- تفسير القرآن الكريم / ٠2التفسير المطول
- /
- (005)سورة المائدة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا، إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا بما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
في الصلاة كل أركان الإسلام وهي عماد الدين :
أيها الأخوة الكرام، مع الدرس السابع من دروس سورة المائدة، ومع الآية السادسة، وهي قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾
أيها الأخوة الكرام، لا بد من وقفة متأنية عند الصلاة، الذي يعد الوضوء شرطاً لها.
أيها الأخوة، الحقيقة الأولى أن أركان الإسلام خمسة: صوم وصلاة وحج وزكاة ونطق بالشهادة، النطق بالشهادة مرة واحدة، ينطق بالشهادة مرة واحدة، والحج يسقط عن المريض وعن الفقير، والصيام يسقط عن المسافر والمريض، والزكاة تسقط عن الفقير.
ما الفريضة المتكررة التي لا تسقط بحال؟ إنها الصلاة، الفرض الأول الذي لا يسقط بحال هو الصلاة، والصلاة عماد الدين، من أقامها فقد أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين، وبين المؤمن والكافر ترك الصلاة، وفي الصلاة معنى الصيام، لأن الصائم يدع الطعام والشراب، بينما المصلي يدع الطعام والشراب والكلام والحركة، وفي الصلاة معنى الحج، لأن المصلي يتوجه إلى بيت الله الحرام، وفي الصلاة معنى الزكاة، لأن المصلي يقتطع من وقته وقتاً ليصلي، والوقت أصل في كسب المال، وفي الصلاة نطق بالشهادة، إذاً في الصلاة كل أركان الإسلام، وهي عماد الدين، هي غرة الطاعات، وسيدة القربات، ومعراج المؤمن إلى رب الأرض والسماوات.
العلم في الإسلام ليس هدفاً بذاته إنما هو وسيلة :
أيها الأخوة، يمكن أن يفهم واحد الدين على أنه فكر، هذا فهم قاصر، فقد تجد إنساناً تفكيره إسلامي، تفكيره يقتنع بالدين، وبالفكر الديني، وبالمبادئ الدينية، وبالقيم الدينية، ولكن ما لم يتصل فلا قيمة لهذه الأفكار التي يعتقدها، وأدق دليل على ذلك أن الإنسان حينما يصاب بمرض جلدي ويقول له الطبيب: شفاؤك الوحيد أن تتعرض لأشعة الشمس، فهذا الإنسان لو اعتقد أن الشمس ساطعة، وأن الشمس مشرقة، وأن الشمس مفيدة، وأن أشعتها مطهرة، ما لم يتعرض لأشعة الشمس فلا قيمة لكل هذه الاعتقادات وتلك الأفكار، صار الآن إسلام فكري، كل المذاهب الوضعية سقطت، ولم يبقَ في الميدان إلا الإسلام، وأصبح الإسلام الآن ورقة رابحة بأيدي جميع الناس.
ذكرت لكم أن أحد العلماء الذي زار بريطانيا وهو مسلم التقى بالجالية الإسلامية وقال لها: أنا أستبعد أن يستطيع المسلمون اللحاق بالعالم الغربي في المدى المنظور لاتساع الهوة بينهما، ولكنني أعتقد أن العالم بأكمله سوف يركع أمام أقدام المسلمين، لأن خلاص العالم بالإسلام، لكن عليهم أن يحسنوا فهم دينهم، وأن يحسنوا تطبيقه، وأن يحسنوا عرضه للناس.
إذاً أن تقتنع أن الإسلام حق، وأن الجنة حق، وأن النار حق، ولا تتحرك وفق قناعتك، أنا الآن أضع يدي على جراح المسلمين، لو التقيت بمليون مسلم، بمئة مليون، بألف مليون، بمليارات المسلمين ما منهم واحد إلا وهو مقتنع أن الإسلام حق، وأنه دين الله، وأنه من عند الله، وأنه كلام الله، وأن النبي معصوم، وأن الجنة حق، وأن النار حق، ما لم تتحرك وفق قناعاتك فلا قيمة لقناعاتك، ذلك لأن العلم في الإسلام ليس هدفاً بذاته إنما هو وسيلة.
أيها الأخوة، يمكن أن نتحدث عن الصلاة من زاوية فقهية، وهذا شيء بين أيديكم، بل إن مناهج التربية الإسلامية في التعليم الإعدادي والثانوي تتحدث عن الصلاة، وعن فرضتها، وعن شروطها، وعن واجباتها، وعن سننها، وعن مستحباتها، وعن دخول الوقت، هذا شيء معروف بين أيدي الناس جميعاً.
ولكن أيها الأخوة، هناك إنسان يعلم علم اليقين الأحكام الفقهية المتعلقة بالصلاة، وهناك إنسان آخر يعلم كيف تستطيع أن تتصل بالله، وهناك إنسان ثالث اتصل بالله، تماماً كمن يملك خارطة قصر، ومن يعرف الطريق الموصل إليه، ومن يدخله، فلا أريد في هذا الدرس أن نبقى في الأحكام التي بين أيدي الناس جميعاً، بل نريد أن نرقى بها قليلاً إلى الطريق، أحكام الصلاة كخارطة القصر، نريد أن نصل إلى القصر، ما الطريق؟
الصلاة تنهى نهياً ذاتياً عن الفحشاء والمنكر :
أيها الأخوة، من الثابت أن المسلم إذا كان متلبساً بمعصية، إذا كان مخالفاً لحكم، إذا كان مقصراً في واجب، إذا كان في كسبه شبهة، إذا كان في إنفاقه شبهة، إذا كان في علاقاته معصية، فإن هذا التقصير، وتلك المخالفات، وهذه المعاصي تحجبه عن الله، فليست العبرة أن أقف منتصب القامة، وأن أفتتح الصلاة بالتكبير، ثم أن أقرأ قراءة صحيحة، ثم أن أركع مطمئناً، ثم أن أسجد مطمئناً، ثم أن أقعد القعود الأخير، وأن أتلو الكلمات، وأن أؤدي الحركات بالتمام والكمال، على أن الصلاة مجموعة أعمال وأقوال تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم، وانتهى الأمر، يجب أن نعلم أن هذا الخالق العظيم الذي أمرك أن تصلي في اليوم خمس مرات لا يكون أمره أمراً شكلياً، تقف وتقرأ، وتركع، وتسجد، ثم تسلم، وانتهى الأمر، وأنت لا تجد فرقاً بين مسلم يصلي وإنسان لا يصلي، لكن إن لم يكن الفرق شاسعاً بين الذي يصلي والذي لا يصلي فليست هذه الصلاة التي أمرنا الله بها.
أيها الأخوة الكرام، يعني من تعريفات النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة أنها عماد الدين، والذي رأى خيمة في حياته، الخيمة أيها الأخوة في وسطها عمود لو سحبته لانتهت الخيمة، قيام هذه الخيمة بهذا العمود، قد تجد خيمة دائرية واسعة كبيرة، كل هذه الخيمة لولا هذا العامود لكانت قطعاً من القماش لا تسمى خيمة، فقد قال عليه الصلاة والسلام:
((الصلاة عماد الدين ))
هذه واحدة، الدين صلاة، وأن الدين اتصال هذا المخلوق الحادث الضعيف الجاهل الفاني بمبدع الكون، أنت لا شيء والله كل شيء، فأنت بالله قوي، وبالله غني، وبالله عالم، فما لم تجد فرقاً صارخاً بين المصلي وغير المصلي فلا يمكن أن تكون الصلاة من دون أن ترى أثرها في السلوك، وفي الأخلاق، وفي المعاملات، لا يمكن أن تكون الصلاة بهذه الطريقة التي يؤديها المصلون بالمستوى الذي أراده الله عز وجل:
((الصلاة عماد الدين ))
هل يمكن للمصلي أن يكذب؟ مستحيل، هل يمكن للمصلي أن يخون؟ مستحيل، هل يمكن للمصلي أن يحتال؟ مستحيل، هل يمكن للمصلي أن يأخذ ما ليس له؟ مستحيل، هل يمكن للمصلي أن يظلم؟ مستحيل، هل يمكن للمصلي أن يخادع؟ مستحيل.
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ ﴾
إن الصلاة تنهى نهياً ذاتياً عن الفحشاء والمنكر.
الصلاة طهور :
أيها الأخوة، يمكن أن يقوم نظام بالغ الدقة على نظام الردع، لكن الصلاة تعطي النظام الإسلامي طابع الوازع، الإنسان يخاف أن ينقطع عن الله فلا يكذب، ولا يغش، ولا يحقد، ولا يظلم، لأن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، إما نهياً إرادياً، أو نهياً ذاتياً، إما أنك تخشى أن تنقطع عن الله عز وجل فلا تظلم، ولا تفعل شيئاً يقطعك عن الله، وإما أن الكمال الذي حصلته بالصلاة يدفعك إلى أن تكون في أعلى مقام عند الله عز وجل، هذه واحدة.
الآن الصلاة طهور، أريد من هذا الدرس أيها الأخوة أن يكون درسَ تطبيقٍ عملي، الصلاة تطهر قلب المؤمن من الأدران فالمصلي لا يحقد، الصلاة تطهر قلب المصلي من الحقد، تطهر قلب المصلي من الحسد، تطهر قلب المصلي من الغل، تطهر قلب المصلي من كل رذيلة نفسية أو قلبية، لأن الصلاة طهور، فالمصلي عنده براءة أطفال، بريء صافٍ ليس ساذجاً، وليس غبياً، لأن سيدنا عمر يقول: (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، لست من الخبث حيث أخدع، ولا من السذاجة حيث أخدع، (لست بالخب، ولا الخب يخدعني)، فالمصلي بعد أن اتصل بالله عز وجل تراه سليم القلب، طاهر الفؤاد، لا يحقد، ولا يحسد، ولا يحتال، ولا يكذب، ولا يظلم.
أيها الأخوة، هذه ثمار الصلاة، لكنك تجد أناساً كثيرين غارقين في معاصٍ وآثام واعتداءات على حقوق من حولهم، ومع ذلك يصلون، هذا الذي يحير العالم اليوم، العالم الإسلامي يعد ملياراً وثلاثمئة مليون ليست كلمتهم هي العليا، وليس أمرهم بيدهم، وللطرف الآخر عليهم ألف سبيل وسبيل، ما السبب؟ إنهم لا يصلون كما كان الصحابة يصلون، إنهم لم تطهر قلوبهم بالصلاة التي هي في الأصل، كما قال الله عز وجل:
﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ ﴾
الصلاة نور :
قال الله عز وجل:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾
أي أكبر ما فيها، ثم إن النبي عليه الصلاة والسلام يقول:
(( الصلاة نور ))
ما من سلوك منحرف إلا وتسبقه رؤية غير صحيحة، فالذي يسرق لماذا يسرق؟ لأنه رأى أن السرقة تعطيه مالاً كثيراً بجهد قليل، فظن نفسه أذكى من كل من حوله فسرق، الصلاة نور، تهبك نوراً تمشي به في الناس.
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الصلاة نور، مستحيل وألف ألف مستحيل أن تركب مركبة في الليل ولها أضواء كاشفة وأن تقع في حفرة، أو أن ترتطم بجدار، أو أن تقع في مشكلة، لأن هذا النور يكشف لك الطريق، وهكذا المؤمن، الصلاة نور، نور يقذف في قلب المؤمن في أثناء الصلاة، لذلك تجد أن هذا القرآن حينما يطبقه المؤمن يهدي المؤمن سبل السلام، لأنه طبق تعليمات الصانع، يهدي القرآن المؤمنين سبل السلام، في سلام مع نفسه، ليس فيه ضيق داخلي، ولا اختلال توازن، ولا شعور بالذنب، ولا عقدة، لأنه مستقيم على أمر الله، ينام خالي البال، لذلك في بعض الفنادق كتب على زاوية السرير: إن تقلبت في الفراش ولم تنم فليست العلة في فرشِنا، إنها وثيرة، ولكن العلة في ذنوبك، إنها كثيرة، الإنسان حينما يخرج عن منهج الله يخرج عن فطرته.
الصلاة ميزان فمن وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها :
أكاد أقول لكم: والله اعلم أن الصلاة يمكن أن تكون ميزاناً لاستقامتكم، إن فعلت هذا الفعل هل تستطيع أن تصلي بعده؟ قطعاً لا، تستطيع أن تقف، وأن تقرأ الفاتحة، وأن تركع، وأن تسجد، وأن تسلم، وأن تقول لمن حولك: تقبل الله، ولكن لا تستطيع أن تتصل بالله، فكأن الصلاة ميزان، من وفى الاستقامة حقها استوفى من الصلاة ثمراتها بالضبط، كأن الصلاة ميزان من وفى الاستقامة حقها، استوفى من الصلاة ثمراتها.
إذاً أول بند: هي عماد الدين، ثاني بند: هي طهور، مستحيل أن يكون هناك أمراض في قلب المؤمن وهو يصلي، أما أن يصلي صلاة شكلية عنده من الحقد، والحسد، والبغض، والنكد، والتطاول، والظلم، والاحتيال ما لا يعد ولا يحصى، طهور ونور، المصلي مستنير، يقذف الله في قلبه النور، يريه الحق حقاً والباطل باطلاً، وقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم:
((اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه))
أرنا، والرؤية تحتاج إلى نور، ما قيمة عينين حادتي البصر في مكان مظلم؟ يستوي في المكان المظلم الأعمى والبصير، الأعمى والبصير يستويان تماماً في مكان مظلم، لكن المؤمن باتصاله بالله يقذف الله في قلبه نوراً، وهذا كلام فيه آيات:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً ﴾
الحق واضح والباطل واضح، الخير واضح والشر واضح، الاستقامة واضحة والانحراف واضح:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾
الصلاة حبور :
النور من ثمرات الصلاة، الصلاة حبور، فيها سعادة لقول النبي عليه الصلاة والسلام:
((أَرِحْنا بِها يا بلالُ ))
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
القلب لا يسعد، ولا يطمئن، ولا يتوازن، ولا يستقر، ولا يأمن إلا بذكر الله:
﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾
لذلك:
((أَرِحْنا بِها يا بلالُ ))
أصبحت البنود أربعة.
الصلاة عقل :
الآن الصلاة عقل، وقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم:
((ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها))
وهذا الحديث تدعمه آية يقول الله فيها:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
فهذا الذي لا يعلم ما يقول في حكم السكران:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
فينبغي أن تعلم ما تقول في الصلاة، تقول:إياك نعبد وإياك نستعين، تقول:
﴿ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ * إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ * اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾
كأن القرآن كله جمع في الفاتحة، وكأن الفاتحة جمعت في:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
أنت حينما تقرأ الفاتحة وتقرأ آية:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
الله أكبر، سبحان ربي العظيم، أنت الآن سألت الله أن يهديك الصراط المستقيم، وجاء الرد الإلهي:
﴿ وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾
هذا هو الأمر، فإذا ركعت كأنك خضعت لله عز وجل، وإذا سجدت كأنك طلبت العون من الله.
لذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن لكل سورة حظها من الركوع والسجود، أية سورة تقرأها بعد الفاتحة لها ركوع خاص بها، ولها سجود خاص بها، فالركوع خضوع، والسجود طلب العون من الله عز وجل، الركوع والسجود ترجمة عملية لقولك في الفاتحة:
﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾
إياك نعبد في الركوع سمعاً وطاعة يا رب، وإياك نستعين في السجود. إذاً الصلاة وعي، وإدراك، وعقل:
﴿ لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ﴾
((ليس للمؤمن من صلاته إلا ما عقل منها))
الصلاة ذكر:
الآن: الصلاة ذكر.
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أكبر شيء في الصلاة أن تذكر الله، أكبر شيء في الصلاة على الإطلاق أن تذكر الله عز وجل:
﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ﴾
لكن بعض العلماء يقول في تفسير قوله تعالى:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
إن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له، إنك إن ذكرته عبدته، لكنه إذا ذكرك وفقك، إذا ذكرك طمأنك، إذا ذكرك أمنك، إذا ذكرك ألهمك الحكمة، إذا ذكرك ألقى في قلبك السكينة، إذا ذكرك أسعدك، إذا ذكرك جعلك ذا هيبة، إذا ذكرك جعلك من الموفقين، إذا ذكرك أجرى على يديك الخير، إذا ذكرك قربك إليه، لذلك في تفسير قوله تعالى:
﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾
أي ذكر الله لعبده في الصلاة أكبر من ذكر العبد لربه، أنت تقوم بواجب، لكن عطاء الله يكون حينما يمنحك من أسباب السعادة والتوفيق ما لا سبيل إلى وصفه.
الصلاة قرب من الله :
إذاً من معاني الصلاة الذكر، ومن معاني الصلاة:
﴿ وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ ﴾
القرب من الله.
﴿ أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ﴾
فالإنسان إما أن يكون بعيداً عن الله أو قريباً منه، بالصلاة تقترب من الله، أيها الأخوة كيف أن الإنسان أحياناً يتقرب إلى إنسان يراه عظيماً أحياناً بهدية، هديتك إلى الله في الصلاة أن تكون محسناً لخلقه، هذا معنى إشاري بعيد:
﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾
طبعاً المعنى البسيط الواضح الذي يلزم من كلمات هذه الآية أن تكون نظيفاً، وذا هيئة حسنة، ولكن الإنسان أحياناً يتزين بهدية إذا زار عظيماً، فالهدية أيضاً من معاني الزينة حينما تخدم عباد الله، حينما ترحمهم، حينما تنصحهم، حينما تدلهم على الله، حينما تكرمهم، حينما تطعمهم، حينما تواسيهم، حينما تجبر كسرهم، فالله عز وجل ينتظرك في الصلاة ليكرمك جزاء إكرامك لهم، لأن الله شكور.
الصلاة عروج إلى الله عز وجل :
إذاً من معاني الصلاة أيضاً أنها قرب من الله عز وجل، والصلاة أيضاً عروج إلى الله عز وجل، وقد ورد أيضاً في بعض الآثار أن:
(( الصلاة معراج المؤمن))
تعرج أنت في الصلاة إلى رب الأرض والسماوات، فمن أنها عماد الدين، إلى أنها طهور، إلى أنها نور، إلى أنها حبور، إلى أنها ذكر، إلى أنها قرب، إلى أنها عقل، إلى أنها عروج، إلى أنها مقياس ميزان، إلى أنها الدين كله، الصلاة عماد الدين ولكن يحضرني هنا أيها الأخوة حديث شريف أنا أكرره كثيراً، هو في الحقيقية حديث قدسي فقد روى النبي عن ربه أن الله سبحانه وتعالى يقول:
((ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))
فالصلاة تحتاج إلى تعظيم لله عز وجل، والتفكر في خلق السماوات والأرض يجعلك تعظم الله عز وجل.
((أي عبادك أحب إليك أحبه بحبك؟ قال: يا داود، أحب عبادي إلى نقي القلب ونقي الكفين، لا يأتي إلى أحد بسوء، ولا يمشي بالنميمة، تزول الجبال ولا يزول، أحبني، وأحب من يحبني، وحببني إلى عبادي، قال: يا رب! إنك لتعلم أني أحبك، وأحب من يحبك فكيف أحببك إلى عبادك؟ قال؛ ذكرهم بآلائي، وبلائي، ونعمائي))
((ليس كل مصلٍّ يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي، وكف شهواته عن محارمي))
يفكر في خلق السماوات والأرض وهو مستقيم على أمر الله، التفكر والاستقامة.
((ولم يصر على معصيتي ))
سريع التوبة، تواب.
أخواننا الكرام، الحديث دقيق جداً:
((ليس كل مصل يصلي، إنما أتقبل الصلاة ممن تواضع لعظمتي))
أي فكر في خلق السماوات والأرض، وتعرف إلى الله عز وجل، وإلى عظمته، وإلى أسماءه الحسنى وصفاته العلى،
((وكف شهواته عن محارمي))
استقام على أمر الله، تفكر في خلق الله، واستقام على أمره.
((ولم يصر على معصيتي))
المؤمن مذنب تواب سريع التوبة.
الأعمال الصالحة تفكرٌ واستقامةٌ وعملٌ صالحٌ وصلاة :
قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ﴾
هذه ثلاثة، تعرف إلى الله بالتفكر، واستقام على أمره، وبادر إلى التوبة النصوح.
((وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب، وآوى الغريب))
هذه الأعمال الصالحة تفكر، استقامة، عمل صالح، صلاة، أربع نقاط في الدين، كلها مرتكزات، أن تفكر في خلق السماوات والأرض فتعرفه، وأن تستقيم على أمر الله فيكون الطريق سالكاً إليه، وأن تعمل الأعمال الصالحة فتتحرك إليه.
﴿ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ﴾
العمل حركة، والاستقامة إزالة العقبات.
الشيء الأخير: أن تتصل به فتسعد في الدنيا والآخرة، إذاً:
((وأطعم الجائع، وكسا العريان، ورحم المصاب وآوى الغريب ـ الإخلاص ـ كل ذلك لي))
﴿ إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُوراً ﴾
((كل ذلك لي))
ثمار الصلاة:
الآن ثمار الصلاة:
((وعزتي وجلالي إن نور وجهه لأضوأ عندي من نور الشمس، على أن أجعل الجهالة له حلماً))
غضوب صار حليماً، بخيل صار كريماً، محتال صار مستقيماً،
((على أن أجعل الجهالة له حلماً ـ الأخلاق السيئة له حلماً ـ والظلمة نوراً ـ كان في عمى فصار في هداية، كان في ظلماء فصار في مكان منير وضاح،
((على أن أجعل الجهالة له حلماً، والظلمة نوراً يدعوني فألبيه))
صار مستجاب الدعوة.
((ويسألني فأعطيه، ويقسم علي فأبره، أكلأه بقربي، وأستحفظه ملائكتي مثله عندي كمثل الفردوس لا يتسنى ثمرها ولا يتغير حالها ))
ونختم هذا الدرس بآية كريمة، وهي قوله تعالى:
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً ﴾
شديد الخوف.
﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً ﴾
حريصاً على ما في يديه، خائر القوى إن استمع إلى خبر سيئ.
﴿ إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً* إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
المصلي معافى من الهلع والحرص، لكن قبل قليل ماذا قلت؟ ليس كل مصلٍّ يصلي:
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
كل مَن وقف، وكبر، وقرأ الفاتحة، وركع، وسجد يصلي، لكن كلما نضيف صفة تضيق الدائرة.
﴿ إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ ﴾
ضاقت الدائرة.
كلما نضيف صفة تضيق الدائرة :
قال تعالى:
﴿ وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ * وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُّكْرَمُونَ ﴾
كي تتضح جلياً إنسان: ستة آلاف مليون، الآن قل: إنسان مسلم: مليار ومئتا مليون، إنسان مسلم عربي: أربعمئة مليون، إنسان مسلم عربي مثقف: مليون، إنسان مسلم عربي مثقف طبيب: مئتا ألف، كلما تضيف صفة تضيق الدائرة.
فهذه الصلاة التي تنجيك من الهم والغم والحزن والقلق والانهيار، وأن تكون منوعاً وجزوعاً، ليس كل مصل يصلي، اقرأ هذه الآية، واقرأ تفصيلاتها، ثم انظر أية صلاة تقطف ثمارها؟ التي ترافقها هذه الخصائص.
أيها الأخوة، في درس قادم إن شاء الله نتناول الوضوء، وتفاصيل أحكام الوضوء، وأحكام الغسل الذي هو شرط أساسي من شروط الصلاة، وقد قال علماء الأصول القاعدة التالية: إنه ما لا يتم الفرض إلا به فهو فرض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وما لا تتم السنة إلا به فهو سنة.