- ٠2كتاب الله أكبر
- /
- ٠2كتاب الله أكبر
وبعد أن ينتهي الحجاج من مناسك الحج يتجهون إلى المدينة المنورة التي هي من أحب بلاد الله إلى الله، يتجهون إليها لزيارة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم، فقد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( أنه من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ))
وقد علقت في مكان بارز من الحجرة الشريفة الآية الكريمة:
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً رَحِيماً (64)﴾
وقد أشار الإمام القرطبي إلى أن الآية تصدق على زيارة رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وبعد مماته، وليس هذا لغير النبي عليه الصلاة والسلام.
وقد أورد الإمام القاسمي صاحب التفسير الشهير في تفسير هذه الآية أن في هذه الآية تنويهاً بشأن النبي عليه الصلاة والسلام، فالرجل حينما يظلم نفسه بمعصية ربه من خلال خروجه عن سنة النبي عليه الصلاة والسلام وجب عليه أن يستغفر الله أولاً، وأن يعتذر من رسول الله ثانياً، فلا تتم التوبة إلى الله ولا تقبل إلا إذا ضم إلى استغفار الله استغفار رسوله صلى الله عليه وسلم، فطاعة الرسول عليه الصلاة والسلام عين طاعة الله، ورفض سنة النبي عليه الصلاة والسلام عين معصية الله، وإرضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم هو عين إرضاء الله، يستنبط هذا من إفراد الضمير في قوله تعالى عند كلمة يرضوه:
﴿ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ﴾
بضمير المفرد، لأن إرضاء النبي عليه الصلاة والسلام عين إرضاء الله، ومعصية النبي عين معصية الله، ولا أدل على ذلك من قوله تعالى:
﴿ مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً (80)﴾
﴿ قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)﴾
ولعل سر السعادة التي تغمر قلب المسلم حينما يزور مقام النبي عليه الصلاة والسلام أنه ما إن يرى معالم المدينة حتى يزداد خفقان قلبه، وما إن يبصر الروضة الشريفة حتى يجهش بالبكاء، عندئذ تصبح نفس الزائر صافية من كل كدر، نقية من كل شائبة، سليمة من كل عيب، منتشية بحبها له صلى الله عليه وسلم وقربها منه، هذه الحقيقة هي حقيقة الشفاعة التي أشار إليها النبي عليه الصلاة والسلام:
(( من جاءني زائراً لم تنزعه حاجة إلا زيارتي كان حقاً على الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة ))
وإن شئت الدليل القرآني على ما يشعر به المسلم من سكينة وسعادة حينما يتصل برسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو أو بآخر هو قوله تعالى:
﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ﴾
وقال الرازي في تفسيره: " إن روح محمد صلى الله عليه وسلم كانت روحاً قوية صافية مشرقة باهرة لشدة قربه من الله، ولأن قلبه الشريف مهبط تجليات الله عز وجل، فإذا ذكر أصحابه بالخير والود، أو ذكره المؤمنون بالحب والتقدير فاضت آثار من قوته الروحانية على أرواحهم، فأشرقت بهذا السبب نفوسهم، وصفت سرائرهم، وهذه المعاني تفسر قوله تعالى:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً (56)﴾