- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الحق هو الشيء الذي لا يزول والباطل هو الشيء الذي يزول :
أيها الأخوة, يقول الله عز وجل:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
الحق: الشيء المستقر, الثابت, الذي لا يزول, والباطل: هو الشيء الذي يزول:
﴿إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً﴾
وزهوق: صيغة مبالغة؛ أي: شديد الزهوق, أي أكبر باطل سوف ينهار, ومليون باطل سوف ينهار، مهما تنوع الباطل, لو كان هناك مليون نوع كله إلى زوال, ولو كان أكبر باطل تدعمه أكبر قوة في العالم لا بد من أن يزول.
الحق هو الشيء الثابت الهادف :
لو أنشأنا حائطاً وفق قواعد هندسية ثابتة, فالحائط بني ليبقى, أما إذا بني بخلاف القواعد الهندسية، بلا شاقول, فهذا الحائط آيل إلى الزوال. فالشيء الذي سيزول هو الباطل:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾
وخلق السموات والأرض بالحق, وكلمة حق تُفهم في القرآن عن طريق القرآن:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ ومَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً﴾
﴿مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ﴾
فالحق خلاف الباطل, والباطل هو الشيء الزائل:
﴿وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ﴾
﴿ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾
فالحق خلاف اللعب, اللعب عبث, والباطل زائل, فصار الحق هو الشيء الثابت, الهادف؛ وراءه حكمة بالغة, وراءه هدف نبيل, وراءه شيء عظيم, لذلك مليون اتجاه, مليون نظرية, مليون مذهب, ومليون نزعة, كلها تزول, والحق باق.
بطولة الإنسان أن يكون مع الحق :
كم فرقة ضالة ظهرت عبر تطور الإسلام؟ كل هذه الفرق تلاشت, وانهارت, ونسيها التاريخ, بل قبعت في مزابل التاريخ, وبقي الإسلام صامداً كالطود؛ الله هو الحق, هو الذي ينصر الحق, هو الذي يدعم الحق؛ الحق هو الدائم, الحق هو الباقي, والباطل هو الزائل.
العصر شهد انهيار أكبر قوة في العالم, بنيت على الإلحاد, باطلة، وللعوام كلمة لطيفة, يقول لك: "لا يصح إلا الصحيح".
الأمر لا يستقر إلا على وضع سليم, فكل شيء خلاف الحق زائل وباطل.
الآن: الإنسان بطولته أن يكون مع الحق لا أن يكون مع الباطل, فإذا ربط مصيره مع الباطل فهو زائل؛ كل مكتسباته إلى زوال, كل أعماله يجعلها الله هباء منثوراً, كل تصرفاته لا قيمة لها:
﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً﴾
من ربط مصيره بالحق نجح وأفلح وسعد :
في الإسلام نعمة لا يعرفها إلا من فقدها؛ مهما تطور العلم, مهما تغيرت الحياة, مهما استجدت النظم, الإسلام باق, ويزداد قوة ومنعة, ولو كان أعداؤه أهل الأرض, لأنه حق, أما لو كان الإنسان مع مذهب باطل, فعنده حالة قلق دائمة, لو أن هذا الباطل انهار, انهار هو معه؛ فإذا الإنسان ربط مصيره مع الحق نجح, وأفلح, وسعد, وإذا ربط مصيره مع الباطل, انهارت كل آماله.
هناك رئيس وزراء فرنسي انتحر, صحفيون كتبوا مئة مقالة تقريباً عن أسباب انتحاره, لم يصل صحفي واحد منهم إلى نتيجة, أولاً: رجل من أعرق أسر فرنسا, وغني, ليس له أي مخالفة بفضائح في حياته حتى ينتحر خوفاً منها, إلا صحفياً واحداً, وفِّق لفهم سبب انتحاره, كان مؤمناً بمبدأ, بعد سبعين سنة من ظهور هذا المبدأ تبين له أنه كان على خطأ, فاحتقر نفسه.
إنسان ربط مصيره و وضع كل إمكاناته في خدمة هذا المبدأ, ثم تبين له أنه كان مضللاً, وكان بعيداً عن الحق.
فالمسلم لا يوجد عنده هذه الحالة؛ مهما تطورت الحياة, مهما تطور العلم, لا يوجد شيء ظهر يناقض هذا الدين, بالعكس كلما اقترب العلم من الحق, كان على صواب.
الملاحظ أن الدول الشاردة عن الله عز وجل بدافع من مصلحتها الشخصية, بدافع من قناعاتها, تعود إلى الإسلام مقهورة.
الاتحاد السوفييتي قبل أن ينهار حرم الخمر, الآن في السويد الخمر محرم, بعض ولايات أمريكا الاختلاط فيها محرم.
هم يدركون أنهم إذا نفذوا هذا الإجراء لمصلحتهم, هم لا يعبدون الله في هذا, يعبدون ذواتهم؛ لكن اهتدوا إلى أن هذا الذي جاء به القرآن هو الحق, و ينبغي أن يطبق.
من طبق الحق بدافع من قناعاته و عبادة الله كسب الدنيا و الآخرة :
الإنسان إما أن يطبق الحق بدافع من مصالحه, عندئذ يكسب الدنيا فقط, وإما أن يطبق الحق بدافع من قناعاته, وبدافع من عبادة الله عز وجل, عندئذ يكسب الدنيا والآخرة.
آية قصيرة لكنها بليغة:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ﴾
هو إن كان شيء عن النبي لم يرد, لكن يفعله معظم الناس, في تلقين الميت يقال له:
((اعلم -يا عبد الله!- أن الجنة حق, وأن النار حق, وأن الحساب حق, وأن الصراط حق, وأن العرض حق))
حق أي واقع.
الآن: كم إنسان في الأرض يعيش للدنيا فقط والآخرة غائبة عنه تماماً؟ عندما يفاجأ أن هناك آخرة, وهناك أبد, من الممكن أنه سوف يُصعق:
﴿فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ﴾
المؤمن عنده نعمة كبيرة, قبل أن يأتي هذا اليوم الذي يصعق فيه الناس, هو متوقع هذا اليوم.
أكبر عطاء للمؤمن أن معه الحقيقة المطلقة :
أكبر عطاء للمؤمن أن معه الحقيقة, الحقيقة المطلقة, لا يوجد عنده مفاجأة؛ يموت, الموت حق, هناك جهنم للأبد, جهنم حق, هناك جنة, الجنة حق, هناك حساب دقيق, الحساب حق, هناك من يعمل مثقال ذرة خيراً يره, هذه العدالة الإلهية من يراها؟ لا يوجد إنسان يراها ويأخذ مال أخيه, هذا الذي يأكل أموال الناس بالباطل, ويعتدي عليهم, لا يؤمن بالآخرة إطلاقاً, يؤمن بالدنيا فقط.
العبرة ألا يتفاجأ الإنسان, والإنسان حينما يندم, معنى هذا أن عقله ضعيف, أو لم يستخدمه.
تصور طالباً من أول يوم في العام الدراسي يدرس, لأن الامتحان ماثل أمامه, فيأتي الامتحان, مهيأ؛ يكتب, ينجح, بالعكس يفرح, لا يندم, طالب آخر غاب عنه الامتحان, عاش لحظته, فيبدو أنه مسرور أكثر من المجتهد؛ يذهب, ويعود, ويسهر, عندما يأتي الامتحان, ليس مستعداً له, هنا المصيبة!!.
فالمؤمن إذا وصل للحق وصل لكل شيء, إذا كان مع الحق كان مع أكبر قوة في الكون, إذا كان مصيره الحق, معنى هذا أن مصيره السعادة.
من لا يؤمن بأن للكون خالقاً حكيماً يبحث عن طريق آخر :
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
الله عز وجل خلق الإنسان من نطفة أمشاج يبتليه.
هم الآن في اتجاه أن يعملوا استنساخاً, فاستطاعوا أن يعملوا نعجة, ليست من ذكر وأنثى, ولا من حوين وبويضة, من أخذ خلية من الثدي, وتنبيتها في رحم, طبعاً اكتشفوا أن كل خلية في الإنسان فيها مورثات, لكن الطريق خلاف الطريق الذي رسمه الله؛ الله رسم ذكراً وأنثى, ومورثات هنا, ومورثات هنا, يتفاعلون, يظهر جنين يحمل مورثات الأب والأم معاً, هذه معنى أمشاج:
﴿إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ﴾
أخذوا خلية من الثدي, فجاءت النعجة مشابهة لأمها تماماً, وليس لها علاقة بأبيها إطلاقاً.
من حوالي شهر تقريباً أذيع أن علامات الشيخوخة المبكرة جداً ظهرت على هذه النعجة, لأن خلق المخلوق من نطفة أمشاج, هذا هو الحق, هذا هو الكمال المطلق, فلما بحثوا عن طريق آخر, الطريق الآخر غير معقول! ولعله يبدو في المستقبل له آفات خطيرة جداً, وحالات نادرة جداً من تغيير خلق الله عز وجل.
فالإنسان حينما يؤمن أن لهذا الكون خالقاً حكيماً, وأنه يفعل أكمل شيء في الوجود, يستسلم, أما حينما لا يؤمن بهذه الحقيقة فيبحث عن طريق جديد.
في عالم الزراعة مثلاً بحثوا عن أسمدة كيماوية, الآن ثبت خطؤها, عادوا للنظام القديم -نظام السماد الطبيعي-, حاولوا أن يكافحوا الحشرات بأدوية كيماوية, الآن ثبت خطؤها, عادوا إلى النظام القديم -المكافحة الحيوية-، فكلما أخطؤوا خطأ فاحشاً, الآن يعودون إلى أصل التصميم الإلهي, معنى هذا أن أصل التصميم هو الحق.
أكبر إنجاز يحققه الإنسان أنه مع الحق :
حتى إن هناك عالماً اسمه كاريل, ألّف كتاباً: "الإنسان ذلك المجهول" قال فيه: "خير نظام البشرية أن يقصر المرء طرفه على زوجة واحدة".
حتى غض البصر وصلوا له عن طريق المنطق, فذلك لأن الله هو الحق, وأمره حق, وتوجيهاته حق, ونظام الزواج حق, ونظام الإرث حق, والطلاق حق، الله صمم أن الإنسان يأتيه ذكر, أو أنثى, أو ذكر و أنثى.
ظهر قانون في الصين: نريد ولداً واحداً فقط, فكل أسرة تأتيها بنت تخنقها, تقتلها, مادام مسموح للأسرة بطفل واحد فلا تسجل إلا الذكر, فالبنت كانت تقتل؛ هناك جهل, و إلحاد, ويريدون ذكراً, فعندما يأتي الذكر, ويسجلونه, ذكراً واحداً, لا يوجد غيره أساساً, لكن غاب عنهم أن هذا النظام باطل, الآن هناك إحصائية دقيقة أن خمسين مليون شاب من دون فتاة, من دون زوجة, فنشأت عصابات تخطف الفتيات في سن الزواج, لأن الإجراء باطل.
هناك بلد غربي بشمالي إفريقيا, أظهر قانوناً ألغى فيه قانون الزواج الإسلامي؛ أن كل إنسان يطلق, تأخذ زوجته نصف ممتلكاته, هذا نظام باطل, الحق أن المرأة لها مهر, تستحقه عند الطلاق, أما إنسان عنده معمل, ثمنه ألوف الملايين, وهذه التي عنده في البيت, أحب أن يطلقها, تأخذ نصف ثروته, فرد الفعل في أمريكا أن الزواج قد التغى.
الآن: هناك مشاكلة -هذا الشيء أنا لمسته بشكل واضح- نظام المشاكلة ألغى نظام الزواج, حتى الزواج المدني التغى, لأتفه سبب؛ يلفظها, يركلها بقدمه.
في بلد عربي بشمال إفريقيا, توقف سوق الزواج نهائياً على أثر القانون, فصار الأب يعرض على خاطب ابنته أن يوقع له سند أمانة بمليون في حال طالبناك بنصف ثروتك حتى يزوج ابنته. فتجد كلما ظهر قانون خلاف الشرع يثبت فشله بشكل ذريع:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ﴾
نظام الزواج هو الحق, نظام المهر هو الحق, غض البصر هو الحق.
عندما عملوا بالكنيسة زوجة واحدة, أصبح هناك مئة عشيقة, أما الإسلام فلا يوجد عنده مخالفة؛ هناك أمر قاهر, هناك زوجة لا تنجب, زوجة مريضة, زوجة لا تحصن, سمح لك بزوجة ثانية, التعدد هو الحق, هو الذي يحل مشاكل المجتمعات, ومشاكل الأسر:
﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ﴾
أكبر إنجاز يحققه الإنسان أنه مع الحق؛ مع الشيء الثابت والهادف, مع الشيء الباقي, مع الشيء الذي لا يزول, حتى الإنسان لو مات الجنة حق, فسوف ينتقل من الدنيا إلى الآخرة, من ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة, كما ينتقل الجنين من ضيق الرحم إلى سعة الآخرة.