- أسماء الله الحسنى
- /
- ٠2أسماء الله الحسنى 2008م
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم، إلى أنوار المعرفة والعلم، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات.
من أسماء الله الحسنى: (الرب):
أيها الأخوة الكرام، اسم الرب مناسبة للحديث عن موضوعات مهمة جداً، لأن الله سبحانه وتعالى يربينا، يسوق لنا من المصائب ما يحملنا بها على التوبة، ومعنى قول الله عز وجل:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
من معاني هذه الآية أنه ساق لهم من الشدائد ما يحملهم بها على التوبة.
معرفة الحدث سهلة جداً لكن تأويل الحدث يحتاج إلى إيمان:
معنى قوله تعالى:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
قال علماء التفسير: النعم الظاهرة ظاهرة، الصحة، المال، الأهل، الأولاد، المأوى، العمل، السمعة، وباطنة المصائب، فهم الظاهرة سهل جداً، لكن فهم النعم الباطنة يحتاج إلى تأمل، فالإنسان يحب سلامته وسعادته، ويحب كل شيء إيجابي، لكنه بفطرته يتألم من النقص في المال والأنفس والأولاد، فلذلك يحتاج المؤمن ليفهم حقيقة النعم الباطنة ولأن الله سبحانه وتعالى رب العالمين يربينا، يربي أجسامنا ويربي نفوسنا، فكيف نفهم النعم الباطنة ؟ لابد من مثل يوضح الحقيقة، تركب أنت مركبتك في لوحة البيانات، تألق ضوء أحمر، تألق أو لم يتألق ليست هي المشكلة، تألق حتماً ورأيت تألقه رأي العين، لكن المشكلة لماذا تألق ؟ تكمن المشكلة في فهم تألقه لا في إثبات تألقه، رأيته بعينك، وهذا ينسحب على ما يجري في العالم اليوم، معرفة الحدث سهلة جداً لكن تأويل الحدث يحتاج إلى إيمان.
أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة وأن تفهمها فهماً على خلاف ما أراد الله عز وجل:
ما يجري في العالم الآن مع التواصل الإعلامي وثورة المعلومات والأرض كانت خمس قارات أصبحت قارة واحدة، فأصبحت مدينة واحدة، فأصبحت بيتاً واحداً، فأصبحت غرفة واحدة، فأصبحت سطح مكتب، ما يجري في العالم بأي مكان في العالم تراه رأي العين بعد ثوان، إذاً في ثورة معلومات، الآن البطولة ليست في التأكد من صحة الخبر تراه بعينك، الآن البطولة في فهم الخبر، في تحليله، المؤمن يملك تحليلاً دقيقاً جداً بحسب الوحيين الكتاب والسنة.
أنت راكب مركبتك وتألق ضوء أحمر في لوحة البيانات لماذا تألق ؟ إن فهمته تألقاً تزيينياً وتابعت السير احترق المحرك، وتعطلت الرحلة، وتعطل الهدف، ودفعت مبلغاً كبيراً لإصلاح المحرك، وإن فهمت التألق تألقاً تحذيرياً أوقفت المركبة، وأضفت الزيت، وتابعت الرحلة وتحقق الهدف، كم هي المسافة بعيدة بين أن تفهم الضوء فهماً تزيينياً أو أن تفهمه فهماً تحذيرياً، لذلك قالوا من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر. يعني أكبر مصيبة أن تأتي المصيبة وأن تفهمها فهماً على خلاف ما أرادها الله عز وجل، لذلك من الموضوعات اللصيقة باسم الرب فهم المصائب، لأنه رب العالمين، لأنه يربينا، لأنه خلقنا للآخرة، لأنه خلقنا لجنة عرضها السماوات والأرض، لأن هذه الدنيا أحقر من أن تكون مكافأة لإنسان أو عقاباً لإنسان والدليل أن هؤلاء الذين شردوا عنه شرود البعير يقول الله في حقهم:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
سياسة الله في معاملة عباده تبدأ بـ:
1 – الهدى البياني:
و لأن من سياسة الله عز وجل في معاملة عبادة أنه يبدأ بهدايتهم عن طريق الهدى البياني توضيح وأكمل موقف لهذا الهدى البياني أن تستجيب، قال تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ (24) ﴾
فإن لم تستجب، في تأديب تربوي هذه المصائب، قال تعالى:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
تماماً كالطبيب حينما يخير المريض الذي أصيب بالتهاب معدة حاد، بالحمية الصارمة تشفى فإن لم تتبع هذه الحمية الصارمة لا بد من عمل جراحي، والإنسان حينما يستجيب لله وللرسول إذا دعاه الله لما يحيه تزول عنه احتمالات المصائب، الدليل:
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
الإنسان حينما يحقق وجوده تنتهي المعالجات.
2 ـ التأديب التربوي:
أما إذا لم يستجب الآن يخضعه الله لمرحلة أقصى يخضعه الله للتأديب التربوي، لذلك:
﴿ وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (21) ﴾
3 ـ الإكرام الاستدراجي:
فإن لم يستجب في حالة ثالثة قلما ينجو منها الإنسان:
﴿ فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً ﴾
هذا الإكرام الاستدراجي.
4 ـ القصم:
فإن لم يستجب كان القصم.
الهدى البياني الموقف الكامل الاستجابة، التأديب التربوي الموقف الكامل التوبة، الإكرام الاستدراجي الموقف الكامل الشكر، فإن لم يستجب كان القصم، قال تعالى:
﴿ فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ (44) ﴾
لذلك أفضل ألف مرة أن تكون خاضعاً للتأديب الإلهي من أن تكون خارج التأديب الإلهي، إن كنت خاضعاً للتأديب الإلهي فهناك خير كبير ينتظرك، إذا أحب الله عبده ابتلاه فإن صبر اجتباه وإن شكر اقتناه.
المصائب التي يسوقها الله للإنسان هي:
1 – مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع:
أيها الأخوة الكرام، فهم المصائب يحتاج إلى إيمان، لذلك قالوا مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، الله عز وجل يدفعنا إلى بابه، يسوق لنا من الشدائد ما يدفعنا إلى بابه:
﴿ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا (118) ﴾
أي ساق لهم من الشدائد، في آية:
﴿ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (160) ﴾
إذا جاءت توبة الله بعد توبة العبد فهي قبول التوبة، وإذا جاءت توبة الله قبل توبة العبد فهي سبب التوبة، لذلك حينما تفهم على الله حكمته تكون قد قطعت أربعة أخماس الطريق إلى الله، حينما تفهم حكمة المصائب، و في بعض الآثار:
(( ما من عثرة، ولا اختلاج عرق، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم، وما يغفر الله أكثر ))
الله عز وجل غني عن تعذيب عباده لكنه يسوق لنا بعض الشدائد ليرفع مقامنا:
الله عز وجل عني عن تعذيبنا، غني عن أن يسوق لنا الشدائد لكن النبي عليه الصلاة والسلام قال:
(( عَجِبَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ مِنْ قَوْمٍ يُقَادُونَ إِلَى الْجَنَّةِ فِي السَّلَاسِلِ ))
وأنا أؤكد لكم أنك إذا دخلت إلى مسجد ورأيت فيه جمعاً غفيراً فاعتقد جازماً أن عدداً كبيراً من هؤلاء كان إقباله على الله عز وجل عقب معالجة حكيمة، ومعنى مصيبة أن الله عز وجل خبير بهذا الإنسان يعرف نقطة ضعفه، الذي عنده مال وفير لا يتأثر بفقد المال قد تخدش كرامته، والذي يحتاج أشد الحاجة إلى المال قد يكون نقص المال أحد وسائل تأديبه، فينبغي أن تفهم على الله حكمته وأنك إذا فهمت على الله قطعت أربعة أخماس الطريق على الله.
لذلك مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، أحياناً لك عند الله مرتبة عملك لا يكفي كي تنالها، لا بد من أن يسوق الله لك من بعض الشدائد حتى يرفع مقامك عنده، إذاً للمؤمنين الآية الكريمة:
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157) ﴾
مصائب المؤمنين مصائب دفع ورفع، دفع إلى باب الله ؛ ورفع لمقام المؤمن عند الله.
2 ـ مصائب الذين شردوا عن الله مصائب ردع أو قصم
لكن مصائب الذين شردوا عنه مصائب ردع أو قصم، هؤلاء زمرة أخرى.
3 ـ مصائب الأنبياء مصائب كشف:
أما الأنبياء مصائبهم مصائب كشف، في كمالات بأنفسهم لا يمكن أن تظهر إلا عن طريق الشدائد، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام مشى على قدميه إلى الطائف ثمانين كيلو متراً ليدعوهم إلى الله فبالغوا بتكذيبه، وبالسخرية منه، وأغروا صبيانهم أن ينالوا منه، حتى سال الدم من قدميه الشريفتين، وحتى ألجؤوه إلى حائط وهنا قال:
(( رب، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي، ولك العتبى حتى ترضى، لكن عافيتك أوسع لي ))
و مكنه الله من أن ينتقم، جاءه ملك الجبال، و قال له:
(( إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا ))
مصائب الأنبياء مصائب كشف، مصائب الذين شردوا عن الله مصائب ردع أو قصم، مصائب المؤمنين مصائب دفع أو رفع.
مرة ثانية:
﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً (20) ﴾
النعم الظاهرة ظاهرة وفهمها سهل، لكن النعم الباطنة تحتاج إلى تأمل، وتحتاج إلى إيمان كي تفهمها.
ما يسوقه الله عز وجل لعبده المؤمن من مصائب هو بالحقيقة رسالة عليه أن يفهمها:
الشيء الآخر أيها الأخوة الكرام، آية دقيقة جداً يقول الله عز وجل:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
في الآية الكريمة المصيبة رسالة، والآن في السياسة المعاصرة في رسائل غير كتابية وغير شفهية، يصير عرضاً عسكرياً، يقال هذا العرض العسكري رسالة إلى دول الجوار أحياناً، الآن بالسياسة المعاصرة يوجد رسائل كثيرة جداً (عمل معين) سحب سفير فرضاً يسموه رسالة، الآن يجب أن نفهم فهماً عميقاً أن ما يسوقه الله عز وجل لعبده المؤمن من مصائب هو بالحقيقة رسالة والدليل هذه الآية:
﴿ وَلَوْلَا أَنْ تُصِيبَهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (47) ﴾
العاقل من عرف حكمة المصيبة التي ساقها الله له:
يوجد آية أخرى:
﴿ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَنَخْزَى (134) ﴾
هذه الآية دقيقة جداً إنها تعني أن كل شيء وقع أراده الله وكل شيء أراده الله وقع، وإرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة، و الحكمة المطلقة متعلقة بالخير المطلق.
هذه الآية تبين أنه: " من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر "، أوضح هذه المسألة بمثل: لو أن طالباً في الصف الرابع الابتدائي قال لأبيه مرة: أريد أن أترك المدرسة (والمثل تركيبي) فالأب ببساطة ما بعدها بساطة قال لابنه: كما تريد يا بني، في اليوم الثاني لا يوجد مدرسة، لا يوجد وظائف، لا يوجد أستاذ، لا يوجد شدة، لا يوجد قسوة، لا يوجد تكليف، لا يوجد رسالة للأب تعال ابحث معنا مشكلة ابنك، شعر أنه أفضل من أي طفل آخر في الأرض، نشأ على العطالة والبطالة، وارتياد الملاهي، ودور السينما، وصحبة الأراذل، فلما كبر لا عمل ولا وظيفة ولا شهادة ولا زوجة ولا بيت فحقد على والده، قال له مرة يا أبتِ، لمّا قلت لك: لا أريد أن أدرس لمَ لمْ تضربني، لما لم تسق لي بعض الشدة، لذلك يوم القيامة حينما يكشف الله عز وجل لنا سر هذا القضاء والقدر الذي ساقه لنا ليحملنا على طاعته، والإقبال عليه، والنجاة من النار، لذابت نفوسنا محبة له.
لذلك العبرة أن تعرف حكمة المصيبة ومرة ثالثة:" من لم تحدث المصيبة في نفسه موعظة فمصيبته في نفسه أكبر ".
المصيبة ليست عشوائية إنما من جنس العمل:
الآن:
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (22) ﴾
لك عند الله كتاب أعمال، إنسان اختلس مالاً حراماً أحياناً تأتي المصيبة بتدمير هذا المال، إنسان استعلى في الأرض أحياناً يأتيه عذاب مهين، هذه المصيبة لم تكن عشوائية الدليل:
﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) ﴾
مستحيل أن تُخلَقوا عبثاً، قال تعالى:
﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) ﴾
أحياناً تكف يد موظف بقرار سبقه همسات، وسبقه وشايات، وسبقه تقارير، ولجنة تحقيق، وسبقه دراسة معمقة، وسبقه اجتماع الكبراء لتقرير مصير هذا الموظف، وتمت التحقيقات، والأدلة كافية وقطعية، والموقف موضوعي وعادل، تكتب مسودة قرار، يوقع المدير على المسودة والمجلس يوقع عليها أيضاً، تطبع على الآلة الكاتبة يوقعها المدير نسخة إلى كذا، إلى كذا، آخر شيء يبلغ هذا القرار، هذا القرار لم يكن مرتجلاً سبقته دراسة طويلة جداً.
بطولة الإنسان أن يحسن فهم المصيبة لأنه إذا أحسن فهمها استفاد منها:
كل شيء يصيب الإنسان في حكمة ما بعدها حكمة، فبطولة الإنسان أن يحسن فهم المصيبة لأنه إذا أحسن فهمها استفاد منها، وإن لم يحسن فهمها لم ينتفع بها، لذلك يقول: الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك. هذا فهم غير صحيح للمصيبة، تحدث مشكلات في بعض البلاد الله عز وجل قال:
﴿ قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ (65) ﴾
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
بطولة المؤمن أن يعتمد التفسير القرآني في تفسير المصائب:
البطولة أن تملك التفسير القرآني لما يجري، الآن في تحليلات لا تنتهي، ودراسات للأحداث، وتأملات، وتطورات، وطروحات ما أكثرها، بطولتك كمؤمن أن تعتمد التفسير القرآني:
﴿ وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ﴾
بالمناسبة أيها الأخوة، الآيات القرآنية المتعلقة بالمصائب لفظاً ومعنىً تقترب من مئة آية، في القرآن الكريم، في كتاب الله، في وحي السماء، ينبغي أن نفهم على الله حكمته من الشدة، وأحياناً الشدة سبب النجاة وفي بعض الحكم: " ربما أعطاك فمنعك وربما منعك فأعطاك "، وإذا فهمت الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء، فبطولة المؤمن أن يفهم حكمة المصائب عندئذ بدل أن يحقد، بدل أن يتألم، بدل أن يسحق، بدل أن يصاب بالإحباط، يستبشر ويتفاءل ويتحرك.
الله عز وجل غنيّ عن تعذيب عباده:
الآية التي بعدها:
﴿ أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ (165) ﴾
اعتقد يقيناً أن الله غني عن تعذيبنا، وما يفعل هذا الإله العظيم، الرب الكريم، خالق السماوات والأرض، بعبد ضعيف ؟ ما يفعل بهذه المصيبة التي يسوقها إليه ؟ حتى إنه ورد في بعض أحداث السيرة:
(( رَأَى رَجُلًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْنِ لَهُ، فَقَالَ: مَا هَذَا ؟ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نَذَرَ أَنْ يَحُجَّ مَاشِيًا، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْكَب ))
الله غني عن تعذيبنا، لذلك هناك حقيقة بالإسلام خطيرة جداً، لا يمكن أن تكون المشقة مطلوبة لذاتها إطلاقاً.
صباحاً في أيام الشتاء القارس يوجد صنبور ماء بارد لا يحتمل، وصنبور ماء دافئ، تقول: أنا أريد أن أتوضأ بالماء البارد حتى يكبر أجري، ما لك أجر، لأن المشقة في الإسلام ليست مطلوبة لذاتها توضأ بالماء الدافئ.
تقول أنا سأسافر إلى الحج ماشياً حتى يتضاعف الأجر، ما لك أجر، لما كان الحج طريقه الوحيد هو المشي أو ركوب الجمل لك أجر كبير.
أثناء الطواف يوجد ازدحام كبير لك أجر كبير، أما حينما تبتغى المشقة لذاتها هذا فهم خاطئ في الإسلام:
(( إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنْ تَعْذِيبِهِ نَفْسَهُ فَلْيَرْكَب ))
آيات التوحيد:
الآن:
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ (11) ﴾
ومن يؤمن بالله، الذي يؤمن بأن الله في يده كل شيء.
﴿ وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاء إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ ﴾
وأن الله عز وجل:
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ (123) ﴾
﴿ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (56) ﴾
وأنه:
﴿ مَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا (26) ﴾
هذه آيات التوحيد، ومن يؤمن أن الله فعال، في الأرض إله وفي السماء إله، والأمر كله بيده، قال تعالى:
﴿ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا (59) ﴾
من آمن بالله يكتشف الحكمة من وراء المصيبة التي أصابته:
أنت حينما تؤمن بالله إيماناً دقيقاً تكتشف أن هذه المصيبة وراءها حكمة بالغة.
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ (11) ﴾
إلى حكمتها.
أحياناً تأتي المصيبة من جنس المعصية، كمثل إنسان عليه زكاة مال، أحد عشر ألفاً وخمسمئة وعشرين ليرة بالضبط، ضغطت عليه زوجته ضغطاً لا يحتمل ليصلح البيت بهذا المبلغ فاستجاب لها، مركبته أصابها حادث، بعد أن أصلحها الفاتورة بالضبط أحد عشر ألفاً وخمسمئة وعشرين ليرة، توافق الرقمين رسالة من الله عز وجل، إذاً هذا إعلام من الله عز وجل.
بالمناسبة لا يمكن لمربي أن يعاقب دون أن يبين.
﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا (22) ﴾
إلى حكمتها.
لكل مصيبة حكمة فإذا فهم الإنسان الحكمة عاد المنع عين العطاء:
أنت اسأل الله عز وجل: يا رب ما حكمة هذه المصيبة ؟ لكل مصيبة حكمة ابحث عنها، أما أن تقبل هذا الأمر من دون فهم أو بفهم ساذج يقول: قلب لي القدر ظهر المجن. فهذا كلام مضحك لا معنى إطلاقاً، الأيام يومان: يوم لك ويوم عليك، هكذا شأن الحياة، حينما تفهم المصيبة فهماً وثنياً، فهماً بعيداً عن فهم الإيمان، فأنت واقع في خطأ كبير، يجب أن تفهم أن الله سبحانه وتعالى غني عن تعذيب عباده، فإذا ساق لهم بعض الشدائد لحكمة بالغة، وينبغي أن نفهم أيضاً أن تقنين الله ـ إن صحّ التعبير ـ لا يمكن أن يكون تقنين عجز، لا بد من أن يكون تقنين تأديب، حتى في الأمطار، قال تعالى:
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾
آيات كثيرة، فمن ألصق الموضوعات لاسم (الرب) المصائب التي يسوقها الله لعباده، و المؤمن في ضوء القرآن الكريم، وفي ضوء النور الذي ألقي في قلبه يفهم حكمة الله من المصائب، فإذا فهم الحكمة عاد المنع عين العطاء.