رياضة يومية، لم يركب طائرة أبداً، ثم مات، أنا توقعت أنه لا يموت، أي نظام غذائي مذهل، رياضة يومية، أنا مع الرياضة، مع النظام الغذائي، أنا لست ضده، لكن إياك أن تظن أن هناك إنسان لا يموت.

كل مخلوق يموت ولا يبقى إلا ذو العزة والـــجبروت
والليل مهما طــــال فلابد من طلوع الفـــجر
والعمر مهما طــــال فلابد من نزل الـــــقبر
* * *

 

العاقل من خطط لساعة لقاء الله عزّ وجل:

ماذا خططت لساعة لقاء الله عز وجل؟ ما العمل الصالح الذي تدخره يوم القيامة؟ ما العمل الصالح الذي ينزل معك إلى القبر؟ أنا أروي قصتين، مرة التقيت مع شخص حدثته قليلاً في الدين فطرب لحديثي، فطلب لقاء أسبوعي ـ القصة من ثلاثين سنة ـ أذكر أنه التقينا كل خميس لقاء طيباً، بعض الأشخاص الطيبين كنا نلتقي معه كل خميس، لكن لفت نظري أن هذا الذي دعانا يتمتع بأذواق تفوق حدّ الخيال في بيته، في أثاث بيته، في مركباته، شيء متميز، غير طبيعي، مرة اتصل بي ابنه قال لي: أبي فقد ذاكرته، خرج من المعمل ونسي أين بيته، بعد حين اتصل بي مرة ثانية قال لي: أبي توفاه الله، قلت له أين الصلاة؟ قال في الجامع الفلاني، فأنا كنت في المسجد كي أشيعه كواجب، أحد علماء الشام يبدو كان يحضر عنده أيضاً، فقال كلمة، قال: أخوكم ـ أبو فلان ـ كان مؤذناً فترحموا عليه، كان صوته حسناً، إن صلى عندي أقول له: تفضل أذن، الإنسان يتكلم عشر ساعات عن حياته في الدنيا لكن العالم يقول: أخوكم كان مؤذناً فترحموا عليه، تعلمت درساً لا ينسى، اعمل عملاً يتكلم عنك دقيقة، ستون ثانية فقط، اسأل نفسك ـ لا سمح الله ولا قدر ـ لو أن الله توفى أحدنا ماذا يقال عنه وهو في النعش قبل أن يدفن؟ اشترى بيتاً؟ أسس عملاً طبيعياً؟ هذه عادات.
قرار الإنسان يحدد اتجاهه
تزوجت، أكلت، شربت، نمت، استيقظت، سافرت، تنزهت، أشياء طبيعية لا تذكر عند الموت، ما الذي يذكر عند الموت؟ الأعمال الجليلة.
سيدنا الصديق يعد المؤسس الثاني لهذا الدين عقب الردة، سيدنا عمر، سيدنا عثمان، سيدنا علي، الصحابة الكرام؛ صلاح الدين الأيوبي، الإمام أبو حنيفة، الشافعي، من أنت؟ أنت ليس أقل من أي واحد، الله عادل، ما الذي يمنعك أن تكون شيئاً مذكوراً؟ ما الذي يمنعك أن تكون إنساناً كبيراً عند الله طبعاً؟ خطط، ادرس، احصل على شهادة عليا، التقيت مع شخص قال لي: عمري سبعون سنة اليوم أخذت ليسانس بالأدب العربي، ما هذه الهمة؟ سبعون سنة أراد أن يدرس اللغة العربية.
إنسان أرسل ابنه إلى الأزهر ليتعلم، بعد خمس سنوات عاد يحمل الشهادة، وعيّن خطيباً في قريته، فلما ألقى خطبة أمام أبيه الأمي ـ والده أمي، عمره خمسة وخمسون عاماًـ بكى الأب بكاء مراً، كل من حول الأب توهموا أنه بكى فرحاً بابنه، والحقيقة خلاف ذلك، هو بكى أسفاً على نفسه، كيف أمضى حياته في الجهل، ركب دابته هو في صعيد مصر، واتجه نحو القاهرة، وبقي يمشي شهراً إلى أن وصل إلى القاهرة، قال: أين الأزعر؟ لا يحفظ اسمه، قالوا له: ما الأزعر؟ قال: مكان التعلم، قال: اسمه الأزهر، النتيجة أوصلوه إلى الأزهر، وفي الخامسة والخمسين بدأ بتعلم القراءة، والكتابة، وتابع وما مات إلى شيخ الأزهر.
إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقده الأيام.

الخلق كلهم عند الله سواسية ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعتهم له

والها لو أن واحداً منكم أراد أن يكون أكبر داعية في العالم فالطريق سالك، أنا لي كلمة أتأثر بها تأثراً لا حدود له: سيدنا سعد بن أبي وقاص من أقرب الصحابة إلى النبي ومن علامة محبة النبي عليه الصلاة والسلام له أنه كان يداعبه فيقول:

(( هذا خالي، فَلْيُرِنِي امرُؤٌ خالَه ))

[الحاكم في المستدرك عن جابر]

وكان في الحرب يقول:

(( يا سعد ارم فداك أبي وأمي ))

[ ابن ماجه وأحمد عن علي ]

وما فدى النبي عليه الصلاة والسلام في حياته كلها صحابياً بأبيه وأمه، توفي النبي عليه الصلاة والسلام فقال له عمر رضي الله عنه ـ عملاق الإسلام ـ: يا سعد، لا يغرَّنك أنه قد قيل خال رسول الله، فالخلق كلُّهم عند الله سواسية، ليس بينه وبينهم قرابةٌ إلا طاعتهم له.
أي واحد منكم من أي عائلة، من أي أسرة، من أي مصدر، من أي عرق، أي واحد منكم بإمكانه أن يصل إلى أهدافه كلها، والدليل:

﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾

[ سورة الإسراء ]

إن القرار الذي يتخذه الإنسان في شأن مصيره قلّما تنقده الأيام إذا كان صادراً حقاً عن إرادة وإيمان، كن ابن من شئت غني، فقير، موظف، تاجر، مدني، ريفي، على العين والرأس عند الله، دخل على النبي شخص قال له: "أهلاً بمن خبرني به جبريل، قال له: أو مثلي؟! قال له: نعم يا أخي، خامل في الأرض علم في السماء".
قد تكون حاجباً بوزارة في أقل وظيفة، وقد تكون قلامة ظفرك أحياناً بكل من في الوزارة، مرة كنت بمؤتمر إسلامي في المغرب، بأضخم فندق في المغرب كانت تعقد مؤتمرات القمة، مع الفجر سمعت قراءة قرآن رائعة، أطللت من نافذتي، فإذا عامل الحديقة يصلي الفجر في وقته بصوت أبكاني، وكان بالفندق مؤتمر إسلامي وقمم، قلت: لعل هذا الموظف أقرب عند الله من كل من في الفندق، ممكن، هذا الإيمان.

 

المؤمن سعادته تنبع من الداخل دائماً:

المؤمن يحمل السعادة معه دائما
أيها الأخوة الكرام، اللذة تحتاج إلى مال، وتحتاج إلى وقت، وتحتاج إلى صحة، ولحكمة بالغة بالغة دائماً هناك واحدة ناقصة، في البدايات شاب في أول حياتك، عندك قوة هضم تطحن الحجار، وعندك وقت، لكن لا يوجد عندك مال، يأتي وقت أسست عملاً صار عندك مال والصحة موجودة لكن لا يوجد وقت، والله قال لي مدير معمل: تسعة وعشرون سنة الساعة الخامسة صباحاً أنا في المعمل، و أخرج آخر واحد بعد المغرب، لا يملك وقتاً ليستمتع بالمال، الأعمال الناجحة جداً تحتاج إلى متابعة، يكون صاحبها معه ملايين و لكن لا يوجد عنده وقت ليستمتع بالمال، مرة كنت عند صاحب معمل أجواخ، قال لي: والله لم أذهب إلى اللاذقية إلا مرة واحدة، عندما أحضرت هذه السيارة، ثلاثون سنة دوام كامل في المعمل، هذه المرحلة الثانية، مال وصحة لكن لا يوجد وقت، الثالثة: هناك مال ووقت لأن الإنسان يتقاعد و يسلم أولاده، فعنده دخل فلكي لكن لا يوجد صحة، أسيد أوريك على شحوم ثلاثية على التهاب مفاصل على قرحة بالمعدة، هذه الدنيا، أما المؤمن سعادته تنبع من الداخل معه دائماً.
ماذا يفعل أعدائي بي؟ بستاني في صدري، إن أبعدوني فإبعادي سياحة، وإن سجنوني فسجني خلوة، وإن قتلوني فقتلي شهادة، فماذا يفعل أعدائي بي؟ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة.

من كانت له بدايةٌ محرقة كانت له نهاية مشرقة:

فكر، خطط، رسول عامل سيدنا عمر على أذربيجان ـ هذه في الشمال، بعهد سيدنا عمر أذربيجان دولة تابعة للاتحاد السوفيتي سابقاً كانت ولاية عند سيدنا عمر في المدينة ـ فعامله على أذربيجان أرسل رسولاً، وصل المدينة في الليل، فكره أن يطرق باب أمير المؤمنين، فتوجه إلى المسجد، فسمع رجلاً يبكي ويصلي ويقول: ربي هل قبلت توبتي فأهنئ نفسي أم رددتها فأعزيها؟ سأله: من أنت يرحمك الله؟ قال: أنا عمر، قال: يا أمير المؤمنين ألا تنام الليل؟ قال: أنا إن نمت ليلي أضعت نفسي أمام ربي، وإن نمت نهاري أضعت رعيتي. خطط، سيدنا عمر صار عملاق الإسلام، صار من الخلفاء الراشدين، سيدنا عمر كان يخطب مرة فجاءه خاطر أنه ليس بينك وبين الله أحد، هو أمير المؤمنين، قطع الخطبة وقال: كنت عميراً ترعى غنماً لبني مخزوم على قراريط، كنت راعياً، فسأله أحد الصحابة لمَ قلت هذا؟ ما علاقة هذا الكلام بموضوع الخطبة؟ قال: جاءتني نفسي وأنا أخطب وقالت لي: ليس بينك وبين الله أحد فأردت أن أعرفها قدرها، كنت أرعى غنماً لبني مخزوم على قراريط. خطط، فكر، اطلب أن تكون مؤمناً كبيراً، أدِّ العبادات، اقرأ القرآن الكريم، اطلب العلم، من كانت له بدايةٌ محرقة كانت له نهاية مشرقة.

من كان مع الله كان الله معه:

قمة السعادة في طاعة الله
لي كلمة أقولها دائماً: إن كنت مع الله كان الله معك، إن أقبلت عليه أقبل عليك، إن توددت إليه تودد إليك، إن أتيته مشياً أتاك هرولة، هكذا الحديث الصحيح:

(( إِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعاً، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعاً تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعاً، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً))

[ البخاري ومسلم عن أبي هريرة]

لو يعلم المعرضون انتظاري لهم، وشوقي إلى ترك معاصيهم، لتقطعت أوصالهم من حبي، ولماتوا شوقاً إليّ، هذه إرادتي بالمعرضين، فكيف بالمقبلين؟ فكر، والله سمعت عن أسرة لا أشبع من رواية هذه القصة، أسرة ؛ أب وأم وبنات وشباب، يستيقظون جميعاً قبل الفجر بساعة، يصلون قيام الليل، يقرؤون القرآن، يؤذن الفجر يصلون جماعة ثم ينصرف الأولاد إلى دراستهم، والأم تهيئ الطعام، الساعة السابعة يأكلون، وينطلقون إلى مدارسهم، وأعمالهم، هذا البيت جنة والله بإمكانك أن تجعل بيتك جنة في الدنيا، أي بيت، ستون متراً تحت الأرض، شمالي، يمكنك أن تجعله جنة، غرفتان جنة، دخل محدود جنة، القضية بالحب، القضية بالصلة بالله.

في الدنيا جنة من لم بدخلها لم يدخل جنة الآخرة

السكينة أين وجدها رسول الله؟ في الغار: "يا رسول الله لقد رأونا، قال له: ما ظنك باثنين اللَّه ثالثهما"، وجدها إبراهيم في النار:

﴿ قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 69]

وجدها يونس في بطن الحوت:

﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ (87) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾

[ سورة الأنبياء الآية: 88]

وجدها أهل الكهف في الكهف كانوا في القصور فوجدوها في الكهف:

﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا ﴾

[ سورة الكهف الآية: 16]

وأنت تجدها في بيت صغير، متواضع، أجرة تحت الأرض، مع زوجة عادية جداًً، صار بيتك جنة بالاتصال بالله، بمعرفة الله، أنت في جنة، وفي الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، والدليل:

﴿ وَيُدْخِلُهُمْ الْجَنَّةَ عَرَّفَهَا لَهُمْ ﴾

[ سورة محمد الآية: 6]

ذاقوا طعمها في الدنيا.

من وسائل الوصول إلى الجنة الإعداد لساعة اللقاء:

الأمر بيدك لا يحتاج إلى مال، جنة الله في أرضه لا تحتاج إلى مال، لا تحتاج إلى سمعة، ولا إلى منصب، ولا إلى مكانة، ولا أنا ابن فلان، أي إنسان كائناً من كان إذا أقبل على الواحد الديان كان في جنة، إما أن تخطط وإما أن يخطط لك، خطط.
مرة أحد أخواننا الكرام توفاه الله، شيعت الجنازة إلى القبر، فلما فتح النعش حمل هذا الإنسان، وضع في القبر، والله الذي لا إله إلا هو ما وجدت على وجه الأرض إنساناً أعقل ممن عمل لهذه الساعة، ماذا أعددت لهذه الساعة؟ إن لك قريناً يدفن معك وأنت ميت، وتدفن معه وهو حي، فإن كان كريماً أكرمك، وإن كان لئيماً أسلمك، ألا وهو عملك.
هناك بناء بدمشق، في أرقى أحيائها، البيت في هذه البناء من مئة وثمانين مليوناً فما فوق، وفي البناء اثنا عشر بيتاً، لا يوجد واحد ممن اشترى هذه البيوت سكن فيها، إنما مات قبل أن يسكن إلا إنساناً أكرمه الله فغسلوه في هذا البيت فقط، هذه الدنيا مهما تكن غنياً، مهما تكن قوياً، هناك موت، فالذكاء والبطولة أن تعد لهذه الساعة، أن تعد عملاً صالحاً، أن تعد طاعة لله، أن تعد طلباً للعلم، أن تعد فهماً للقرآن، أن تعد إنفاقاً للمال، أن تعد براً للوالدين، أن تعد تربية لأولادك، هذه وسائل الوصول إلى الجنة.

الإيمان مرتبة أخلاقية و مرتبة علمية:

فيا أيها الأخوة الكرام، خطط، إما أن تخطط وإما أن يُخطط لك، انتبه لا تكن رقماً سهلاً، كن رقماً صعباً، سأقول لك كلمة دقيقة: لو أنت طبيب مثلاً وفحصت إنساناً ميتاً بسمٍّ، فإذا قلت: موته طبيعي نجا الذين سمموه، أنت طبيب قناعتك أنه مات بسمٍّ، طبعاً ترك الميت مئة مليون، قدموا لك خمسة ملايين، أنا أقول كلمة: لو قبضت المئة مليون، وكتبت وفاة طبيعية، انتهيت عند الله، المؤمن رقم صعب لا يكتب خلاف قناعته، لا تحت سياط الجلادين اللاسعة، ولا أمام سبائك الذهب اللامعة، المؤمن لا يباع ولا يشترى، هذه عظمة الإيمان:

(( والله يا عم! لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي، على أن أترك هذا الأمر ما تركته، حتى يظهره الله أو أهلك دونه ))

[ السيرة النبوية]

هذا الإيمان، فالمؤمن مرتبة أخلاقية، لا يوجد مؤمن يكذب، ولا يغش، ولا يحتال، ولا يتآمر، ولا يحقد، ولا يخدع مستحيل:

(( يُطْبَعُ الْمُؤْمِنُ عَلَى الْخِلَالِ كُلِّهَا إِلَّا الْخِيَانَةَ وَالْكَذِبَ ))

[ أحمد عن أبي أمامة]

الإيمان مرتبة أخلاقية، والإيمان مرتبة علمية، هذا المؤمن عرف الله، عرف الحقيقة المطلقة.
الإنسان إذا درس طبقات الأرض يقال لك: الدكتور فلان معه دكتوراه بالجيولوجيا، الذي درس الطبقات أخذ دكتوراه بالجيولوجيا، والذي درس الفيزياء أخذ دكتوراه بالفيزياء، والذي عرف الله، أصل الكمال والجمال والنوال لذلك:

يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء
***

يأتي عالم يأخذ عشرة أحاديث يشرحها فيأخذ دكتوراه في الحديث، صاحب الأحاديث ما مقامه؟ العلم.

يا أيها الأمي حسبك رتبة في العلم أن دانت لك العلماء
***

من عرف الله عرف كل شيء:

إن عرفت الله عرفت كل شيء، وإن فاتتك معرفة الله فاتك كل شيء، والله أحب إليك من كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء.
مرة ثانية: إما أن تُخطِط وإما أن يخطَط لك، و لا يوجد إلا الله، تقول لي: ظروف، عند الله لا يوجد ظروف صعبة، تقول لي: أزمة عمل، عند الله لا يوجد أزمة عمل، يهيئ لك أعلى دخل وأفضل زوجة، إذا كان الله معك فمن عليك؟ وإذا كان الله عليك فمن معك؟ ويا رب ماذا فقد من وجدك؟ وماذا وجد من فقدك؟

الله تعالى زود المسلمبن في هذه الأيام بجرعات منعشة ليعلموا أن الله موجود و بيده كل شيء

أيها الأخوة الكرام، أنا أقول: أغبى إنسان من بخل أن يسأل الله، اطلبني تجدني:

(( إن الله يمهل حتى إذا ذهب ثلث الليل الأول نزل إلى السماء الدنيا فيقول: هل من مستغفر؟ هل من تائب؟ هل من سائل؟ هل من داع؟ حتى ينفجر الفجر))

[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة ]

أنت بالصلاة تقول: سمع الله لمن حمده، أنا أسمع لك يا عبدي، لا تبتعدوا سلسلة النكبات التي ألمت بالأمة الإسلامية أورثتها ثقافة، أنا اسميها ثقافة اليأس، وثقافة الإحباط، وثقافة الطريق المسدود، أليس كذلك؟ عشرة آلاف إنسان لا يملكون إلا بندقية، إسرائيل بحسب تخطيطها أن معركة غزة تنتهي بيوم واحد، ضربوا بيوم ثمانمئة هدف، أحدث الأسلحة في العالم"f16"، أباتشي، قنابل فسفورية، قنابل عنقودية، قنابل حارقة، خارقة، أول يوم لم يتحقق الهدف، و لم تنتهِ الحرب، ثاني يوم لم تنتهِ أيضاً، ثالث يوم، رابع يوم، خامس يوم، عاشر يوم، دامت اثنين وعشرين يوماً و لم تتمكن إسرائيل ـ وهي العصا الغليظة في المنطقة ـ أن تحقق أي هدف، كأن الله عز وجل أعطانا جرعة منعشة، أن يا عبادي أنا موجود، والأمر كله بيدي، لا تقنطوا لا تيئسوا، بيدي موازين القوى، بيدي المعادلات كلها، وبأي لحظة تتبدل هذه المعادلات.
انهيار النظام العملاق العالمي أيضاً هذا جرعة منعشة، نظام عالمي من مئة وخمس وخمسين سنة بنوك تملك مليارات أكثرها أعلن إفلاسه، لأن الله عز وجل قال:

﴿ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا﴾

[ سورة البقرة الآية: 276 ]

ورأينا بأم أعيننا كيف محق الله الربا، هذه جرعة منعشة ثانية.
أيضاً أخواننا في تركيا مكنهم الله عز وجل، هذه جرعة ثالثة، ثلاث جرعات منعشة ينتعش بها المؤمنون، الله موجود والخط البياني لقوى البغي والعدوان في العالم في هبوط أليس كذلك؟ بلاد في شرق آسيا، ثلاثة وسبعون بالمئة منها بيد المقاومين، وثلاثون دولة ـ حلف الناتو ـ لم يتمكنوا أن يفعلوا شيئاً، بحياتنا المعاصرة جرعات منعشة، الله عز وجل موجود، أقول: لا يوجد إلا الله أي إذا كنت معه كان معك:

﴿ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمْ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمْ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمْ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا﴾

[ سورة المائدة الآية: 12 ]

الدين الإسلامي دين جماعي و دين فردي:

إني معكم، دعك من المجموع، الدين الإسلامي دين جماعي، واسمعوا الكلمة الثانية: دين فردي، دعك من الناس، إن لم يطبقوا الدين طبقه وحدك، تقطف كل ثماره وحدك، لا يوجد إلا الله، هل هناك شاب من الشباب الطيبين أمامي لا يتمنى زوجة صالحة؟ لا يتمنى بيتاً؟ لا يتمنى دخلاً معقولاً؟ والله هذا أقل عطاء من الله لك، خلق لك الجنة، خلقك لجنة عرضها السماوات والأرض، أنا أتمنى أن تخطط، أن تضع خطة، أن تدقق في صلواتك الخمس، بتفكرك بخلق السماوات والأرض، دعك من كل الأفلام، هذه لا تقدم ولا تؤخر، دعك من الشاشة كلها، كلما اتسعت الصحون على السطوح ضاقت صحون المائدة، كلما رخص لحم النساء غلى لحم الضأن، وكلما قلّ ماء الحياء قلّ ماء السماء.
يا أخوان لا يوجد إلا الله وأنت مخلوق للجنة، وعندما تتقرب من الله تجد دخلت في عالم آخر، أحد أخواننا حج ـ توفي رحمه الله ـ هنأته في بيته بعد الحج، قال لي كلمة: والله ليس على وجه الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور