وضع داكن
19-03-2024
Logo
رحلة أمريكا 1 - المحاضرة : 05 - السلامة والسعادة.
   
 
 
 بسـم اللـه الرحمـن الرحيـم  
 

 الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علماً، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

للإنسان مطلبان أساسيان السلامة و السعادة :

 أيها الأخوة الأكارم؛ بادئ ذي بدء ما من واحد من بني البشر على وجه الأرض من أي ملة و مذهب من آدم إلى يوم القيامة إلا و له مطلبان أساسيان: السلامة و السعادة، أن يسلم و أن يسعد، كيف يسلم الإنسان؟
 الإنسان أعقد آلة صنعها الله عز وجل، و لهذه الآلة صانع، و لهذا الصانع تعليمات استعمال، فالدين بشكل أو بآخر أو بشكل مختصر هو تعليمات الصانع، والإنسان حينما ينطلق من حبه لذاته، لأن الإنسان يحب ذاته، و وجوده، و يحب سلامة وجوده، و يحب كمال وجوده، و يحب استمرار وجوده، هذه فطرة ثابتة، انطلاقاً من هذا الحب لذاته عليه أن يتبع تعليمات الصانع، قال تعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾

[سورة فصلت :46]

 القضية أعمق من أن الإنسان يظن الدين تنفيذاً، تكليفاً، أي حينما تركب سيارة، و معك حمولة تقدر بعشرة أطنان، و تعبر جسراً، كتب على طرف الجسر: الحمولة القصوى خمسة طن و أنت معك عشرة، هل تخاف من المخالفة أم تخاف من السقوط؟ المخالفة ليس لها قيمة أمام السقوط، فالذي يبحث عن شرطي يؤاخذه، انظر الأمر أخطر من ذلك، الإنسان لو رأى تياراً كهربائياً ثمانية آلاف فولط، ذو توتر عال، و مكتوب: ممنوع الاقتراب، هل يخاف إن اقترب أن يكتب له مخالفة أم يخاف إن اقترب أن يصبح فحماً؟ القضية أخطر، قضية وجود، و سلامة وجود، و كمال وجود، و استمرار وجود، فالإنسان له مطلبان ثابتان؛ السلامة و السعادة، و انطلاقاً من حبه لذاته، و لوجوده، و سلامة وجوده، و كمال وجوده، و استمرار وجوده، يبحث عن منهج صحيح، قال تعالى:

﴿وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ﴾

[سورة فاطر :14]

 الذي يوجد عنده جهاز كومبيوتر فيه عطب لا يمكن أن يسأل البقال عن التصليح إطلاقاً، يبحث عن خبير من الوكالة، من الشركة الصانعة، فالقضية قضية أن نصل إلى السلامة و السعادة، و هذا متاح لكل إنسان بشرط أن يستخدم في حدود، الإنسان أيها الأخوة له وجودان؛ له وجود إنساني و له وجود حيواني، إذا أكل و شرب و نام و تزوج و عمل و أنتج و استمتع هذا كله وجود حيواني، أما إذا عرف الله عز وجل، و عرف سرّ وجوده، و غاية وجوده، فهذا وجود إنساني، فما لم تتعلم؛ و ما لم تطلب العلم؛ و ما لم تتعرف إلى الله عز وجل فالوجود حيواني و ليس وجوداً إنسانياً.

 

العبادة علة وجود الإنسان في الدنيا :


أيها الأخوة؛ الإنسان متى يسعد؟ يسعد إذا عرف سرّ وجوده، الدليل لو أن أحدنا سافر إلى بلد، و نام بالفندق و استيقظ إلى أين يتجه؟ تناول طعام الإفطار إلى أين يتجه؟ يقول لك: إلى أين؟ اسأله: أنت لماذا جئت إلى هنا؟ إن جاء إلى هذا البلد تاجراً يذهب إلى المحلات التجارية، إلى المعارض و المؤسسات، إن جاء سائحاً يذهب إلى المقاصف و المتنزهات، إن جاء طالب علم يذهب إلى المعاهد و الجامعات، متى تصح حركة الإنسان؟ إذا عرف سرّ مجيئه إلى هذا البلد، وسع الموضوع، نحن في الأرض لماذا نحن هنا؟ ما هو سرّ وجودنا؟ قال تعالى:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[سورة الذاريات :56]

 سرّ وجودك على وجه الأرض أو علة وجودك أن تعبد الله، ما العبادة؟ العبادة طاعة ممزوجة بمحبة قلبية، لو ألغيت الحب من الطاعة ليست عبادة إنها إكراه، لكن أساسها معرفة يقينية تفضي إلى سعادة أبدية، سرّ وجودنا أن نعبد الله، لأن الله عز وجل يقول:

﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾

[سورة الذاريات :56]

 والإنسان إذا عبد الله حقق غاية وجوده، قال تعالى:

﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِراً عَلِيماً﴾

[سورة النساء :147]

 أي أنتم إن شكرتم وآمنتم حققتم علة وجودكم، فلماذا العذاب؟ لماذا المعالجة؟ الله عز وجل سخر هذا الكون تسخير تعريف وتسخير تكريم، كل ما في الكون يدلك على الله، هذا تسخير التعريف، وتسخير التكريم تنتفع به، مثلاً العسل ثمين جداً، هذا مسخر للإنسان، كيلو العسل يحتاج إلى طيران بمقدار أربعمئة ألف كيلو متر، لو كلفت نحلة واحدة أن تصنع كيلو عسل لاحتاجت أن تطير أربعمئة ألف كيلو متر، أي ما يعادل عشر دورات حول الأرض، هذا العسل له منافع للجسم كثيرة جداً، وفيه شفاء للنفس، لكن منافعه التعريفية أبلغ، يجب أن تعرف الله من خلال النحل وصنع العسل، فإن عطلت الناحية التعريفية وانتفعت بالعسل هذا شأن العالم الغربي الانتفاع، لكن شأن الإنسان الكامل أن يتعرف إلى الله من خلال خلقه، فإذا وصل إلى الله من خلال آية النحل والعسل فقد حقق المراد من خلق هذه الحشرة النافعة، وهذا الشراب اللذيذ.

 

معرفة الله و التفاني في طاعته :

 أيها الأخوة الكرام؛ من أجل أن تعبد الله لابد من أن تعرفه، وكيف تعرفه؟ الإنسان يتعرف إلى الأشياء بالحواس الخمس، هذه المعرفة الحسية، لكن الله لا تدركه الأبصار، لابد من أن نعرفه، من أن نرى آثاره، الصنعة تدل على الصانع، والخلق يدل على الخالق، والنظام يدل على المنظم، والتسيير يدل على المسير، فما لم نعرف الله عز وجل لا نستطيع أن نلتزم بأمره، قلت قبل قليل هي طاعة طوعية مسبوقة بمعرفة يقينية.
 الإنسان إذا عرف الخالق ثم عرف الأمر تفانى في طاعة الآمر، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر تفنن في التفلت من الأمر، فكل إنسان يبحث عن طريقة للخلاص من تنفيذ أمر الخالق معرفته بالله ضعيفة، إن عرفنا الأمر ولم نعرف الآمر تفننا في التفلت من هذا الأمر، وإن عرفنا الآمر ثم عرفنا الأمر تفانينا في طاعته، إذاً لابد من معرفة الله لذلك قالوا: هناك علم به، وهناك علم بأمره، وهناك علم بخلقه، العلم بخلقه جامعات العالم بالفيزياء، والكيمياء، والرياضيات، والطب، والهندسة، وعلم التاريخ، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، هذه معرفة بخلقه، والمعرفة بأمره كليات الشريعة بالعالم، الأمر والنهي، والحلال والحرام، والطلاق، والزواج...، لكن نحن بحاجة إلى أن نعرفه، معرفة خلقه وأمره يحتاجان إلى مدارسة، إلى مدرس ناجح، إلى كتاب، إلى فكر، إلى ذاكرة، إلى تمحيص، إلى متابعة، إلى بحث، إلى درس، إن عرفت أمره هذا شيء، وإن عرفت خلقه هذا شيء آخر، لكن الشيء المقصود أن تعرفه، وكيف تعرفه؟ أحد العلماء يقول: جاهد تشاهد، معرفة أمره ومعرفة خلقه يحتاجان إلى مدارسة، لكن معرفة الله عز وجل تحتاج إلى مجاهدة، قال تعالى:

﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة العنكبوت : 69]

 الإنسان إذا جاهد نفسه وهواه وصل إلى ربه ومبتغاه، إذاً المطلب الأساسي السلامة والسعادة، طريق السلامة والسعادة أن نعرف الله، وأن نعرف الآمر قبل أن نعرف الأمر، فإذا عرفنا الآمر وطبقنا الأمر اتصلنا به، والاتصال بالله سرّ الدين، لا خير في دين لا صلاة فيه، الصلاة عماد الدين، من أقامها أقام الدين، ومن تركها فقد هدم الدين.

 

جسم الإنسان آية من آيات الله الدالة على عظمته :

أيها الأخوة؛ قلنا: العبادة طاعة طوعية، مسبوقة بمعرفة يقينية، تفضي إلى سعادة أبدية، يستنبط من هذا التعريف أن في الدين كليات ثلاث، كلية معرفية، وكلية سلوكية، وكلية جمالية، المعرفية لا بد من أن نعرف الله، والطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، قبل يومين ألقيت درساً في دمشق عن حاسة الشم، في قلب الفم عشرون مليون نهاية عصبية، كل نهاية عصبية لها سبعة أهداب، محاطة بمادة مخاطية مذيبة حساسة، تأتي الرائحة تتفاعل مع هذه المستقبلات تفاعلاً كيميائياً ينتج عنه شكل هندسي، شكل مفتاح، مستطيل، مربع... هذا الشكل ينتقل إلى الدماغ إلى ذاكرة الشميات، ويوجد في الدماغ سعة لعشرة آلاف رائحة، هذه الرائحة التي على شكل مفتاح أو شكل مستطيل تعرض على الذاكرة الشمية واحدة واحدة كما يفعل الحاسوب تماماً، فإذا توافق الشكلان تقول: هذه رائحة ياسمين، هذا الشم شيء مذهل.
 يوجد في العين مئة وثلاثون مليون عصية ومخروط لانتقاء أدق الصور، وأدق الألوان، العين السليمة تفرق بين درجتين من ثمانمئة ألف درجة للون الواحد، لو درجنا اللون الأخضر إلى ثمانمئة ألف درجة العين السليمة تفرق بين درجتين، والعينان من أجل أن تعرف البعد الثالث، ترى الشيء مجسماً، أما بعين واحدة فترى طولاً وعرضاً أي ترى بعدين فقط، أما بالعينين فترى بعداً ثالثاً، قال تعالى:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾

[سورة البلد :8]

 الإنسان أحياناً يقف وقفات تأملية دقيقة، الشعر لا يوجد فيه أعصاب حس، لو الشعر يوجد به أعصاب حس نحتاج إلى عملية جراحية للحلاقة، الأظافر لو كان بها أعصاب حس لاحتجنا إلى عمل جراحي لقص الأظافر، لحكمة بالغة، لكن يوجد أعصاب حس في مخ العظم لأنه لو كان هناك كسر للوقاية الأولى أن تبقيها على حالها، لو لم يكن هناك عصب حسي في مخ العظم لتفاقم الكسر، لو دقق الإنسان في خلقه، الإنسان أحياناً يسمع صوتاً يدخل إلى الأذنين، لماذا أذنان؟ من أجل أن تعرف جهة الصوت، الصوت يقطع في الثانية ثلاثمئة وثلاثين متراً، فإذا كان الصوت في هذه الجهة يدخل الأذن الأولى قبل الثانية بواحد على ألف وستمئة وعشرين جزءاً من الثانية، يوجد في الدماغ جهاز يحسب تفاضل الصوتين، يعرف جهة الصوت ويعطي أمراً إلى الجهة الثانية، قال تعالى:

﴿أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ﴾

[سورة البلد :8]

 الإنسان بين جنبيه جسم فيه آيات لا يعلمها إلا الله، كلما فكر في خلق الله ازداد تعظيماً له، وكلما عظم الأمر عندك سهلت عليك طاعته.

 

أصل الدين معرفة الله :

 كما قلت قبل قليل: الإنسان إذا عرف الآمر وعرف الأمر تفانى في طاعته، أما إذا عرف الأمر ولم يعرف الآمر فيبحث عن الفتوى، ويريد فتوى يغطي بها كل تقصيره، ولكل معصية فتوى، العبرة بالتقوى لا بالفتوى، بل إن هناك ما هو أبلغ من ذلك، لو استطعت أن تنتزع من فم النبي عليه الصلاة والسلام فتوى ولم تكن محقاً لن تنجو من عذاب الله، والدليل:

(( إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَلْحَنُ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا بِقَوْلِهِ فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ فَلا يَأْخُذْهَا))

[ متفق عليه عن أم سلمة]

 النبي الكريم سيد الخلق وحبيب الحق يحكم لك، و لكن إن لم تكن محقاً لن تنجو من عذاب الله، العبرة أن تتصل بالله، وتطبق شرعه بإخلاص وصدق.
 يوجد في الإسلام كلية معرفية أساسها معرفة الله عن طريق معرفة آياته، مشكلة الدعوات الإسلامية أن فيها نقصاً خطيراً، يوجد معرفة جيدة جداً بأمر الله، أما بالخالق فالمعرفة ضعيفة، فسهل على الإنسان أن يتفلت، وسهل أن يتحرك حركة غير صحيحة، أما أنت إذا تلقيت أمراً من أعلى جهة فتنفذه بحذافيره، وكلما الجهة تدنت في نظرك صار التنفيذ ضعيفاً إلى درجة أنك لا تفعل شيئاً.
 العبادة فيها كلية معرفية، هي طاعة طوعية أساسها معرفة يقينية، وقضية التفكر في خلق السموات والأرض شيء مهم جداً، لماذا ثلث القرآن آيات كونية؟ قال تعالى:

﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾

[سورة آل عمران :190-191]

 الذي لا يفكر في آيات الكون يعطل ثلث القرآن، لأنك إذا فكرت في هذه الآيات عرفت الواحد الديان.
 يقول سيدنا علي كرم الله وجهه: " أصل الدين معرفته، إن عرفنا الله عرفنا كل شيء، ابن آدم اطلبني تجدني فإذا وجدتني وجدت كل شيء وإن فتك فاتك كل شيء، وأنا أحب إليك من كل شيء".
 يوجد في الحياة حقيقة واحدة هي الله، أي شيء يقربك منها فهو العمل الطيب، وأي شيء يبعدك عنها فهو العمل الخبيث، فالإنسان عندما يعرف هدفه تنتهي مشكلاته، لأن من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها.

(( إني والإنس والجن في نبأ عظيم، أخلق ويعبد غيري، وأرزق ويشكر سواي، خيري إلى العباد نازل، وشرهم إلي صاعد، أتحبب إليهم بنعمي وأنا الغني عنهم، ويتبغضون إلي بالمعاصي وهم أفقر شيء إلي، من أقبل عليّ منهم تلقيته من بعيد، ومن أعرض عني منهم ناديته من قريب، أهل ذكري، أهل مودتي، أهل شكري، أهل زيادتي أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي، إن تابوا فأنا حبيبهم، وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من الذنوب والمعايب، الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد والسيئة بمثلها وأعفو، وأنا أرأف بعبدي من الأم بولدها ))

[ رواه البيهقي والحاكم عن معاذ، والديلمي وابن عساكر عن أبي الدرداء ]

آيات الله عز وجل صارخة و تدل على عظمته :

أيها الأخوة؛ يوجد أشياء في آيات الله الدالة على عظمته مذهلة، كالطفل الصغير يولد لتوه من علمه مص ثدي أمه؟ علمونا في الجامعة منعكس المص، لولا هذا المنعكس لما كنا في هذا المكان، لما وجدت على وجه الأرض إنساناً، الطفل حينما يولد يضع شفتيه على حلمة ثدي أمه ويحكم الإغلاق ويسحب الهواء، تفضل علم هذا الطفل، هل يستطيع أب في الأرض أن يعلم ابنه الذي ولد لتوه كيف يمص ثدي أمه؟ آيات الله عز وجل صارخة تدل على عظمته، وكلما تفكرت في الكون ازددت طاعة لله عز وجل، والآيات لا تعد ولا تحصى، وفي كل شيء له آية تدل على أنه واحد، ولا تنظر إلى صغر الذنب ولكن انظر على من اجترأت.

 

تمتع المؤمن بالأمن و السكينة و الكافر بالتشاؤم و السوداوية :

 إذاً هذه الطاعة الطوعية التي أساسها المعرفة اليقينية تفضي إلى سعادة أبدية، فيا أيها الأخوة الكرام أنت حينما تقرأ كلام الله هذا كلام خالق الكون، لو جمعت كتب أهل الأرض ضعها كلها في كفة وضع هذا الكتاب في كفة ثانية، السبب؟ لقول النبي الكريم:

(( مَنْ شَغَلَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ عَنْ مَسْأَلَتِي وَذِكْرِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ ثَوَابِ السَّائِلِينَ وَفَضْلُ كَلامِ اللَّهِ عَلَى سَائِرِ الْكلام كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ ))

[ الدارمي عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ]

 المسافة بين القرآن الكريم وبين أي كتاب آخر لا على التعيين هي المسافة بين الله والبشر، فهذا القرآن الكريم حق مئة بالمئة جاء عن طريق الوحي، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه:124]

 إذا وجدت في الأرض إنساناً سعيداً ولا يذكر الله عز وجل هذه القضية تحتاج إلى مراجعة، لكن شخصاً سأل سؤالاً قال: ما بال الأغنياء والأقوياء كل شيء بيدهم ؟ فقالوا: معيشتهم الضنك ضيق القلب.
 قبل أن أحضر إلى بلدكم لنا أخ كريم في دمشق متخصص بمساعدة الفقراء والمحتاجين، أقسم بالله أنه دخل على رجل من كبار أغنياء دمشق حجمه المالي يزيد على بضعة آلاف من الملايين، شكا له الضيق والتشاؤم، وأنه متضايق من أهله وأولاده، فقال لي هذا الأخ: كدت أن أبرك من شدة الهم الذي ركبني من كلامه، وقال: ذهبت إلى محلي التجاري فرأيت امرأة محجبة تطلب منه مساعدة ألف ليرة في الشهر فقال لها: أين بيتك؟ قالت له: في داريا، طبعاً هناك جمعية خيرية ذهبوا إلى البيت، بيت تحت الدرج- كوخ - لها زوج، ولها أولاد، وهي سعيدة جداً، وهي ينقصها أجرة البيت فقط، قال لي: سمعت من ثنائها على الله عز وجل الشيء الكثير، وشعرت أن هذا البيت فيه سعادة، فلما أمرت لها بألفين قالت: لا، ألف واحدة تكفيني، فقال لي: بيوم واحد دخلت على شخص يملك بضعة آلاف من الملايين وهو في تعاسة ما بعدها تعاسة، وانتقلت إلى أسرة تسكن تحت درج، ويبدو أنه يوجد التزام وطاعة لله عز وجل، وشعرت أن في هذا البيت سعادة عظيمة، قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه:124]

 بالمقابل قال تعالى:

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾

[سورة النحل:97]

لذلك قال بعضهم: إن الله يعطي الصحة، والذكاء، والمال، والجمال للكثيرين من خلقه، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين.
 المؤمن يتمتع بالسكينة، يوجد عنده سكينة وطمأنينة وسعادة لو وزعت على أهل بلد لكفتهم، ويوجد عند غير المؤمن من الضيق والتشاؤم والسوداوية ما يكفي لإشقاء أهل بلد بأكملهم، لأن الله عز وجل قال:

﴿أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كَانَ فَاسِقاً لَا يَسْتَوُونَ﴾

[سورة السجدة :18]

﴿أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ﴾

[سورة القلم :35]

﴿أَفَمَنْ وَعَدْنَاهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ﴾

[سورة القصص : 61]

 الموازنات دقيقة، دققوا قال تعالى:

﴿أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ﴾

[سورة الجاثية :21]

توزيع الحظوظ في الدنيا توزيع ابتلاء و في الآخرة توزيع جزاء :

 أخواننا الكرام؛ أقول كلاماً خطيراً ودقيقاً: أن يستوي المحسن مع المسيء، أن يستوي المستقيم مع المنحرف، أن يستوي الرحيم مع القاسي، أن يستوي المخلص مع الخائن، أن يستوي الملتزم بمنهج الله مع المتفلت بمنهج الله، أن يستوي هذان وهذان، هذا يتناقض لا مع عدل الله ولكن مع وجوده.
أنت إما أن تؤمن أن لهذا الكون إلهاً عادلاً وإما أن تؤمن بالعبثية، قال تعالى:

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾

[سورة المؤمنون :115]

 أحدهم دخل مسرحاً وبدأ التمثيل، إنسان قتل إنساناً وأرخي الستار، لم يخرج أحد من المسرحية، ينتظرون النتائج، نحن الآن في الفصل الأول، وهناك يوم قيامة تسوى به الحسابات، الدنيا فيها قوي وضعيف، فيها فقير وصحيح، فيها غني وفقير، فيها إنسان ذكي جداً وإنسان أقل ذكاء، وإذا لم يكن هناك آخرة فستنشأ فكرة مخيفة، ينشأ ظلم شديد، لكن يوجد يوم آخر تسوى فيه الحسابات، الحظوظ وزعت في الدنيا توزيع ابتلاء، وسوف توزع في الآخرة توزيع جزاء، قال تعالى:

﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً﴾

[سورة الإسراء : 21]

 توازن بين معلم في قرية وبين أستاذ جامعة، توازن بين جندي وبين رئيس أركان، توازن بين ممرض وطبيب، كيف أن الدنيا مفعمة بالدرجات المتفاوتة، قال تعالى:

﴿انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ ﴾

 مرتبة الدنيا مؤقتة ولا تعني شيئاً، قد تعني العكس، إن الله أعطى الملك لمن لا يحب، أعطاه لفرعون، وأعطى المال لمن لا يحب، أعطاه لقارون، ولكن الجنة لا يعطيها إلا لمن يحب، فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.

 

الناس رجلان لا ثالث لهما :

 الآن الإنسان إذا كان عطاؤه من نوع عطاء قارون وفرعون ليس هذا مدعاة إلى الفخر، وليس هذا وسام شرف، أما إذا كان عطاؤه كما قال تعالى:

﴿وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ﴾

[سورة القصص :14]

 ابحث عن نصيبك من الله، من نوع نصيب الأنبياء أم من نوع نصيب الأقوياء؟ أنت في سعادة إذا كان نصيبك من نوع نصيب الأنبياء، أما إذا كان نصيبك من الله من نوع نصيب الأقوياء والأغنياء فهذا ليس وسام شرف، لأن الحقيقة الناس رجلان، وأنت ترى الناس على اختلاف مللهم ونحلهم ومذاهبهم وأعراقهم وانتماءاتهم في النهاية رجلان:
 إنسان عرف الله، واتصل به، فانضبط بمنهجه، وأحسن إلى خلقه، وسعد بقربه، الثاني غفل عن الله، انقطع عنه، تفلت من منهجه، أساء إلى خلقه، شقي في الدنيا والآخرة، ولن تجد إنساناً ثالثاً، هذه حقيقة ثابتة قال عليه الصلاة والسلام:

(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَذْهَبَ عَنْكُمْ عُبِّيَّةَ الْجَاهِلِيَّةِ وَتَعَاظُمَهَا بِآبَائِهَا، فَالنَّاسُ رَجُلانِ بَرٌّ تَقِيٌّ كَرِيمٌ عَلَى اللَّهِ، وَفَاجِرٌ شَقِيٌّ هَيِّنٌ عَلَى اللَّه،ِ وَالنَّاسُ بَنُو آدَمَ وَخَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مِنْ تُرَابٍ قَالَ اللَّهُ

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ ﴾)) 

[الترمذي عَنِ ابْنِ عُمَرَ]

 ولن تجد تقسيماً ثالثاً، يوجد مليون تقسيم، العبرة أن تكون مع الله، قال تعالى:

﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ﴾

[سورة المؤمنون : 115]

العبادة معرفة و سلوك و جمال :

 الجزء الثاني هو الالتزام، في العبادة يوجد معرفة، وسلوك، وجمال، الجانب المعرفي لابد من أن تعرف الله، طلب العلم فريضة على كل مسلم، بالمناسبة كلكم يعلم أيها الأخوة أن الإنسان إذا أدى زكاة ماله حفظ الله له بقية ماله أليس كذلك؟ حصنوا أموالكم بالزكاة، وإذا صلى أدى العبادة أي اقتطع من وقته وقتاً لعبادة الله، لطلب العلم، مجيئكم إلى هذا المسجد هذا جزء من أوقاتكم والوقت ثمين، والوقت أصل في كسب المال، أصل في الراحة والاسترخاء والاستجمام، فحينما تقتطع من وقتك وقتاً لطلب العلم، ومعرفة الله، ومعرفة أساسيات الحياة، أنت أديت زكاة وقتك، كما أن الذي يؤدي زكاة ماله يحفظ الله له بقية ماله، الذي يؤدي زكاة وقته لأداء العبادات، وحضور الجمع والجماعات ومجالس العلم، يحفظ الله له بقية وقته من التلف، والله عز وجل قادر أن يتلف لك ساعات طويلة لأسباب تافهة.
 الشيء الثاني الله عز وجل يبارك لك في وقتك، بمعنى أنه يمكنك من أن تفعل الشيء الكبير في الوقت القصير.
 الجانب الثالث من العبادة هي الناحية الجمالية، لا تصدق أنه يوجد إنسان مؤمن لا يمتلئ قلبه سعادة، والله عز وجل هو أصل الجمال، أعطى بعض مخلوقاته شيئاً من الجمال، أعطى بعض الأماكن جمالاً طبيعياً، أعطى بعض الأشخاص جمالاً طبيعياً، أعطى الفواكه طعماً طيباً، وكل شيء تحبه هو مسحة من جمال الله عز وجل، إنك إن اتصلت مع الفرع شعرت بما يسمى لذة، فكيف إذا اتصلت بالأصل.

فـلو شاهدت عيناك من حسننــــــا  الذي رأوه لما وليــــــــــت عنا لغيرنـا
ولو سمعت أذناك حسن خطابنا  خلعت عنك ثياب العجب وجئتنـــــــا
ولو ذقت مـن طعم المحبــــــة ذرة  عذرت الذي أضحى قتيلاً بحبنـــــــــا
ولو نسمت من قربنا لك نسمـــة  لمــــت غريباً واشتيـــــــــاقاً لقربنــــــــا
فما حبنا سهل وكل من ادعـــــى  سهولته قلنا له قــــد جهلتنـــــــــــــــــــا
فأيسر ما في الحب للصب قتـله  وأصعب من قتل الفتى يوم هجرنـــا
* * *

 يروى أن شاباً له شيخ فقال له: يا بني إن لكل سيئة عقاباً، هذا الشاب زلت قدمه وقع في مخالفة، ووقع في الحجاب عن الله عز وجل وهو ينتظر أن يعاقبه الله، انتظر يوماً يومين ثلاثة، صحته سليمة، وأولاده، وكل شيء، وبساعة مناجاة قال: يارب لقد عصيتك ولم تعاقبني، فوقع في قلبه أن ياعبدي لقد عاقبتك ولم تدر ألم أحرمك لذة مناجاتي؟

 

من ذاق طعم القرب من الله زهد فيما سواه :

 أخواننا الكرام ذاقوا كل شيء، إنسان ذاق المال، ذاق الزواج، الاستقرار، المركبة، لكن الإنسان لو ذاق طعم القرب من الله عز وجل لزهد فيما سواه، الإنسان يحب الأرقى، يحب الأدوم، خط الإنسان المسلم البياني صاعد صعوداً منتظماً وثابتاً، حتى الموت نقطة على هذا الخط، لكن خط الكافر البياني صاعد صعوداً حاداً ومعه سقوط مريع، فشتان بين خط بياني صاعد صعوداً منتظماً إلى ما شاء الله حتى لو مات الإنسان و بين خط صاعد صعوداً حاداً ومعه سقوط مريع، لأن الله عز وجل قال:

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾

[سورة آل عمران :185]

 النفس تذوق الموت ولا تموت هي خالدة.

 

سعي ضعيف العقل لسنوات محدودة :

 موضوع الأبد كثير من الناس يتجاهلونه، مرة كنت في مسجد في دمشق في جامع العثمان، أمامي كتاب قدرت طوله بخمسة وعشرين سنتمتراً، قلت لهم: لو أن واحداً في طرف الكتاب وكل ميلمتر صفر، ما هذا الرقم؟ أمامي مدخل المسجد، قلت لهم: لو أن الواحد عندي والأصفار لمدخل المسجد كم هذا الرقم؟ ثم خطر في بالي لو الأصفار لساحة شمدين كم هذا الرقم؟ لحمص، لحماة، لحلب، لموسكو، للقطب، عدنا في الطرف الآخر القطب الجنوبي، إلى دمشق، أي واحد وأربعون ألف كيلو متر أصفاراً أمامه كم هذا الرقم؟ واحد في الأرض وأصفار للشمس، مئة وستة وخمسون مليون كيلومتر، وكل ميلمتر صفر كم هذا الرقم؟ هذا الرقم إذا وضع صورة والمخرج لا نهاية قيمته صفر، الأبد هو اللانهاية، فالإنسان كم هو ضعيف العقل حينما يسعى لمحدود، لحياة، ولسنوات عديدة.
الحسن البصري سئل ما الإنسان؟ قال: هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منه.
 إذا كانت أرضنا تبعد عن أقرب نجم ملتهب غير المجموعة الشمسية، طبعاً القمر ثانية ضوئية، والمجموعة الشمسية بأكملها ثلاث عشرة ساعة ضوئية، الشمس ثماني دقائق ضوئية، أقرب نجم ملتهب للمجموعة الشمسية بعده عنا أربع سنوات ضوئية، كلكم يعلم أن الضوء يسير ثلاثمئة ألف كيلو متر في الثانية، في الدقيقة ضرب ستين، في الساعة ضرب ستين، في اليوم ضرب أربع وعشرين، في السنة ضرب ثلاثمئة وخمسة وستين، بأربع سنوات ضرب أربع، هذا الرقم الكبير نقسمه على مئة...كم تتصورون أقرب نجم ملتهب حتى نصل إليه بمركبة أرضية؟ خمسون مليون عام بالسيارة، قبل سنة ونصف، CNN أذاعت خبراً أنه يوجد مركبة وضعوا عليها مرصداً عملاقاً رصدت أبعد مجرة حتى الآن، ثلاثمئة ألف بليون سنة ضوئية، إذاً أربع سنوات ضوئية تحتاج إلى خمسين مليون عام، فثلاثمئة بليون سنة ضوئية... ماذا قال الله عز وجل:

﴿فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ﴾

[سورة الواقعة : 75]

 هذا الإله يعصى؟ هذا الإله ألا يطلب وده؟ هذا الإله هل يتفلت من أمره؟ هذا الإله ينسى؟ قال تعالى:

﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً﴾

[سورة الإسراء : 44]

من تطابقت حركته مع هدفه سلم و سعد في الدنيا و الآخرة :

 المعرفة اليقينية مع الطاعة الطوعية إلى سعادة أبدية، إن لم تقل والله ليس في الأرض من هو أسعد مني إلا أن يكون أتقى مني يكون هناك ضعف في الإيمان، أنت اتصلت مع الإله العظيم وتشقى؟ إنسان عرف خالقه، وعرف منهج خالقه، وأطاع الله في كل شيء، نحن في الدنيا إذا إنسان انتمى إلى جماعة قوية له مليون ميزة، أنت تنتمي إلى الله، تنتمي إلى خالق الأكوان، تنتمي إلى خالق الأرض والسموات، القضية قضية مصير أبدي، نلخص هذه الكلمة القصيرة أن الإنسان إذا عرف سرّ وجوده وغاية وجوده صح عمله، الآن إذا انطبقت حركته مع هدفه سعد، مثلاً:
 إنسان عليه فحص وهو في السنة الأخيرة سنة التخرج، وهي سنة أساسية يبنى على نجاحه مستقبل كبير، وظيفة عالية، ودخل كبير، أصدقاؤه أخذوه قبل الامتحان إلى مكان جميل، أجمل مكان، وأجمل منظر، وأجمل طعام، لماذا يشعر بانقباض شديد؟ لأن هذا الوقت ليس وقت نزهة، بل وقت دراسة، فإذا جاءت حركتك اليومية خلاف هدفك تنقبض، لو أن هذا الطالب جلس في غرفة مظلمة وقرأ الكتاب المقرر وفهمه يشعر براحة، عندنا سرّ الآن، ما هي السعادة؟ أن تأتي الحركة متوافقة مع الهدف.
 محل تجاري إذا لم يكن هناك بيع وشراء، يوجد راحة، وسرور، وقهوة، وشاي، ولكن لا يوجد بيع يشعر صاحبه بالضيق، أما لو كان البيع شديداً فمهما كان متعباً يوجد سعادة.
 فأنت أولاً لن تصح حركتك إلا إذا عرفت سرّ وجودك، ولن تسعد إلا إذا جاءت هذه الحركة متوافقة مع هدفك، وأنت في الأرض من أجل أن تعرف الله، وأن تطيعه، وأن تسعد بقربه، وإذا كنت تعتقد أنه يمكن لإنسان أن يسعد بعيداً عن الله فهذا أكبر خطأ يرتكبه الإنسان في عقيدته، لأنه قال تعالى:

﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى﴾

[سورة طه:124]

الإيمان النظري هو مشكلة المسلمين الأولى :

 بقي علينا أن نعرف أن الله سبحانه وتعالى لو عرفته معرفة نظرية ولم تتحرك نحوه ما فعلت شيئاً، الآن الشمس ساطعة فرضاً، أنا أقول لك: الشمس ساطعة، ما فعلت شيئاً، ولو أنكرت سطوعها لاتهمت في عقلي.
الإيمان المجرد النظري هو مشكلة المسلمين، ثقافته إسلامية جيدة، وعواطفه إسلامية، ومشاعره إسلامية، ولكن لا يوجد حركة، حركة نحو الله، بذل، عطاء، انضباط، مشاعر إسلامية، فصار الإسلام فولكلوراً، طقوساً، عادات، مشاعر، لكن لا يوجد انضباط، بالانضباط تقطف ثمار الدين، ممكن لأي علم أن ينتفع الناس به ولا يعنيهم سلوكك، أما إذا كنت داعية إلى الله عز وجل لا يمكن أن تقبل إلا إذا كان السلوك موافقاً للعقيدة، فيا أيها الأخوة الكرام العبرة أن نكتشف سرّ وجودنا، وغاية وجودنا، والعبرة أن نحقق وجودنا الإنساني بمعرفة الله عز وجل، ومن دون معرفة الله لنا وجود حيواني ولكنه راق، إنسان يسكن أفخر بيت، ويأكل ويلبس أجمل الثياب، هذا وجود حيواني لكنه راق، والدليل ماذا قال الله عز وجل:

﴿وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ﴾

[ سورة الأعراف :176]

﴿مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾

[ سورة الجمعة :5]

﴿وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾

[سورة الأعراف :179]

﴿كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ﴾

[سورة المدثر :50]

﴿وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾

[سورة المنافقون :4]

 الكافر وصف أنه كالحمار، وكالكلب، وكالحمر، وكالخشب المسندة، هذا الوجود الحيواني، أما حينما أطلب العلم، وأسعى إليه، ألتزم هذا الوجود الإنساني، أرجو الله تعالى أن ينفعنا بهذه المحاضرة، وأنا مستعد لأجيب عن أي سؤال.

 

أسئلة و أجوبة :

واجب كل مسلم من حيث الدعوة :

س: ما هو واجب كل مسلم من حيث الدعوة؟
 ج: أنا أعدّ هذا السؤال من أخطر الأسئلة، أولاً: هل تصدقون أن الدعوة إلى الله فرض عين، لماذا تصلي؟ لأن الصلاة فرض عين، والدعوة إلى الله فرض عين، والدليل قال تعالى:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1-3 ]

 أية خسارة والعصر مطلق الزمن، والإنسان أي إنسان في أي عصر ومصر الزمن يستهلكه، أنت بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بضع منك، ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي: يا بن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد، فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة، الدعوة إلى الله فرض عين لأن الله يقول:

﴿ وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ﴾

[ سورة العصر: 1-3 ]

 يوجد أربعة أركان للنجاة، ربع هذه الأركان التواصي بالحق، بالتواصي بالحق تنمو دوائر الحق، وإذا لم نفعل ذلك نمت دوائر الباطل وأنهت الحق، فقضية نكون أو لا نكون، قضية وجود، فأنت إذا لم تتواص بالحق ضاقت دوائر الحق وغلبتها دوائر الباطل، العبرة ألا ينفرد الباطل بالساحة، لو كان المسجد صغيراً ويوجد فيه حق، والحق ينمو وينمو، بنموه يحافظ على وجوده، الدعوة إلى الله فرض عين، لكن في حدود ما تعلم ومع من تعرف، في حدود ما تعلم سمعت شرح آية تأثرت تأثراً بالغاً به، سمعت حديثاً صحيحاً، سمعت حكماً فقهياً، سمعت موقفاً بطولياً لصحابي جليل، هذه سمعتها، وتفاعلت معها، وتأثرت بها، عليك أن تبلغها للناس، عليك بخاصة أهلك، أقرباؤك، جيرانك، أصدقاؤك، أصحابك، هؤلاء فقط، فالدعوة إلى الله فرض عين في حدود ما تعلم ومع من تعرف، أما فرض الكفاية فقد قال تعالى:

﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾

[سورة آل عمران :104]

 هذا فرض الكفاية التبحر، معرفة أدق التفاصيل، معرفة الأدلة التفصيلية، الرد على كل الشبهات، هذه يتقنها الخبراء في الدعوة، الاختصاصيون في الدعوة، هذه فرض كفاية، إذا قام بها البعض سقطت عن الكل، أما كل مسلم فمكلف أن يكون داعية إلى الله في حدود ما يعلم ومع من يعرف، دليل ثالث قال تعالى:

﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾

[سورة يوسف : 108]

 دقق الآن إن لم تدع على بصيرة لست متبعاً لرسول الله، ومن لم يتبع رسول الله لا يحب الله، والدليل قال تعالى:

﴿قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾

[سورة آل عمران : 31]

 كلام خطير؛ إن كنت تحب الله يجب أن تتبع رسول الله، النبي يأمرك، فالدعوة إلى الله فرض عين، من لوازم الدعوة إلى الله أن تدعو نفسك أولاً أن تطلب العلم، طلب العلم فرض عين، ثم نقل العلم فرض عين، يقول عليه الصلاة والسلام:

(( بلغوا عني ولو آية ))

[البخاري والترمذي عن ابن عمرو ]

 والآن لا يوجد طريق إلا أن تطلب العلم بلقاءاتك اليومية، لا يوجد أحد من الحاضرين وأنا معكم إلا وله لقاءات في أسرته، مع أصدقائه، ومع جيرانه، في سفره... في كل لقاء احرص أن تنقل الحق الذي سمعته من رجل موثوق إلى الآخرين، فالدعوة واجب على كل مسلم، وهي فرض عين على كل مسلم، لكن لم نكلفك فوق طاقتك، لو حضرت خطبة الجمعة فقط وأخذت منها شيئاً ثميناً وسجلته

يوجد أسبوع كلما التقيت مع صديق في سفر، في لقاء، في حفلة، انقل هذه الآية للآخرين، هذا في مجال عامة المسلمين، أما الدعوة إلى الله التي هي فرض كفاية فتحتاج إلى وقت كثير، وإلى متابعة، وإلى تعمق وتبحر، وأنت كمسلم يكفيك أن تنتقي خطيباً تثق بعلمه وإخلاصه وورعه، وأن تأخذ منه بعض الحق، وأن تنقله للناس، في أي لقاء، وأي مجلس لم يذكر الله فيه قام أصحابه عن أنتن من جيفة حمار، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً ))

[أبو داود عن أبي هريرة]

 الدنيا تفرق أيها الأخوة والله يجمع، أما ما جلس قوم يذكرون الله عز وجل إلا حفتهم الملائكة، وغشيتهم الرحمة، ونزلت عليهم السكينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم:

(( مَا مِنْ قَوْمٍ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلا حَفَّتْ بِهِمُ الْمَلائِكَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَنَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ))

[الترمذي عن أبي هريرة]

 و عود نفسك في أي لقاء أن تقول آية، حديثاً، حكماً فقهياً، والناس يستأنسون تَسعد وتُسعد.

الإسلام بالتعامل لا بالمساجد :

س: هل على الإنسان أن يقضي أيامه بالعبادة؟
 ج: من قال لك إن العبادة صلاة فقط، عملك المهني، حرفتك اليومية؛ طبيب، مهندس، مدرّس، تاجر، صاحب خدمة عامة، عملك اليومي إذا كان في الأصل مشروعاً، وسلكت به الطرق المشروعة، وأردت منه كفاية نفسك وخدمة المسلمين، ولم يشغلك عن طلب علم ولا عن أداء واجب، هذا العمل اليومي ينقلب إلى عبادة، مفهوم العبادة عند الناس صوم وصلاة، هذه عبادة شعائرية، والعبادات التعاملية حرفتك عبادة لله، وأنت في أسرة، والمجتمع الإسلامي أسرة، وأنت أحد أفراد الأسرة تكسب قوت يومك، فالعبادة متنوعة، إكرام الضيف عبادة، إدخال الفرح على الأهل عبادة، إتقان عملك عبادة، تربية الأولاد عبادة، والدين عبادة شعائرية، اسمحوا لي بمثل بسيط:
 العبادة التعاملية كالعام الدراسي تسعة أشهر، والشعائرية ثلاث ساعات الفحص، تصور طالباً لم يقرأ ولا كلمة، ولا حضر أي درس، وذهب إلى الامتحان، معه ستة أقلام، و معه سندويش، ومعه أسبرين، ولم يقرأ شيئاً، ليس لها معنى هذه الثلاث ساعات، فإذا الإنسان لم يكن مستقيماً، ولم يكن ملتزماً بالعبادة التعاملية، العبادة الشعائرية لا معنى لها إطلاقاً، من لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر لم يزدد من الله إلا بعداً، هذه أخطر شيء في الدين، إذا الدين اعتبرته صلاة وصوماً، جعلته طقوساً، سيدنا جعفر صحابي جليل لما سأله النجاشي عن الإسلام قال له:

(( أيها الملك كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القوي منا الضعيف، فكنا على ذلك، حتى بعث الله إلينا رسولاً منا نعرف نسبه، وصدقه، وأمانته، وعفافه، فدعانا إلى الله لتوحيده، ولنعبده، ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان، وأمرنا بصدق الحديث، وأداء الأمانة، وصلة الرحم، وحسن الجوار، والكف عن المحارم والدماء ))

[ابن خزيمة عن جعفر بن أبي طالب ]

 هذا الإسلام، الإسلام قيم أخلاقية، لهذا قال النبي الكريم:

(( بُنِيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ؛ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ))

[البخاري وابن خزيمة عن عبد الله بن عمر ]

دققوا في هذا الكلام بني الإسلام على خمس، الإسلام شيء آخر، الإسلام بناء أخلاقي دعائمه هذه العبادات، فهذه العبادات لا معنى لها إطلاقاً من دون عبادة تعاملية، الشعائرية هي ثلاث ساعات الامتحان ضعوها في أذهانكم، والتعاملية تسعة أشهر العام الدراسي، فإذا الإنسان لم يدرس ولم يطالع ويلخص الدروس ويذاكر، الامتحان ليس له معنى إطلاقاً، هذا معنى قول بعض العارفين بالله: ترك دانق من حرام خير من ثمانين حجة بعد الإسلام.

سيدنا ابن عباس كان معتكفاً رأى رجلاً حزيناً فقال له: مالي أراك حزيناً؟ قال له: ديون ركبتني، قال له: لمن؟ قال: لفلان، قال له: أتحب أن أكلمه لك؟ فقال: إذا شئت، فخرج، فقال له رجل: يا بن عباس أنسيت أنك معتكف؟ قال: لا والله، ولكن سمعت صاحب هذا القبر والعهد به قريب، ودمعت عيناه:" والله لأن أمشي مع أخ في حاجته خير لي من صيام شهر واعتكافه في هذا المسجد."

 نحن نريد عبادة تعاملية، والصحابة فتحوا العالم بالتعامل وليس بالشعائر، الشعائر نتيجة، الشعائر وقت لقبض الثمن، عند الشركات الضخمة مندوبو مبيعات يأتي الساعة الثامنة والنصف ويتلقى التعليمات، و يأتي مساءً ويقدم تقريراً، أين كان أثناء النهار؟ يدور في المحلات، فالمسلم في المسجد يتلقى التعليمات ويصلي ويتلقى الجائزة، وإسلامه في عيادته، وفي مكتبه، والإسلام ليس في المساجد، بل في التعامل.

 

الزكاة للمسلمين و الصدقة للمسلمين و غيرهم :


 س: هل التبرع إلى المستشفيات التابعة لإذاعات الديانة المسيحية غير مستحب علماً أن التبرع نظرياً يعود إلى المستشفى؟

 ج: طبعاً من الصدقة لا يوجد مانع، قال تعالى:

﴿ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً (8) ﴾

[ سورة الإنسان ]

 والأسير ليس مسلماً، من الصدقات لا يوجد مانع، أما الزكاة فيجب أن تكون للمسلمين حصراً، تؤخذ من أغنيائهم وترد إلى فقرائهم حصراً يمكن أن تساعد أي إنسان، بالعكس إذا إنسان غير مسلم ساعدته ومال إليك هذا عمل عظيم جداً، الحقيقة يوجد آية ذكرتها اليوم لأحد أخواننا الكرام قال تعالى:

﴿ رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5) ﴾

[ سورة الممتحنة ]

 الآية دقيقة جداً، إذا الكافر رأى المسلم يكذب، يحتال، يعتد بكفره ويحتقر إسلامه، أنت لن تكون مسلماً حقاً إلا إذا كنت كاملاً، الكافر إذا رأى المسلم مقصراً في عمله، وكان هناك خلاف في مواعيده، وتقصير في عمله، وتدليس، وكذب، يحتقر إسلامه ويعتد بكفره، أنت فتنت الكافر، ورأى كفره أحسن من إسلامه، أما إذا وجد المسلم عظيماً، ومستقيماً، وصادقاً، وأميناً، ومتقناً لعمله، ومتفوقاً، يخضع، وعندما تقصر أمام الكافر يتشبث بكفره، ويرفض أن يكون مثلك مسلماً، كل إنسان يعامل الكافر معاملة سيئة هو يفعل شيئاً خطيراً، قال له: أنت على ثغرة من ثغر الإسلام فلا يؤتين من قبلك، كل واحد منكم سفير للمسلمين، والله أيها الإخوة لو كان كل المسلمين في بلاد الغرب مطبقين تماماً لكان الوضع غير الوضع الحالي، يجدون إنساناً مقصراً غير متقن، يعتدون بإتقانهم ، وبضبط مواعيدهم، وإتقان صنعتهم، كل إنسان يقصر يقنع الكافر أنه على حق، قال تعالى: ( رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَاغْفِرْ لَنَا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (5)) إذا كان العمل إنسانياً من الصدقة فلا يوجد مانع.

 

نصيحة للمسلمين ليزداد تعلقهم بربهم جلّ جلاله :


 س: في غمرة الحياة المادية المعاصرة هنا في بلاد الغرب، ماذا تنصحون المسلمين لكي يزداد تعلقهم بربهم جلّ جلاله؟

 ج: الإنسان إذا لم يتوازن تأخذه الدنيا وينتهي، الدنيا ساعة فاجعلها طاعة، والنفس طماعة عودها القناعة، أنا سوف أضرب مثلاً بسيطاً من دمشق، هذا المثل يوجد عندنا قديماً باص للمهاجرين يقف في المرجة تماماً، في أيام الصيف الحارة، أنا إذا صعدت إلى هذا الباص يوجد شمس، ويوجد ظل، على اليمين شمس وعلى اليسار ظل، أنا أجلس في الشمس، الباص يقف في جهة الغرب، وسوف يدور حول ساحة المرجة خلال دقيقة واحدة وسوف تعكس الآية، هذا مثل بسيط جداً، وأكثر الركاب يجلسون في الظل ويتهموني بعقلي، وبعد دقيقة واحدة تنعكس الآية وأتمتع بالظل إلى آخر الخط.

 هذه القصة في الآخرة والدنيا، فكل إنسان أعطى نفسه هواها في الدنيا لم يكن ذكياً، وكل إنسان عرف ربه، وضبط المنهج خلال عدد من السنوات نال الدنيا و الآخرة، أما الأبد فمخيف، فكل إنسان يقنع بسنوات معدودة ويضحي بالأبد يتهم في عقله، لابد من تنظيم الوقت، إن لله عملاً في الليل لا يقبله في النهار، وإن لله عملاً في النهار لا يقبله في الليل، ممكن أي شيء يأخذك ويلهيك قال تعالى:

﴿ وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً (63) ﴾

[ سورة الفرقان ]

 ما معنى هوناً؟ النبي كان يسرع، كان إذا مشى كأنه ينحط من صبب، وتقول السيدة عائشة:" رحم الله عمراً ما رأيت أزهد منه، كان إذا مشى أسرع، وإذا أطعم أشبع، وإذا ضرب أوجع، وإذا قال أسمع".

 ما معنى يمشون على الأرض هوناً؟ أي لا يسمحون للدنيا أن تأخذهم، لا يسمحون لمشكلة أن تسحقهم، لا يسمحون لمشكلات الأسرة أن تنهي وجودهم، يوجد إنسان مغمور بالهموم، المؤمن له وقت، مع الله لابد من هذا الوقت، وقت للتأمل، وقت لذكر الله، وقت للعبادة، لابد من التوازن، ومن السهل جداً أن تنغمس في شيء وتنصرف كلياً وتهمل كل شيء كلياً، الأخ الكريم صاحب هذه الورقة، في غمرة الحياة المادية المعاصرة... ماذا تنصحون المسلمين؟ أن تنظموا الوقت بحيث أن لله وقتاً لا يعتدى عليه أبداً، وقلت قبل قليل: هناك زكاة للوقت، ومن أدى زكاة الوقت حفظ الله له بقية وقته، الوقت الباقي شهد الله هم في مساجدهم والله في حوائجهم، الله عز وجل قادر في أي لحظة أن يتلف لك مئة ساعة، أحياناً ابنه يسخن إلتهاب سحايا، تصوير، وتصوير طبقي محوري، وتحليل، وأموال، وبعد هذا يشفى، كذا مئة ألف وكذا مئة ساعة حتى شفي، الله قادر أن يتلف لك مئات الساعات ولأتفه الأسباب، فمن أدى عبادة الله عز وجل وطلب العلم فقد أدى زكاة وقته، وأنصح الأخ الكريم السائل - وهو غيور على دينه - أن يوازن بين الدين والدنيا، أما الدنيا المشروعة فهي جزء من الدين، ونحن لا يوجد عندنا ازدواجية، بصراحة إذا أدخلت على أولادك السرور فأنت في عبادة، إذا أحسنت إلى زوجتك فأنت في عبادة، إذا أتقنت عملك فأنت في عبادة، والضابط لذلك ألا تشغلك الدنيا عن ذكر الله، قال تعالى:

﴿ رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ (37) ﴾

[ سورة النور ]

 

كيفية شحن المسلم إيمانه و تقوية عقيدته في بلاد الغرب :


س: كيف نعمل على شحن إيماننا وتقوية عقيدتنا وصلتنا بالله في هذا البلد؟ 

 ج: أنا مرة جاءتني هدية، مصباح يشحن بالكهرباء، عندما أنسى أن أشحنه يخف ضوءه، وعندما أشحنه يتألق، وكل واحد منا يحتاج إلى شحن وأنا معكم عندما نشحن نتألق، إذا أحدكم أهمل لقاء، أهمل درساً، أهمل خطبة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

(( مَنْ تَرَكَ الْجُمُعَةَ تَهَاوُنًا بِهَا طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ ))

[ الدارمي عَنْ أَبِي الْجَعْدِ الضَّمْرِيِّ ]

يجب ألا تقصر بشحن نفسك، عندك شحن يومي الصلوات الخمس، عندك شحن أسبوعي، والشحن اليومي يكفي للصلاة الثانية، من الصبح إلى الظهر، ومن الظهر إلى العصر، والأسبوعي يحتاج إلى جمعة، ويكفي أسبوعاً، والشحن السنوي رمضان لبقية العام، والشحن في العمر مرة الحج، فكل عبادة لها مستوى عبادة يتناسب مع الفترة بين العبادتين.

 

الردّ على ضعاف النفوس بأن العدالة الإلهية افتراضية  : 


 س: كيف يكون الرد على ضعاف النفوس، الذين يقولون: إن العدالة الإلهية افتراضية وغير مثبتة وخاصة عند وجود عذاب بعض الشعوب مثل الشعب العراقي؟ 

 ج: الحقيقة أن الله عز وجل له طرائق في معرفته، أسلم طريق أن تعرفه من خلقه، الشمس، والقمر، والنجوم، وخلق الإنسان، والطعام والشراب، قال تعالى:

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) ﴾

[ سورة الطارق ]

﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (24) ﴾

[ سورة عبس ]

﴿ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ (101) ﴾

[ سورة يونس ]

 طريق معرفة الله من خلال خلقه طريق آمن، أما من خلال أفعاله فلا تستطيع أن ترى العدل في أفعاله إلا في حالة واحدة أن يكون لك علم كعلمه وهذا مستحيل، لذلك معرفة الله من خلال أفعاله طريق فيه ألغام كثيرة جداً، وفهمنا قاصر.

أنا أذكر قصة ذكرها أحد الأشخاص أن رجلاً له محل تجاري في أحد الأسواق نزل إلى السوق ليفتح محله التجاري، سمع شجاراً بين شخصين، ومن ثم إطلاق نار، فمدّ رأسه فجاءت رصاصة في عموده الفقري فأصبح مشلولاً، استوقفني رجل في الطريق وقال لي: أين عدل الله؟ ماذا فعل هذا؟ جاء ليكسب رزق أولاده وليس له علاقة بالموضوع، وهذه القصة منذ اثني عشر سنة وهي قديمة، فقلت له: أنا لا أعلم التفاصيل، وأنا أعرف أن الله عادل، والله أيها الإخوة بعد عشرين يوماً عندي تلميذ قال لي: أنا أسكن في حي الميدان، ويوجد لنا جار أكل مال أولاد أخيه وهم أيتام، واحتكموا إلى الشيخ حسين خطاب - رحمه الله- فقال لهم: يا بني هذا عمكم لا تشكوه للقضاء واشكوه إلى الله، قال لي: في اليوم التالي عنده محل في سوق مدحت باشا سمع إطلاق رصاص فمدّ رأسه فشلّ هو نفسه.

 أنت ممكن أن تسمع ألف قصة وتسمع آخر فصل فيها، أنت غير مؤهل لتعطي فيها حكماً، أما إن عرفتها من أول فصل فسترى عدلاً ما بعده عدل، عدل مطلق، الله عز وجل قال:

﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (49) ﴾

[ سورة النساء ]

كل تمرة بين فلقتي النواة خيط هو الفتيل، أمسك النواة وضعها على طرف لسانك لها نتوء مؤنف هو النقير، قال تعالى:

﴿ وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيراً (124) ﴾

[ سورة النساء ]

 القطمير غشاء رقيق، لا قطمير و لا فتيل و لا نقير و لا ظلم اليوم، قال تعالى:

﴿ فَكُلّاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (40) ﴾

[ سورة العنكبوت ]

الله نفى عنه الظلم بمئة آية ألا تكفي هذه؟ إذا لم تكف هذه الآيات أنت لست مؤمناً بالله، أما أن تعرفه بأفعاله فهذا شيء فوق طاقة البشر، والله عز وجل مطلق وأنت حادث، طفل رأى طفلاً يضرب من قبل أبيه، يقول: هذا ظالم، أما الكبير فيقول: هذا أب يربي ابنه، أنت لا تعرف الله من خلال أفعاله، الكون سهل جداً، والطريق إلى الله عن طريق أفعاله، قال تعالى:

﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (4) وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5)﴾

[ سورة القصص ]

هذا شيء فوق مستوى البشر، أفعال الله عز وجل تحتاج إلى التسليم، لكن كل إنسان سلم إلى الله في أفعاله يكرمه الله بكشف حكمة هذا الشيء، أنت إذا أمرك الله بشيء وإن لم تفهم حكمته فالله عز وجل يكشف لك عن حكمته.

 يوجد ظلم ظاهري، ولكن بصراحة الشر المطلق ليس له وجود في الكون، والشر المطلق يتناقض مع وجود الله، وأنت مخير بين شيئين؛ إما أن تؤمن بوجود الله، أو بالشر المطلق، وشر مطلق لا يوجد ولكن يوجد شر نسبي، فتح البطن واستئصال الزائدة شر، ولكن هذا شر نسبي  لابد منه، أما فتح بطن بلا سبب فهذا شيء مطلق، كل أفعال الله شر نسبي بالنسبة لنا، أما عند الله فخير مطلق، والدليل قال تعالى:

﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) ﴾

[ سورة آل عمران ]

 

دور الإنسان المسلم تجاه الأخ المسلم الذي يحتال ويختلس :


س: ما دور الإنسان المسلم تجاه الأخ المسلم الذي يحتال ويختلس؟ 

 ج: دور النصح، أنت طبيب إذا جاءك مريض معه مرض جلدي مزعج هل تحقد عليه؟ لا، ترثى لحاله، إذا لك أخ انحرف تنصحه، لا تتخلى عنه، سيدنا عمر له صديق شرب الخمر وانحرف انحرافاً شديداً، أرسل له كتابا:ً أما بعد فأحمد الله إليك، غافر الذنب، قابل التوب، شديد العقاب، ذي الطول، بكى وبكى حتى تاب، وقال: هكذا اصنعوا مع أخيكم إذا ضلّ، لا تكونوا عوناً للشيطان عليه، وكونوا عوناً له على الشيطان، فإذا أخ اختلس ننصحه ولا نتخلى عنه، لا أدعه مع الشيطان بل أجعله معي، أغفر له، قال تعالى:

﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (39) وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (40) ﴾

[ سورة الشورى ]

 إذا غلب على يقينك أن عفوك يصلحه يجب أن تعفو عنه حتى نتقوى، وكل إنسان له ساعة ضعف.

 

صلاة الجمعة لا تسقط بأي حال من الأحوال :


 س: هل تسقط صلاة الجمعة في هذا البلد ما دام المقيمون فيه غير مسلمين؟ 

 ج: لا أنتم مسلمون، ثلاثة أشخاص تنعقد بهم صلاة الجمعة، وأنتم شكلتم مجتمعاً مسلماً، والأرض أرض الله، والبلاد بلاد الله، ونحن إذا كنا مئتين فهذه نعمة كثيرة جداً، ثلاثمئة، ألف.اً

 بالمناسبة يا أخوان الإسلام خمسة أركان، الشهادة تؤدى مرة واحدة، والصوم يسقط عن المريض وعن المسافر، والزكاة تسقط عن الفقير، والحج عن المريض والفقير، أما الفرض الذي لا يسقط بحال فهو الصلاة، تؤدى ولو بالإيماء، من أقامها فقد أقام الدين ومن هدمها فقد هدم الدين.

أرجو الله سبحانه وتعالى أن أكون قدمت شيئاً مما عليّ في هذا اللقاء.

والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ

تحميل النص

إخفاء الصور