- التربية الإسلامية
- /
- ٠6علم القلوب
الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين.
المغفرة مقيدة لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى :
في كتاب الله جلّ جلاله بضعة آيات تؤكد حقيقة دقيقة وهي:
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾
قد يقول قائل: الله عز وجل غفور رحيم:
﴿نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
أكمل:
﴿وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ﴾
﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً﴾
﴿وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ﴾
فالمغفرة مقيدة؛ مقيدة لمن تاب, وآمن, وعمل صالحاً, ثم اهتدى, أما أن نفهم المغفرة فهماً ساذجاً؛ أن نفعل ما نشاء, ونعلق الآمال على مغفرة الله, فهذه سذاجة وجهل:
﴿وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى﴾
الله عز وجل غفور بعد التوبة والإيمان والعمل الصالح :
هناك آيات أخرى مشابهة:
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
بعد التوبة, والإيمان, والعمل الصالح:
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
فالإنسان إذا فهم كلام الله على غير ما أراد الله فقد ارتكب كبيرة.
وذكرت لكم من قبل: أن الله رتب المعاصي ترتيباً تصاعدياً؛ بدأ بالإثم والعدوان, والفحشاء والمنكر, ثم الشرك, ثم الكفر, وأعلى معصية:
﴿وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾
تضلل الإنسان, تقول له: ضعها في رقبتي, لا تخف, الله غفور رحيم؛ الله غفور رحيم بعد أن تتوب, وبعد أن تعمل عملاً صالحاً, وبعد أن تصلح الماضي:
﴿إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
هذه واحدة.
من لا يؤمن بالكون كمعجزة لن يؤمن إذا خرقت قوانينه :
الثانية: هناك مفارقة عجيبة، أصحاب سيدنا موسى الذين رأوا بأعينهم كيف أن البحر أصبح طريقاً يبساً, ورأوا بأعينهم كيف أن العصا أصبحت ثعباناً مبيناً, ورأوا بأعينهم كيف أن يد سيدنا موسى نزعها فإذا هي كوكب يضيء لمن حوله, فلما غاب عنهم هذا النبي الكريم، ماذا فعل السامري؟
﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾
هذه حقيقة؛ أن الذي لا يؤمن بالكون كمعجزة لوضعه الراهن, بقوانينه الطبيعية, بسننه الثابتة, لن يؤمن إذا خرقت هذه القوانين, فبنو إسرائيل رأوا هذه القوانين قد خرقت، فلما رأوا عجلاً جسداً له خوار:
﴿قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ﴾
الشيء المقابل: سحرة فرعون, بنو إسرائيل؛ ما فكروا, ما حاكموا, ما تبصروا, أما سحرة موسى فجاؤوا ليدحضوا الحق, جاؤوا ليكذبوا هذه المعجزة, لكنهم عندما فكروا وجدوا أن هذه العصا أصبحت ثعباناً مبيناً حقيقياً, وليست ألاعيب, وسحراً, ودجلاً, كما هم يفعلون:
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ﴾
العقل مناط التكليف :
العدو لما فكر آمن, والصديق لما عطل تفكيره كفر, معنى ذلك أن العقل مناط التكليف؛ الصديق, التابع, الصاحب, لما عطل فكره, ورأى القوانين وقد خرقت, -ولا تخرق إلا بمعجزة-, عبدوا العجل من بعد سيدنا موسى, والعدو اللدود, اللئيم, المبطل, الذي جاء ليطفىء نور الله عز وجل, لما حكَّم عقله آمن، فالسحرة آمنوا، وقال بعضهم: آمنوا إيمان الصدِّيقين:
﴿فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾
﴿قَالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَاباً وَأَبْقَى﴾
﴿قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا﴾
﴿إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى﴾
العقل أصل في الدين :
لذلك: تجد الملحد الذي يفكر إذا عرضت عليه الإسلام, وحاكم الأمر محاكمة موضوعية صحيحة يؤمن, ويسبق إنساناً ناشئاً في أسرة مسلمة, وفي جو إسلامي, لكنه منافق.
الإنسان عندما يكون مع نفسه صادقاً يصل إلى الله, أما إذا كان بانياً حياته على الكذب, لو عاش في جو إسلامي لا يستفيد.
الذين كانوا ملحدين وآمنوا, إيمانهم أضعاف مضاعفة عن هؤلاء الذين نشؤوا في جو ديني, لكنهم رفضوا الدين في داخلهم, وبقوا في خارجهم ينافقون.
فهذا المثل واضح: سحرة فرعون أصبحوا صدِّيقين, حينما كانوا صادقين مع أنفسهم, وأتباع سيدنا موسى -الذين هم محسوبون عليه- عبدوا العجل من بعد سيدنا موسى, لأنهم عطلوا تفكيرهم.
وذكرت لكم من قبل: سيدنا رسول الله لما أمّر أحد الصحابة على جماعة, وهذا الأمير كان ذا دعابة, وأمر بإضرام نار عظيمة, وقال: اقتحموها؛ ألست أميركم؟ أليست طاعتي طاعة رسول الله؟ تردد الصحابة في اقتحام النار, فقال بعضهم: إنما آمنا بالله فراراً منها, كيف نقتحمها!؟ وقال بعضهم الآخر: طاعة الأمير طاعة لرسول الله, فلما عرضوا الأمر على النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: والله! لو اقتحمتموها, لا زلتم فيها إلى يوم القيامة:
((إنما الطاعة في معروف))
العقل لا يعطل أبداً, والإنسان عندما يعطل عقله, عطل مناط التكليف, العقل أصل في الدين؛ لأن النص الذي أمامك كيف يثبت لك؟ عن طريق العقل.
العقل له دور قبل النقل, ودور بعد النقل؛ دوره قبل النقل إثبات صحة النقل, دوره بعد النقل فهم النقل, فالعقل أصل في الدين.
فهذه مفارقة عجيبة بين أتباع سيدنا موسى الذين عبدوا العجل من بعده, وبين سحرة فرعون الذين أصبحوا في مرتبة الصدّيقين, وقد أعملوا عقولهم, وكانوا مع أنفسهم صادقين.