- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
على المؤمن أن ينوي بزيارة أخيه :
1 ـ أن يزور أخاه لحرمته وجلال قدره :
أيها الأخوة الكرام: أن تزور أخاك المؤمن هذا عمل عظيم، وقد ورد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نظر إلى الكعبة, فقال:
((لقد شرفك الله, وعظمك, وحرمك, والمؤمن أعظم حرمة منك))
فأن تزور أخاك المؤمن فهذا من الأعمال العظيمة التي أثنى عليها النبي عليه الصلاة والسلام.
وقال عبد الله بن المبارك: "خمسة أشياء لا تصعد من الأرض إلى السماء إلا بالتمام؛ حرمة المؤمن, وشكر نعمة الرب, وحق الوالدين, وإكرام العالم الزاهد....".
هذه الأشياء لا تصعد إلى الله عز وجل إلا بالتمام والكمال.
الإنسان عليه أن يشكر النعمة شكراً تاماً, وعليه أن يرعى حق والديه, وعليه أن يعرف حرمة المؤمن.
فأول نية من نوايا زيارة المؤمن: يزور أخاه لحرمته وجلال قدره.
الإنسان في الأساس مخلوق أول, فإذا استجاب لله عز وجل في حمل الأمانة, ووفى بما عليه, كان له أعلى درجة, بل إن هذه الدرجة لتفوق الملائكة.
الإنسان مركب من عقل وشهوة, والملك مركب من عقل بلا شهوة, والحيوان مركب من شهوة بلا عقل, فإن سما عقله على شهوته, أصبح فوق الملائكة -كلام سيدنا علي-, وإن سمت شهوته على عقله, أصبح دون الحيوان.
الملك عقل بلا شهوة, الحيوان شهوة بلا عقل, الإنسان نفخة من روح الله, وقبضة من تراب الأرض، فيه نوازع أرضية, و ميول روحية؛ فإذا سمت نفسه على شهوته, وإن سما عقله على حاجته, كان فوق الملائكة, فلذلك له حرمة عند الله عز وجل.
ومن أكرم أخاه فكأنما أكرم ربه, ومن أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه.
مثلاً: لسبب تافه, أو لملاحظة عابرة, أو لعدم دقة في الحكم, تقول: فلان يأكل مالاً حراماً, أنت لست متأكداً, وهو يصلي, ويعبد الله عز وجل, هذا اتهام للدين؛ إذا الدّيّن يفعل هذا, ماذا يفعل غير الدّيّن؟
قبل أن تتهم مؤمناً, عد للمليون, دائماً هناك معركة بين الحق والباطل, والمؤمن أحياناً دون أن يشعر هناك من يقول كلاماً فيه ليس صحيحاً.
فحرمة المؤمن يجب أن تُرعى رعاية تامة, وشكر نعمة الله عز وجل, وحق الوالدين, وإكرام العالم الزاهد.
2 ـ أن ينوي بزيارة أخيه المؤمن تألفه :
تألفه؛ أي يتألف قلبه، أن تكون الزيارة فيها ود.
أخ غاب عن المسجد أسبوعين, أنت زرته, تجشمت وقتاً وجهداً إلى أن زرته, فهذه الزيارة لها معنى كبير, إنها تأليف قلبه، يقول الله عز وجل:
﴿لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ﴾
من الأعمال الصالحة الجليلة أن تزور أخاك المؤمن.
ابن مسعود قال: "نزلت هذه الآية في المتحابين في الله".
المتحابون في الله يتزاورون, المتحابون في الله يتجالسون ويتبادلون.
وقيل: "أربع خصال تؤكد مودة الأخ مع أخيه: الزيارة, والسلام, والمصافحة, والهدية؛ الزيارة: أن تزوره في مناسبات أفراحه وأتراحه, وأن تسلم عليه, وأن تصافحه, وأن تقدم له الهدية".
كما قال عليه الصلاة والسلام:
((تهادوا؛ إن الهدية تذهب وحر الصدر ))
هناك مشكلة بين أخين, هناك سوء تفاهم, فالإنسان يقدم هدية رمزية, هذه الهدية كما علمنا النبي:
(( تهادوا تحابوا ))
سيدنا عمر يقول: "ما أعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح, فإذا رأى أحدكم وداً من أخيه, فليتمسك به".
الإنسان قبل أن يسيء الظن بأحد عليه أن يتأكد :
قبل أن تقطع العلاقة, قبل أن تتصرف تصرفاً يبعده عنك, عد للمليون, هذا أخوك, وأنت قوي بأخيك, وضعيف وحدك, وإياك وسوء الظن, إياك أن تسيء الظن به, بلا مبرر أو بلا دليل.
مرة حدثني أخ, قال لي: عندي معمل حلويات, -قصة من حوالي خمسين سنة, توفي رحمه الله-, خبرت معمل زبدة أن يأتي لي بمئة باكيت, أحصيتهم, وجدت تسعاً وتسعين, -هكذا خطر في بالي-, جئت لمعطف أحد الموظفين, وجدت قالباً في جيبه, كأنه دليل قوي أن الموظف أخذ القالب, قال لي: هممت أن أعنفه, وأوبخه, وأطرده من العمل, قال لي: لماذا سكت لا أعلم, في اليوم الثاني, وأنا أحاسب المعمل, قال له: والله بعثنا لك مئة باكيت, صانعك اشترى واحداً, دفع ثمنه, أعطنا ثمن تسع وتسعين.
الإنسان قبل أن يسيء الظن, قد يكون خاطئاً، فعليه أن يتأكد.
في حياتي حالات تهمة كبيرة؛ لكن بعد التحقيق لا يوجد شيء, لا يوجد خطأ, وإن كان البيان يطرد الشيطان. فالقصد الإنسان قبل أن يتسرع, قبل أن يتهم, ينتبه.
مرة جاء إنسان ليشتري حاجة من محل, لم يشترها, غاب ساعة ورجع, قال: نسيت خمسة آلاف على الطاولة, لا يوجد خمسة آلاف, وكأنه اتهم المحاسب, أو الذي وراء الطاولة؛ وراء الطاولة رجل أمين, صادق, لا يوجد مشكلة أبداً, بعد حين زاروه في بلدته في الشمال, فأكرمهم إكراماً منقطع النظير لم يعهدوه من قبل منه, ثم قال لهم: والله أنا تسرعت, دفعت الخمسة آلاف لشخص, ونسيت أن أسجلها.
الإنسان عندما يفقد مبلغاً و يتهم إنساناً فهذه مشكلة كبيرة, ويُحاسب عليها، ومن أساء الظن بأخيه فكأنما أساء الظن بربه, ومن أكرم أخاه فكأنما أكرم ربه.
يقول عمر : "ما أعطي عبد بعد الإسلام خيراً من أخ صالح فإذا رأى أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به"
لأن تخسر الدنيا, وتربح أخاً في الله فأنت الرابح, ولأن تكسب الدنيا, وتخسر أخاً في الله فأنت الخاسر.
إذا كان هناك ود بينك وبين أخيك, حاول المستحيل أن تحافظ على هذا الود, لقيت جفاء؛ اسأل عن السبب, قدم اعتذاراً, زره في البيت.
زيارة المؤمن للمؤمن تولد المودة و التآخي :
ويقول عليه الصلاة والسلام:
((مثل المؤمن وأخيه كمثل الكفين تنقي إحداهما الأخرى))
وقال أنس بن مالك:
((كان -عليه الصلاة والسلام- إذا غاب الرجل عن المسجد ثلاثاً, سأل عنه؛ فإن كان مريضاً عاده, وإن كان مسافراً دعا له, وإن كان حاضراً زاره))
و من آخى أخاً في الله - الحد الأدنى واحد- فعليه أن يتفقد شؤونه, و إن غاب يسأل عنه, يتصل فيه هاتفياً, من حين لآخر يزوره, يتفقد أحواله الاجتماعية, أحواله النفسية, أحواله الدينية, فهذا النوع يعمل وداً كبيراً.
والنبي قال: "تآخيا اثنين اثنين".
اصطفِ من المسجد واحداً, واجعله أخوك في الله؛ زره ويزورك, انصحه وينصحك, خذ بيده ويأخذ بيدك.
وفي الخبر:
((ما زار رجل أخاه في الله شوقا إليه ، ورغبة في لقائه ، أو حبا للقائه ، إلا ناداه ملك من خلفه : ألا طبت ، وطابت لك))
مرة ثانية: أن تزور أخاك في الله, هذا عمل عظيم, هذا يُمكّن المجتمع.
مرة إنسان قال لي: أنا مستقر في بريطانيا, في مانشستر, وأنا طبيب, ومتفوق, ذكر لي أوضاعه المادية, شيء كثير, ولكنني أردت أن أعود إلى هذه البلدة, بدخل أقل من واحد من عشرين من دخله في بريطانيا, قال لي: السبب: في البناء في الطابق العاشر في مانشستر, رجل يسكن وحيداً, توفي, والدنيا شتاء, والبرد قارس, وآخر طابق, والبيت محكم, ومضى على وفاته ستة أشهر دون أن يعلم به أحد, لكن بعد تفسخ الجثة, أصبح هناك رائحة لا تحتمل, هذه لفتت النظر, وله ستة أولاد في لندن, ولم يخطر في بال واحد منهم أن يزور أباه مرة واحدة؛ مجتمع التدابر.
نحن الابن يجب أن يكون عند أبيه كل يوم, وعند والدته كل يوم, هذه الصلة تعمل وداً, تعمل تناسقاً اجتماعياً.
لذلك:
((ما زار رجل أخاه في الله شوقا إليه ، ورغبة في لقائه ، أو حبا للقائه ، إلا ناداه ملك من خلفه : ألا طبت ، وطابت لك))
3 ـ كفارة الذنوب والخطايا :
جاء في الخبر:
((ما من مسلمين التقيا فتصافحا إلا تساقطت ذنوبهما بينهما))
زرته, وبششت بوجهه, وصافحته بحرارة, تساقطت ذنوبكما.
كم عمل صالح الله عز وجل يكرمك عليه وينسيك خطاياك فيه؟
أيضاً:
((إذا نظر المؤمن إلى المؤمن, ففرحا ببعضهما, ناداهما ملك: استئنفا العمل فقد غفر الله لكما))
الله يحبنا أن نحب بعضنا و نتناصح.
4 ـ بركات النظر إليه للتقرب فيه فيداوي بذلك قلبه :
النية الرابعة: ينوي المؤمن بزيارة أخيه؛ بركات النظر إلى أخيه, للتقرب فيه, فيداوي بذلك قلبه، جاء في الخبر:
((إن الله جل ثناؤه, ليحاسب العبد يوم القيامة, فيُوقع عليه الحجة, فيؤمر به إلى النار, فيبقى العبد حيراناً, فيقول الله عز وجل: هل رأيت ولياً في دار الدنيا فأحببته لي؟ أو زرته من أجلي؟ أو أحبك ولياً من أوليائي؟ فأهبك اليوم له؟))
أن توالي ولياً في الله, أو أن تعادي عدواً في الله, أيضاً هذا عمل عظيم.
وقال ابن عباس: "أربعة أشياء النظر إليهما عبادة؛ نظر الأخ إلى أخيه في الله, والنظر في المصحف, والنظر إلى الكعبة....".
وقال الحسن البصري: "لقاء أخواننا في الله أحب من لقاء أهلينا وأولادنا؛ لأن أهلنا يذكروننا في الدنيا, وأخواننا يذكروننا بالآخرة".
تجلس مع أخ مؤمن, يتكلم خمس أو ست ساعات عن الله عز وجل لا تمل؛ أما الزوجة, والأولاد, والحاجات, والطعام, والشراب, واللباس, والقروض, فدائماً هناك نواح مادية, أما أخوك في الله فالعلاقة خالصة لوجه الله.
5 ـ أن يزوره ليعرض حاله عليه ويستنصحه في دينه :
أخ لك في الله كلما لقيك وعظك بالله, خير لك من أخ كلما لقيك وضع في كفك ديناراً.
الوعظ, والنصيحة, والدلالة على الله عز وجل, أبلغ من المساعدات المادية.
وفي حكمة آل داود: "ينبغي للعاقل أن يكون له أربع ساعات؛ ساعة يناجي فيها ربه, وساعة يحاسب فيها نفسه, وساعة يجلس مع أخوته الذين يذكرونه عيوب نفسه, وساعة يخلي بين نفسه وحظوظها من لذات الدنيا, فإن في هذه الساعة عوناً لتلك الساعات".
6 ـ التماس محبة الله وتصديق وعد الله :
النية السادسة: ينوي بزيارته التماس محبة الله, وتصديق وعد الله, الذي وعد للزائر العبد من عبيده, من فرط محبته له، فقد روي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((أن رجلاً زار أخاً له في قرية أخرى, فأرسل الله في مدرجته ملكاً, يقال: أين تريد؟ فقال: أردت أخاً لي في هذه القرية, فقال: هل بينك وبينه رحم تصلها, ولك عليه نعمة تَرُبُّها؟ قال: لا, إلا أنني أحببته في الله, فقال: إني رسول الله إليك, أحبك الله كما أحببته))
ملخص هذه القصص, والأحاديث, واللفتات إلى أن مجتمع المؤمنين مجتمعاً متماسكاً, واحداً, أسباب هذا التماسك الزيارة, فإذا زرت أخاك في الله, فأنت في عمل عظيم يرضي الله.