وضع داكن
29-03-2024
Logo
آيات الأحكام - الدرس : 19 - الصلاة على النبي ، سورة الأحزاب : الآية 56
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

الله عز وجل أوجب علينا أن نصلي على النبي :

 أيها الأخوة الكرام، مع الدرس التاسع عشر من: "آيات الأحكام"، ومع قوله تعالى:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 أيها الأخوة، من لطائف تفسير هذه الآية أن الله عز وجل أوجب علينا أن نصلي على النبي، فالعلماء بين من يرى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجب من الواجبات الدينية، وبين من يرى أنها سنة مؤكدة لأن الله عز وجل يقول:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 فكل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب.

الجملة الاسمية في القرآن الكريم تعني الثبات والاستمرار :

 الشيء الأول أن هذه الجملة

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ﴾

 جملة اسمية، وكلكم يعلم أن الجملة نوعان؛ اسمية وفعلية، فالاسمية هي الجملة المصدرة باسم، والفعلية هي الجملة المصدرة بفعل، قد تأتي جملة اسمية وخبرها فعل، فهذه الآية:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 (إن) حرف مشبه بالفعل، (الله) لفظ جلالة اسمها منصوب، (وملائكته) معطوف، (يصلون) فعل مضارع خبر الجملة أي خبر اسم إن، فمع أن في هذه الجملة فعلاً مضارعاً إلا أنها جملة اسمية لأنها مصدرة باسم.

من لطائف السورة السابقة :

1 ـ الأمر الإلهي جاء على صيغة جملة اسمية مصدرة باسم وجاء خبرها فعلاً :

 ماذا تعني الجملة الاسمية في القرآن الكريم؟ تعني الثبات والاستمرار،

﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾

﴿ وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ ﴾

 أية جملة اسمية تعني في القرآن الكريم الثبات والاستمرار، لأن التركيب الاسمي من شأنه الثبات والاستمرار، أما التركيب الفعلي فمن شأنه الحدوث والانقطاع، تقول: العلم نافع، هذه حقيقة ثابتة دائمة، أما دخل طالب، فالدخول تم وانتهى، فالتركيب الاسمي يفيد الثبات والاستمرار، والتركيب الفعلي يفيد الحدوث والانقطاع.
 فالشيء المستمر الذي يعم نفعه ويتجدد فعله يأتي في القرآن الكريم بصيغة اسمية، فأول لطيفة أن هذا الأمر الإلهي جاء على صيغة جملة اسمية مصدرة باسم، وجاء خبرها فعلاً، وقد قال بعض العلماء: إن الخبر الفعلي يعني تجديد هذه الصلاة بشكل مستمر، أمر دائم والتجديد مستمر.

 

الإنسان حينما يتصل بالله عز وجل يتألق و يطهر قلبه و تسمو نفسه :

 لو أردنا أن نقف قليلاً عند حكمة هذا الأمر، الإنسان حينما يتصل بالله عز وجل يتألق، يطهر قلبه، تسمو نفسه، يطمئن فؤاده، تشرق أساريره، فهناك بالحياة الإنسانية ما يسمى بتشابك النفوس، أنت اجلس مع إنسان له صلة بالله ترتاح، وتطمئن، وتحب أن تبقى معه، اجلس مع إنسان بعيد عن الله تتضايق منه، وتتمنى أن يمضي الوقت سريعاً، وأن تبتعد عنه، فالأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف، أي هناك طريق للهدى أن تتعلم، طريق آخر لسلامة النفس أن تكون مع المؤمنين، لهذا قال الله عز وجل:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 أنت راقب نفسك إن جلست مع أهل الدنيا تشعر بالضيق، قد تعجب بهم ولكن لا ترتاح معهم، أما إن جلست مع أهل الإيمان تطمئن النفس، ويرتاح القلب، وتشرق الأسارير، يؤكد هذا سيدنا حنظلة لمّا مرّ به الصديق ورآه يبكي فقال له: ما لك يا حنظلة؟ قال: نافق حنظلة نكون مع رسول الله ونحن والجنة كهاتين فإذا عافسنا الأهل ننسى- القصة معروفة عندكم - قال له: أنا كذلك يا أخي، والنبي الكريم يقول: "لو بقيتم على الحال التي أنتم عليها عندي لصافحتكم الملائكة".

كل نفس لها وهج وإشعاع وحرارة :

 يجب أن تراقب نفسك إذا كنت وحدك في البيت، أو في العمل، أو في دكانك، أو في مكتبك التجاري تحل مشكلات لك حالة، وحينما تجلس مع أهل الإيمان، وحينما تدخل بيت الله عز وجل لك حالة أخرى هي حالة الطمأنينة، والسرور، والسعادة، السبب أنك أنت مع نفوس مؤمنة فاشتبكت النفوس، فالقوي يأخذ بيد الضعيف، الموصول يأخذ بيد المقطوع، المتألق يأخذ بيد الفاتر، القريب يأخذ بيد البعيد، وهذه حكمة صلاة الجمعة، وهذه حكمة صلاة الجماعة، الصلاة صلاة وأنت في المسجد قد تجد إنساناً متفوقاً أقرب إلى الله منك، أكثر اتصالاً بالله، أكثر استقراراً، فحالته النفسية الراقية ناتجة عن اتصاله، هذه لها إشعاع.
 الآن هذه العلبة ليس لها إشعاع، أما المصباح فله إشعاع، مكانه في هذا المكان وأشعته تسري في كل مكان، وكذلك المؤمن في إشعاع، فأنت حينما تكون مع الصادقين، مع المؤمنين، مع الأتقياء، مع المحبين، مع الموصولين، تقتبس منهم تماماً كما إذا كنت أمام مصباح متألق يأتيك من نوره، تماماً كما إذا كنت أمام مدفأة متوهجة تأخذ من دفئها، تماماً كما إذا كنت أمام مكيف في الصيف يعطي هواءً بارداً تأخذ من هذا الهواء البارد.
 فشيء دقيق وحساس أنك إذا كنت مع المؤمنين تقتبس منهم، تقتبس من طمأنينتهم، تقتبس من كمالهم، تقتبس من اتصالهم بالله عز وجل، هذه هي فلسفة الصلاة على النبي اللهم صلِّ عليه، أي وأنت مع رسول الله لك حال آخر، وأنت مع أصحابه الكرام لك حال آخر، وأنت مع كبار المؤمنين لك حال آخر، وأنت مع أولياء الله لك حال آخر، عملية تمازج نفوس.
 قد يؤكد هذا المعنى أنك إذا جلست مع نفر من علماء الطب تشتهي الطب، إن جلست مع التجار تشتهي أن تكون تاجراً، يصبح هناك عدوى، يصير تشابك نفوس، كل نفس لها وهج وإشعاع وحرارة، هذا الوهج والإشعاع والحرارة يصل إلى النفس الثانية، وهذا سرّ الصحبة، وأول آية في هذا الموضوع:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ﴾

[ سورة التوبة: 119 ]

 ودليل آخر:

﴿ وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ﴾

[ سورة الكهف: 28 ]

 إذاً وأنت في طريق الإيمان شيء مهم جداً البيئة التي تعيش فيها، الزملاء الذين هم حولك، الأقرباء الذين تزورهم، الجيران الذين تجاورهم، المجتمع الذي يحتضنك، هذا مهم جداً.

النبي عليه الصلاة والسلام قمة الكمال البشري :

 لذلك من الصعب أن تستقيم وأنت في بيئة متفلتة، من الصعب أن تستقيم وأنت مع أناس ضائعين شاردين، قمة الكمال البشري النبي عليه الصلاة والسلام، أشدّ الناس خشية هو رسول الله، أشدّهم قرباً هو رسول الله، أسعدهم هو رسول الله، أكملهم هو رسول الله، فالله عز وجل أراد أن تقتبس من هذا الكمال البشري، يعد النبي عليه الصلاة والسلام قمة الكمال البشري، فإن جلست إليه إما أن تستفيد من علمه، وإما أن تستفيد من حاله، له علم وله قال وله حال، له كلام يقوله، وله حال تشعر به، لذلك أمرنا أن نكون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال هذا الأمر النبوي الإلهي:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 الإله إذا صلى على النبي أي تجلى عليه برحماته، تجلى عليه بأنواره، تجلى عليه بالقربات، تجلى عليه بالإشراقات عن طريق الملائكة، الملائكة وسائط، معنى الآية إن أردتم أن تقتبسوا من أحواله.. إن أردتم أن تقتبسوا من أنواره.. إن أردتم أن تقتبسوا من سعادته فصلوا عليه، أي كونوا قريبين منه باتباع سنته، بذكره، بذكر شمائله، بذكر أخلاقه، بذكر فضائله، بذكر بطولاته، هذا أمر متجدد، دائماً الحق مجرد أما القدوة فمجسمة، فأنت بحاجة إلى حق مجرد وقدوة مجسمة، الحق المجرد القرآن والسنة، أما القدوة المجسمة فالنبي عليه الصلاة والسلام.

الصلاة على النبي من قبل المسلمين هي تعظيم له :

 الله إذا صلى على النبي تجلى عليه، غمره برحماته، ألقى في قلبه أنواره، طمأن قلبه لأنه قربه، والملائكة هم الوسطاء، والمؤمنون هم المستفيدون، الإله يعطي والملك واسطة والمؤمن مستفيد.

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 قال بعض العلماء: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ليس لحاجته إليها، هو لا يحتاجها لأن الله أكرمه، وأعلى شأنه، ورفع قدره، ورفع ذكره، وأعطاه، وجعله سيد الأنبياء وسيد الرسل، وجعل له مقاماً محموداً لا ينبغي إلا لواحد من خلقه، وأمرنا النبي عليه الصلاة والسلام أن ندعو له بالوسيلة، هو غني عن صلاتنا ولكن صلاتنا من أجلنا، قال العلماء: ليس النبي عليه الصلاة والسلام محتاجاً إلى صلاتنا بل وليس محتاجاً إلى صلاة الملائكة لأن الله صلى عليه، انتهى كل شيء.
 إنما الصلاة على النبي من قبل المسلمين هي تعظيم له، وانتفاع من رحمة الله التي تنزل على قلبه، لذلك ورد في بعض الأحاديث قول النبي عليه الصلاة والسلام: "اللهم لا تجعل لي خيراً على يد كافر أو منافق".
 لأنه لو قدم كافر خدمة عالية جداً وأنت ملت إليه بحكم فطرتك التي فطرت عليها هذا الميل إلى كافر مقطوع، بعيد، منكر، جاحد، هذا الميل إلى هذه النفس قد تقتبس منها بعدها، وضيقها، وضجرها، واضطرابها، لذلك عند ذكر الصالحين تتنزل الرحمات، والمعنى المخالف عند ذكر المنقطعين تشمئز القلوب، إذا إنسان دخل إلى بستان جميل، وحديقة ورود هذا جميل جداً يقف عند كل وردة، هذه حمراء، وهذه فواحة الرائحة، وهذه بيضاء ناصعة، أما إذا وقف على حاوية وأراد أن ينقب في الحاوية فطعام متفسخ، لحم نتن، قشور لها رائحة كريهة، لذلك بذكر الصالحين تتنزل الرحمات وبذكر المعرضين تتنزل الشقاوات.

 

2 ـ صلاة الله على النبي هي الرحمة أما صلاة المؤمنين فهي الدعاء :

 

 الآن جرب في سهرة أو لقاء أو نزهة تتحدث عن أصحاب رسول الله تجد بعد حين الوجوه تألقت، العيون أصبحت زئبقية، الخدود توردت، النفوس اطمأنت، ويقال: والله شعرنا بسرور وصار هناك تجلياً، اجلس الجلسة نفسها مع الأشخاص أنفسهم وتحدث عن إنسان لئيم، عن مجرم، عن منحرف، تجد أن النفوس ضاقت، تفرق الجمع، تشتت الشمل، ضجر من في المجلس، فعود نفسك إذا جلست أن تتحدث عن الصالحين.
 المعاجم تقول: الصلاة دعاء، فإذا قلنا: إن الله وملائكته يصلون هذا المعنى لا يليق بالله عز وجل، الله من يدعو‍! أنت تدعو الله لكن الله من يدعو؟ فالصلاة دعاء واستغفار ولكن هذا المعنى لا يليق بالله عز وجل، فإذا عزيت الصلاة إلى الله فهذا المعنى لا يليق بالله عز وجل.
 الصلاة من الله بمعنى الرحمة، الرحمة ما هي؟ من أدق الأسماء، عطاء الله عز وجل إجمالاً يسمى رحمة، إذا طمأن قلبك رحمة، إذا أصحح لك جسمك رحمة، إذا ملأ قلبك سعادة رحمة، إذا ملأ نفسك بروداً رحمة، فرحمة الله تبدأ من الحالة النفسية إلى الحالة الجسمية إلى العلاقات الاجتماعية، أحياناً يدافع عنك إذاً رحمك، أحياناً يعلي قدرك إذاً رحمك، لذلك قالوا: صلاة الله عز وجل على النبي هي الرحمة، أما صلاة المؤمنين فهي الدعاء، الدعاء أو الاتصال أو التعظيم.
 وقال بعض العلماء: الصلاة من الله بمعنى الرحمة، ومن الملائكة بمعنى الاستغفار، وهما يشتركان بالعناية بالمرحوم والمستغفر له وهذا هو القاسم المشترك بينهما، العناية من الله تجليات الرحمة، من الملائكة الاستغفار، من المؤمنين الدعاء، لأن الآية:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 المؤمنين دعاء، والملائكة استغفار، والله جلّ جلاله تجلّ وتنزل الرحمات.

 

3 ـ حقيقة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :

 

 و هناك لطيفة ثالثة: الله جلّ جلاله أمرنا بالصلاة على النبي فقال:

﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 طبعاً قل أنت: أنا صليت على النبي، أما الصلاة التي علمنا إياها النبي فهي: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، قل أنت: أنا صليت عليك يا رسول الله، العلماء قالوا: لأنك لن تستطيع أن توفيه قدره ولا حقه ولا مكانته اطلب من الله أن يصلي عليه، لماذا عدلنا عن قول لقد صلينا عليه؟ تقول: صلينا عليه، لا.. تقول: اللهم صلِّ على محمد، لأننا يا رب عاجزون عن أن نوفيه حقه، أنت إذا صليت عليه وفيته حقه.
 إنك يا ربنا أعلم بما يليق به فنحن عاجزون عن توفيته حقه، قاصرون عن معرفة الثناء عليه، لقد أوكلنا الأمر إليك، تدبر سرّ هذه الجملة: اللهم صلِّ على محمد فإن هذا المعنى نفيس ودقيق، يقول لك: قدرني، أي أنا ليس بالإمكان أن أعطيك حقك يا رب اجزه عني كل خير، هذا هو المعنى.
 وبعضهم قال: معنى قولنا اللهم صلِّ على نبينا محمد أي يا رب عظمه في الدنيا بإعلاء ذكره، وإظهار دعوته، وإبقاء شريعته، وفي الآخرة بتشفيعه في أمته، وتضعيف أجره، ومثوبته، وإعطائه المقام المحمود.

((عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ وَالْبُشْرَى فِي وَجْهِهِ فَقُلْنَا إِنَّا لَنَرَى الْبُشْرَى فِي وَجْهِكَ فَقَالَ إِنَّهُ أَتَانِي الْمَلَكُ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَقُولُ أَمَا يُرْضِيكَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا صَلَّيْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَحَدٌ إِلَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ عَشْرًا))

[النسائي عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَبِيهِ]

 أنت بحاجة إلى تيار كهربائي ذهبت إلى مركز توزيع وضعت هذا الشريط وأخذت تياراً قوياً بشكل أو بآخر، النبي عليه الصلاة والسلام مهبط تجليات الله، الأنوار والإسرارات، والإشراقات كلها عند النبي، فأنت أردت أن تأخذ منه شيئاً بالصلاة عليه.
 وقال صلى الله عليه وسلم لما صعد درجات المنبر: آمين، ثم قال:

((رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك))

[ البيهقي عن أبي هريرة]

 رغم أنفه أي خاب وخسر.
 والحديث الثالث: يقول عليه الصلاة والسلام:

(( إن أولى الناس بي يوم القيامة أكثرهم عليّ صلاة))

[الترمذي عن عبد الله بن مسعود]

 إذا أردت أن توسع هذا المعنى هو المعنى اللهم صلِّ على سيدنا محمد، لو أردت أن توسعه أن تعيش في كمالات النبي، تعيش في رحمته، تعيش في رأفته، في عدله، في عبادته، في محبته، في تواضعه، في إنصافه، في مؤاثرته، إذا كنت تعيش مع أخلاق النبي فأنت تصلي عليه حقيقة، أنت لا حظ نفسك تسير في الطريق وحدك راكب سيارة، سافرت إلى حلب الحديث الذي يجري مع نفسك حول ماذا؟ المؤمن أكثر حديثه مع نفسه عن رسول الله، هذه حقيقة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم :

 أيها الأخوة الكرام، بعض الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، أمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الأمر للوجوب، فتكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، ويكاد العلماء يجمعون على وجوب الصلاة والتسليم عليه، وتكون الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم كالتلفظ بكلمة التوحيد من حيث الوجوب.
 وقد اختلف بعض العلماء في حكم الصلاة على النبي هل تجب في كل مجلس؟ هي واجبة لكن في كل مجلس أم كلما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم أم هي مندوبة؟ طبعاً هي واجبة في العمر مرة، قال بعضهم: هي واجبة كلما ذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم، وقال آخرون: تجب في المجلس مرة واحدة، أي لو إنسان قال: النبي الكريم، ممكن لأنه في المجلس صلى عليه مرات عديدة.
 وبعضهم قال: يجب الإكثار منها من غير تقييد بعدد أو مجلس، ولا يكفي أن تكون في العمر مرة واحدة، السبب لقول الله عز وجل:

﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾

[ سورة الأحزاب: 56 ]

 يصلون فعل مضارع يفيد الاستمرار، الذين قالوا بالوجوب يقولون: كلما ذكر اسم الرسول صلى الله عليه سلم الله جلّ جلاله أمرنا أن نصلي عليه لأن الأمر يفيد التكرار، ثم لما ورد من الوعيد الشديد لمن لم يصلِّ على النبي كقوله صلى الله عليه وسلم:

((الْبَخِيلُ الَّذِي مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ))

[ الترمذي عن علي ]

 وقوله صلى الله عليه وسلم:

(( مَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِي مَجْلِسٍ فَتَفَرَّقُوا وَلَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَيُصَلُّوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا كَانَ مَجْلِسُهُمْ تِرَةً عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))

[ أحمد عن أبي هريرة]

 وقول جبريل:

((رغم أنف عبد ذكرت عنده فلم يصل عليك))

[ البيهقي عن أبي هريرة]

 فقال النبي الكريم: آمين.
 لذلك القائلين بالوجوب أن تكثر من الصلاة عليه كلما ذكر وفي كل مجلس وبشكل مستمر، إذاً هذه عند هؤلاء تفيد الوجوب، الصلاة على النبي واجبة على الاستمرار كلما ذكر وفي كل مجلس.
 قال: وذهب جمهور العلماء إلى أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قربة وعبادة كالذكر، والتسبيح، والتحميد، وأنها واجبة، ومندوبة، ومسنونة، في كل وقت وحين، وأنه ينبغي الإكثار منها لما صح عنه صلى الله عنه وسلم أنه قال:

((مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا))

[ الدارمي عن أبي هريرة ]

 ولابن مسعود قول رائع يقول: "الذي يقتضيه الاحتياط ويستدعيه معرفة علو شأنه صلى الله عليه وسلم"، أي الاحتياط يقتضي أن تصلي عليه كلما جرى اسمه، هذا ملخص الملخص، وإلى هذا ذهب الجمهور جمهور العلماء.

أسرار الصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم :

 أيها الأخوة، الصلاة على النبي لها أسرار كثيرة، أي لو أردنا أن نضيف معنى جديداً إذا صليت على النبي تذكر سنته الفعلية والقولية، إذا صليت على النبي تذكر كماله، إذا صليت على النبي تذكر رحمته، لا بدّ لكل إنسان من شخصية يعيشها، وشخصية يتمنى أن يكونها، وشخصية يكره أن يكونها، فإذا كانت شخصية النبي هي الشخصية التي تتمنى أن تكونها دائماً فأنت تصلي عليه حقيقة، أي حقيقة الصلاة عليه أن تجعله الشخصية التي تتمنى أن تكونها.
ممكن أن تدخل إلى البيت وليس هناك طعاماً، طالما أن النبي دخل إلى بيته ولم يجد طعاماً ماذا فعل؟ تذكر النبي، النبي حليم ورحيم وعنده حكمة ولا ينفجر على زوجته.
 فمعنى الصلاة على النبي أنت مع كمال النبي، مع أخلاق النبي، مع سمت النبي الحسن، مع رحمته الجياشة، مع حلمه الذي لا حدود له، مع رحمته، مع حلمه، مع وقاره مع هيبته، هذه هي الصلاة على النبي، أي بالإضافة إلى النظريات والمعلومات والعقائد والأفكار عندك شخص، فيه كمال بشري رفيع جداً، يمثل أعلى درجة من الكمال البشري، وهو قدوة لك، فالصلاة عليه تعني تذكر كماله، تذكر رحمته، تذكر حلمه، تذكر عفوه، هذا هو التذكر، فهذا يعد حقيقة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور