- محاضرات خارجية / ٠07رحلات - أمريكا
- /
- ٠1رحلة أمريكا -1
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.
أيها الأخوة الأكارم:
ورد في الأثر أن ابن عمر قال:
((دينك دينك إنه لحمك و دمك، خذ عن الذين استقاموا و لا تأخذ عن الذين مالوا،إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم ))
قضية الدين قضية مصيرية:
(( فوالذي نفس محمد بيده ما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.))
أيها الأخوة الكرام:
أضع بين أيديكم مثلاً منتزعاً من الواقع، أي نفع انظر إلى منبعه الصافي ثم انظر إلى مصبه و قد جاءته روافد من كل حدب و صوب إلى أن أصبحت مياهه سوداء، هذا الدين العظيم ينبغي أن نعود إلى ينابيعه الأولى، هذا هو التجديد قد نتوهم أن التجديد أن تأتي بجديد، لا فتجديد الدين له معنى خاص، تجديد الدين أن تزيل عنه ما علق مما رسى به هذا هو التجديد فلذلك ياأيها الأخوة الصحابة الكرام رضي الله عنهم عاشوا مع رسول الله، و تلقوا الحق من فمه الشريف و النبي معصوم، كما تعلمون النبي عليه الصلاة و السلام معصوم بمفرده بينما أمته معصومة بمجموعها، كل إنسان يؤخذ منه و يرد عليه إلا صاحب القبة الخضراء، ما جاءنا عن رسول الله فعلى العين و الرأس و ما جاءنا عن غيره فنحن رجال و هم رجال.
أيها الأخوة:
لأن الدين في الأصل نقل، إن أخطر ما في النقل صحة النقل، في هذه المحاضرة إن شاء الله تعالى أريد أن أضع بين أيديكم ما يسمى إن صح التعبير منهج التلقي، أي هناك مقولات في الدين لا يعلمها إلا الله، بعد ألف و خمسمائة عام أدخل على الدين ما ليس منه أقول مقولات لا أقول حقائق، كل فرقة أضافت على الدين شيئاً ليس منه، نحن أمام نكران من المقولات، ما المنهج الذي من خلاله نعرف ما صح و ما لم يصح ؟ ما كان حقاً و ما كان باطلاً ؟ ما كان أصيلاً و ما كان مزوراً ؟ هذا محور محاضرتي هذا اليوم.
أول شيء أيها الأخوة: لا بد من أن نعترف أن الإنسان له حواس و هناك معرفة عن طريق الحواس نسميها المعرفة الحسية أو إن شئتم نسميها إن شئتم اليقين الحسي، و نحن كبشر و غير البشر في هذا الموضوع تقريباً سواء، لكن الله سبحانه و تعالى كرم الإنسان بجوهرة هي أعقد ما في الكون إنها العقل، هذا العقل أيها الأخوة أداة معرفة الله إلا أن خصائصه أنه لا بد من شيء محسوس يبني عليه شيئاً مغيباً، أي شيء غابت عينه و بقيت آثاره، فالعقل سبيل وحيد لمعرفته، هذه الطاولة ظهرت آثارها و ظهرت عينها ألمسها بيدي، أحملها بيدي، أتلمس سطحها بيدي، فالشيء الذي ظهرت عينه طريق معرفته الحواس الخمس، أما الشيء الذي غابت عينه و بقيت آثاره سبيل معرفته العقل، العقل مهمته أن يرى من خلال العين شيئاً و يحكم على صانعه.
أيها الأخوة الكرام:
الأثر يدل على المؤثر، و التسيير يدل على المسير و الخلق يدل على الخالق، و النظام يدل على المنظم، هذه المعرفة اسمها المعرفة العقلية، الاستدلال العقلي.
الشيء الثالث: الشيء إذا غابت عينه و غابت آثاره، العقل لا ينعفك فيه شيئاً، لا تستفيد إلا من الخبر الصادق، معنى ذلك هناك ثلاث دوائر: دائرة اليقين الحسي لشيء ظهرت عينه و آثاره، و دائرة اليقين العقلي لشيء غابت عينه و بقيت آثاره، و الدائرة الثالثة دائرة اليقين الإخباري لشيء غابت عينه و آثاره.
أكبر مشكلة يعاني منها المسلمون أنهم يأتون بقضية من المجال الإخباري إلى المجال العقلي هنا يرتبك العقل، يجب أن نؤمن بادئ ذي بدء أن العقل هو أعظم ما أودعه الله بالإنسان و لكنه محدود المهمة، أي أنت عندك بقالية فيها عشرة آلاف بند لكن أقل وزن غرام أعلى وزن خمسة كيلو، و يوجد عندك ميزان غالي جداً، حساس جداً، متقن جداً، إلا أن طاقته القصوى عشرة كيلو، فلو أردت أن تزين به سيارتك و ضعته على الأرض و سرت فوقه كسرته، هل تتهم أن صناعته سيئة ؟ لا أبداً، إنك استخدمته فوق ما صنع له، فأي إنسان يأتي بقضية إخبارية و يضعها تحت المحك العقلي أو في دائرة العقل يقع في متاهات و قد يحمله هذا على رفض الدين، المثقفون أحياناً يقعون في مغالطات خطيرة جداً، قضية الجن هي قضية إخبارية لا يستطيع العقل إثباتها إطلاقاً، ليس هذا عجزاً منه إنك إن عرضتها على العقل كلفته بما لا يطيق، كلفته بمهمة هي خارج اختصاصه، قضية الملائكة، قضية الماضي السحيق، قضية المستقبل البعيد، قضية صفات الذات صفات الله الذاتية، هذا شيء غابت عينه و آثاره، العقل يحتاج إلى آثار، إلى شيء ملموس، يحتاج إلى غرفة نوم ليقول لك صانع هذه الغرفة هو صاحب ذوق رفيع، يحتاج إلى مركبة ليقول معمل هذه المركبة خبرته عريقة جداً، أما أن تعرض على العقل شيئاً ليس له أثر مادي و تطالبه أن يعطيك الجواب هنا وقع الإرباك، هنا وقع التشكك في الدين، بادئ ذي بدء هناك دائرة المحسوسات، الحواس الخمس هي الأداة الفعالة الوحيدة، و هناك دائرة المعقولات العقل وحده يقدم لك خير دليل و فهم و حكم، أما الشيء الذي غابت عينه و آثاره دائرته اليقين الإخباري، فأنت كمسلم بادئ ذي بدء أية قضية عرضت عليك يجب أن تصنفها مع المحسوسات أم مع المعقولات أم مع الإخباريات، و إياك ثم إياك ثم إياك أن تنقل قضية إخبارية إلى دائرة العقل.
أيها الأخوة:
هذه القاعة التي نحن فيها، فيها أشياء محسوسة كهذه الطاولة و هذا الكرسي و هذه الصورة للكعبة المشرفة نراها بأعيينا و نتلمسها بأيدينا هذه دائرة المحسوسات، أما الكهرباء التي في هذه القاعة نرى آثارها يحكم عقلنا من تكبير الصوت و من تألق المصابيح بأن في هذه القاعة كهرباء، لكن لو أن هناك غرفة مقفلة مهما يكن المرء ذكياً هل يستطيع أن يعرف ما بداخلها هذا مستحيل إلا أن يخبرك القيم على هذه القاعة أن بداخلها آلة تكبير صوت، إذاً شيء تلمسه بيدك و شيء تستنتجه بعقلك و شيء تصدقه بأذنك، الآن نكبر المثل: بعقلك وحده تستطيع أن تؤمن بالله لأن الكون كله ينطق بوجوده و وحدانيته و كماله و بعقلك وحده تستطيع أن تؤمن بالقرآن من خلال إعجازه، قال تعالى:
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20)﴾
علماء التفسير حاروا في هذه الآية إلا أن اكتشف من خلال المركبات الفضائية أن هناك خطاً بين البحرين و أن كل بحر لا يمكن أن يختلط بالبحر الذي يليه و أن طبيعة هذا الخط مجهولة لكن لكل بحر مكوناته و كثافته و ملوحته:
﴿مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ (19) بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لَا يَبْغِيَانِ (20) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (21)﴾
قال تعالى:
﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ (27)﴾
لم يقل من كل فج بعيد، بعيد أقرب للمنطق، الكرة كلما ابتعدت عن نقطة فيها دخلت في العمق، دخلت في الخط المنحني، و قال تعالى أيضاً:
﴿غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3)﴾
في أدنى الأرض، المعركة تمت في غور فلسطين و بعد اكتشاف أشعة الليزر يبين أن أعمق نقطة في اليابسة هي غور فلسطين.
﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى (46)﴾
نطفة، معنى ذلك أن تحديد نوع الجنين ذكراً كان أم أنثى لا علاقة للبويضة به إطلاقاً، و كلما تقدم العلم اكتشف إعجازاً علمياً في القرآن لا يصدق، لذلك هذا القرآن معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الخالدة، ولقد قال سيدنا علي كرم الله وجهه: في القرآن آيات لم تفسر بعد.
وقد نستغرب لماذا أحجم النبي عن شرح الآيات الكونية، شيء يلفت النظر، مئتان حديث في أحكام البيوع، أي حكم تكليفي مئات الأحاديث إلا الآيات الكونية قلما تجد حديث شريفاً يشير إلى آية كونية، ولعل هذا من توجيه الله للنبي الكريم، والسبب لأن النبي عليه الصلاة والسلام إذا فسر ظاهرة كونية تفسيراً بسيطاً يفهمه أصحابه ننكر عليه نحن الآن، وإذا فسرها تفسيراً معقداً كأحدث نظرية علمية، ينكرها عليه أصحابه لذلك ترك النبي عليه الصلاة والسلام لكل عصر أن يكتشف إعجاز القرآن العلمي، يعني مثل آخر، النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نذبح الذبيحة من ودجيها، أوداجها دون أن نقطع رأسها، لا في عصر النبي ولا بعد مائة عام ولا بعد ألف عام ولا بعد ألف وأربعمائة عام في العالم كله معطيات علمية تفسر هذا التوجيه.
" اقطعوا أوداجها ولا تقطعوا رأسها "
الآن ثبت أن القلب يتلقى أمر من مركز ذاتي، مركز كهربائي ذاتي وإذا تعطل هذا المركز، يتلقى من مركز احتياطي أولي، وإذا تعطل اللاحتياطي يتلقى من مركز احتياطي آخر، إلا أن هذا الأمر للنبض لا يعطي لا يعطي إلا النبض النظامي ثمانين نبضة في الدقيقة، أما إذا اضطر الإنسان أن يصعد درجاً أو أن يواجه عدواً ويحتاج إلى مائة وثمانين ضربة في الدقيقة، لا بد من أن يأتي هذا الأمر من الكظر عن طريق الدماغ، فلو قطعنا رأس الدابة المذبوحة لبقي النبض ينبض النبض النظامي، والنبض النظامي لا يكفي لإخراج الدم من الدابة، أما إذا بقي الرأس متصل بالدابة، جاء الأمر الاستثنائي وارتفع النبض إلى مائة وثمانين نبضة في الدقيقة فخرج الدم كله وأصبحت الدابة مزكاة.
النبي عليه الصلاة والسلام ليس عبقري كما يدعي أعداء المسلمين، النبي نبي يوحى إليه، مرة أراد رجل أن يداعب مستهزءاً، عميد كلية الشريعة، فقال له: لماذا تطالبون بالدكتوراه في هذه الكلية ونبيكم أمي فقال له: ولكنه يوحى إليه وحينما يوحى إليكم نستغني عن كل هذه الجامعة.
القضية أيها الأخوة دقيقة، فضل كلام الله على كلام خلقه كفضل الله على خلقه، وفضل علم النبي على علم أعلم علماء الأرض، كفضل الله على خلقه والدليل، لأن الله هو الذي علم النبي، لماذا جاء النبي أمياً ؟ لأنه لو تعلم علماً من علوم الأرض واستوعب ثقافة العصر وجاء بالوحي، سيسأله الصحابة كل دقيقة هل هذا من عندك أم من الوحي ؟
لذلك ربنا عز وجل جعل وعاء النبي نظيفاً ليتسع للوحي وحده، لهذا قال العلماء: أمية النبي كمال في حقه، أما الأمية بنا نقص، نحن الله لا يعلمنا ولابد من أن نتعلم من العلماء، فأميتنا نقص بينما أمية النبي عين الكمال لأن الله صرف عنه ثقافات العصر وجعله ينطق بالوحي فقط، قال تعالى:
﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (3)﴾
لذلك " يقول سيدنا سعد: ثلاثة أنا فيهن رجل وفيمن سوى ذلك أنا واحد من الناس، ما صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها، ولا سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها، ولا سمعت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا علمت أنه حق من الله تعالى. "
ونحن حينما نعتقد أن كلام النبي وحي غير متلو، دققوا القرآن وحي متلو، أما كلام النبي وحي غير متلو، إذا اعتقدنا أن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وحي من الله تعالى لكنا في حال غير هذا الحال، ثلاثون عاماً ينهانا الأطباء عن أكل زيت الزيتون إلى أن اكتشف أن هذا الزيت يخفف الضغط، والكولسترول، ويلين الشرايين وله نتائج دوائية أبلغ من نتائجه الغذائية.
(( عَنْ أَبِي أَسِيدٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: كُلُوا الزَّيْتَ وَادَّهِنُوا بِهِ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ ))
لا تنقضي عجائب السنة، حينما يؤمن أن كلام النبي من عند الله، طبيب في جامعة دمشق يصدق النبي، الإنسان حينما يأكل كما قال عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ مِقْدَامِ ابْنِ مَعْدِي كَرِبَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: مَا مَلأ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ، فَإِنْ كَانَ لا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ))
فهذا طبيب من جامعة دمشق يعتقد أن شرب الماء مع الطعام لاشيء فيه إلا أن معظم الأطباء يوجهون بعدم شرب الماء مع الطعام لكي لا تتمدد العصارة الهاضمة، ثم اكتشف حديثاً أن شرب الماء مع الطعام يزيد عملية الهضم.
في النهاية الحقيقة تأتيك من طريقين، من الوحي ومن التجربة، يعني مذياع لك أن تكتشف خصائصه بإجراء بعض التجارب، لكن إذا التقيت بمخترعه كلام المخترع قطعي مائة بالمائة، فالحقيقة إما أن تأتينا عن طريق الوحي، وإما أن تاتينا عن طريق التجربة والخطأ، فالعلم التجريبي يعتمده الخطأ والنسيان وكم من دواء صنع في أعظم المعامل ثم تبين أنه مسرطن.
أما حتى الآن وفي المستقبل لا يمكن أن يأتي النبي بتوجيه يكتشف فيما بعد أن فيه خطأ لأنه ليس من عنده، والقضية ليست قضية خبرة وذكاء بل قضية تلقي الوحي.
أكبر خطأ نقع فيه أن ننقل قضية من دائرة الإخبار إلى دائرة العقل ثم ما عجز عقلك عن إدراكه لمحدودية مهمته أبلغك الوحي به.
العقل حصان تركبه إلى باب السلطان فإذا دخلت قصر السلطان دخلت وحدك، العقل يصل بك إلى الله ولا يحيط بالله، تركب مركبتك الأرضية تصل بها إلى ساحل البحر، لكنك لا تستطيع أن تخوض بها البحر، فالعقل يصل بك إلى الله ولا يمكنك من أن تحيط به، لأن كل المخلوقات لا يحيطون بعلم الله.
لذلك أنا عندي هذه القاعدة أي قضية تعرض عليك حسية، عقلية، إخبارية، إياك أن تخلط الأوراق تستطيع أن تواجه أكبر من يناقشك بهذا المنهج، شيء آخر وضع علماء العقيدة بين أيدينا منهجاً مختصراً قالوا: إذا كنت ناقلاً فالصحة وإذا كنت مدعياً فالدليل.
جئت بنص، وإن أخطر ما في النقل صحته لأنه نقل عن الله عز وجل وإذا جئت برأي فعليك أن تدعمه بالدليل العقلي والنقلي والواقعي والفطري، والحق كأنه دائرة تتقاطع بها أربعة خطوط، خط النقل وخط العقل وخط الفطرة وخط الواقع، فإذا شيء جاء به النقل وأقر به العقل السليم وارتاحت إليه الفطرة السليمة وأيده الواقع الموضوعي فهذا هو الحق الصرف.
وأخطر شيء في الإنسان عقيدته، الآن نحن أمام كتاب وأمام سنة وأمام كون، الكون خلقه والقرآن كلامه والسنة تفسير نبيه بكلامه، والواقع خلقه، هل يعقل أن يتناقض خلقه مع كلامه ؟
مستحيل، لذلك أحد العلماء الكبار ألف كتاباً في حتمية توافق النقل مع العقل، لا يمكن أن يتناقض النقل مع العقل لماذا ؟ لأن العقل مقياس أودعه الله فينا، والنقل كلامه، أيعقل أن يناقض كلامه خلقه ؟
فإذا وجدتم تناقض بين العقل والنقل هناك حالات:
إما أن النقل غير صحيح.
إما أن تأويل النقل غير صحيح.
أو النقل غير صحيح لكن هذه الحقيقة ليست حقيقة ولكن نظرية.
لذلك قد يتناقض العقل الصريح مع النقل غير الصحيح أو قد يتناقض النقل الصحيح مع العقل غير الصريح، هذا مبعث التناقض إن وجد، في العقيدة لأنها خطيرة جداً ولأنها أساس صحة العمل لا تحتمل الظنيات، العقيدة كلها يقينيات، لذلك قد تستغربون لا تقبل العقيدة تقليداً في الإسلام، يقبل أن تصلي كما بلغك أن النبي يصلي، أما في الاعتقاد لا يقبل التقليد إطلاقاً، ولو قبل التقليد في الاعتقاد لكانت كل الفرق الضالة على حق ما ذنب أتباعها؟
هكذا قال فلان فقلدناه، الله عز وجل لم يقل قل لا إله إلا الله ولكن قال تعالى:
﴿فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ (19)﴾
في العقيدة لا بد من البحث ولا بد من الدرس ولابد من طلب الدليل قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾
إن كنت متبعاً للنبي عليه الصلاة والسلام فادعو إلى الله على بصيرة، أي بالدليل والتعليل.
مرة كنت في زيارة لأحد علماء دمشق، وله بيت في بناء مرتفع في الطابق الثاني عشر والشام بأكملها كالكف أمامه، قال لي مداعباً: كل هذه المدينة ملكي ولكن بلا دليل.
لولا الدليل لقال من شاء ما شاء، عود نفسك أن لا تقبل شيئاً إلا بالدليل وعود نفسك أن لا ترفض شيئاً إلا بالدليل، النبي عليه الصلاة والسلام أرسل سرية من الأنصار وأمر عليهم أنصاري ذات دعابة، فأمر أن تضرم نار عظيمة وقال لأصحابه: اقتحموها ألست أميركم، وأليست طاعتي طاعة رسول الله، الصحابة ترددوا قال بعضهم كيف نقتحمها وقد أمنا بالله فراراً منها، عرضوا على النبي هذه القضية فقال والله:
((لو اقتحمتموها لزلتم فيها إلى يوم القيامة، إنما الطاعة في معروف.))
العقل لا يعطل أبداً، يعطل مع القرآن لأنه كلام الله، يعطل مع النبي فقط وما سوى النبي العقل لا يعطل أبداً، لذلك أخطر شيء في الدين أن يستمر كما بدأ لماذا ينحرف ؟ أضيف عليه ما ليس منه أو حرف منه ما هو نص منه.
منهج التلقي، اليقين الحسي، أو اليقين العقلي، أو اليقين الإخباري، وأخطر شيء في منهجنا هذا نقل قضية من دائرة إلى دائرة، وإذا كنت ناقلاً فالصحة ومدعياً فالدليل.
الآن أنت أمام ثلاثة نصوص لا رابع لهم، أول نص القرآن الكريم والقرآن كلام الله والقرآن الكريم قطعي الثبوت ليس لك مع القرآن إلا حركة واحدة أن تحاول فهمه.
السنة ظنية الثبوت، مكلف مرتين، مرة أن تتأكد من صحة الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(( عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِاللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ إِنِّي لا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يُحَدِّثُ فُلانٌ وَفُلانٌ، قَالَ: أَمَا إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))
ثم مكلف أن تفهم المراد الذي أراده النبي من هذا الحديث، معنى ذلك أن مع القرآن حركة واحدة أن تفهم النص، أما مع السنة حركتان أن تتأكد من صحة النص وأن تفهم النص.
الآن النص الثالث أي نص على الإطلاق لغير النبي، أي إنسان على وجه الأرض مهما علا شأنه مهما كبر اسمه، أول شيء يوجد معنا ثلاث حركات نتأكد من صحة نسبته إلى صاحبه، يعني يوجد قول منسوب لصحابي، المرأة شر كلها وشر ما فيها أنه لا بد منها، هذا الكلام لا أصل له.
قال عليه الصلاة والسلام:
(( أكرموا النساء فوالله ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم، يغلبن كل كريم ويغلبهن لئيم، وأنا أحب أن أكون كريماً مغلوباً من أن أكون لئيماً غالباً ))
(( عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُكْرِهُوا الْبَنَاتِ فَإِنَّهُنَّ الْمُؤْنِسَاتُ الْغَالِيَاتُ ))
كان إذا دخل بيته بساماً ضحاكاً، هذه سنته، وهذا الحق فنحن أي نص يأتينا عن غير النبي نتأكد من صحة نسبته أولاً، ونتأكد من فهمه ثانياً ونقيسه بالكتاب والسنة فأن وافقه فعلى العين والرأس، وإن خالفه نركله بأقدامنا ولا نعبأ به هذا منهج.
الدعاة يعانون من مشكلة، هكذا قال فلان...، فلان نبي، فلان مشرع يقولون هذا عندنا غير جائز، فمن أنتم حتى يكون لكم عند.
نحن عندنا كتاب وسنة، وما سوى ذلك، إن هذا العلم دين، الدين مصيري أيها الأخوة، ليس معقول أن نأخذ الدين من زيد وعبيد، هكذا لا يوجد دين، الدين قضية تنتهي إلى حياة أبدية في جنة أبدية أو نار أبدية يكون إنسان ضحية إنسان هذا لا يجوز فلذلك أيها الأخوة إذا صحت العقيدة صح العمل، و إن فسدت فسد العمل و العقيدة أساس الدين، العقيدة أيها الأخوة هي الميزان و الخطأ في الوزن لا يتكرر أما الخطأ في الميزان لا يصحح، ممكن تغلط و تتوب فانتهى الأمر أما إذا عقيدتك غلط لا تتوب تتهم الآخرين بالخطأ، لذلك المبتدع لا توبة له، و الإنسان أحياناً يتوهم أوهام لا أصل لها فأنا أرى أن أخطر شيء في حياة المسلم عقيدته، يجب أن يستقيها من الكتاب و السنة ويجب أن لا يقبل شيئاً إلا بالدليل وأن لا يرفضه إلا بالدليل من أجل أن تصح العقيدة وإن صحت العقيدة يرجى له الاستقامة والتوبة.
أيها الأخوة:
المسلمون بحاجة ماسة إلى أن يتوحد صفهم، كيف تتوحد صفوفهم ؟ إذا عادوا إلى النصوص الصحيحة يجتمعون، وإذا بقوا بالنصوص الموضوعة والضعيفة يتفرقون، الذي يجمعنا الكتاب والسنة والذي يفرقنا الآراء المنحرفة بالدين، لذلك أهل الرأي أخطر فئة في المجتمع لماذا؟
هذه الفئة تنطلق من رأي معين وقد يوافق هذا الرأي أهواءها، الآن النصوص في خدمتها تبحث في النصوص عن نص يؤيدها وتتعامى عن نص يخالفها، تنتقي والمشكلة أنك إذا اعتقدت أن رأيك هو المقدم والنص في خدمة الرأي فأنت من أهل الرأي وأهل الرأي فرقة ضالة، لأنهم انطلقوا من رأي ونقبوا في النصوص عن نص يؤيدهم، فإذا كان آية تؤيدهم تمسكوا بها وإذا يوجد آية تخالفهم أغفلوا عليها، إذا كان نص موضوع يؤيدهم تمسكوا به، إذا كان هناك نص صحيح يخالفهم تجاهلوه، وهم أخطر فئة في المجتمع وهم يجعلون الدين فرق وشيع قال تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (159)﴾
﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ (65)﴾
المشكلة التي نعانيها التشرذم والتفرق قال الشاعر:
كل يدعي وصل بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك
***
الإنسان حينما ينطلق من نص موضوع أو نص ضعيف، أو من تأويل مغلوط المسلمون يتشرذمون، ونحن الآن بحاجة للوحدة، إلى وحدة القلوب وحدة المفهومات، وحدة القدرات، وحدة الأهداف، وحدة المنطلقات، هذا الذي يعنينا، وأنا أقول لا يجوز أن تنتمي إلى غير مجموع المؤمنين، أما إذا انتميت إلى فقاعة صغيرة أو إلى فئة صغيرة فهذا من شأنه أن يمزق قال تعالى:
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (215)﴾
والآية الثانية:
﴿وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (88)﴾
أنت أخ لكل مؤمن ولو لم يكن في جامعك، ولو لم يكن من حلقتك، ولو لم يكن من طريقتك، أنت أخ لكل مؤمن، هذا الذي يجمعنا ويفرقنا الانتماءات الجزئية التي اسمها طائفية دينية هذه تمزق، هذه تحطم قال تعالى:
﴿وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (46)﴾
والمسلمون أقوياء بوحدتهم، ضعفاء بتمزقهم، فيا أيها الأخوة هذه حقائق بمنهج التلقي، يعني لو فرضنا ولو كان مثل مضحك، غرفة فيها ألف قطعة صفراء تلمع وأخبرناك أن من هذه الألف مائة قطعة من الذهب الخالص عيار أربع وعشرون، ومائة قطعة من عيار اثنين وعشرون، ومائة ثالثة ثمان عشر، ومائة رابعة ست عشر، ومائة خامسة إحدى عشر، ومائة سادسة نحاس مطلي ذهباً، ومائة سابعة تنك، وأنت معك ربع ساعة، إذا كنت تملك جهاز واستطعت أن تختار الأربع والعشرون مسموح لك أن تأخذ مائة قطعة فقط، إذا استطعت أن تنتقي القطع الذهب أصبحت مليونير، وإذا كانوا تنك مشكلة كبيرة.
بطولتك أن تملك مقياس تلقي، لأن هذا دين، الحقيقة أنه ما كتب في الدين لا يعد ولا يحصى، فرق، وملل، ونحل، وأوهام، وتزوير هذا كله موجود الآن وأنتم تعلمون وكلكم من سوريا أن نهر بردى اذهب إلى منبعه واذهب إلى مصرفه وفهمكم يكفي.
منبعه ماء زلال ومصرفه ماء سوداء أليس كذلك والدين كذلك، من منبعه الكتاب والسنة، أقوال الصحابة، وأما الفرق والملل والنحل... نحن أمام دين لا نعرفه لذلك دققوا في هذا الكلام:
من دعا إلى الله بمضمون سطحي، ومضمون متناقض، بأسلوب غير تربوي، وبطريقة غير علمية، أو دعا بعمق ولم يجد المدعو مصداقية في الداعي، قال هذا المدعو بهذا المضمون السخيف، أو هذا المضمون المتناقض، أو هذه الطريقة غير التربوية، أو هذا الأسلوب الغير العلمي أو هذه الازدواجية في الداعية، الآن دققوا لا يعد هذا المدعو مبلغاً عند الله، لأن في أعماق الإنسان شعور بأن الله عظيم وينبغي أن يكون دينه عظيماً، ويقع إثم تفلته على من دعاه بهذه الطريقة وأنا لا أرى أن هناك شيء في الحياة يتذبذب بين الخطورة إلى درجة أنه عمل كصنعة الأنبياء وبين التفاهة كالمهرج الدعوة إلى الله كذلك إذا كانت مهنة أو حرفة كانت سخيفة ومهتزلة، أما إذا كانت صدقاً وإيماناً كانت صنعة كصنعة الأنبياء لذلك يقول الإمام الشافعي: والله لأن أرتزق بالرقص أهون من أن أرتزق بالدين.
بالرقص أهون لأن الراقص لا يقلد، أما إذا اتجر بالدين وشوه معالم الدين، ووضعه في الوحل كم من الناس نفروا من الدين بسبب داعية أساء التصرف، كم من الناس نفروا من الدين بداعية استغل دعوته لمصالحه الشخصية، لذلك أيها الأخوة قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾
﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)﴾
﴿وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (20)﴾
دققوا قال تعالى:
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)﴾
في تعليق لهذه الآية لطيف جداً، نحن عندنا صفة وموصوف هذا الذي يدعو إلى الله كم صفة له، ألا يصلي هو مصلي، ألا يصوم هو يصوم ألا يحج، يحج البيت، وهو صادق، ويغض بصره، لماذا أغفل الله كل هذه الصفات واكتفى بصفة واحدة ؟
﴿الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيباً (39)﴾
مثل: تقول هذه الطائرة كبيرة، والبيت كبير، هذه الطائرة فخمة واليخت فخم، هذه الطائرة غالية الثمن والقاعدة الصاروخية غالية الثمن أما إذا قلت هذه الطائرة تطير صفة تطير، وهناك علاقة بين الصفة والموصوف وهي علاقة ترابط وجودي بمعنى أنك إذا ألغيت طيرانها أغليت الطائرة، إذا ربنا عز وجل وصف الدعاة إليه بأنهم يخشونه و لا يخشون أحداً إلا الله، فإذا ألغيت هذه الصفة أي إذا كان الذي يدعو إلى الله لا يخشى الله يخشى الناس فتكلم بالباطل إرضاءً لهم وسكت عن الحق إرضاء لهم ماذا بقي من دعوته، ما قيمة صلاته وصيامه فربنا عز وجل وصف الدعاة إلى الله بأنهم يخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله وإذا ألغيت هذه الصفة ألغيت الموصوف كله.
الإمام الحسن البصري سئل يا إمام بما نلت هذا المقام، قال: باستغنائي عن دنيا الناس وحاجتهم إلى علمي.
لو أنك عكست هذه الآية، لو أن الناس استغنوا عن علم هذا الداعية و احتاج إلى دنياهم.
أيها الأخوة الكرام:
أعيد وأكرر الدعوة فرض عين على كل مسلم والدليل واضح أحد أركان النجاة قال تعالى:
﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3)﴾
فالتواصي بالحق أحد أركان النجاة، والدليل الثاني قال تعالى:
﴿قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ (108)﴾
يقول عليه الصلاة والسلام:
(( عَنْ سَهْلٍ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: وَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِهُدَاكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ))
خير لك من الدنيا وما فيها، لو تملك أكبر شركة بالعالم ـ جنرال متورز هذه ملكك وإنسان هدى واحد، جاء الموت لكليهما من هو الرابح؟
لذلك الإنسان عندما يخرج من ذاته لخدمة الخلق يسعد، مرة قرأت مقالة انتهت في نصف الصفحة قرأت حكمة وصلت إلى عظمي: إذا أردت أن تسعد فأسعد الآخرين.
والإنسان إذا كان يدور حول بيته، حول ذاته، حول مصالحه، حول دخله... هو أشقى الناس، أما إذا خرج من ذاته إلى خدمة الخلق كان أسعدهم، فحينما تفكر بإنقاذ إنسان بهداية إنسان، بالكلمة الطيبة، بالإحسان، بالعمل، بالمناسبة يا أخوان يمكن أن تكون أكبر داعية وأنت ساكت، بعملك ولغة العمل أبلغ من لغة القول، أنا أريد أن الإنسان يفكر تفكير جدي.
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ))
عندنا جهاد النفس والهوى وعندنا الجهاد الدعوي، والجهاد الدعوي متاح لكل مسلم في كل مكان، ألا تستطيع أن تنقل لأخيك معنى آية ؟ أن تزوره وأن تنصحه، أن تتلطف إليه، أما إن انطلقنا من ذاتنا وأنا لي ملاحظة، أقولها همساً، إذا انشغلت بالآخرين كفاك الله الهموم كلها إكراماً لك وشكراً من الله لك.
اعمل لوجه واحد يكفك الوجوه كلها، من جعل الهموم هماً واحداً كفاه الله الهموم كلها، هم في مساجدهم والله في حوائجهم.
من طلب العلم تكفل الله برزقه، العبرة أن تخرج من ذاتك من هذه القوقعة لأن الموت لابد من أن يأتي، فإذا فعلت الخير كان هذا الخير ثمن الجنة، ونحن نعتقد أنه ما من قلب يستقر به الإيمان إلا عبر الإيمان عن ذاته بحركة نحو الآخرين، والإنسان الغير متحرك نحو الآخرين لا تصدق أن في قلبه إيماناً هذا المتقوقع السلبي، يقول لك مالي وللناس، من لم يهتم لأمر المسلمين فليس منهم، من لم يحمل هم المسلمين فليس منهم، أنت ماذا تفعل لو أن الله سبحانه وتعالى سألك يوم القيامة ماذا فعلت:
(( يا بشر لا صدقة ولا جهاد فبما تلقى الله إذاً ))
الإنسان حينما يأتيه ملك الموت إذا لم يكن معه عمل صالح يندم أشد الندم أنا مرة حضرت جنازة، قال الذي يصلي على هذه الجنازة مؤبناً هذا المتوفي: أخوكم كان مؤذن ترحموا عليه، أنا صعقت هذا الرجل من الأغنياء وله بيت فخم جداً وله مركبات فخمة جداً وله سياحات... ماتمكن المؤبن إلا أن يتكلم كلمة واحدة، أنا خطر في ذهني أعمل عمل إذا مت تحدثوا الناس عنك دقيقة، لا يتكلم عن رحلاته وسفراته، ولا عن بيته الفخم.
أجهد أن تترك بصمات قال النبي صلى الله عليه وسلم:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثٍ صَدَقَةٌ جَارِيَةٌ وَعِلْمٌ يُنْتَفَعُ بِهِ وَوَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ ))
وأنا أقول لكم وإن كان الموضوع خارج عن محور الدرس أخطر شيء يتعلق بكم أولادكم، أنتم مضمونين أولادكم، ماذا يوجد نجاحات في الحياة، نجاح إداري، نجاح اقتصادي، نجاح علمي، أنشتاين أعلم علماء الأرض هذا الذي جاء بالنسبية، إذا جسم سار بسرعة الضوء أصبح ضوء فإذا سبقه تراجع الزمن وإذا سار معه توقف الزمن، لو بلغت مرتبة علمية كهذا العالم أو ثروة اقتصادية كشركة ميكروسوفت خمس وأربعين مليار، أو منصب أعلى منصب بالعالم ولم يكن ابنك كما تريد كنت أشقى الناس، فأنا الذي أرجوه منكم أنه هناك ألف إنسان يخطف ابنك من بين يديك احرص على تربيته، احرص على أن يكون معك احرص على أن تلقنه مبادئ الدين الصحيح، لو سألتموني معك دليل ؟ قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ(6)﴾
ورد ببعض الآثار:
(( أن المرأة التي تستحق النار تقول يارب لا أدخل النار حتى أدخل أبي قبلي ))
لأنه هو السبب، فإياك ثم إياك ثم إياك أن تهمل أولادك والعصر عصر فتن، وعصر انحرافات خطيرة، الإنسان لا يستقر له قرار إلا إذا كان أولاده كما يتمنى، فأنتم إذا نجوتم من الفتن بسن معينة، وبخبرة معينة، أولادكم في خطر، الأولاد الأولاد تربية وتوجيهاً ومراقبةً وبحثاً، هل هناك من سؤال حول هذه المحاضرة.
س: لماذا ظهرت المذاهب الأربعة ؟
ج: في الإنسان يوجد ثوابت، ويوجد متغيرات، النصوص قطعية الدلالة تغطي الثوابت، والنصوص ظنية الدلالة تغطي المتغيرات، يعني الله عز وجل أمرنا بدفع الزكاة، يوجد مدينة ويوجد ريف، لو أعطيت إنسان يسكن في المدينة كيس من القمح هذا بلاء كيف يطحنه، كيف يخبزه، أعطه مبلغ من المال يحسن الانتفاع به، الله عز وجل قال:
﴿وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ﴾
ولم يذكر كيفية دفع الزكاة، فجاء العلماء واجتهدوا قال بعضهم تدفع الزكاة عيناً وقال بعضهم تدفع الزكاة نقداً، فهؤلاء اختلفوا مع هؤلاء وهذا الاختلاف ليس اختلاف تناقض إنما اختلاف تنوع وغنى، فالعلماء المجتهدون اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة، يوجد عندنا نص قطعي الدلالة ونص ظني الدلالة، أوضح لكم هذا بمثال:
أعطي فلان ألف وخمسة مائة درهم، هذا النص قطعي الدلالة لا يحتاج لا إلى مفسر ولا مجتهد ولا فقيه، لو قلت لكم أعطي فلان ألف درهم ونصفه، على من تعود الهاء ؟ على الألف تصبح ألف وخمس مائة، على الدرهم ألف ونصف درهم هذا النص احتمالي.
أنا كإنسان عندما أتي بنص احتمالي هذا من ضعفي باللغة، أنا أريد معنى واحد ولكن جئت بعبارة فضفاضة، فكل تشريع يحتاج إلى تفسير وشرح واجتهادات، أما الإله إذا جاء بنص احتمالي معنى ذلك أنه يريد كل الاحتمالات رحمة بعباده، وهذا فرق كبير جداً بين النص الاحتمالي الإلهي والنص الاحتمالي البشري، لماذا ظهرت المذاهب ؟ لأن الله عز وجل بالكتاب والنبي بالسنة كان يوجد نص احتمالي مقصود والاحتمالي يراد به كل المعاني توسعة على العباد ورحمة بهم.
امرأة أصبحت معذورة ولم تستطع طواف الإفاضة عند الأحناف عليها بدنة يعني جمل ثمنه مائة وخمسين ألف، وعند السادة الشافعية ينتظرها قومها تغدو أميرة الحج، وعند المالكية تطوف البيت ولا شيء عليها، تصور امرأة ميسورة نقول لها أطعمي الفقراء، وامرأة ابنها في جدة وزوجها تاجر نقول لها انتظري، وامرأة ملحقة بفوج لا تملك قوت يومها نقول لها طوفي البيت ولا شيء عليك، أهم شيء اختلاف الفقهاء أراده الله لأن يوجد آيات ظنية الدلالة وعندما الإله يصوغ آية ظنية الدلالة أراد كل المعاني المحتملة وكل الفقهاء اجتهدوا، لذلك أعظم تشريع فيه تغطية لكل الحالات التشريع الإسلامي عن طريق هذه المذاهب وهذه ليست اختلافات بل هذه تنوع وغنى، وأي إنسان قلد أي مذهب فعبادته صحيحة من دون تعصب، وأنا ضد التعصب المذهبي، أحدهم شافعي تزوج واحدة حنفية جاء الولد حنفشعي.
يوجد تعصب مقيت مذهبي هذا مرفوض، أما إذا أخذ من كل مذهب رخصة هذا اسمه تلفيق ورقة في الدين، أحدهم يقول ما هو المذهب الذي يقول أن على الحلي لا يوجد زكاة، وباق مذهب يوجد قصر وجمع.
س: في المسجد يتكلمون باللغة الإنكليزية وهذا يعني أن هذه اللغة أسهل لهم من اللغة العربية السؤال نرجو الإيضاح لأهمية اللغة العربية؟
ج: طبعاً اللغة الإنكليزية لأنه معتمد بها كثيراً والناطقون بها أقوياء فقويت لقوتهم ولكن إذا درسنا الموضوع بشكل موضوعي اللغة العربية لما الله جل جلاله اختارها لكلامه فهي أرقى اللغات قال تعالى:
﴿بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195)﴾
رأى، لمح غير نظر، لمح نظرت وأعرضت، لاح ظهر الشيء ثم اختفى، نظر شجن أي مع الاحتقار، شخص مع الخوف، استشرف أي تمطى أساء مراقبة الطلاب، استشفى نظر مع الفحص اليدوي، رنا نظر مع السرور، حدج نظر مع المحبة، حدج القوم بما حدجوك بأبصارهم، شخص، حدج، رنا، نظر رأى بقلبه، رأيت العلم نافعاً، لاح، لمح، استشرف، استشف،. يوجد في اللغة دقة ما بعدها دقة وأنا اختصاصي اللغة العربية فلذلك لا تعصباً ولا حمية هذه اللغة ظلمها أهلها ظلماً كبيراً وهي من أرقى اللغات وقد تجد من إعجاز القرآن الكريم ما لا يصدق مثلاً قال تعالى:
﴿وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ (6)﴾
كلمة من تفيد استغراق أفراد النوع، يعني أي دابة ولو نملة تحت الصخر، أيام تقول في صف: كل الطلاب لهم عندي جائزة، يوجد طالب غائب، أما إذا قلت ما من طالب في هذا الصف إلا له عندي جائزة دخل الغائبون.
لو كانت الآية:
ما من دابة إلا الله يرزقها لا يوجد إلزام، أما العلى تفيد الإلزام، لو الدواب يرزقها الله لا يوجد قصر، يوجد قصر وإلزام واستغراق هذا هو القرآن، والله أيها الأخوة لو اطلعتم على دقائق هذه اللغة وعلى عجائبها لعرفتم لماذا كانت لغة القرآن ولكن اللغة تضعف بضعف أهلها وتضعف بإهمال أهلها، عندنا في جامعة دمشق اللغة العربية استخدمت لتدريس الطب هل عجزت ؟ ما عجزت، من علامة إيمان المؤمن أن يحب هذه اللغة العربية وهي لغة القرآن، يوجد أدلة على دقة هذه اللغة تفوق حد الخيال.
الآية الكريمة:
﴿وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (40)﴾
إذا قال أحدهم وكلمة الله هي العليا كفر لماذا ؟ لم يتكلم شيء أي كانت عليا فجعلها سفلى، إذا قلت وكلمة الله هي العليا أي كانت سفلى وصارت عليا، كيف الآية وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وقف استئناف وكلمة الله هي العليا دائماً حركة تغير المعنى.
قَدَم، قدُم، قدِم، قدَم أي سبقه بقدمه، قدُم أصبح قديماً، قدِم أي حضر مثلاً: بَر،، بُر، ِبر، البَر اليابسة، البُر القمح، البِر من الإحسان خُلق، خَلق، خلق، فرق كبير جداً، فرق واضح بين منصَب، ومنصِب يوجد باللغة دقة مذهلة.
أيها الأخوة:
هذه تحتاج إلى محاضرة مستقلة عن النحت، ثبت الآن فعل ثلاثي كم تقليد له ؟ ست تقاليد، علم، ملع... ثبت الآن أن كل تقاليد الثلاثي يجمع بينها معنى واحد هذا شيء مذهل بفقه اللغة يوجد نحت ويوجد اشتقاق كبير، نحن عندنا أسرة، مثلاً بوك كتاب في اللغة الإنكليزية، رأيت كتب، أما عندنا كتب، يكتب، كتاباً من أسرة واحدة مكتب، كتاب، مكتوب،... يوجد اشتقاق رائع جداً وتحتاج إلى محاضرات كثيرة.
س: المشكلة ليست في الكتاب والسنة، لكن في فهمهما ؟
ج: طبعاً أنتم لا يتاح لكم قراءة بعض علوم الدين، علم الأصول، علماء المسلمين أمام علماء الأصول عوام، علم الأصول هو علم فهم النصوص، علم فهم الأحكام الشرعية من النصوص الكلية، لذلك سوء الفهم للنص من ضعفنا بعلم الأصول وعلم الأصول كله قطعي قوانين قطعية، فأنت إذا دخلت في حقل علماء الأصول لوجدت العجب العجاب نختلف في سوء فهمنا للنص، ونختلف في عدم إتقاننا بعلم الأصول، والعلم بالأصول أحد أركان الدين، وكل أحكامه قطعية، لكن نحن نفهم النص فهماً ساذجاً مثلاً:
(( عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَذَهَبَ اللَّهُ بِكُمْ وَلَجَاءَ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ فَيَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ فَيَغْفِرُ لَهُمْ ))
أسرع واذنب، معنى الحديث إن لم تذنبوا أي إن لم تحسوا بذنوبكم أنتم ميتون وذهب اله بكم، أيام ترى إنسان مريض يحضرون مرأة لا يوجد بخار ماء، بيل يضعونه في عينه لا تصغر الحدقة، إذا إنسان ارتكب ذنوب ويقول ماذا فعلت هو ميت، أي إذا أذنبوا لا ينامون الليل، تألموا صعقوا وتابوا واستغفروا هؤلاء أحياء، أما إذا ارتكب كل المعاصي ويقول ماذ فعلت، أما المعنى الظاهري غير هذا.
قال تعالى:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافاً مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَع