وضع داكن
25-04-2024
Logo
الدرس : 48 - سورة المائدة - تفسير الآيات 111 - 118 ، قصة المائدة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا، وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

كلمة الوحي في القرآن الكريم لها معانٍ عديدة :

 أيها الإخوة المؤمنون، مع الدرس الثامن والأربعين من دروس سورة المائدة، ومع الآية الحادية عشرة بعد المئة، وهي قوله تعالى: 

﴿  وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ(111) ﴾

[ سورة المائدة  ]

 أولاً أيها الإخوة الوحي يعني إعلام خفي، كالوحي إلى أم موسى، أحياناً يأتيك خاطر، هذا الخاطر يعد نوعاً من الوحي، ولكن كلمة الوحي في القرآن الكريم لها معانٍ عديدة.

1 من معانيها الأمر :

 فأولاً: من معانيها الأمر: 

﴿  إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا(1) وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا(2) وَقَالَ الْإِنْسَانُ مَا لَهَا(3) يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا(4) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا(5) يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ(6) فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ(7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ(89)  ﴾

[  سورة الزلزلة ]

﴿بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا﴾ أي أمرها أن تُخرج ما في بطنها، هذا الوحي للجماد أمر.

2 عندنا وحي غريزة :

 في عندنا وحي غريزة:

﴿ وَأَوْحَىٰ رَبُّكَ إِلَى ٱلنَّحْلِ أَنِ ٱتَّخِذِى مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ ٱلشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ(68) ﴾

[  سورة النحل ]

 هذا الوحي غريزة. 

﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ﴾

3 وحي إلهام :

 هناك وحي إلهام، أي: إعلام بخفاء، من دون صوت، يعبر عنه الناس بخاطر.

 بالمناسبة، الإنسان له ملَك يُلهمه، وله شيطان يوسوس له، وكأن الملك مهمته أن يدعو الإنسان إلى العمل الطيب، وكأن الشيطان مهمته أن يدعوه إلى عمل خبيث، وكل إنسان مُخيَّر، فإما أن يستجيب لملك، وإما أن يستجيب لشيطان، فالوحي إعلام بخفاء: 

﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ ﴾ هنا الوحي ليس وحي رسالة. 

4 أرقى أنواع الوحي وحي الرسالة :

 بالمناسبة، آخر أنواع الوحي، بل أرقى أنواع الوحي وحي الرسالة، أي أن رسولاً هو جبريل عليه السلام، ينقل للرسول الذي من بني البشر وحي السماء، هذا وحي رسالة، وهناك وحي إلهام، ووحي غريزة، ووحي أمر، هنا وحي إلهام.

المؤمن مادام يطلب الخير ويطلب العمل الطيب يلهمه الله عز وجل :

 أحياناً قد تخطر في بالك أكلة تحبها، تأتي إلى البيت، فإذا هي في البيت، قد يخطر في بالك إنسان بعد دقيقة تلتقي به، قال العلماء: هذا نوع من الوحي، إلهام، الإنسان يُلهَم، والحقيقة أن الإنسان المؤمن أحياناً بالذات يُلهم الخير، الله عز وجل حينما علم منه صدقه، وإخلاصه، وحبه للخير يُلهِم هذا المؤمن أن يقول كلمة هي شفاء للسائل، هذا الشيء يقع في مجالس العلم كثيراً، يأتي إنسان وعنده مشكلة، فالمتكلم دون أن يشعر يُلهَم أن يعالج هذه المشكلة. أحياناً المؤمن مادام يطلب الخير، يطلب العمل الطيب يلهمه الله عز وجل، هذه لكل مؤمن، لكل مؤمن، يُلهَم أن يقول كلمة فيها حل لمشكلة، يُلهم أن يروي قصة فيها حل لمشكلة، يُلهم أن يزور إنساناً فيها حل لمشكلة، هناك قصص كثيرة جداً، الإنسان يجد نفسه مسُوقاً بدافع إلهام يقوم بعمل، فإذا بهذا العمل يكون له دور كبير جداً في الخير، فأنت كن مع الله، فالله عز وجل يستخدمك، أي يوظفك عنده.

 فهنا الوحي موضوع إعلام بخفاء، وكل إنسان يمكن أن يكون له وحي من هذا النوع، أما وحي الرسالة فخاص بالأنبياء والرسل، وحي الغريزة بالحيوانات، وحي الأمر بالجمادات، فكل إنسان يمكن أن يلهمه الله عز وجل، إنسان دخله مشروع، وورِع، ومستقيم أحياناً يكون هناك صفقة سيئة جداً، وهو رآها جيدة فيوحي له الله عز وجل بانقباض فينقبض، أحياناً يوحي الله عز وجل وحي إلهام لإنسان ألاّ يذهب لهذا المكان، يكون فيه مشكلة كبيرة، أنت حينما تكون مع الله تُلهًم الصواب والسداد، وهذا من إكرام الله لك.

وأنا أقول لكم أيها الإخوة: مستحيل إنسان يخطب ودّ الله عز وجل إلا والله عز وجل يريه نوعاً من الكرامات، هذه نوع من الكرامات، أن تُلهَم أن تفعل شيئاً، هذا الشيء مهم جداً أحياناً. وأنا أؤكد لكم مرة ثانية: ما منكم واحد إلا وله مع الله تجربة في هذا الموضوع، والقصص لا تعد ولا تحصى، هذا شيء يحصل لكل المؤمنين، ولا يتميز بها مؤمن عن مؤمن، إلا أنك مادمت تطلب الحق، والعمل الصالح، والخير تشعر أن الله يلهمك الخير، يلهمك كلمة معينة، حركة معينة، امتناعاً معيناً، عملا معيناً، تعليقاً معيناً، يكون فيه خير كبير جداً.

الإنسان المخلص والنقي والصافي يستحق أن يوحي الله إليه وحي إلهام : 

 إذاً: 

﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ الحواريون مشتقة من الصفاء والنقاء والمحبة، الآن هناك تعبير معاصر شفافية، الإنسان الشفاف الذي عنده وضوح شديد، عنده نفس طاهرة، فهذه الشفافية جاء في القرآن التعبير عنها: الحواري، إنسان مخلص، نقي، صافٍ، هذا المخلص، والنقي، والصافي، يستحق أن يوحي الله إليه وحي إلهام: 

﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي﴾ فلما جاء السيد المسيح آمنوا به فوراً: 

﴿قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ بالمناسبة: ما من نبي في القرآن الكريم إلا وقد وصف بأنه مسلم، وكأن الأصل في الدين هو الإسلام، ولعل معنى قوله تعالى: 

﴿ إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلْإِسْلَٰمُ ۗ وَمَا ٱخْتَلَفَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَٰبَ إِلَّا مِنۢ بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ ٱلْعِلْمُ بَغْيًۢا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَن يَكْفُرْ بِـَٔايَٰتِ ٱللَّهِ فَإِنَّ ٱللَّهَ سَرِيعُ ٱلْحِسَابِ(19) ﴾

[  سورة آل عمران ]

 حقيقة الدين أن تُسْلم وجهك لله، أن تستسلم إليه، وأن تتوجه إليه، أن تستسلم إليه بسلوكك، وأن تتوجه إليه بقلبك، بانصياع بالجوارح، وتوجه بالقلب إلى الله.

اليقينيات ثلاثة يقين استدلالي ويقين شهودي ويقين تماس :

 إذاً: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا ﴾ لما جاء السيد المسيح: 

﴿قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ ﴾ منصاعون لمنهج الله، مقبلون على الله، ثم إن هؤلاء الحواريين يقولون: 

﴿ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ(112) ﴾

[ سورة المائدة  ]

 أنتم آمنتم بالله، آمنتم بقدرته المطلقة، آمنتم بعلمه، آمنتم بحكمته، ماذا بعد الإيمان؟ أرادوا أن يكونوا كسيدنا إبراهيم. 

﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَٰهِۦمُ رَبِّ أَرِنِى كَيْفَ تُحْىِ ٱلْمَوْتَىٰ ۖ قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِن ۖ قَالَ بَلَىٰ وَلَٰكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِى ۖ قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ ٱلطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ ٱجْعَلْ عَلَىٰ كُلِّ جَبَلٍۢ مِّنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ٱدْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا ۚ وَٱعْلَمْ أَنَّ ٱللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(260)﴾

[  سورة البقرة ]

 الحقيقة أن الإيمان اليقيني هو إيمان قوي جداً، لكن الإيمان الشهودي أقوى منه، الإيمان اليقيني الاستدلالي العقلي هو علم يقين قطعي، تماماً كما لو نظرت إلى دخان من وراء جدار، تقول أنت: لا دخان بلا نار، أنت موقن مئة بالمئة باليقين العقلي الاستدلالي أن وراء الجدار ناراً، هذا يقين، لكن لو التفت إلى وراء الجدار فرأيت عين النار، هذا أول حالة علم اليقين، فلما رأيت عين النار هذا حق اليقين، فلما اقتربت من النار، وأصابك وهجها هذا عين اليقين.

الأمر الإلهي مطاع قولاً واحداً :

 أيها الإخوة: 

﴿إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ﴾ أي هل يستطيع؟ هل يستجيب لنا إذا دعوناه أن ينزل علينا مائدة من السماء؟ طبعاً الأرض فيها موائد، كل هذه الخيرات أنتم في الإفطار تأكلون على مائدة، طبعاً المائدة: الخِوان وعليه طعام، من دون طعام اسمه: خِوان فقط، فالمائدة: مرطبات، مشروبات، مقبلات، فتات، رز مع اللحم، هذه مائدة الله عز وجل، مَن خلق الرز، اللحم، الفواكه، الخضار، المقبلات؟ هذا كله من خلق الله عز وجل، ففي الأرض موائد لا تعد ولا تحصى، وأحياناً الموائد لها منظر يلفت النظر، تنسيق بالأطباق، وجمال بالتزيين، هذه مائدة أيضاً، لكنهم يريدون مائدة من السماء لا من الأرض:

﴿هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ﴾ يا أيها المسيح لو سألنا الله أن ينزل علينا مائدة من السماء هل يستجيب لنا؟ أو هناك معنى آخر، هل تستطيع سؤال ربك؟ إما هل يستجيب، أو هل إذا أمر شيئاً أن يكون فيكون؟ أي هل الأشياء تُجيب الله عز وجل؟ مع أن الحقيقة الصارخة أن كل ما في الكون إذا أمره الله عز وجل يطيعه صاغراً، كل ما في الكون. 

﴿  إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ(82)  ﴾

[  سورة يس ]

 فالأمر الإلهي مطاع قولاً واحداً، العلماء عددوا معاني هل يستطيع؟ هل يستطيع: هل يجيب؟ هل يستطيع: من الطاعة، فلو أن الله أمر شيئاً أن يكون مائدة تكون، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾ أو هل تستطيع أن تسأل الله عز وجل: ﴿أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ﴾

الحواريون أرادوا أن ينتقلوا من يقين عقلي إلى يقين شهودي :

 وكما قلت قبل قليل في علم اليقين هم موقنون قولاً واحداً أن الله قادر، لكن لو أرادوا أن ينتقلوا من اليقين الاستدلالي، إلى اليقين الشُّهودي، أنت في حياتك اليومية في حالات كثيرة جداً تستنبط أن الآلة معطلة، هذا يقين استدلالي، حينما تضع السلك الكهربائي في المكواة في المأخذ، وتبقى باردة، معنى ذلك أن المكواة معطلة، هذا استنباط، استنباط عقلي، لكن لو فتحت المكواة فوجدت الوشيعة مقطوعة، انتقلت من استدلال عقلي لاستدلال شهودي، فكأن الحواريين أرادوا أن ينتقلوا من يقين عقلي، إلى يقين شهودي، لكن السيد المسيح رأى في ذلك تجاوزاً لمقام العبودية لله عز وجل، كل هذا الكون ينطق بوجوده ووحدانيته وكماله.

﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ أنت كمؤمن مهمتك أن تتقي الله فقط، أن تطيعه وعلى الله الباقي، مهمتك أن تطيع الله فقط. 

﴿  بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ(66)  ﴾

[ سورة الزمر ]

الحواريون أرادوا من هذه المائدة أن تكون شهادة الله للمسيح أنه رسول الله :

﴿قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ ما دمتم آمنتم بالله عز وجل موجوداً، وواحداً، وكاملاً، وخالقاً، ورباً، ومسيراً، وإلهاً، وأسمائه حسنى، وصفاته فضلى، يكفيكم هذا الإيمان، تابعوا: 

﴿  قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ(113) ﴾

[ سورة المائدة ]

 أن نأكل طعاماً أعد في السماء ولم يعدّ في الأرض، وأن تنزل علينا مائدة من السماء. 

﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا ﴾ أي ننتقل من اليقين العقلي إلى اليقين الشهودي. 

﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ كأن هذه المائدة شهادة الله لك أنك رسوله، ودائماً وأبداً حينما يرسل الله رسولاً إلى خلقه هناك من يكذبه، لا بد من معجزة تشهد للناس أن هذا الإنسان الذي يقول إنه رسول الله هو رسوله حقاً من خلال المعجزة: 

﴿قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ﴾

الحواريون أرادوا أن يكونوا رسلاً يشهدون للناس بقدرة الله عز وجل :

 نريد أن ننتقل إلى الإيمان الشهودي بقدرة الله عز وجل، ثم إلى الإيمان الشهودي برسالته، وقبل كل هذا: ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا﴾ لقدرة الله: ﴿وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ إلى أنك رسوله ﴿وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنْ الشَّاهِدِينَ﴾ لمن حولنا، نحن نكون أيضاً رسلاً نشهد للناس بقدرة الله عز وجل من خلال هذه المائدة.

الفرق بين خطاب سيدنا عيسى وخطاب الحواريين :

 قال تعالى: 

﴿ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ(114) ﴾

[ سورة المائدة  ]

 طبعاً اللهم أصلها يا الله، لكثرة استخدام هذا النداء حذفت ياء النداء، وعُوِّض عنها بالميم، اللهم أصلها يا الله. 

إذاً: الحواريون توجهوا إلى الله: هل يستطيع ربك باسم الربوبية، لكن سيدنا عيسى توجه إلى الله باسم الألوهية، مقام الألوهية يقابله مقام العبودية، أي يا رب، أنت إله، ونحن عبيدك، والعبد عبد، والإله إله، وما على العبد إلا أن يطيع سيده، وكلما ارتقيت عند الله اقتربت من مقام العبودية، والنبي صلى الله عليه وسلم في أعلى مقاماته حينما بلغ سدرة المنتهى قال الله: 

﴿  فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى(10)  ﴾

[  سورة النجم ]

 إذاً أعلى مقام تصل إليه أن تكون عبداً له، فالفرق بين خطاب سيدنا عيسى وخطاب الحواريين، الحواريون خاطبوا الله باسم الربوبية، لكن سيدنا عيسى خاطبه باسم الألوهية: 

﴿قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنْ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾

سيدنا عيسى بدأ بالهدف التعبدي أما الحواريون فبدؤوا بالهدف النفعي :

 هم بدؤوا: ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا﴾ سيدنا عيسى قال: 

﴿تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا﴾ أي تكون آية باهرة دالة على عظمتك يا رب، نعود بهذه الآية إليك، ونُقبل عليك، فبدأ بالهدف التعبّدي، هم بدؤوا بالهدف النفعي: ﴿نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا﴾ أما سيدنا عيسى فبدأ بالهدف التعبدي: ﴿ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا﴾

 ونأكل أيضاً منها: ﴿وَأَنْتَ خَيرُ الرَّازِقِينَ﴾

 لكن أيها الإخوة هناك سُنة من سنن الله عز وجل، وهي: أن جهة من البشر إذا سألوا الله شيئاً فلم يستجيبوا لله بعد هذا الشيء يستحقون الهلاك، لما طلبوا من سيدنا صالح ناقة، ثم عقروها، فدمّرهم الله تدميراً، وأي جهة من البشر تسأل الله شيئاً ليكون سبب الإيمان، فإن لم يؤمنوا استحقوا بهذا الشيء الذي طلبوه هم ولم يؤمنوا الهلاك.

من سنن الله أن البشر إذا سألوا الله شيئاً ولم يستجيبوا بعده يستحقون الهلاك :

 قال تعالى: 

﴿  قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَزِّلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنْ الْعَالَمِينَ(115) ﴾

[ سورة المائدة  ]

 أحياناً الإنسان يقول: يا رب، لو نجحت في الامتحان سأجعل بعد هذا النجاح توبة نصوحاً لك، وكل إنسان يعاهد الله عز وجل يربط سيره إلى الله بشيء، ثم يقع هذا الشيء، ولا يسير إلى الله، يكون هذا دليل كذبه، ودليل استحقاق البعد عن الله عز وجل. 

 بالمناسبة قوم النبي عليه الصلاة والسلام: 

﴿  لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً(90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيراً(91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلاً(92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَراً رَسُولاً(93)  ﴾

[  سورة الإسراء ]

 قال علماء التفسير: النبي عليه الصلاة والسلام رحمة بقومه لم يسأل الله هذه الطلبات، لو سأل الله هذه الطلبات ولم يؤمنوا، لاستحقوا الهلاك والدمار، فلذلك رحمة بهم، لم يسأل النبي عليه الصلاة والسلام ربه هذه الطلبات التي طلبها قومه حينما بعثه الله نبياً.

الله سبحانه وتعالى يعبر عما سيكون بفعل ماضٍ تحقيقاً للوقوع :

 أيها الإخوة الكرام، الآن: 

﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ(116) ﴾

[ سورة المائدة ]

 هذا القول يوم القيامة، ولكن لأن الله سبحانه وتعالى يعبر عما سيكون بفعل ماضٍ تحقيقاً للوقوع. 

﴿ أَتَىٰٓ أَمْرُ ٱللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ۚ سُبْحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ(1) ﴾

[ سورة النحل ]

 معنى ذلك لم يأتِ بعد:

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾

المعاني الدقيقة لكلمة (سبحان الله) أن تنزهه وأن تمجده وأن تستجيب له :

 أنت يا رب منزه أن يكون لك ولد: ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ﴾ سبحان الله من ألفاظ التنزيه، والتنزيه أن تُنزِّه الذات الإلهية عن كل نقص لا يليق بالله عز وجل، وأن تُمجِّده، أن تُنزِّهه، وأن تُمجِّده، وأن تستجيب له، المعاني الدقيقة لكلمة سبحان الله: أن تُنزِّهه، وأن تُمجِّده، وأن تستجيب له: 

﴿قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ أي مستحيل أن يكون رسول مُرسل من عندك يا رب، ويدّعي أنه إله، هذا مستحيل. 

﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾ والله عز وجل بالمناسبة لا يستفهم، لا يليق بذات الله أن يستفهم، الاستفهام له معنيان؛ إما أن السائل يطلب معلومة لا يعرفها من المسؤول، هذا الاستفهام على أصله، أسألك كم الساعة؟ أنا لا أعلم كم الساعة، أسألك هل حضر فلان؟ السؤال بمعناه الطبيعي أن السائل يطلب معلومة لا يعلمها من المسؤول، لكن الاستفهام قد يخرج عن معناه الأصلي إلى معنى آخر مُطبَّق في هذه الآية هو التقرير، الله يعلم أن هذا النبي الكريم لم يقل هذا الكلام، لم يقل لقومه: ﴿اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ﴾ ولكن ليكون جواب السيد المسيح لله عز وجل حجة على من ادّعى ألوهيته. إذاً هذا اسمه التقرير، إما طلب العلم بمجهول أو التقرير، فهذا الاستفهام في هذه الآية اتجه إلى التقرير.

ما من إنسان كالأنبياء يعلم مقام العبودية : 

﴿وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ﴾

 نزهه ومجده أن يكون له ولد، لأن الله عز وجل ليس كمثله شيء، وكل ما خطر في بالك فالله خلاف ذلك، سبحانك، ثم إنه لا يحق لي، ولا يمكن لنبي اصطفاه الله عز وجل، وأرسله للناس، ثم يدّعي هذا النبي وهو عبد لله أنه إله، وثمة إشارة لطيفة جداً، أن الأنبياء كانوا يأكلون الطعام، والذي يأكل الطعام ليس إلهاً، ويمشون في الأسواق، مفتقرون في وجودهم إلى تناول الطعام، ومفتقرون إلى ثمن الطعام بالمشي في الأسواق.

 لذلك الميكادو كان يُعد في اليابان إلهاً، له طبيب أسلم، لماذا أسلم؟ لأنه رأى الإله يمرض، فيه عِلل لا تعد ولا تحصى في جسمه، ما دام قد رأى إنساناً ممتلئاً بالأمراض إذاً ليس إلهاً. إذاً يقول سيدنا عيسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام: 

﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ إله عظيم اصطفى إنساناً، اصطفاه على علم، ليكون رسوله إلى الناس، وما من إنسان كالأنبياء يعلم مقام العبودية، أيعقل هذا الإنسان أن يدّعي أنه إله؟!! 

﴿مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ﴾ ثم: ﴿إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ﴾

الإنسان له نفس وهي مجموع جسمه مع روحه لكن نفس الله ندع لله تأويله :

 أنت تسأل سؤال التقرير: 

﴿إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ طبعاً الإنسان له نفس، وهي مجموع جسمه مع روحه، ذاته، لكن نفس الله عز وجل ندع لله تأويلها، الله عز وجل له وجه، ولكن ليس كوجوهنا، وله نفس، ولكن ليست كنفوسنا، وله يد، ولكن ليست كأيدينا، كل ما خطر في بالك فالله خلاف ذلك: ﴿تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ (علَّام) صيغة مبالغة، أي لا تخفى على الله خافية، علم ما كان، وعلم ما يكون، وعلم ما سيكون، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون: ﴿إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ﴾ .

﴿  مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ(117) ﴾

[ سورة المائدة ]

فأشد الناس توحيداً هم الأنبياء، وأشدهم عبودية هم الأنبياء.

تقييم الأشخاص من شأن الله وحده:

(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ﴾ أنا يا رب أشهد يوم القيامة عليهم أنني ما قلت لهم هذا الكلام، ومرة ثانية هذا السؤال خرج عن قصده الأصلي إلى قصد التقرير ليكون كلام السيد المسيح شاهداً ضد من ادّعى أنه إله: ﴿فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ ﴾

﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ(118) ﴾

[ سورة المائدة ]


 أنت عزيز، لو عفوت عنهم ليس في الكون جهة تستطيع أن تعترض على ذلك: 

﴿أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ﴾ أيها الإخوة، إذا كان شأن السيد المسيح في هذا الموضوع هو عدم التألّي على الله، يعني نبي كريم يقول: يا رب: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ﴾ .

 فما بال أقوام الآن يقولون: فلان إلى جهنم، فلان كافر، فلان مؤمن، من أنت؟ هذا تألٍّ على الله، مقام النبوة أعلى مقام، قمة في الكمال، هذا شأن الله عز وجل، فاحفظوا هذه الكلمة: تقييم الأشخاص من شأن الله وحده، لكن هناك تطرف أحياناً، شارب خمر، غارق في المعاصي، لا يصلي، لعله يكون وليّاً، هذا من أولياء الله، لا، هذا كلام فيه لعب بالدين، هذا عاصٍ، هذا شارب خمر، هذا لا يصلي، ولكن يمكن أن يتوب، وأن يسبق السابقين، هذا عدم التألّي، فإذا مدحت إنسان قل: أظنه صالحاً، ولا أزكّي على الله أحداً: ﴿إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ْ﴾ .

والحمد لله رب العالمين 

دعاء:

 بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، أكرمنا ولا تُهنّا، آثرنا ولا تؤثر علينا، أَرضِنا وارضَ عنا، وصلى الله على سيدنا محمد النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.

الاستماع للدرس

00:00/00:00

تحميل النص

إخفاء الصور