- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
النبي الكريم قدوة لنا ينبغي أن نتأسى به :
أيها الأخوة: ربنا جل جلاله: يذكر لنا في قرآنه الكريم قصص الأنبياء.
هناك مفهوم خاطئ مؤداه: أنه كلما قلت لإنسان: هذا النبي العظيم فعل كذا وكذا, يقول: لا, أنا لست نبياً, كأن هناك فصلاً بين حياة المؤمنين وبين حياة الأنبياء, من قال لك إنك في مرتبة هذا النبي؟ لكن هذا النبي قدوة لنا؛ يجب أن تقتدي به, وأن تتأسى به, وأن تكون الآيات التي ذكرها الله عنه نبراساً لك في طريقك إلى الله.
فربنا عز وجل في سورة الأنبياء ذكر عدة أنبياء, سيدنا أيوب مثلاً:
﴿إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ *فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ﴾
هناك إنسان لا يوجد عنده مشكلة؛ المشكلة, والضر, والابتلاء من لوازم الحياة؛ إن هذه الدنيا دار ابتلاء, إنا كنا مبتلين.
فهذا النبي الكريم وقف هذا الموقف من هذا البلاء, فدعا الله عز وجل, لو كل شخص منا كلما ألمَّ به شيء بادر إلى الصلاة، لكنا في حال غير هذه الحال.
كان عليه الصلاة والسلام إذا حزبه أمر بادر إلى الصلاة.
قصص الأنبياء علينا أن نتخذها نبراساً في علاقتنا مع الله عز وجل :
الله عز وجل جعل من الدعاء سبباً لتقوية العقيدة، أنت تؤمن أن الله فعال, بيده كل شيء, ومعك أينما كنت؛ لكن عندما تساق مشكلة, وتستجير بالله منها, وتنكشف عنها بشكل استثنائي, وشكل ملفت للنظر, تشعر أن كل شيء بيد الله عز وجل. فالله عز وجل يريدك أن تؤمن به إيماناً كاملاً, أحد وسائل أن يزداد إيمانك به تساق لك مشكلة, أو شبح مشكلة, تفزع أنت إلى الدعاء, فتنكشف بشكل ملفت للنظر, بشكل استثنائي.
فهذه القصص نبراس لنا؛ هناك مشكلات اجتماعية, مشكلات اقتصادية, ومشكلات صحية.
مثلاً: الطالب في الجامعة له مشكلة, الباحث عن وظيفة له مشكلة, العامل في التجارة له مشكلة, لماذا الدعاء يجب أن يكون إفرادياً؟ ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا بشكل إفرادي.
مرة ذكرت مثلاً طالب جامعي عنده مادة صعبة جداً, وأستاذها لا يرحم أحداً, ومتوقف تخرجه عليها, وتاجر عنده بضاعة متوقفة بالجمرك, عليها مشكلة كبيرة, وإذا لم تتخلص فهناك خسارة كبيرة جداً, وامرأة لم تنجب, وزوجها يفكر في تركها, وتطليقها, هل هناك دعاء يجمع بين هؤلاء؟ لا يوجد.
إذا قلنا لهم: ادعوا؛ هذه تطلب من الله ولداً, وهذا يطلب من الله تيسيراً, أو تخليص هذه البضاعة, وهذا الطالب يطلب من الله التوفيق في أداء الامتحان, لأن كل إنسان له حاجات, وهناك مريض معه مرض مستعص, يرجو الله أن يشفيه منه.
فالعبرة: القصص -قصص الأنبياء-يجب أن نتخذها نبراساً في علاقتنا مع الله عز وجل.
بطولة الإنسان لا أن ينجو من المشكلة ولكن أن يقف منها الموقف الكامل :
هذا النبي الكريم, سيدنا أيوب قال:
﴿وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾
معنى هذا أن المصيبة قد تصيب نبياً, أحد خصائص الحياة الدنيا أنها مفعمة بالابتلاء, لا بد من أن تبتلى.
فقلت لواحد من الناس قبل يومين عنده مشكلة, قلت له: البطولة لا أن تنجو من مشكلة, ولكن البطولة أن تقف منها الموقف الكامل.
النبي وقف موقفاً؛ اتهمت زوجته بالزنا, مات ابنه إبراهيم, افتقر, لا يوجد شيء يأكله:
(( هل عندكم شيء ؟ قالوا : لا، قال : فإني صائم ))
بالطائف هناك مشكلة كبيرة جداً؛ اتهم, وضرب, وسخر به, وكذب.
فلا يوجد إنسان نفد من مشكلة. فأنت عندما يتوسع أفق تفكيرك, تشعر أن المشكلة أحد أسباب تقوية إيمانك, الله عز وجل لأنه يحب المؤمن يستخدمه شاء أم أبى.
أنت لم تنوِ أن تدعو لله عز وجل؛ لكن أنت فقير, يأتيك مبلغ ضخم, لكن فيه شبهة ترفضه, رفضك للمبلغ, وأنت في أمس الحاجة إليه دعوة دون أن تشعر, يأتي مرض -لا سمح الله- تجده صابراً, راضياً عن الله, إذا دخل عليه إنسان يستحي بحاله, هو لا يوجد عنده مشكلة, ومقصر, وهذا بالمرض متفوق. فالله عز وجل يجعل المؤمن دعوة شاء أم أبى:
﴿وَأَدْخَلْنَاهُمْ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾
التوجه إلى الله ينجي الإنسان من الهم و الكرب :
الإنسان عندما يقرأ قوله تعالى:
﴿إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً﴾
الإنسان يصبر لوجه الله, يحتسب لوجه الله, يضبط أموره, لا يشكو همه لأحد:
﴿إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
أنا أتحدى إنساناً في الأرض لا يوجد عنده مشكلة؛ إما من طرف بيته, أو من أولاده, أو من زوجته, أو من عمله, أو من صحته, أو من مكانته, أو من شخص أعلى منه يكيده, يجب أن يصبر؛ لكن ربنا علمنا أن نفزع إلى الدعاء:
﴿وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
والله أيها الأخوة هذه الآية تملأ قلب المؤمن طمأنينة؛ في أي مكان, في أي زمان, في أي حال, في أي وضع, إذا أنت توجهت إلى الله ينجيك من كل كرب.
البشر كلهم خلقوا لجنة عرضها السموات والأرض :
أحد أسباب سكينة المؤمن أنه يعيش مع الله, ويعيش مع أنبيائه.
الآن: أنت لو سألت كافراً أو ملحداً, كل حياته: زوجته, وأولاده فقط, وجماعته, أما المؤمن فممتد الجذور إلى سيدنا آدم, هؤلاء أنبياء كرام, تعيش أنت معهم؛ بتجاربهم, بإقبالهم, بمحنهم, بإكرامهم، هذه:
﴿وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ﴾
أصبحت قانوناً:
﴿ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ﴾
ألا ترى هذه الأوصاف:
﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ * وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ * إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ﴾
كل البشر مدعوون إلى الله, كل البشر مطلوبون إلى الله, كل البشر خلقوا لجنة عرضها السموات والأرض, هذه تفريقات البشر مفتعلة, ما أنزل الله بها من سلطان؛ تقسيمات عرقية, وتقسيمات إقليمية, وتقسيمات جنسية, وتقسيمات قبلية, وتقسيمات طائفية, هذه التقسيمات كلها من فعل الشيطان.
البشر نوعان لا ثالث لهما :
البشر نوعان: مؤمن وكافر, مستقيم ومنحرف, صادق وكاذب, أمين وخائن, منصف وجاحد فقط.
فالمؤمنون متشابهون في العالم كله, وأنت أخ لكل مؤمن كائناً من كان, وأكبر دليل: أحياناً تزور بلداً في أقصى الدنيا, تجد مؤمناً كأنه أنت؛ بقيمه, بخشوعه, بنواياه الطيبة, بحبه لله عز وجل.
والله الإنسان عندما يسافر, ويلتقي بمؤمنين, والله كأنه جالس في بلده, كأنه جالس في بيته, وقد يكون أخوك النسبي -الذي من أم وأب واحدة- بعيداً.
من أسبوع تقريباً إنسانة صالحة أصيبت بمرض خبيث, وتوفيت, فلها ابن مقيم في أمريكا, متزوج امرأة أمريكية, يبدو أنها أسلمت, وإسلامها قوي جداً, فجاء هو وزوجته ليحضر مرض والدته, فالأمريكية المسلمة طلبت من زوجها أن ينام هذا الشهر مع أمه من أجل أن يكسب رضاها, قال لها: نعم, وضعت غطاء صلاة, لكي لا يراها أحد, لم تنزعه عن جسمها أبداً.
مرة أثناء النزاع بكى, قالت له: أتبك على أمك!؟ إنها في الجنة إن شاء الله, أما أنا التي ينبغي أن أبكي على أمي وأبي, فقد ماتا كفاراً, وخدمت والدة زوجها خدمة تفوق حدّ الخيال. هذه والدها نصراني, ووالدتها نصرانية, وكانت كافرة, فلما عرفت ربها تحولت لإنسانة أخرى, يوجد في البيت كنة, سابع جد لها مسلم, شيء غير معقول! قالت لها: أنت معك سرطان, سوف تموتين؛ بكل وقاحة, بكل فظاظة دائماً تستهتر بثيابها, وبطلعتها، لكن سبحان الله! أهل الإيمان متشابهون من أقصى الدنيا, جاءت, ووالدها ووالدتها نصرانيان, هكذا مواقفها, هذا هو الإيمان.
تشعر نفسك عندما تلتقي مع أي مؤمن في أي مكان بالعالم؛ القيم واحدة, الأهداف واحدة, المبادىء واحدة, المظهر واحد, الخشوع واحد:
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
أينما ذهبت: المسلم هو المسلم؛ المسلم ورع, المسلم صاف, المسلم نواياه طيبة, المسلم يحب الخير, المسلم موصول بالله عز وجل:
﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾
النزعات الفردية لا تظهر إلا بغياب الدين :
لذلك أي إنسان دخل في الإسلام, له ما لنا, وعليه ما علينا, هذه التقسيمات العرقية, تقسيمات من فعل جهات, تريد أن تمزق العالم.
بلاد المسلمين كانت من أقصى الشرق لأقصى الغرب أمة واحدة, الآن تفرقة, والشيطان دائماً يعمل عمله.
بالمناسبة الإنسان له طبع, وله تكليف؛ الطبع فردي أما التكليف فجماعي.
الله كلفنا أن نتعاون, أن نتفق, أن نزيل كل الفوارق بيننا, هكذا كلفنا الله, فإذا ابتعدنا عن ديننا تظهر الفروق الفردية, النزعات الفردية تظهر في غياب الدين, لذلك:
﴿تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى﴾
الإنسان عندما يترك الدين, يصبح فردياً؛ ينافس, يعتز, قد يكون بعرقه, وقد يكون بنسبه، فهتلر عندما جاء, أقام الدنيا, اعتبر العرق الألماني أعظم عرق, ونحن اعتبرناه برابرة.
أي إنسان من أي عرق إذا كان عمله صالحاً ويؤمن بالله فله الجنة :
كل إنسان عندما يكون بعيداً عن الله يدّعي لنفسه التفوق, ويحتقر الآخرين, أما المؤمن فليس كذلك, ثم يقول الله عز وجل -الآن تلخيص-:
﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾
انظر الشمول, أي إنسان من أي عرق إذا كان عمله صالحاً, ويؤمن بالله:
﴿فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾
﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101) لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ (102) لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (103) يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)﴾
في النهاية لا يصح إلا الصحيح.