- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
الأمر دائماً بيد الله عز وجل :
أيها الأخوة الكرام: الآيات التي قرئت في صلاة الفجر تتحدث عن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام.
فرعون هو الذي قتل أبناء بني إسرائيل, واستحيا نساءهم, فلما جاءه موسى -عليه الصلاة والسلام- يدعوه إلى الإيمان بالله, وقف منه موقفاً, لا يمليه عليه منطقه في قتل الناس, قال له:
﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾
﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِداً لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَاناً سُوًى﴾
﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾
لو أن الأمر بيد فرعون لأمر بقتله وانتهى الأمر, لكن لأن الأمر بيد الله؛ هذا الجبار, البطَّاش, الذي لا يساوي عنده قتل إنسان قتل ذبابة, وقف منه موقفاً ضعيفاً:
﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى﴾
﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى﴾
هذه القصص لا ينبغي أن نقرأها فقط, ينبغي أن نستنبط منها.
الله وحده هو القوة المتصرفة :
أحياناً يقول لك إنسان: لا يوجد إلا الله, هناك أقوياء؛ جبابرة, بطاشون, مجرمون, ومع ذلك لا تجد إلا الله.
فإنسان ضعيف, من فئة مستضعفة, من بني إسرائيل, الأقباط هم أعوان فرعون, وفرعون منهم, وبنو إسرائيل مستضعفون, شرذمة قليلون, وإنهم لنا لغائظون, وإنا لجميع حاذرون, وموسى منهم, لمَ لم يقتله؟ هو قتل أبناء بني إسرائيل, واستحيا نساءهم، هذه أول نقطة، يمكن أن يتحرك الإنسان بحسب رؤيا يريه الله إياها, فالله عز وجل حمى سيدنا موسى:
﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى﴾
﴿ قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى﴾
يجب أن تقيس على هذه القصة، لا يوجد إنسان طليق, كل إنسان بيد الله:
﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ﴾
فرعون, الجبار, البطاش, ما الذي ألجمه عن قتل موسى؟ لأنه لا يوجد إلا الله, الله وحده القوة المتصرفة.
الإنسان عندما يخاف من جهة, معنى ذلك أن هناك ضعفاً في توحيده, عليه أن يأخذ بالأسباب, أما مع إله واحد فلا يوجد إله ثان:
﴿وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ﴾
المنحرفون يفلسفون انحرافهم و يجعلون من عملهم عملاً براقاً :
هناك نقطة ثانية: الإنسان أوتي منطقاً, أوتي عقلاً, أوتي ذكاء, لا يوجد إنسان يتكلم الحقيقة إن كانت ليست في صالحه.
الإنسان الجبار, الظالم, الطاغية, ماذا قال؟
﴿قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى﴾
فرعون ومن حوله طريقة مثلى.
الإنسان قد يكون على أعلى درجة من الانحراف؛ ويدّعي أنه على حق, ويدّعي أنه على صواب, ويدّعي أنه القدوة, فلا تعبأ بكلامه؛ المنحرفون يفلسفون انحرافهم, الذين يأخذون ما ليس لهم يجعلون من عملهم عملاً براقاً, فهذا كلام, الحقيقة أن ينطبق عملك على القرآن الكريم, ليس كل إنسان قال: أنا على حق, هو على حق.
هذا فرعون, قال: اذهبا:
﴿ فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفّاً وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى﴾
حرق المراحل :
هناك نقطة ثالثة اسمها حرق المراحل، إنسان يؤمن بالله عز وجل وفق برنامج معين, لكن أحياناً يكون الدليل قوياً جداً, لدرجة أن هذا الإنسان ينتقل فجأة من مصاف المؤمنين المبتدئين إلى مصاف العلماء الكبار, هؤلاء السحرة هم كذلك.
أنا ممكن أن آخذ لسانس بأربع سنوات, أما بساعة فلا يوجد لسانس بساعة, عند الله هناك حالات نادرة جداً, أي لسانس بساعة, مثلاً قال:
﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى* بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى ﴾
معنى هذا أن الساحر عنده قوة تأثير, يسمونها الآن تنويماً مغناطيسياً.
لي صديق, كان في الهند, جاء ساحر معه غلام معه حبل, فألقى الحبل إلى الأعلى, فعلق في السماء, أمر غلامه أن يصعد, صعد الحبل حتى لم يُرَ, أمره أن ينزل, لم ينزل, فصعد وراءه, ونزل رأسه, ثم يده, ثم يده الثانية, قطعه إرباً إرباً, كان هناك سائح أميركي, معه آلة تصوير متحركة, فصور, لم يظهر شيئاً، قوة تأثير هذا الساحر أوهم الحاضرين؛ صعد الطفل, لم يرجع, ثم صعد وراءه الساحر, وقطعه, ثم نزل, فهنا:
﴿يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى﴾
هم جاؤوا بأنابيب, ولونوها على شكل أفاع, وضعوا فيها الزئبق, وضعوها على منطقة حارة, تمدد الزئبق, - الزئبق معدن رجاج- فتحركت الأنابيب, كأنها تسعى:
﴿ فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى* قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى ﴾
أنت مع خالق الكون:
﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى* فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً ﴾
الله عز وجل أراد لثعبان موسى أن يأكل كل الحبال والعصي :
أما:
﴿تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾
فالسحرة جاؤوا بحبال وعصي, وأوهموا الناس أنها تسعى, سيدنا موسى عصاه أصبحت ثعباناً مبيناً, وسعت مثلهم, وهناك جمع غفير, قد لا يدرك الإنسان البعيد الفرق بين الاثنين. فربنا عز وجل أراد لهذا الثعبان المبين أن يأكل كل هذه الحبال والعصي:
﴿وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا﴾
هذا الثعبان.
اكتشاف سحرة فرعون أن ثعبان موسى ثعبان حقيقي :
وفي الحقيقة هناك نقطة دقيقة عندما سيدنا موسى في المناجاة:
﴿ وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى* قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى * فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى ﴾
عندما كان على انفراد مع ربه, حتى لا يخاف كانت حية صغيرة:
﴿فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾
لكن عندما صار في جمع غفير:
﴿فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ﴾
وهذا الثعبان المبين أكل كل الحبال والعصي, السحرة سحرة, لو شاهدوا سحراً آخر لم يؤمنوا, لكن هم يعلمون أنهم فعلوا حيلاً, أما هذا فثعبان حقيقي.
سحرة فرعون هم أول من آمن بسيدنا موسى فإيمانهم دعوة إلى الله :
لذلك:
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾
بالمناسبة الله عز وجل يجعل المؤمن شاء أم أبى داعية، مثلاً: هناك مؤمن لا يوجد عنده إمكانية أن يتكلم, لكنه مستقيم, توحيده عال, دخله محدود جداً, يأتيه مبلغ ضخم فيه شبهة, يرفض, رفض المبلغ دعوة لمن حوله, إنسان يجد أحياناً مليون ليرة, يبحث عن صاحبهم المؤمن, ولو لم يدع بلسانه؛ مواقفه, استقامته, عفته, ورعه, صدقه, أمانته، دعوة.
فهؤلاء أعوان فرعون, سحرة فرعون, جاؤوا ليدحضوا الحق, هم أول من آمن بسيدنا موسى, فإيمانهم دعوة إلى الله, فطبعاً قال لهم:
﴿آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾
هذا الموقف الذي سجله الله لهم:
﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾
هم يواجهون فرعون؛ لا يعرف من هو فرعون إلا من عاش في عصر فرعون, ولا يعرف الطاغية إلا من عاش في عصر الطاغية, الخوف يملأ القلوب, إنسان يواجه إنساناً, قتل الشخص سهل جداً:
﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا﴾
كلمة لا تؤكد إيمان المؤمن لأن المؤمن موحد لا يرى إلا الله عز وجل :
عند المؤمن يوجد كلمة لا, كلمة لا دليل إيمانه, ما كل شيء يوافق عليه, هناك شيء يقول: لا بملء فمه, هو يرى الله عز وجل, لا يرى إلا الله, مستحيل! يضحي بحياته ولا يضحي بدينه.
أنا سمعت عن ملك - عاش في عصر المماليك- أراد إذلال العلماء, فجمع العلماء, وجاء بلحم خنزير, وأمر كل العلماء أن يأكلوا من هذا اللحم, فالذي لا يأكل يضرب عنقه, الأكثر أكلوا, هناك رجل من علماء البلد ورع جداً, من شدة مكانته عند الناس استطاع خادم الملك أن يأتي بلحم ضان, وهمس في أذنه كُلْ, هذا لحم ضان, قال له: هو عند الناس خنزير, لا آكل, وقتله.
كلمة لا: هي التي تؤكد إيمان المؤمن, ما كل شيء يقال له: نعم, المؤمن عنده ساعات يقول: لا, ولو كلفت هذه الكلمة حياته؛ لأن المؤمن موحد, لا يرى إلا الله عز وجل:
﴿لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
بالتعبير العامي يدك وما تعطي, وكل ما تملك أن تقتلنا, وأنا لا أخاف الموت, بل هو غايتي, وإذا قتلتنا فنحن إلى الجنة.
إيمان الإنسان بالله عز وجل ليغفر له أخطاءه :
سحرة فرعون وصلوا إلى مستوى الصديقية في لحظة:
﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
أنت تؤمن بالله عز وجل, حتى الماضي كله يلغى بكلمة, الله عز وجل تؤمن به ليغفر لك الماضي:
﴿وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
﴿إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾
هذه حالة صعبة, يقول لك: اللا حرب واللا سلم, اللا موت واللا حياة, الموت مريح والحياة مريحة:
﴿لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلى * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى﴾
الإنسان في الدنيا من أجل أن يتزكى :
لاحظت الإيجاز, أنت في الدنيا من أجل أن تتزكى:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾
إله يقول لك:
﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى﴾