وضع داكن
19-04-2024
Logo
آيات الأحكام - الدرس : 24 - أنواع الناس ، سورة الأنفال : الآيات 72 - 75
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، و الصلاة و السلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا لا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا و انفعنا بما علَّمتنا و زدنا علماً، و أرنا الحق حقًّاً و ارزقنا اتِّباعه، و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه، و اجعلنا ممن يستمعون القولَ فيتَّبعون أحسنه، و أدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

أصناف المؤمنين :

 أيها الأخوة الكرام؛ مع الدرس الرابع و العشرين من دروس: "آيات الأحكام"، و الآية اليوم بسم الله الرحمن الرحيم:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ*وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 72-73]

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

[ سورة الأنفال: 75]

 أيها الأخوة، من خلال هذه الآيات يتبدَّى أن المؤمنين أربعةُ أصناف؛ صنف آمن و هاجر، و صنف آوى و نصر، و صنف آمن و لم يهاجر، و صنف آمن و هاجر بعد الفتح، آمن و هاجر بعد الحديبية، أي هاجر في وقت متأخِّر، كأن هذه الأصناف الأربع نماذج بشرية إيمانية متكرِّرة، الفئة الأولى آمنت وضحَّت بمكان إقامتها، وضحَّت بجذورها، و ضحَّت بكيانها، و تركت كلَّ شيء في سبيل الله، فئة أخرى متمكِّنة، في ديارهم، و في بيوتهم، معهم أموالهم، استقبلوا هؤلاء المهاجرين، آووا و نصروا.

الإنسان إما أن يؤمن و يهاجر أو أن يؤوي و ينصر :

 لو أردنا أن نبحث اليومَ عن مثل هؤلاء، أحياناً طالب علم جاء من أماكن بعيدة لا أحد له في الشام، و لا بيت له، و لا عمل له، إنسان من سكان هذه البلدة الطيِّبة متمكِّن و قوي، له بيت، و له محلٌّ، وله إمكانات، فالأول جاء إلى هنا في سبيل الله، جاء ليطلب العلمَ، أو جاء ليفرَّ بدينه، صار هناك اضطهاد ديني، صار هناك تطهير عرقي، صار هناك قتل على الهوية، إنسان فرَّ بدينه، أو إنسان جاء ليطلب العلم، و إنسان مؤمن متمكِّن في بلده، في بيته و له دخل، و له محلٌّ، و له إمكانات، و له عمل، فهذان الصنفان متكاملان، آمن و هاجر و آوى و نصر، و هذان النموذجان مستمران إلى يوم القيامة، فإما أن تؤمن و تهاجر، و إما أن تؤوي و تنصر.

البطل هو الذي يؤمن في الوقت المناسب :

 أعجبتني كلمةٌ قالها أحدُهم، قال: إن لم تكن داعية تبنَّ داعياً، أي تبنَّ طالبَ علم، هو الآن طالب علم، هو الآن لا أحد يعرفه، الآن هو خامل الذِّكر، لكن بعد حين سيغدو علَماً من أعلام الأمة، فإن لم تكن داعية أعِن داعية، أكرم طالبَ علم، أسكِنه في بيت، قدِّم له بعض المساعدات، كأن هذين النموذجين يحتاجهما الإسلامُ في كل وقت، إنسان آمن و هاجر، و إنسان آوى و نصر، فالصنف الأول المهاجرون أصحابُ الهجرة الأولى قبل غزوة بدرٍ، و بالمناسبة دائماً السَّبقُ له مكانة كبيرة في الإسلام، أنا دائما أحبُّ أن أنقل الحقائق إلى واقعنا، دعوةٌ عمرها ربعُ قرنٍ، هؤلاء الأوائل الذين حضروا و استجابوا و لم يكن معهم أحد يُعدُّون على أصابع اليدِ، هؤلاء لهم مكانة كبيرة جدًّاً، لأنهم من السابقين، أحياناً الدعوة تكبُر، و يزداد عددُ أفرادها فيغدو الانضمامُ إليها مفخرة، أما في وقت كانت عبئاً، لذلك ليسوا سواء، من آمن من قبل الفتح و هاجر، هذا الذي آمن و هاجر، هذا كان مضطهداً، كان خائفاً، ضحَّى بالغالي و الرخيص، و النفس و النفيس، أما بعدما قوِيَ الإسلام أصبح الدخولُ إليه مغنماً، أحياناً يكون الدخول في الإسلام مغرماً، و أحياناً يصبح الدخولُ في الإسلام مغنماً فالإنسان البطل هو الذي يؤمن في الوقت المناسب، و هذا ينقلنا إلى حقيقة، لماذا كان الأنبياءُ في أول دعوتهم ضِعافاً؟ النبيُّ كان ضعيفاً، كان يمرُّ على عمَّار بن ياسر و هو يُعذَّب و يُجلد، لا يستطيع أن يفعل شيئاً، يقول: صبراً آل ياسر فإن موعدكم الجنة " سيد الأمة ضعيف، رجل كافر مشرك منحرف ينكِّل بالمسلمين، و يعذِّبهم، و لا يستطيع النبيُّ و كلُّ أصحابه أن يفعلوا شيئاً، لو أن الأنبياءُ كانوا أقوياء لدخل الناسُ في دين الله أفواجاً، لا عن قناعة، و لا عن محبَّة لله، و لا عن تعبُّد، و لكنهم دخلوا خوفاً أو طمعاً، إذا القويُّ أعطى أمراً يطيعه كثيرون، بعضهم يطيعه خوفاً من بطشه، و بعضهم يطيعه طمعاً فيما عنده، الطاعتان لا قيمة لهما، أما الضعيف إذا دعاك إلى الحق و كأنه قبولُ فهذا الحق عبء عليك، و مخاطرة بمصالحك، و اقتلاعاً من جذورك، هذه البطولة لها ثمن باهظ.

الصحابة الكرام دفعوا الثمنَ و نحن قطفنا الثمرة :

 أنا أقول لكم أيها الأخوة، نحن نقطف ثمارَ الدين، تخرج من بيتك، ترتدي ثيابك، و تمشي في الطريق، و تدخل المسجد، ما أحد يقول لك كلمة، لا أحد يسألك، هذه نعمة لا تُقدَّر بثمن، أن تدخل بيتَ الله وأنت آمن، و أن تستمع إلى درس العلم وأنت آمن، و تذهب بعد الدرس لتنام و أنت آمن، لكن في بلاد إسلامية لا تستطيع أن تدخل المسجد، هذه حقيقة، فالصحابة الكرام دفعوا الثمنَ، و نحن قطفنا الثمرة، الصحابة الكرام خاطروا بأرواحهم، اُقتُلعوا من جذورهم، وضحُّوا بمصالحهم، و نحن ننعم بانتصاراتهم، هذه بلاد الرومان، فتحوها و بذلوا الغالي و الرخيص، ابنُ عم النبي سيدنا جعفر، قُطعت يدُه اليمنى فأمسك الراية بيده اليسرى، قطعت اليسرى فأمسك الرايةَ بعضديه، ثم قُتِل، له خمسة أولاد، زارهم النبيُّ بعد أن وصله نبأُ استشهاده، أمُّهم طيَّبتهم و عطَّرتهم و دهنتهم، و هيأت الخبز و الطعام، تنتظر زوجها جعفر، جعفر استُشهد، تولى النبيُّ صلى الله عليه و سلم بنفسه إبلاغهم هذا النبأ المحزِن، تخفيفاً من مُصابهم، الصحابة الكرام دفعوا الثمن، و نحن قطفنا الثمرة، ما العبء الذي تحمله إذا استقمتَ على أمر الله؟ إذا قلتَ: لا إله إلا الله؟ فهذا الصنف الأول.

من هاجروا مبكِّراً هم الأكمل و الأفضل عند الله عز وجل :

 و الصنف الثاني هؤلاء الصحابة الأنصارُ:

((عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الْمَدِينَةَ فَآخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ فَعَرَضَ عَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِفَهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ دُلَّنِي عَلَى السُّوقِ فَرَبِحَ شَيْئًا مِنْ أَقِطٍ وَسَمْنٍ فَرَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ أَيَّامٍ وَعَلَيْهِ وَضَرٌ مِنْ صُفْرَةٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَهْيَمْ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً مِنْ الْأَنْصَارِ قَالَ فَمَا سُقْتَ فِيهَا فَقَالَ وَزْنَ نَوَاةٍ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ ))

[البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 لا يوجد موقف أروعُ من طالب علم و أخ مقيم أكرمه، قدَّم له بعض المساعدات، و أسكنه في بيت، و أعانه على صعوبة الحياة، لطلب العلم.
 لذلك بالمناسبة: إنفاق المال لا يكون في مكان أصوب منه من إنفاقه على طلبة العلم الشرعي المخلصين، هذا يدرس ليعود خطيباً، و ليعود داعية، و ليعود مديرَ معهد شرعي، فأنا أقول لكم نماذج إيمانية مستمرة، الذي أمن وهاجر، و الذي آوى و نصر، الذين هاجروا مبكِّراً هم الأكمل و الأفضل عند الله عز وجل.

وفاء النبي الكريم للأنصار :

 أيها الأخوة؛ الصنف الثاني الأنصار، قال عليه الصلاة و السلام لما وجدوا عليه في أنفسهم:

(( عَنْ أَنَسٍ قَالَ لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَنَائِمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتْ الْأَنْصَارُ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالُوا بَلَى قَالَ لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الْأَنْصَارِ أَوْ شِعْبَهُمْ ))

[البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 حينما فتح مكة خافوا أن يبقى فيها:

(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَجَعَلَ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُمْنَى وَجَعَلَ الزُّبَيْرَ عَلَى الْمُجَنِّبَةِ الْيُسْرَى وَجَعَلَ أَبَا عُبَيْدَةَ عَلَى الْبَيَاذِقَةِ وَبَطْنِ الْوَادِي فَقَالَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ ادْعُ لِي الْأَنْصَارَ فَدَعَوْتُهُمْ فَجَاءُوا يُهَرْوِلُونَ فَقَالَ يَا مَعْشَرَ الْأَنْصَارِ هَلْ تَرَوْنَ أَوْبَاشَ قُرَيْشٍ قَالُوا نَعَمْ قَالَ انْظُرُوا إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ غَدًا أَنْ تَحْصُدُوهُمْ حَصْدًا وَأَخْفَى بِيَدِهِ وَوَضَعَ يَمِينَهُ عَلَى شِمَالِهِ وَقَالَ مَوْعِدُكُمْ الصَّفَا قَالَ فَمَا أَشْرَفَ يَوْمَئِذٍ لَهُمْ أَحَدٌ إِلَّا أَنَامُوهُ قَالَ وَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّفَا وَجَاءَتْ الْأَنْصَارُ فَأَطَافُوا بِالصَّفَا فَجَاءَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أُبِيدَتْ خَضْرَاءُ قُرَيْشٍ لَا قُرَيْشَ بَعْدَ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو سُفْيَانَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ فَهُوَ آمِنٌ وَمَنْ أَغْلَقَ بَابَهُ فَهُوَ آمِنٌ فَقَالَتْ الْأَنْصَارُ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ وَنَزَلَ الْوَحْيُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قُلْتُمْ أَمَّا الرَّجُلُ فَقَدْ أَخَذَتْهُ رَأْفَةٌ بِعَشِيرَتِهِ وَرَغْبَةٌ فِي قَرْيَتِهِ أَلَا فَمَا اسْمِي إِذًا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَنَا مُحَمَّدٌ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولِهِ هَاجَرْتُ إِلَى اللَّهِ وَإِلَيْكُمْ فَالْمَحْيَا مَحْيَاكُمْ وَالْمَمَاتُ مَمَاتُكُمْ قَالُوا وَاللَّهِ مَا قُلْنَا إِلَّا ضِنًّا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُصَدِّقَانِكُمْ وَيَعْذِرَانِكُمْ ))

[مسلم عن أَبِي هُرَيْرَةَ]

 هذا هو الوفاء، و كان عليه الصلاة و السلام يقول:

(( عَنْ هِشَامِ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ مَرَّ أَبُو بَكْرٍ وَالْعَبَّاسُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا بِمَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الْأَنْصَارِ وَهُمْ يَبْكُونَ فَقَالَ مَا يُبْكِيكُمْ قَالُوا ذَكَرْنَا مَجْلِسَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَّا فَدَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ قَالَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ عَصَبَ عَلَى رَأْسِهِ حَاشِيَةَ بُرْدٍ قَالَ فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ وَلَمْ يَصْعَدْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أُوصِيكُمْ بِالْأَنْصَارِ فَإِنَّهُمْ كَرِشِي وَعَيْبَتِي وَقَدْ قَضَوْا الَّذِي عَلَيْهِمْ وَبَقِيَ الَّذِي لَهُمْ فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَتَجَاوَزُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ ))

[البخاري عن أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ]

 و أنا و اللهِ أتمنى أن أرى دائماً إنساناً سافر ليطلب العلم، و إنساناً حضنه، و أكرمه، و لا أكتم أن هذه البلدة الطيبة- و هذا من فضل الله علينا - لها سمعةٌ طيبة جداً في إكرام طلاب العلم، بل إن طلاب العلم الشرعي يؤثرونها على بلاد أخرى أكثر شهرةً منها، لكن هنا يجدون الدفء، و العلم الصحيح، و الروحانية العالية، و الإكرام البالغ، و هذه حقيقة.

المؤمنون بعضهم أولياء بعض :

 أيها الأخوة؛ قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 هذه صفة للمؤمنين، أي بعضهم يعين بعضاً، بعضهم ينصح بعضاً، و بعضهم يكرم بعضاً، و بعضهم يأخذ بيد بعضه الآخر، تعاون، و تناصح، و تباذل، و تزاور، و تضحية، و إيثار، بعضهم أولياء بعض.

جهاد المال إنفاقُه أو تركه :

 الآية التي ذكرتها قبل قليل قال تعالى:

﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 جهاد المال إنفاقُه أو تركه، إنسان له بيت بمكة، و له أملاك، و له أراض، تركها، هذا لم ينفق، و لكنه ترك، هذا جهاد سلبي، الذي يضحِّي بمصالحه جاهد بماله في سبيل الله، أحد الصحابة في أثناء الهجرة أُلقي القبضُ عليه ليعيدوه إلى مكة، قال: خذوا كل مالي و اتركوني، أين مالك؟ دلَّهم عليه، في المكان الفلاني، في بيته، خبَّأه في مكان، دلَّهم عليه ليأخذوه كلَّه، و نجا بجلده إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، فقال له النبيُّ " ربح البيعُ أبا يحيى " تجارة، و قد ربحت التجارةُ، حينما تقدِّم كلَّ مالك و تنال رضا ربِّك فأنت أكبر رابح، فجهاد المال تركُه أحياناً، جهاد المال إنفاقه.

أجمل ما في حياة المؤمنين الحبّ و الودّ والتعاون الذي بينهم :

 و قال تعالى:

﴿ أُوْلَئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 هذا لا يعني أن في المؤمنين، و هذا يتناقض أن يكون المؤمنون متعادين متباغضين الأصل أن يكونوا متعاونين، متباذلين، متناصحين، الأثر القدسي.

((عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ قَالَ دَخَلْتُ مَسْجِدَ دِمَشْقِ الشَّامِ فَإِذَا أَنَا بِفَتًى بَرَّاقِ الثَّنَايَا وَإِذَا النَّاسُ حَوْلَهُ إِذَا اخْتَلَفُوا فِي شَيْءٍ أَسْنَدُوهُ إِلَيْهِ وَصَدَرُوا عَنْ رَأْيِهِ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقِيلَ هَذَا مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فَلَمَّا كَانَ الْغَدُ هَجَّرْتُ فَوَجَدْتُ قَدْ سَبَقَنِي بِالْهَجِيرِ وَقَالَ إِسْحَاقُ بِالتَّهْجِيرِ وَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي فَانْتَظَرْتُهُ حَتَّى إِذَا قَضَى صَلَاتَهُ جِئْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُ وَاللَّهِ إِنِّي لَأُحِبُّكَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ اللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَقَالَ أَاللَّهِ فَقُلْتُ أَاللَّهِ فَأَخَذَ بِحُبْوَةِ رِدَائِي فَجَبَذَنِي إِلَيْهِ وَقَالَ أَبْشِرْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَجَبَتْ مَحَبَّتِي لِلْمُتَحَابِّينَ فِيَّ وَالْمُتَجَالِسِينَ فِيَّ وَالْمُتَزَاوِرِينَ فِيَّ وَالْمُتَبَاذِلِينَ فِيَّ ))

[أحمد عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيِّ ]

 أجمل ما في حياة المؤمنين هذا الحبُّ الذي بينهم، هذا الودُّ الذي بينهم، هذا التعاون الذي بينهم، هذا الإيثار الذي بينهم، الحياة قاسية، و الحياة أحياناً متعِبة، و الحياة أحياناً مشحونة بالمتاعب و المصائب و الهموم و الأحزان، و لحكمة بالغة بالغة شاءها اللهُ كذلك ما الذي يخفِّف من شدَّتها و قسوتها؟ هذه الأخوة الصادقة بين المؤمنين، لذلك أغلى شيء في الحياة أخٌ في الله.

المؤمن يضحِّي فيأخذ الثمنَ أضعافاً مضاعفة :

 الشيء الذي يلفت النظر قال:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 لم يأخذوا موقفاً، وما ضحَّى، آثر مصالحه على آخرته، آمن، قال: و اللهِ هذا الإنسان رسول، و لا ينطق عن الهوى، و الذي ينطق به هو القرآن، هو كلام الرحمن، لكن - و هذا نموذج موجود - مصلحته فوق إيمانه، تجارته فوق طلبه للعلم، دائماً مشغول، و إذا نشأ معه وقت فارغ من حين إلى آخر يأتي، الأصل مصلحته، أما المؤمن فالأصل مسجده، الأصل طلبه للعلم، الأصل آخرته، الأصل رضوان ربِّه، لذلك يضحِّي وهو يأخذ الثمنَ أضعافاً مضاعفة:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يُهَاجَرُوا مَا لَكُمْ مِنْ وَلَايَتِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُوا ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

الذي يرقى بالإنسان أن يسلك الطريق الصحيح لا أن يمدح فقط :

 كنتُ ذكرت سابقاً: إنسان معه مرض جلدي علاجه الوحيد التعرُّض للشمس فقال مرة وهو في بيت قميء مظلم، قال: الشمس ساطعة، خير إن شاء الله، قال: الشمس في رابعة النهار، مشرقة، أشِّعتها ممتازة، أشعتها مفيدة، هذا الكلام لا ينفعك ما لم تخرج إلى أشعة الشمس.
 ألقيتُ كلمة اليوم في احتفال بعيد المولد، قلت: إنسان لا يقرأ و لا يكتب، و له قريب يحمل أعلى شهادة و علمية، كلما جلس: قريبي معه دكتوراه، قريبي معه دكتوراه دولة، قريبي له مؤلفات، هذا الكلام لو تحكيه ألف سنة أنت تبقى في مكانك و هو في مكانه، لو حدَّثتنا عن أخيك أو عن قريبك المتعلم العالم المؤلِّف، أنت أنت، لا ترقى إلا إذا سلكت طريقه، نحن في عيد المولد، نجتمع و نسمع نشيداً في مديح رسول الله، نستمع إلى كلمات رائعة في أخلاق رسول الله، جميل رسول الله صلى الله عليه و سلم، له مكانة عند الله، لا يزيدها مدحُك إطلاقاً، مهما مدحته هو حيث هو، و لا يحتاج إلى مديحك، بالمناسبة لو أنك فعلت العكس لا يتأثَّر إطلاقاً، احتل عند الله مكانة عالية، احتل أعلى مقام، وصل إلى سدرة المنتهى، إذ يغشى السدرة ما يغشى، رأى من آيات ربه الكبرى، أنا أقول لكم كلاماً دقيقاً الآن: عندنا احتفال وراء احتفال وراء احتفال، شيء رائع جداً، جميل جداً أن نحتفل، لكن الأجمل منه أن نسلك طريق النبي، و أن نقتفيَ أثره، فهذا الذي يثني على قريبه و على شهاداته و على مؤلَّفاته، هو لا يقرأ و لا يكتب هوهو، و قريبه في عليائه.
 ذكرت شيئاً ثانياً مفيداً سأذكره هنا الآن، إنسان زار قبرَ النبي عليه الصلاة و السلام، و صلى في محراب النبي، و بكى بكاءً شديداً، جميل جداً، ضربت هذا المثل، لو أستاذ عالم كبير، عنده مئتا مؤلَّف، و يحمل دكتوراه، و له مكانة في سماء العلم لا تضاهيها مكانة، و له مكتب فخم، و عنده حاجب، و الحاجب أميٌّ، ففي أثناء غيابه جاء هذا الحاجب و جلس على مقعده وراء مكتبه، ما الذي حصل؟ هل صار عالماً؟ هو هو، و سيده هو هو، أما لو أن هذا الحاجب أخذ ابتدائية، وثيقة إتمام مرحلة، ثم أخذ إعدادية، ثم أخذ شهادة ثانوية، ثم دخل الجامعة، سار في طريق سيده، فالذي يرقى بك لا أن تمدح، الذي يرقى بك أن تسلك، هذه أهمُّ نقطة في هذه المناسبة، الذي يرقى بك أن تسلك لا أن تمدح، امدح ما شئت هو هو، لا يزيده مدحُك شيئاً، و لا ينقص ذمك من قدره شيئاً، و مرة قلت كلمة: أنت معك كيلو معدن، معدن كلمة عامية، إذا أوهمتنا أنها ذهب و صدَّقناك وهي معدن خسيس أنت الخاسر الأول، نحن جميعا صدَّقنا أن هذا الكيلو ذهب، عيار أربعة و عشرين، لو معك كيلو ذهب و نحن توهَّمنا أنه معدن خسيس أنت الرابح الأول، فخيرُك منك، و شرُّك منك.
 المؤمنون بعضهم أولياء بعض يتعاونون على الإيمان أما الكفار فيتعاونون على العدوان

هنا حكم شرعي؛ قال تعالى:

﴿ وَإِنْ اسْتَنصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمْ النَّصْرُ ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 أي إذا استطعت أن تعين إخوانك المضطهدين الذين لم يهاجروا لا مانع، قال تعالى:

﴿ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 72]

 إلا إذا كانت هناك معاهدة، و من بنود هذه المعاهدة عدم التدخل في شؤون الطرف الثاني، هذا شيء له حكمة، أما الشيء الخطير فقال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾

[ سورة الأنفال: 73]

 المؤمنون بعضهم أولياء بعض، و لكن يتعاونون على الإيمان، أما هؤلاء فيتعاونون على العدوان، و فرقٌ كبير بين تعاون أهل الشرك و الكفر، و بين تعاون أهل الإيمان، يتعاونون على الخير، على إحقاق الحق، و على نصرة الضعيف، و على إزالة المنكر، و على حلِّ مشكلات الناس، لكن الكفار يتعاونون على شيء آخر، على إطفاء نور الله، على الطعن في الحق، على إضعاف المسلمين، على نهب ثرواتهم، على إبقائهم في جهل شديد، تجهيل و تجويع و تعذيب، هذا الذي يفعله الكفار.

عدم تحقق التعاون و التناصر بين المؤمنين يؤدي لانتشار الظلم و الفتنة :

 ثم قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ إِلَّا تَفْعَلُوهُ ﴾

[ سورة الأنفال: 73]

 أي إذا أنتم ما آويتم و ما نصرتم و ما آمنتم و هاجرتم، و ما آمنتم و جاهدتم، وما كنتم أولياء لبعضكم بعضاً، إن لم تحقِّقوا هذا التعاون، و هذا التآلف، و هذا التناصر، وهذا التبادل، و هذا التناصح.

﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 73]

 الكافر إذا قوي - و العياذ بالله - يحرق الأخضر و اليابس، يهلك الحرث و النسل، لا يبقي و لا يذر، و هذا ترونه بأمِّ عينكم، شعوب تموت من الجوع، عشرون مليون رأس غنم يُطلق عليها الرصاص في أستراليا، و تُدفن ليبقى سعرُ اللحم مرتفعاً، و شعوب تتمنى لقمة طعام، شعوب تعاني من مجاعات، و عشرون مليون رأس غنم يطلق عليها الرصاص و تُدفن ليبقى السعرُ مرتفعاً، كُتل من الزبدة تعادل أهرامات مصر تُلقى في البحر، ليبقى سعر الزبدة مرتفعاً، السوق المشتركة، و الشعوب جلد على عظم، و الصور ترونها، جلد على عظم فقط، فإذا الكافر استلم زمام الأمور في العالَم فهو وحش لا يرحم، و يعيش وحده على أنقاض الناس، أما المؤمن فسيدنا صلاح الدين فتح القدس كان رحيماً، أما لما فُتحت من قِبَل الفرنجة سبعون ألف قتيل ذُبحوا في يومين، حقيقة ثابتة في التاريخ، فلذلك:

﴿ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 73]

من لا يؤمن و لا يهاجر و لا يجاهد ليس بمؤمن :

 قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوا وَنَصَرُوا أُوْلَئِكَ هُمْ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا﴾

[ سورة الأنفال: 74]

 هذه الآية التالية لها هدف، هدفها أن الذي لا يؤمن و لا يهاجر و لا يجاهد الجهاد الدعوي، جهاد الإنفاق، و لا يؤوي و لا ينصر، هذا ليس مؤمناً، ذكرت أن دائرة كبيرة جداً كل من قال: في الكون خالق دخل في هذه الدائرة، و لكن هذا لا ينجو، ضمن هذه الدائرة الكبيرة جداً دائرة ثانية، كل من دخل الدائرة الثانية هذا إيمانه منجّ، الإيمان الذي يحملك على طاعة الله هو الإيمان المنجِّي، هذا الإيمان يمكن أن ينجِّي صاحبَه من الهلاك، في وسط هذه الدائرة نقطةٌ هي النبوة، فكل إنسان قال: لهذا الكون خالقٌ دخل في الدائرة الكبرى، هذا خاضع للمعالجات و المصائب و الشدائد، أما إذا وصلت إلى الدائرة الثانية إلى دائرة أن إيمانه حمله على طاعة الله الآن صار هناك وضعٌ جديدٌ، هذا وضعٌ مُريحٌ، الدائرة الثالثة دائرة النبوة التي فيها عصمة عن كل خطأ في القول أو في العمل.
 الآن هناك ناسٌ ضعاف، لما الناسُ كلهم دخلوا في دين الله أفواجاً دخلوا، فيه مغانم الإسلام، كان مغرماً فصار مغنماً، لما صار مغنماً دخل الناسُ في دين الله أفواجاً، هذا قانون ثابت، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنْكُمْ وَأُوْلُوا الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾

[ سورة الأنفال: 75]

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

اللغات المتوافرة

إخفاء الصور